في حين تهيمن مواضيع مثل التسيير الآلي والذكاء الاصطناعي وإعادة تدريب المهارات على النقاشات المتصلة بمستقبل الوظيفة والعمل، يتوقع البعض خسائراً فادحة في الوظائف ومستقبلاً رهيباً يشهد تهميش قطّاعات من العاملين غير المهرة العاطلين عن العمل. إلا أنه لا يشعر آخرين مثل تيم أوريللي مؤسس شركة "أورايلي ميديا" (O’Reilly Media)، أنّ الأمر يستدعي كل هذا القدر من التشاؤم، ويذكروننا بأننا شهدنا مثل هذا الوضع من قبل، وأنه عوضاً عن مجرد تحسين الكفاءة وتخفيض التكاليف، يمكن استخدام التكنولوجيا الناشئة من أجل زيادة عملنا وتحسين نوعية حياة المجتمعات البشرية بصورة عامة.
بغض النظر عن الرأي الذي سيغلب في نهاية المطاف، يتطلب خوض غمار المستقبل قوة عاملة قادرة على التأقلم مع تغيّر البيئة وظروف العمل واكتساب مهارات ضرورية للنجاح في المستقبل. ونحن نواجه قصوراً في هذا الجانب بالتحديد. ففي مسوحات العمالة الأميركية التي أجريناها في جمعية علم النفس الأميركية (American Psychological Association) برز التدريب والتطوير بصورة مستمرة كأحد المجالات التي يعبّر الموظفون خلالها عن الحد الأدنى من الرضا، بينما يأتي عدم توفّر فرص النمو والتقدم الوظيفي بعد الأجر المنخفض كمصدر للضغوط في مكان العمل.
وبينما شعر 87% من المبحوثين الذين أجابوا عن أسئلة استمارات التدريب والتطوير التي وزعتها جمعية علم النفس الأميركية بالثقة حيال مهاراتهم الوظيفية الحالية، وهم كانوا من بين 1,075 مبحوثاً في سنة 2017، فإنّ الشعور بالتفاؤل بشأن المستقبل كان أكثر هشاشة بين العاملين الأميركيين. وأعرب أكثر من شخص من كل أربعة عن القلق بشأن تغيّر طبيعة العمل. وقال 61% منهم: "أنّ صاحب العمل يساعدهم في تطوير مهاراتهم التقنية والشخصية/الأساسية التي سيحتاجونها في المستقبل". وقال نصف الموظفين: "يوفّر مستخدمهم فرصاً مناسبة للتقدم المهني داخل الشركة". وفي حين يقرّ الموظفون بأهمية مجاراة التطور في مجال الكفاءات الوظيفية خلص مسح حديث أجرته شركة "راندستاد الهولندية الاستشارية" (Randstad) إلى أنّ أكثر من ثلث الموظفين الأميركيين صرّحوا أنهم لم يفعلوا أي شيء لتطوير مهارات جديدة في السنة الماضية. وعلى الرغم من أنه من المنطقي توقع أن يحرص الموظفون على اكتساب أحدث المهارات الوظيفية ويسعوا بكل همة ونشاط إلى الاستفادة من فرص التدريب، لكنه من الواضح أنه لا يمكن أن تُلقى المسؤولية فقط على عاتق الأفراد.
ومع بدء تحليل نتائج مسحنا الأخير، توقعنا أن يكون دعم المشرف المسؤول أو المدير بمثل أهمية التدريب والتطوير. ولكن ما لم نتوقعه هو مدى قوة ذلك الرابط. وتعرّفنا كذلك على عدة مجالات أُخرى، حيث تحدث العاملون عن تباينات في الفرص المتاحة لهم.
دعم المدراء/المشرفين
قال 15% من الموظفين الذين لم يحصلوا على دعم وتشجيع مديرهم أو المشرف عليهم من أجل تطويرهم المهني، أنّ صاحب العمل يؤمّن لهم فرصاً لتطوير مهاراتهم التقنية التي سيحتاجونها في المستقبل، وقال 20% فقط أنّ صاحب العمل يوفّر التدريب في "المهارات الشخصية الأساسية" الضرورية، مثل العمل في إطار الفريق والتواصل. وأفاد 8% فقط أنهم حصلوا على فرصة تطوير مهارات القيادة والإدارة الضرورية. لكن هذه الأرقام قفزت إلى 75% وأعلى في حالة وجود مدير أو مشرف يوفّر الدعم للموظفين.
وبيّن المسح كذلك وجود رابط بين نقص الدعم الذي يقدمه المدير/المشرف المسؤول والنتائج المهمة التي تسجلها الشركة. إذ قال 48% فقط من العاملين الأميركيين الذين لم يحظوا بدعم مديرهم أنّ لديهم الحافز أو الاندفاع لبذل أفضل ما لديهم في العمل، وقال 39% أنهم يشعرون بالرضا من عملهم، وقال 16% أنّ شركتهم أو مؤسستهم تكنّ لهم التقدير. وقال 22% أنهم يمكن أن يصفوا مؤسستهم أنها توفّر بيئة عمل جيدة. وإذا لم تكن هذه الأرقام قادرة على دفع قادة الشركات إلى إيلاء اهتمام لما هو حاصل، فليأخذوا في الاعتبار أنه في غياب دعم المدراء/المشرفين، يقول أكثر من نصف العاملين الأميركيين أنهم لا يثقون بصاحب العمل وأنهم يعتزمون البحث عن عمل آخر خارج المؤسسة أو الشركة خلال السنة المقبلة.
بناء على هذه النتائج، قمنا بإلقاء نظرة عميقة على العناصر التي تُبنى عليها تصورات الدعم. فقد قال الموظفون أنهم يشعرون بالدعم من المدير/المشرف عليهم عندما يوفّرون له الفرصة لتطوير المهارات التقنية والإدارية والقيادية التي يعتقدون أنهم سيحتاجونها في المستقبل، وعندما يكون هناك توصية صريحة لأن يشاركوا في التدريب على المهارات المتصلة بعملهم وفعاليات التطوير المهني. أما فيما يتعلق بالحصول على دعم المشرفين، بلغ الفارق في القيمة المتوقعة لهذه العوامل 60%. أما توفّير الوقت المناسب والمتاح للمشاركة في فعاليات التطوير المهني والفرص الكافية للتطوير المهني الداخلي فكانت كذلك على صلة بتصورات الدعم الذي يوفّره المدراء.
النوع الجندري
تُظهر نتائج مسحنا كذلك أنّ بعض المجموعات لا تحظى بفرص الترقي والتطوير ذاتها مقارنة مع الآخرين. وتبدو الفروقات جلية عندما يتعلق الأمر بكيف يرى الرجال والنساء فرصهم في التدريب والتطوير المهني، حيث تُعتبر حصة النساء أسوأ من الرجال.
ويفيد كل من الرجال والنساء أنهم يمتلكون المهارات التقنية الضرورية لأداء عملهم الحالي ولكن قلة من النساء مقارنة مع الرجال بإمكانهم رؤية أنّ صاحب العمل يوفُر لهن فرصاً لتطوير مهاراتهن التقنية والشخصية/الأساسية والقيادية التي يحتجنها للمستقبل.
التعليم
تسلط نتائج المسح كذلك الضوء على الفجوات بين الموظفين سواء حملوا أو لم يحملوا شهادة جامعية. وقال تقريباً ثلاثة أرباع الموظفين ممن يحملون درجات جامعية أنّ مستخدمهم يقدّر التدريب والتطور الوظيفي، في حين قال 64% ممن ليست لديهم شهادة جامعية الأمر ذاته. أما فيما يتعلق بالمهارات التقنية التي سيحتاجها الموظفون في المستقبل، فقال 72% من حملة الشهادات الجامعية أنّ مستخدمهم يوفّر الفرص للتدريب والتطوير، مقابل 50% ممن لا يحملون شهادة جامعية.
نوع العمل
بالمثل، نرى اختلافات مبنية على الموقع الذي يشغله الناس في التراتبية الوظيفية. ففي مسح أُجري في فترة سابقة، ومقارنة مع موظفي الخطوط الأولى في الشركة، كان الأرجح أن يقول القادة الكبار أنهم راضون عن فرص الترقي والتطوير المتاحة لهم وأنهم يشاركون بصورة منتظمة في فعاليات التدريب وأنّ لديهم ما يكفي من الفرص من أجل التقدم الوظيفي داخل المؤسسة أو الشركة.
واستناداً إلى نتائج مسحنا وما نعرفه من الفيزيولوجيا، نورد في ما يلي بعض النصائح لخلق بيئة عمل تعد الموظفين والشركة أو المؤسسة لمواجهة التحديات المقبلة:
حدّد التوقعات من الموظفين
اجعل التدريب على المهارات الوظيفية والتطوير المهني جزءاً من العمل. وحاول إدراجه ضمن الوصف الوظيفي وحاول الإيضاح للموظفين أنّ تفوقهم في العمل والاستعداد للمستقبل هو جزء من عملهم واجعله جزءاً من التقييم الدوري للأداء.
حدد التوقعات من المدراء/المشرفين
اجعل تطوير الموظفين جزءاً من المواصفات الوظيفية لكل مدير ودرّب المدراء على كيفية العمل بفعالية مع الموظفين من أجل تحديد أهداف تدريبية وتطويرية، ومتابعة التقدم وإعطاء الرأي. وقيّم المدراء على أساس مدى نجاحهم في تطوير موظفيهم.
خصص الوقت اللازم
يقول فقط نصف الأميركيين تقريباً أنّ لديهم الوقت المناسب المتاح للمشاركة في فعالية التطوير المهني. خصص الوقت خلال ساعات العمل الاعتيادية من أجل التدريب والتطوير فلا يضطر الموظفون لإهمال واجباتهم الوظيفية الأُخرى، وخصص ساعات إضافية أو استخدم الوقت خارج العمل للإعداد للمستقبل. اجعل فعاليات التدريب والتطوير متناسبة مع حجم ووتيرة عمل الموظفين بحيث لا يُطلب من الموظفين القيام بأعمال غير أساسية في حين أنهم يعانون من ضغط الوقت.
ركّز على التدريب والتطوير
وفّر التدريب لمهارات على صلة لصيقة بالعمل وكذلك فعاليات للتطوير تساعد الموظفين على الترقي داخل الشركة أو المؤسسة أو تتعلق بأهداف مهنتهم الأوسع. وحاول إشراك الموظفين في عملية تحديد المعارف والمهارات والكفاءات التي يحتاجونها في المديين القصير والطويل، واجعل جهود التدريب والتطوير متسقة مع أهداف الشركة أو المؤسسة الأوسع.
وفّر الفرص للممارسة
من أجل توكيد المعارف والمهارات المكتسبة خلال التدريب، يحتاج الموظفون إلى تطبيقها في عملهم. في المسح الذي أجريناه، قال فقط 58% من العاملين الأميركيين أنّ مستخدمهم يعطيهم الفرصة ليفعلوا ذلك وهذا يعني أنّ الموارد المستثمرة في التدريب تُبدّد في أكثر الأحيان.
كافئ وهنئ الموظفين على مشاركتهم في التدريب والتطوير.
قم ببناء مؤسسة مقبلة على التعلم والمعرفة، حيث يلتزم الناس بالتعليم والتطوير المستمر من خلال تعزيز السلوكيات التي تريد أن تراها لدى الموظفين والمدراء. أغدق الثناء علناً على الموظفين الذين يلتمسون فرص التدريب واحتف بمن يحصلون على شهادات أو إجازات جديدة. سلط الضوء على المدراء الذين يبذلون جهداً من أجل تطوير مهارات موظفيهم ويساهمون في دفع المؤسسة إلى الأمام.
تخلص من التباينات
لا تفترض أنّ آراء كبار المدراء في شركتك بشأن برامج التدريب تعكس آراء قاعدة الموظفين. احرص على أن يحصل الناس في كل مستويات المؤسسة على فرص التطوير التي تلبي احتياجاتهم. علاوة على ذلك، ضع في اعتبارك تنوع العاملين في شركتك عندما تصمم وتطور وتطبق وتقيّم جهودك، واحرص على حصول جميع الموظفين على الموارد التي يحتاجونها للنجاح.
في حين لا يزال مستقبل العمل ومستقبل الوظائف غامضاً، يُعتبر الأمر المؤكد هو أنّ التأقلم مع بيئة سريعة التغيير يتطلب منهجاً استراتيجياً للتدريب والتطوير. إنه الطريقة المثلى للتأكد من أنّ الموظفين يمكنهم رؤية ما هو ممكن وأن يسعوا لحل المشكلات التي استعصت عليهم في السابق وينجزوا العمل الذي يعد بمستقبل زاهر.