هل تعد الجامعات طلابها بما يكفي للعمل بصورة مستقلة ضمن اقتصاد العمل الحر؟ وكيف يمكن إعداد الطلاب للعمل الحر؟ سينضم خريجو الجامعات اليوم إلى قوة عاملة يشكل اقتصاد العمل الحر منها ما يقدر بنسبة 30-40% في الولايات المتحدة، وهذا يشمل المستشارين والمتعاقدين المستقلين ومن يعملون لحسابهم الخاص والمتعاقدين المستقلين بدوام جزئي والموظفين حسب الطلب. كما أنهم يواجهون اقتصاداً تنمو فيه ترتيبات العمل البديلة بسرعة أكبر من سرعة نمو الوظائف التقليدية بدوام كامل، ولا يتوقع منها إلا أن تستمر بالنمو أكثر. وأحد الأمثلة على التحول السريع للقوة العاملة في الشركات هو ما تقوله الأخبار الجديدة عن أن أغلبية القوة العاملة لدى شركة جوجل مؤلفة من عاملين مستقلين ومؤقتين وليس موظفين بدوام كامل.
كيفية إعداد الطلاب للعمل الحر
وعلى الرغم من هذه التغيرات في طريقة عملنا، لم تقم الجامعات بعد بدمج دراسة اقتصاد العمل الحر أو ممارسته في مناهجها أو خدماتها المهنية، وإنما تستمر في تعليم الطلاب وإعدادهم ليصبحوا موظفين بدوام كامل. وهذا الأسلوب لا يخدم الطلاب، فهم سيتخرجون وهم غير مستعدين ولا مهيئين بما يكفي للنجاح كعاملين مستقلين. ولذلك، يمكن للجامعات اتخاذ ثلاث خطوات مهمة من أجل إعداد الطلاب للقوة العاملة التي سيدخلونها بعد تخرجهم، وهي:
اقرأ أيضاً: إدارة الأداء في اقتصاد العمل الحر
تعليم المهارات الأساسية اللازمة للعمل المستقل
كنت على مدى الأعوام السبعة الماضية أعمل في كلية بوسطن على إنشاء وتدريس مادة في شهادة ماجستير إدارة الأعمال (MBA)، هي الأولى في البلاد حول اقتصاد العمل الحر. وعلى حدّ علمي، هي المادة الوحيدة من نوعها، ويجب أن يتغير ذلك. إذ يمكن تعلم كثير من المهارات اللازمة لنجاح العمل المستقل، كطريقة إنشاء كيان تجاري، وطريقة إدارة مكتب خلفي صغير وطريقة التفاوض على الأسعار وعقود الاستشارة وطريقة تطوير استراتيجية تسويق وترويج للعلامة التجارية وتنفيذها. ويمكن إعادة صياغة هذه المهارات الأساسية التي يتم تعليمها في كليات الأعمال لتناسب العمل المستقل وإدارة المشاريع من أجل بناء مجموعة من الأعمال المستقلة.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: كيف أفاضل بين العمل الحر والعمل في شركة تمنح الامتيازات؟
وقد تعلم طلابي هذه المهارات ومضوا لإجراء تغييرات كبيرة في طريقة عملهم. وأنا أتلقى رسائل إلكترونية من بعضهم بعد تخرجهم بأشهر أو سنوات، يخبرونني فيها أنهم بدؤوا أعمالاً مستقلة جانبية سعياً للعمل فيما يحبون، ثم استقالوا من وظائفهم التقليدية وأنشؤوا شركاتهم التجارية أو الاستشارية الصغيرة وانتقلوا إلى مواقع جديدة أو أنهم يسافرون حول العالم ويعملون عن بعد. كما يعبرون لي عن امتنانهم لقدرتهم على ممارسة العمل الذي يختارونه والعيش قريباً من عائلاتهم أو في الأماكن التي يحبونها، وأنهم ليسوا مضطرين للتنقل بين المنزل ومكتب ما. وحتى الذين يختارون الاستمرار في وظيفة تقليدية بدوام كامل يخبرونني أنهم يشعرون أنهم أكثر استعداداً للعمل المستقل إذا احتاجوا إليه أو قرروا الانتقال إليه يوماً ما في المستقبل. ما هذا إلا وصف لنتائج مادة دراسية واحدة، ولكنها تبين أثر تعليم مهارات إدارة المشاريع الأساسية على حياة الطلاب المهنية والشخصية.
توسيع الخدمات المهنية لتشمل تقديم فرص أعمال مستقلة
تركز الخدمات المهنية الجامعية على وضع كل طالب في وظيفة بدوام كامل تناسبه، وهي حتى الآن تتجاهل ارتفاع نسبة العمل المستقل وأهميته في اقتصاد العمل الحر. وأنا أتعاقد بانتظام مع متعاقدين مستقلين لمساعدتي في مشاريع تشمل البحث والكتابة والتحرير، فضلاً عن التسويق ووسائل التواصل الاجتماعي. وأنشر فرص العمل هذه على مجموعة من المنصات الإلكترونية، بما فيها "أب وورك" (Upwork) و"كريغزليست" (Craigslist) و"لينكد إن" (LinkedIn). ولكن الخدمات المهنية في الجامعات هي أقل الجهات تلقياً لهذه الفرص، فهي محتجزة ضمن عقلية تقول أن الخبرة العملية تتمثل بالعمل في وظيفة بدوام كامل، ولا تقدم الكثير لمساعدة الطلاب في إعداد ملف للأعمال المنجزة أثناء الصيف أو لمساعدتهم على استلام أعمال مستقلة جانبية أثناء العام الدراسي. يجب على الخدمات المهنية مساعدة الطلاب على نحو أفضل لإيجاد عمل، وليس وظيفة فقط.
اقرأ أيضاً: اجعل للعمل معنى بالنسبة للعاملين المستقلين أيضاً
ولكن، هناك بوادر تنبئ ببدء التغيير. على سبيل المثال، بدأت جامعة تكساس في أوستن وخدمات ويليسلي المهنية بتعليم الطلاب عن اقتصاد العمل الحر. وتستخدم كلية ديبول للموسيقى (The DePaul School of Music) تطبيقاً ذكياً خاصاً بالطلاب يدعى "ذا غيغ كونكشن" (الاتصال بالعمل الحر) (The Gig Connection) لمساعدة الطلاب في العثور على عمل حر في شيكاغو، كما طورت جامعة بوسطن لوحة الوظائف السريعة التي تضم فرصاً لأعمال قصيرة الأجل تتراوح بين كنس أوراق الشجر والمساعدة في دراسات البحث الطبي وإنشاء موقع إلكتروني. إن هذه المنصات والتطبيقات، المخصصة لمساعدة الطلاب في العثور على مشاريع قصيرة الأجل ومهمات وأعمال مستقلة، لا تزال نادرة. ولكن الموجود منها يبين أن مستقبل الخدمات المهنية سيكون شبيهاً بها.
تعليم الطلاب ما تمارسه
ومن المفارقات الغريبة أن الجامعات تشارك بنشاط وحماس في اقتصاد العمل الحر، إلا أنها لا تهيئ طلابها إلا للعمل كموظفين تقليديين في وظائف بدوام كامل. يجب على الجامعات أن توجه المرآة على نفسها كي ترى عالم العمل الذي يجب أن يستعد طلابها لدخوله. فنماذج عملها وممارساتها تشكل دراسة حالة حول طريقة تغيير الموظفين لعملهم وللقوة العاملة التي ينتمون إليها.
تعتمد الجامعات على المتعاقدين المستقلين
لقد بنت الجامعات بالفعل قوة عاملة مختلطة ومرنة، كما هو الحال في شركة جوجل، وهي مكونة من عدد أكبر من الموظفين المستقلين وعدد أقلّ من الموظفين بدوام كامل. ويتجلى ذلك بوضوح كبير في زيادة المحاضرين المساعدين الذين يشكلون نسبة 50% أو أكثر من الكادر التدريسي في كثير من الجامعات. وإذا شاركت الجامعات في موجة توظيف عدد كبير من العاملين المستقلين، فيتعين عليها إعداد طلابها لهذا المستقبل أيضاً.
لدى معظم الأساتذة أعمال مستقلة جانبية
تتوقع الجامعات من أساتذتها الثابتين الذين يعملون بدوام كامل، وتسمح لهم، القيام بأعمال مستقلة جانبية كالعمل في الاستشارات والأبحاث مدفوعة الأجر واستلام مناصب في مجالس الإدارة وإلقاء الخطابات من أجل رفع علاماتهم التجارية وزيادة دخلهم. ويعتبر "رائد الأعمال الثابت" الذي يسارع إلى عمله الجانبي أمراً طبيعياً في الهيئة التدريسية في الجامعة وليس استثناء. حتى أنه يشيع بين أساتذة الفنون المتحررة في اللغة الإنكليزية والتاريخ مثلاً، أعمال حرة جانبية مدفوعة الأجر كتأليف الكتب والمشاركة في مجلات أدبية وشعبية وإلقاء الخطابات.
ومع ذلك، ليست هذه القاعدة لدى الطلاب، فكثير منهم يتخرجون من الجامعة مع وصفة لا مع مجموعة أعمال منجزة. وستشكل الأعمال المستقلة الجانبية أثناء العام الدراسي، سواء كانت مطلوبة كمادة منفصلة أو جزءاً من مادة موجودة، سبيلاً ليختبر الطلاب مجموعة من الأعمال ويكتسبوا مهارات ملموسة وخبرة عملية.
تنتقل الجامعات نحو العمل على الإنترنت
تفصل الجامعات الحاجة إلى الحضور في بناء الجامعة عن القدرة على تحصيل شهادات ودرجات علمية. والمنتج الجديد الأسرع نمواً في التعليم العالي هو الدروس والبرامج التي تعطى على الإنترنت والتي تتيح للطلاب التعلم عن بعد في المكان والزمان الذي يختارونه. وتحفز الحاجة ذاتها إلى التحكم والمرونة نمو العمل المستقل عن بعد، ويجب أن تنعكس على الفرص التي تقدمها الخدمات المهنية في الجامعات للطلاب والتي تجسدها الجامعة لطلابها من خلال عملية التوظيف لديها.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد المستقل يجعل السلع أرخص... لماذا إذن لا نشعر بهذا؟
وفي نهاية الحديث عن إعداد الطلاب للعمل الحر، يزعزع اقتصاد العمل الحر طريقة الشركات في العمل والتوظيف. والآن، يختار قادة الشركات على نحو متزايد العمل مع المتعاقدين والمستشارين المستقلين والعاملين لحسابهم الخاص حسب الحاجة، بدلاً من إنشاء وظائف بدوام كامل يشغلها موظفون بدوام كامل. ومن أجل تحقيق النجاح، يجب أن يتعلم الطلاب العمل لحسابهم الخاص، وإدارة المشاريع وإدارة الشركات الصغيرة، لأن هذا ما يمثل كل واحد منا على نحو متزايد وهو ما سنفعله في مرحلة من مراحل حياتنا المهنية على الأقل. وإذا قامت الجامعات بتعليم طلابها ما تمارسه هي بالفعل، فستعد خريجيها على نحو أفضل بكثير للانضمام إلى القوة العاملة الحالية التي يزداد استقلالها يوماً بعد يوم، وليس لوظائف الأمس التقليدية.
اقرأ أيضاً: كيفية اختيار الموظف المستقل للعمل