لا يرى أغلب المدراء مفهوم "تصميم المؤسسة" كما يجب أن يروه، حيث تجدهم منهمكين في العمل ولا وقت لديهم لتحسين تصميم المؤسسة. إذ يتجنب هؤلاء المدراء القيام بإعادة ضبط عمل مؤسساتهم لتنفيذ استراتيجياتها نظراً لكونه عملاً شائكاً ومعقداً. بدلاً من ذلك، يقومون بنقل المهام من قسم إلى قسم، أو يقومون باستخدام موارد أتى بها مدير تنفيذي متحمس، أو يقومون بالعمل على تخفيض التكاليف في كل المجالات، أو التركيز على إيصال رسائل أكثر شمولية، أو تعيين قادة أقوى في الأقسام المضطربة.
تعد كل الأمور السابقة إصلاحات سطحية وحلول مزيفة تضر أكثر من قدرتها على النفع، وهو ما يشكل الأخطاء التي يقع فيها أغلب المدراء عندما يقومون بإعادة التنظيم. بحسب دراسة لماكنزي، تشكل نسب نجاح جهود إعادة التصميم المؤسساتي أقل من 25%، وذلك نظراً لأنه من الشائع انتهاء الحماسة الكامنة وراء جهود إعادة التنظيم قبل اكتمال العملية، أو فشل عملية التنظيم في إنشاء التحسينات المرغوبة.
يعود السبب في تلك الإحصاءات المنخفضة إلى عدم رؤية المدراء لواقع أنّ إعادة تصميم المؤسسة هي عملية مستمرة، كما يجب أن يكون أمراً حيوياً تعيشه وتتنفسه المؤسسة نظراً لأنه يجب تحسين وصقل أية مؤسسة بشكل مستمر.
يمكن أن تؤدي إعادة التصميم الجيدة للمؤسسة إلى تحسين حالتها وتطوير موظفيها. كما يجب أن يكون الدافع وراءه الرغبة في تحقيق فوائد محددة، والجمع بين من يؤدون ذات المهام، وتحسين عملية صنع القرار عبر ضمان انسياب المعلومات بسهولة ضمن أرجاء المؤسسة، وتقديم صلاحيات أكبر للموظفين من خلال إعادة تشكيل سلوكياتهم وتحفيزهم للأداء والمساهمة وفقاً لما تحتاجه المؤسسة.
تميل المؤسسات الناجحة، بحسب خبرتي، إلى القيام بخمسة أمور تضمن لها عملية إعادة تصميم ناجحة:
التنظيم حول ميزة تنافسية. على المؤسسات الإجابة عن الأسئلة الحرجة المتعلقة بهويتها على غرار "ما يميزنا؟ ما هي أسواقنا؟ ومن هم عملاؤنا؟" قد يبدو هذا أمراً بديهياً، إلا أنّ هذه الأسئلة لا تُطرح في الأساس. وعلى المؤسسات أن تكتشف مواطن قصورها إن أرادت ألا ينتهي بها المطاف عالقة بالبيروقراطية والثقافات التي تعيق الأداء بدلاً من تمكينه. إذا كانت ميزتك التنافسية الاستجابة أو السرعة، قم ببناء المؤسسة للقيام بذلك على أكمل وجه. أما إذا كانت تتعلق بالجودة والخدمة، يتوجب عليك تطوير الجوانب التي تحقق هذا. إذ سيؤدي تحديدك الدقيق لهوية المؤسسة إلى وضع تصميم جيد لها.
إنشاء حدود واضحة بين العمل التنافسي والضروري. يجب تنظيم العمل التنافسي (العمل الذي يقود أو يدعم أو يساعد على المنافسة) بشكل يكون أكثر فعالية وجودة. يمثل العمل التنافسي ميزتك وما أنت قادر على القيام به أفضل من أية جهة أخرى.
أما العمل الضروري فهو يمثل المهام التقليدية التي تقوم بها كل المؤسسات مهما كان نوعها، وهو ما عليك تنظيمه لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة. تحدث المشاكل عندما لا يكون هناك حدود واضحة بين العمل التنافسي والضروري. في بعض الأحيان، قد تؤدي الطبيعة اليومية العاجلة للأعمال الضرورية إلى فقدان التركيز الاستراتيجي على الأعمال التنافسية. لمنع هذا من الحدوث، حاول إنشاء الحدود الواضحة بحسب المناطق الجغرافية أو الوظائف أو شرائح العملاء أو الخدمات أو خطوط الأعمال أو حتى مزيج مما سبق. يجب أن تكون هذه الخيارات ناتجة عن المتطلبات الاستراتيجية المشار إليها أعلاه.
يؤدي إنشاءك لحدود واضحة إلى حدوث تنسيق سلس داخل تلك المجموعات. كما أنه يعمّق أيضاً الخبرات ويحسن تنفيذ مجموعة محددة من الأنشطة. يكمن التحدي في تحديد آلية التنسيق بين هذه المجموعات أثناء وضع الحدود، بالتالي، يتوجب عليك العمل عليه والتخطيط له بشكل كاف لتحقق الفائدة المرجوة من تلك الحدود في المقام الأول.
التركيز على الروابط بين الأقسام. تكمن قدرة المؤسسة على المنافسة الحقيقية في التناغم بين عمل الأقسام فيما بينها، لا أداء كل قسم لوحده. على سبيل المثال، تقع الخدمة التي تقدمها المؤسسة ضمن عمل أقسام المبيعات وخدمة العملاء وسلسلة التوريد. كما يقع ابتكار المنتجات ضمن عمل أقسام البحث والتطوير والتسويق وبحوث السوق. قد يكون هذا أمراً بديهياً، لكن يجب أن يكون هناك عمل كبير ومتصل بشكل وثيق بين هذه الأقسام كي يكون التنسيق والتناغم بينها في حده الأقصى.
تساعد خيارات التصميم المختلفة على غرار عمليات المؤسسة الأساسية المتكررة، والتكنولوجيا ومنصات مشاركة المعلومات، والفرق العابرة للأقسام من الأمور التي تساعد على خلق روابط متناغمة بين أقسام المؤسسة. أما التسلسل الهرمي، فهو مجرد وسيلة لربط المهام المتكاملة رأسياً، (وهو للأسف الشيء الوحيد الذي يتغير عندما يعمل الناس على تغيير مخطط المؤسسة). يحب إنشاء أدوار تُشرك عدة أقسام في نفس الوقت، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكل وسيلة فعالة لربط العمل، وذلك نظراً لأن بناء الروابط الفعالة يمثل أحد أقوى السبل لضمان نجاح التغييرات التنظيمية.
توزيع صلاحيات اتخاذ القرار. يمكن أن تساعد الطريقة التي يتم فيها توزيع صلاحيات اتخاذ القرار على جذب السلوكيات المرغوبة وتلافي تلك السلبية، حيث تساعد الآلية الجيدة لاتخاذ القرار على توضيح التوقعات أمام الجميع تجاه مسؤولياتهم والعواقب، إلا أنّ أغلب جهود إعادة التنظيم لا تتطرق إلى ذلك للأسف. من المهم جداً لكيفية عمل المؤسسة تحديد هياكل السلطة والأدوار والعمليات التي تدار بها الجوانب الهامة فيها، علاوة على وضع استراتيجية لمعرفة كيف يتم تحديد الأولويات وتخصيص الموارد، وقياس الأداء. يشمل ما سبق أيضاً التخطيط وإنشاء آلية الربح والخسارة والميزانيات، وإدارة المحافظ الخاصة بالمنتجات، والعملاء، والمواهب، والعمليات المالية واستراتيجية طويلة الأجل للحصول على نتائج.
قد يكون ما سبق أمراً شاقاً، إلا أنه من المهم معرفة أنّ أية عملية إعادة تنظيم ستحقق نجاحاً ساحقاً. على عملية تصميم المؤسسة أن تضع آلية واضحة تجاه اتخاذ القرارات والمخطط الواجب على الآخرين اتباعه، وهو الأمر الذي سيعطي مساراً واضحاً للأعمال، ما يجعل من جميع الأقسام قادرة على العمل بطريقة منسّقة وتنفيذ الاستراتيجية ورصدها بشكل مناسب. سيؤدي فشلك في إصلاح هذا إلى تراجع أداء المؤسسة وحدوث مشاكل متعلقة بالصلاحيات والإخفاق في تحقيق الأهداف المرسومة.
صمم أدواراً واضحة وذات مغزى. من الشائع في المؤسسات أن يجيب العاملون على سؤال: "ما طبيعة عملك هنا؟" بإجابة على غرار، "حسناً، هناك ما يقوله توصيفي الوظيفي، وهناك ما أفعله كل يوم". يجب صياغة التوصيف الوظيفي بشكل دقيق، كما هو الحال مع المؤسسة بأكملها، ويجب ألا يدور حول تفضيلات شخصية أو صفات، بل حول العمل اللازم والنتائج المرجوة.
عندما تنمو مؤسسة ما يحدث ما يمكننا تسميته باسم "الانقسام الخيطي" وهو انقسام الأعمال بنفس طريقة الانقسام الخيطي لدى الخلايا البشرية (وفيه تنقسم الخلية البشرية إلى خليتين متطابقتين تماماً). يمثل هذا الانقسام أحد أسوأ الطرق لتوسعة نطاق المؤسسة وذلك نظراً لأنه يؤدي إلى إنشاء مهام مكررة مكلفة ووظائف تُضعف نشاط العالمين، حيث قد يرى بعضهم وظيفته مملة وضيقة الأفق، وقد يجد البعض الآخر نفسه يقوم بمهام متعددة غير متصلة بصميم عمله. كما قد تقوم مؤسسات في بعض الحالات بتطويع العمل ليتناسب مع قدرات الموظف، وهو ما يعني القبول بما يمكنه القيام به، والاستغناء عما لا يمكنه أداءه.
ينبغي تصميم الأدوار بشكل واسع النطاق لكي يشعر الموظفون بالتحدي والرضا تجاه أي إنجاز يحققونه، حيث سيؤدي هذا إلى المحافظة على مهارات الموظفين وإشعارهم بأنهم يتطورون ومرتاحون في العمل. كما أنه يتيح مجالاً للمؤسسة للمناورة وهو ما سيعد أمراً مفيداً عندما تكون المؤسسة جاهزة لإعطاء صلاحيات قيادية أكبر لبعض موظفيها.
يتوجب عليك تصميم مؤسستك بطريقة يمكنها تحقيق ما ترجوه منها مستخدماً الطرق الموجودة أعلاه. ويعود ذلك إلى أنه عندما ستقوم بوضع مهام جديدة من دون إيجاد الأشخاص المناسبين للقيام بذلك، ستكون قد أنشأت تصميماً يتجاوز قدرة من لديك على تنفيذه بالفعل، حيث من الصعب إيجاد أولئك الذين يملكون القدرة على ملء شواغر مستحيلة. بالتالي، على تصميمك أن يكون متوازناً وقادراً على العمل ضمن ظروف حقيقية، ولا يعني هذا تقديم تنازلات، أو الاستسهال أو قبول مواهب متواضعة للعمل لديك، بل يعني امتلاك التوازن بين ما تطمح إليه وما لديك بالفعل. كحل أمثل، صمم حالتك المثالية، ثم عدلها بحسب ما هو متوفر لديك.
يتطلب تصميم المؤسسة الأمثل عملاً شاقاً وتضحية والمفاضلة بين أمور كثيرة. على التصميم أن يكون متوافقاً مع واقع المؤسسة وواقع الحياة نفسها، إلا أنّ التصميم المدروس في الوقت ذاته سيؤدي إلى جلب أرباح كبيرة ويساعد المؤسسة على تجنب انضمامها إلى قوائم المؤسسات التي فشلت.