3 توجهات سلوكية ستعيد تشكيل عالم ما بعد كوفيد

5 دقائق
عالم ما بعد كوفيد

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن عالم ما بعد كوفيد 19 تحديداً. غالباً ما تكون عادات تسوق المستهلكين في متاجر البقالة الكبيرة "السوبر ماركت" ثابتة بطيئة التغير. وإذا ما طرأ تغير كبير على عادات الناس في شراء الأغذية والمشروبات، فغالباً ما يكون نتيجة حدث مهم في حياتهم، كولادة طفل في العائلة أو الانتقال إلى مدينة جديدة أو تغيير الوظيفة.

وبالطبع، فإن أزمة "كوفيد-19" تغير حياة الجميع دفعة واحدة، وكل من ذهب إلى متجر بقالة مؤخراً شهد تأثير الصدمة الذي يجتاح القطاع بأم عينه. ففي أسبوع واحد من شهر مارس/آذار، ارتفعت مبيعات متاجر البقالة في الولايات المتحدة بنحو 77% عن مبيعات العام الماضي، في حين تراجعت مبيعات المطاعم بنحو 66%. وفي أواخر شهر أبريل/نيسان، كانت مبيعات البقالة لا تزال أعلى من معدلها بنحو 8%، بينما بلغت نسبة تراجع مبيعات المطاعم 48%.

والآن، مع استعداد الشركات في معظم الولايات الأميركية للعودة إلى العمل، يتساءل الجميع عن عالم ما بعد كوفيد وشكل العادات الجديدة فيما يتعلق بالتسوق والطبخ والأكل.

في عام 2017، كتبتُ عن تراجع نسبة المستهلكين الخارقين، الذين يحبون الطبخ ويطبخون كثيراً، بنحو الثلث على مدى 20 عاماً، لتبلغ نسبتهم 10% فقط من السكان في الولايات المتحدة. وقلت حينها أن عادة الطبخ تمر بتغير شبيه بالتغير الذي مرت به عادة الخياطة، فقد كانت عادة يمارسها الجميع تقريباً، إلا أنها تغيرت لتصبح هواية يستمتع البعض بممارستها.

إلا أنه مع التزام الملايين بالبقاء في منازلهم، يبدو أن ذلك يتغير. فقد أجرت شركة الاتصالات التسويقية للأغذية والمشروبات، "هنتر" (Hunter)، دراسة قالت فيها إن 54% من الأميركيين يقومون بالطبخ أكثر مما اعتادوا عليه قبل الجائحة، ويقول 35% من الأميركيين إنهم "يستمتعون بالطبخ الآن أكثر من أي وقت مضى". إذا ازداد عدد المتحمسين للطبخ ثلاثة أضعاف وثبتت نسبتهم، فستترتب بعض العواقب على هذا التغير.

احتمال هذا التصور ضعيف، لكن من المحتمل أن تشمل العادات الجديدة انتقالاً إلى تناول الطعام في المنزل بصورة أكبر، وهذا يشمل الزيادة في الطبخ وشراء البقالة، والزيادة في شراء الأطعمة أو طلب توصيلها إلى المنزل. لكن الحقيقة المفاجئة هي أن قطاع الأغذية والمشروبات له تأثير ضئيل نسبياً في تشكيل هذا المستقبل.

لدينا تحديداً ثلاثة عوامل غير مرتبطة بالطعام مباشرة ستؤثر في مستقبل التسوق في متاجر البقالة، وغيرها من القطاعات أيضاً.

العمل من المنزل

العامل الأول هو عدد الموظفين القادرين على العمل من المنزل، والذين يعملون فعلاً من المنزل بصورة دائمة. فالطبخ مرتبط بالوقت الذي يمضيه الشخص في المنزل، وعلى الأرجح سيزيد العمل من المنزل بصورة دائمة في عالم ما بعد كوفيد. إذ قالت شركة "جوجل" إنه بإمكان أغلب موظفيها العمل من المنزل حتى عام 2021. كما قال الرئيس التنفيذي في شركة "تويتر"، جاك دورسي، للموظفين أنهم يستطيعون العمل من منازلهم بصورة دائمة، حتى بعد انتهاء جائحة كوفيد. ووفقاً لمكتب التعداد السكاني الأميركي ، كان قرابة 5% من الموظفين الأميركيين يعملون من منازلهم في عام 2017، علماً أن نسبتهم كانت تبلغ 3% فقط في عام 2000. كما أشار مكتب إحصاءات العمل إلى أنه في عام 2018 كان لدى 29% من الموظفين الخيار والإمكانية للعمل من المنزل. إن كلا الرقمين سيزدادان بالتأكيد نتيجة للأسابيع الطويلة التي اضطر معظم المهنيين أثناءها للعثور على طرق لإنجاز أعمالهم بعيداً عن مكاتبهم.

كم ستبلغ هذه الزيادة؟ سيدخل في تحديد حجم الزيادة عاملان أساسيان، وهما ما يمكن أن تجنيه الشركات من زيادة العمل من المنزل، وما يريده الموظفون. يشير استطلاع لآراء رؤساء الشؤون المالية إلى أنهم يخططون لنقل 20% من موظفيهم إلى العمل عن بعد بهدف توفير التكاليف. وهذا يبدو مرجحاً، إذ إنه ينقل جزءاً لا بأس به من تكاليف الشركات من التكاليف الثابتة (كعقود الإيجار لمدة 10 أعوام) إلى التكاليف المتغيرة بنسبة أكبر (كتعويضات الموظفين). ووفقاً لدراسة أجرتها مجموعة كامبريدج حول المستهلك في زمن الجائحة، فإن 44% من الأميركيين هم من النماذج شديدة القلق ويتخذون إجراءات أكثر صرامة للتباعد الاجتماعي. يشير متوسط النسبتين السابقتين إلى احتمال أن يعمل 20 -30% من الموظفين من المنزل لفترة طويلة، وقد ارتفعت هذه النسبة بمقدار 4 إلى 6 أضعاف عما كانت عليه منذ عدة أعوام مضت.

جدير بالذكر أن هذه الهجرة الجماعية نحو العمل من المنزل ستكون مركزة جداً بين الموظفين ذوي الدخل العالي الذين يعيشون في المناطق الجغرافية ذات الدخل العالي. فقد كان خيار العمل من المنزل متاحاً لنسبة 62% من الأميركيين المصنفين في الربع الأعلى من شرائح دخل الأسرة، وهي نسبة تبلغ ضعف المتوسط. وتضم مدن كاليفورنيا ونيويورك وماساتشوستس سبعاً من أهم عشر مناطق سكنية تتمتع بأعلى نسب الدخل للفرد الواحد. وهذه الأسواق المحلية ستكون وسيلة تنبيه مبكر لكثير من المطاعم ومتاجر التجزئة والعديد من القطاعات الأخرى.

وجبة لشخص واحد

يتمثل العامل الثاني في النمو المتزايد للأسر ذات الفرد الواحد، إذ تختلف فوائد الطبخ بصورة كبيرة ما بين إعداد الطعام لشخص واحد وإعداده لعدة أشخاص. فالطبخ لشخص واحد غير مريح ولا يتمتع بفعالية كبيرة من حيث التكلفة مقارنة بالطبخ لمجموعة أشخاص، (لهذا السبب، نادراً ما تقدم وصفات الطعام مقادير وجبة لشخص واحد). إن التزايد المستمر في أعداد الأسر ذات الفرد الواحد هو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع عادة الطبخ إجمالاً. وفقاً لمكتب التعداد السكاني الأميركي، فإن الأسر ذات الفرد الواحد ازدادت من 17% في عام 1969 إلى 28% في 2019. وما بين عامي 1984 و2018، تراجع عدد حالات الزواج السنوي بنسبة 16%، ليبلغ 2.1 مليون حالة سنوياً، في حين ازداد عدد السكان في أميركا بنسبة 72% في نفس الفترة. كما تراجعت نسبة الولادات في الولايات المتحدة في عام 2018 إلى 3.8 مليون ولادة، وهي أدنى نسبة خلال 32 عاماً، أي منذ عام 1986.

وعلى الرغم من جميع الدعابات بشأن احتمال نشوء طفرة إنجاب في الفترة التي ستلي أزمة كوفيد، نظراً لاحتجاز كثير من الناس في منازلهم لعدة أشهر، فإن ذلك غير مرجح. في الحقيقة، منعت فترة البقاء في المنازل كثيراً من الأزواج من اللقاء، كما تشير الأبحاث إلى أن الفترات التي تشهد توتراً تؤدي إلى تراجع نسب الولادات. مثلاً، توصل أحد كبار المحاضرين في جامعة شيكاغو، ريتشارد إيفانز، إلى أن التحذيرات من الأعاصير العنيفة أدت إلى تراجع كبير إحصائياً في معدل الولادات، ويقول: "لن تتمكن من إنجاب طفل عندما تنشغل بالنجاة بنفسك".

تجنب الازدحام

يتمثل العامل الأخير في إدراك المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين أن المستهلك لم يعد يرغب في الازدحام، وأنه يجب على كثير من القطاعات المسارعة في تجديد عروض القيمة ونماذج العمل وتقييمها لتحقيق رغبة المستهلكين. فالحجم الذي كان يعتبر من قبل أصلاً يتمتع بقيمة تنافسية هائلة، أصبح الآن عبئاً كبيراً.

في قطاع الأغذية، ستصبح إمكانية الشراء من ممرات السيارات أمراً واسع الانتشار، وليس في مطاعم الوجبات السريعة فقط، بل في متاجر البقالة والمطاعم التي تقدم الوجبات لروادها. وهذا سيتطلب نفقات رأسمالية. كما سينمو الطلب على خدمات التوصيل، وهو ما سيجبر متاجر البقالة والمطاعم على إيجاد طرق مربحة لتسهيلها. وقد تصبح بعض المطاعم الذكية أيضاً متاجر بقالة مصغرة، من خلال بيع مواد غذائية مرتبطة بوجباتها (كالجبن المبشور مع البيتزا مثلاً)، نظراً لسعي المستهلكين لدمج رحلات شراء احتياجاتهم واختصارها. 

يرغب المستهلكون اليوم بازدحام أقل خارج القطاعات ذات الصلة بالأغذية. في العمل، سيعني ذلك رغبتهم في مساحات عمل مفتوحة أصغر، ومصاعد ووسائل تنقل أقل ازدحاماً، وعدداً أقل من ناطحات السحاب. وهذا قد يؤدي إلى إعادة النظر في العيش في المدن الكبيرة بدرجة كبيرة. قام مصرف "سوفت بنك" بتخفيض القيمة الدفترية لشركة "وي وورك" بقيمة 6.6 مليار دولار، لكنه يخاطر بخسارة أكثر من ذلك مع الانعدام المفاجئ لرغبة المستهلكين في عرض القيمة الذي تقدمه "وي وورك" المتمثل في العمل جنباً إلى جنب مع الغرباء.

كما تواجه جامعات كثيرة خطر الإفلاس بسبب نموذج العمل القائم على القاعات الدراسية والمهاجع المكتظة في مؤسسات التعليم الجامعي والتعليم العالي. وكانت أرباح شركات الطيران قد ارتفعت بسبب رفع معدل حمولتها من 75% في عام 2005 إلى 85% في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الاستراتيجية اختفت. لذا، يجب إعادة تقييم صلاحية مذاهب فكرية كاملة فيما يتعلق باستراتيجيات الأعمال في عالم ما بعد الجائحة، بدءاً من استخدام الأصول مروراً بقيادة التكلفة وصولاً إلى وفورات الحجم.

إذا ازدادت نسبة العمل من المنزل بدرجة كبيرة، فستستمر أحجام الأسر بالتضاؤل وسيستمر خوف الناس من الازدحام، ولن يكون هناك طريق للعودة إلى الاستراتيجيات القديمة التي كانت تحرك الربح والنمو.

ختاماً، يجب أن يدرك المستثمرون والمسؤولون التنفيذيون أن الحلول الإسعافية البسيطة لن تؤدي إلا إلى إطالة الألم. وبدلاً من محاولة الحفاظ على الاستراتيجيات ونماذج العمل الموروثة القائمة على مفاهيم بالية، قد يكون من الأفضل لهم إنشاء فئات جديدة مبنية على مستويات أعلى من العمل من المنزل والتزايد المستمر في أعداد الأسر ذات الفرد الواحد والحماية من "خطر الغرباء".

على ما يبدو، فإن عادة الطبخ ليست الفئة الوحيدة التي تسير على خطى عادة الخياطة في عالم ما بعد كوفيد 19.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي