كيف تساهم الشركات الصغيرة في إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية بنجاح؟ تُعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة محركاً بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي. لذلك، يوجد أربعة إجراءات يمكن للحكومات اتخاذها في أعقاب الجائحة لزيادة تأثير تدابير تقديم الدعم الحالية إلى أقصى حد.
تضمنّت الاستجابة الاقتصادية للحكومات إزاء جائحة "كوفيد-19" مجموعة من التدابير لمساعدة الأفراد والشركات على الصمود في وجه الأزمة. ومع ذلك، وجدت الشركات الصغيرة والمتوسطة نفسها في موقف بالغ الصعوبة، فقد أجبرها الطلب المتراجع على اتخاذ قرارات انطوت على تسريح العمال؛ في حين تفتقر الكثير منها إلى الموارد المالية لتجاوز الأزمة. ومن المحتمل أن تتعرّض ثلث الشركات الصغيرة والمتوسطة في العديد من البلدان إلى الإفلاس في غضون ثلاثة أشهر منذ بدء الجائحة في بلدانها. وستكون قدرتها على الحفاظ على أعمالها قائمة أمراً بالغ الأهمية في مرحلة التعافي بعد الأزمة، حيث تساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة في ثلثي إجمالي العمالة على الصعيد العالمي، ونصف نسبة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. والفشل في حماية هذه الشركات قد يُعرّض الاقتصاد العالمي بأكمله للخطر.
نفذّت الحكومات منذ بداية الجائحة عدداً كبيراً من البرامج التي تهدف إلى تلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتمثّل الهدف الرئيس من هذه البرامج في تزويد أصحاب الشركات بالأموال والدعم اللازمين على المدى المنظور.
وتُعتبر تلك الإجراءات مهمة، إلا أن زيادة تأثيرها إلى أقصى حد يتطلّب من صانعي السياسات النظر في أربعة إجراءات إضافية، ألا وهي تسهيل حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على الدعم الحكومي، وتمكين بيئة عمل داعمة من خلال تطوير "مركز إدارة الشركات الصغيرة والمتوسطة"، وتوجيه التركيز على تعزيز الاستدامة والقدرة على التحمل، وإعادة التخطيط للوضع الطبيعي المُقبل.
قد تتمتّع الشركات الصغيرة والمتوسطة بالقدرة على أن تكون محركاً للاقتصاد والعمالة بعد الأزمة شرط وجود استجابة حكومية فاعلة اليوم، إذ تعتمد احتمالات التعافي النهائي على تلك الاستجابة.
لماذا تكون الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر تأثراً بالأزمة؟
على الرغم من حاجة جميع الشركات إلى التكيّف بسرعة مع الزعزعة وحالة الغموض المتزايدة، كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة سريعة التأثر بالأزمة بشكل خاص. ويوجد ثلاثة عوامل تزيد من تداعيات الأزمة المحتملة على الشركات الصغيرة والمتوسطة مقارنة بالشركات الكبيرة.
تراجع الطلب وتحدّيات السيولة
انخفض الطلب بشكل كبير منذ انتشار الجائحة. ووفقاً لحوالي 15 دراسة استقصائية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تواجه أكثر من نصف الشركات الصغيرة والمتوسطة بالفعل خسائر فادحة في الإيرادات، مع امتلاك العديد منها أرصدة احتياطية قد تساعدها في الصمود بضعة أشهر فقط. ففي البرتغال، أفادت نسبة 37% من الشركات الصغيرة والمتوسطة عن انخفاض الإنتاج بنسبة أكثر من 50%. ومع بداية تفشي المرض في الصين، أفادت ثلثا الشركات الصغيرة والمتوسطة عن وجود ما يكفي من النقد لتغطية التكاليف الثابتة لمدة لا تزيد عن شهرين. أما في الولايات المتحدة، لم تمتلك الشركات الصغيرة سوى 27 يوماً فقط من التدفقات النقدية. وقد أسفرت هذه العوامل مجتمعة عن جعل الشركات الصغيرة والمتوسطة في موقف صعب للغاية، في حين تواجه العديد منها خطر الإغلاق الدائم.
سلاسل التوريد والعمليات غير المرنة
لا تمتلك فرق إدارة الشركات الصغيرة والمتوسطة الموارد التي تمتلكها الشركات الكبيرة في المجالات الوظيفية الأساسية لإدارة الضغوط التجارية والاستجابة للجائحة. ويتجلّى هذا النقص في عدم قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تكييف سلاسل التوريد وعمليات الإنتاج بسرعة.
كثيراً ما تحصل الشركات الصغيرة والمتوسطة على مدخلات من سلاسل التوريد التي أصبحت أطول وأكثر تعقيداً وأكثر عالمية. إلا أن الجائحة زعزعت سلاسل التوريد هذه، وهو ما أسفر عن افتقار العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الموارد التي تحتاج إليها للحفاظ على عملياتها قائمة.
إضافة إلى ذلك، أسفرت الإجراءات التي كان الهدف منها الحد من انتشار المرض إلى زعزعة عمليات إنتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة. فضلاً عن أن مصانع الشركات الصغيرة غير مصممة لإجراءات التباعد البدني، ولا تمتلك الشركات عادةً الخبرة والموارد اللازمة لإعادة تنظيم عملياتها بسرعة.
التمثيل غير المتكافئ للشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الأكثر تضرراً
ستكون بعض قطاعات الصناعة أشد تضرراً من غيرها في ظل الأزمة وفقاً لتحليلنا، وقد تستغرق وقتاً أطول للتعافي بسبب الزعزعة في الطلب والعرض على المدى الطويل. وتزداد نسبة الشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه القطاعات بسبب الطبيعة المحلية للطلب وقلة عوائق الدخول إلى السوق، مثل قطاعات البيع بالتجزئة والفنادق والمطاعم والترفيه والبناء. على سبيل المثال، تمارس نسبة 60 إلى 70% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعمالها التجارية ضمن هذه القطاعات، وهو ما يجعل الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر تأثراً بالأزمة.
ما أهمية حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية تحديداً؟
تُعدّ الشركات الصغيرة والمتوسطة جزءاً حيوياً من الاقتصاد في كل مجتمع تقريباً، فهي تُمثّل أصحاب الأعمال وزبائن الشركات الأكبر في سلاسل التوريد على حد سواء. وسيكون الحفاظ على هذه الشركات قائمة وتعزيز قدرتها على إعادة تنشيط عملياتها بسرعة بمثابة نقطة انطلاق للاقتصاد ككل.
التأثير الكبير على البطالة
تساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 45% من إجمالي العمالة في البلدان الناشئة وحوالي 70% في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد تؤثّر الخسارة المفاجئة والحادة على الطلب على قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على ممارسة أعمالها، كما قد تُسفر تدابير الإغلاق العام عن زيادة معدلات البطالة.
على سبيل المثال، لجأت نسبة 50% من جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة و78% من الشركات الصغيرة التي تمتلك عائدات تبلغ أقل من 20 مليون دولار في الولايات المتحدة إلى تسريح الموظفين مؤخراً، وهو ما أسفر عن معدلات قياسية للبطالة.
المخاطر المنهجية طويلة الأجل
قد يُسفر الفشل في حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة عن أثر مضاعف في الاقتصاد الأوسع نطاقاً ويعرّض أي فرصة للتعافي للخطر. أولاً، سيكون لانخفاض الإنفاق والاستهلاك تأثير مضاعف على الشركات الكبيرة، وذلك لتعرض الأفراد لخسائر في الدخل وتزايد حالة الغموض.
وبالمثل، من المرجح أن تُثير الأزمة تساؤلات حول جهود التنمية الاقتصادية الإقليمية. إذ تعتمد المدن الصغيرة على الشركات الصغيرة والمتوسطة في احتياجات التوظيف والنشاط الاقتصادي، وقد تواجه صعوبات كبيرة وتزايداً في معدلات الهجرة في حال جرى إغلاق تلك الشركات الصغيرة.
عقبات أمام الاستجابة الأكثر فاعلية للجائحة
أعلنت الحكومات عن حزم تحفيز غير مسبوقة للتعامل مع المشكلات الفورية التي تخلقها الزعزعة. وتمكّنا بعد إجراء تحليل من توثيق أكثر من 1,300 إجراء تحفيزي في 51 دولة بلغت قيمتها حوالي 11 تريليون دولار.
حيث خصّصت هذه الإجراءات جزءاً من أموالها لصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على توفير الإغاثة النقدية المباشرة والفورية، مثل الإعفاء من الرسوم الحكومية وتقديم حوالات نقدية للشركات، إضافة إلى دعم الميزانية العمومية على المدى الطويل، مثل تقديم برامج ضمان الائتمان. ولا تزال نُهج الدعم في تطور مستمر، وتنظر بعض الحكومات في تقديم دعم إضافي للشركات الصغيرة والمتوسطة.
كيف تدعم الحكومات إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية بنجاح؟
على الرغم من الجهد الذي تبذله الحكومات من أجل إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية بنجاح، لا تزال فاعلية الدعم الحكومي محدودة نتيجة للعوامل الثلاثة المهمة التالية:
قدرات الدعم المقيدة والإجراءات الإدارية المعقدة
تُعيق الإجراءات المعقدة ونقص القدرات الجهود المبذولة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. وكان نشر برامج دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في العديد من الحكومات عرضة لأخطاء وتأخيرات أخرى أسفرت عن إبطاء عملية الموافقة، وإجراء تغييرات في اللحظات الأخيرة في إجراءات تطبيق تلك البرامج، وتزايد حالة الغموض التي تكتنف معايير الأهلية لتلقّي الدعم.
عدم وجود نهج متكامل وانعدام التنسيق
تُعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة اليوم في أمس الحاجة إلى دعم شامل قائم على استراتيجية متسقة. ومع ذلك، تتّسم بيئة العمل الداعمة للشركات الصغيرة والمتوسطة بالتعقيد، فهي تشمل واضعي السياسات والبنوك ومقدمي المساعدة الفنية للقطاعين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية والجهات الدولية المانحة. وتفشل غالبية الحكومات في الوقت الحالي في تطوير بيئة العمل هذه لافتقارها إلى جهة تنظيمية واحدة تضمن توجيه جميع الجهود إلى الأهداف نفسها.
تركيز الجهود نحو الحفاظ على الشركات قائمة على المدى المنظور بدلاً من التركيز على النمو في المستقبل
ركّزت الحكومات استجاباتها على مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في تجاوز الأزمة. وتهدف جميع الإجراءات التي قدّمتها الحكومات تقريباً إلى تحسين السيولة من خلال تأجيل سداد الدفعات المستحقة، وتحويل القيمة إلى الشركات، مثل دعم أجور الموظفين وتخفيض الرسوم الحكومية، إضافة إلى دعم الميزانية العمومية (مثل تقديم برامج ضمان القروض).
ويتناول عدد أقل من المبادرات التحديات الأطول أجلاً التي ستواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة في التكيّف مع مرحلة ما بعد الجائحة في حال لم يتعاف الطلب بعد نفاد الحوافز الحكومية. وبالتالي، تُعدّ مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في تجاوز أزمة الجائحة أمراً بالغ الأهمية، إلا أنها ليست كافية، إذ تحتاج هذه الشركات إلى مساعدة في تصوّر الوضع الطبيعي المُقبل لممارسة الأعمال التجارية. كما أنها تحتاج إلى خطة طويلة الأجل لإعادة تنظيم أعمالها والتعافي والتركيز على تجاوز أدائها السابق قبل الأزمة، وليس بلوغه فقط.
أربعة إجراءات لتعزيز تأثير التدابير الحالية
لقد دفع نطاق الجائحة والتداعيات الاقتصادية الناتجة عنه العديد من المسؤولين الحكوميين إلى التساؤل عما إذا كانت استجاباتهم التي اتخذوها حتى اليوم كافية لحماية الشركات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الأساس للتعافي. وينطوي الهدف على الحصول على أكبر تأثير ممكن من الجهود الحالية وإعداد الشركات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق تعافٍ اقتصادي أقوى بعد الأزمة.
ولاحظنا وجود أربعة إجراءات حاسمة في تجربتنا. يركّز الإجراءان الأول والثاني على الاستجابة الفورية للجائحة، في حين يركز الإجراءان الأخيران على قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تجاوز الأزمة وهي في وضع أكثر قوة.
سهولة حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على الدعم
إن زيادة مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في تدابير الاستجابة تتطلّب من واضعي السياسات العمل مع هذه الشركات بشكل مباشر، ومساعدتها في تحديد برامج المساعدة الصحيحة، والتعامل مع إجراءات تطبيق تلك البرامج، وتأمين المساعدة لها. وقد أعدّت البلدان التي نفّذت هذه التدخلات بنجاح نقطة تواصل واحدة ومتكاملة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
على سبيل المثال، أعدّت الحكومة الأسترالية جزءاً مخصصاً على موقع الويب يضم معلومات للشركات حول إجراءات الدعم المتاحة ووفّرت نقطة تواصل مباشرة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبمجرد إعلام الشركات الصغيرة والمتوسطة بخدمات الدعم الأكثر صلة، تحتاج إلى الوصول السريع والسهل إليها. على سبيل المثال، قد تُعتبر القروض والمنح والضمانات التي تتطلب عمليات تطبيق معقدة عوائق تحول دون تحقيق ذلك الهدف، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة التي لا تمتلك عدداً كافياً من الموظفين أو الموارد التي يمكن تكريسها لعمليات تقديم طلبات الحصول على تلك القروض والمنح.
في المقابل، تُعتبر عملية تسهيل الإجراءات الإدارية أداة مهمة تساعد الحكومات في زيادة مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في برامج المساعدة. على سبيل المثال، عرضت ولاية بافاريا الألمانية مساعدة فورية تتراوح بين 5,000 و30 ألف يورو للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة. وبالمثل، قدّم بنك كندا لتنمية الأعمال (BDC) قرضاً للشركات الصغيرة يصل إلى 100,000 دولار كندي يمكن الحصول عليه عبر الإنترنت في غضون 48 ساعة من وقت الموافقة.
تنسيق بيئة العمل الداعمة وتركيز جهودها من خلال "مركز إدارة الشركات الصغيرة والمتوسطة"
تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة اليوم إلى دعم شامل. لذلك، من الضروري أن تُعدّ الحكومات "مركز إدارة للشركات الصغيرة والمتوسطة" بصفته جهة تنظيمية واحدة، وتفعيل كامل المنظومة البيئية المتكاملة، وضمان مواءمة جميع الجهود مع الأهداف الرئيسة بهدف زيادة تأثير تدابير الاستجابة الحكومية إلى أقصى حد. وتتضمن الخطوات الضرورية الأولى معالجة مصالح الأطراف المختلفة، وزيادة إمكانية الوصول إلى المعلومات، والتوفيق بين الطلب والعرض.
بالإضافة إلى ذلك، قد يمثّل مركز إدارة الشركات الصغيرة والمتوسطة مركز سيطرة يراقب كيفية تنفيذ البرامج وأثرها عن كثب ويمثّل حلقة لاستقاء ردود الفعل. وتمكّن هذه الرؤى الثاقبة واضعي السياسات والمشاركين في بيئة العمل الداعمة للشركات الصغيرة والمتوسطة من التكيّف بسرعة وتوجيه مساعدتهم.
وقد يُسفر فشل معظم الحكومات في تتبّع التقدم في الوقت الحالي عن خلق نقاط عمياء تحدّ من قدرتها على اتخاذ إجراءات تصحيحية لتعزيز فاعلية البرامج. ويوفر مركز الإدارة أيضاً معلومات حول مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في برامج الدعم الحكومية على مستوى القطاعات وعلى المستوى الإقليمي؛ وتُعتبر هذه الرؤى الثاقبة ضرورية لحشد أصحاب المصلحة المعنيين في بيئة العمل.
توجيه التركيز على تعزيز الاستدامة والقدرة التنافسية
تعتمد سرعة التعافي على قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على العودة إلى ممارسة العمليات المستدامة بعد الأزمة بعد نفاد تدابير التحفيز الحالية. ومن الضروري أن يوجّه صانعو السياسات تركيزهم على تقديم ثلاثة تدخلات أساسية تنطوي على تأثير أكبر وأوثق صلة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، ألا وهي تعزيز الوصول إلى الطلب المحلي، ودعم التدويل، وتعزيز الإنتاجية.
أولاً، ستبقى حصة الشركات الصغيرة والمتوسطة من المشتريات الحكومية أقل مما هي عليه في العديد من الأسواق. وستبقى المشتريات الحكومية السبيل الوحيد والأكثر تأثيراً للتنمية المستدامة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك نظراً لحصتها المرتفعة من إجمالي الطلب (الذي يمثل، على سبيل المثال، 30% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وأكثر من 50% في البلدان النامية).
ويمكن للحكومات النظر في تخفيف الأعباء الإدارية للشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزال مشاركتها محدودة في المشتريات العامة. على سبيل المثال، نفّذت وزارة الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة في كوريا الجنوبية إجراءً يهدف إلى تبسيط العمليات والعبء الإداري في المشتريات العامة عن طريق الحد من عمليات التفتيش الميداني. وعرضت الحكومات في العديد من البلدان مدفوعات مسبقة مقابل الخدمات والسلع المشتراة.
ثانياً، تزدهر الشركات الصغيرة والمتوسطة عند دمجها في سلاسل القيمة العالمية. لقد زعزعت الجائحة سلاسل التوريد والتجارة الدولية، ولا تمتلك الشركات الصغيرة والمتوسطة الموارد لإعادة تعزيز الروابط المقطوعة بمفردها. على هذا النحو، يُعتبر التركيز على تدويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في استراتيجيات التصدير الوطنية أمراً بالغ الأهمية.
أخيراً، ستكون برامج تعزيز الإنتاجية ضرورية للحفاظ على الشركات الصغيرة والمتوسطة قائمة ولتعزيز قدرتها على المنافسة على الصعيد الدولي. وعلى الرغم من أن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة كافحت خلال الأزمة، على سبيل المثال، من خلال تقديم حلول التجارة الإلكترونية السريعة، يوجد حاجة ماسة إلى تحقيق مزيد من الابتكارات والرقمنة لزيادة تعزيز اقتصاداتها وضمان بقائها قائمة.
ويمكن للحكومات تسريع إعداد برامج الإنتاجية بالإضافة إلى زيادة فاعلية البرامج الحالية إلى أقصى حد من خلال إعطاء الأولوية للشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر احتياجاً (من حيث الحجم والقطاع وإمكانات النمو) ومواءمتها مع التكنولوجيا المناسبة والبنية التحتية وحلول بناء القدرات.
على سبيل المثال، تدعم الوكالة الحكومية السنغافورية "وورك فورس" (Workforce) الشركات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب العمل من خلال برامج متعددة تهدف إلى مساعدة الشركات على تبنّي ممارسات الإدارة الاقتصادية للموارد إضافة إلى تقنيات الثورة الصناعية الرابعة. وقد أسفر هذا البرنامج عن زيادة إنتاجية الشركات الصغيرة والمتوسطة المشاركة بنسبة 40% إلى 70%. وفي أيرلندا، ستوفر مكاتب الشركات المحلية في كل مقاطعة قسائم بقيمة 2,500 إلى 10,000 يورو - مع تمويل المثل بنسبة 50-50 لدعم استمرارية الأعمال والابتكار والإنتاجية.
إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية وإعادة التخطيط للوضع الطبيعي المقبل
يمكن لصانعي السياسات ومسؤولي الشركات الصغيرة والمتوسطة النظر في إعادة تقييم الاستراتيجيات القائمة وتكييف الأولويات مع البيئة الحالية. ويمكن للحكومات النظر في ثلاثة مجالات رئيسة تتجاوز استجابات التحفيز الحالية.
أولاً، يمكن لصانعي السياسات إعطاء الأولوية للقطاعات التي تضررت بشدة ولكنها قادرة على تحقيق التعافي السريع من خلال تقديم تدخلات مخصصة حسب الحاجة (مثل قطاعي الصيانة والبناء).
ويمكن أن يساعد هذا النهج في زيادة النشاط الاقتصادي مع الاستمرار في حماية الصحة العامة. ثانياً، يمكن للحكومات تسريع الجهود لدعم الشركات عالية الأداء والمبتكرة وذات إمكانات بلوغ مرحلة تسارع النمو.
ووفقاً لتحليلنا، لا تمثّل هذه الفئة سوى 2 إلى 3% فقط من الشركات الصغيرة والمتوسطة في معظم البلدان، إلا أنها تولّد أكثر من 60% من النمو الاقتصادي وفرص العمالة.
على هذا النحو، يمكن للحكومات أن تطمح إلى مضاعفة عدد الشركات متسارعة النمو على المدى المتوسط، أي نسبة الشركات متسارعة النمو من إجمالي الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتُعد برامج المساعدة الفنية المستهدفة والقابلة للتطوير والمنصات الوطنية التي تحفّز الابتكار في المنتجات واعتماد التكنولوجيا والرقمنة وإنشاء نماذج أعمال جديدة ضرورية لزيادة عدد الشركات متسارعة النمو.
على سبيل المثال، طوّر بنك كندا لتنمية الأعمال عام 2016 برنامجي تسارع النمو ومحرك النمو لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة سريعة النمو في سعيها إلى تحسين استراتيجيات نموها وهياكل التمويل والضوابط الداخلية. وستتمكن الشركات المشاركة في هذا البرنامج من الوصول إلى الخبرة الداخلية لبنك كندا لتنمية الأعمال وشبكته من رواد الأعمال. وقدّم البرنامج الدعم لأكثر من 140 شركة حتى اليوم.
وأخيراً، على الرغم من أن استجابة الحكومات تركّز على الحفاظ على مواصلة الشركات الصغيرة والمتوسطة نشاطها، من الضروري استكمال هذه الجهود مع تعزيز ثقافة ريادة الأعمال التي تهدف إلى دعم ممارسة الأعمال في القطاعات ذات الأولوية، وزيادة عدد الوظائف الجيدة، وتحسين قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على التحمل والصمود في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الراهنة وتعزيز قدرتها التنافسية.
تدرك الحكومات أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستكون محركاً حيوياً لمرحلة إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية بعد الأزمة، وقد نفّذت الكثير منها بالفعل عدة برامج استجابة للجائحة. إلا أن ضمان وصول المساعدات إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة وإحداث التأثير المطلوب يتطلب نهجاً أكثر شمولاً. وستقوم الحكومات التي تتخذ أربعة إجراءات مستهدفة بتسريع عملية تعافيها وإعداد الشركات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق النجاح المستدام
ويتقدّم المؤلفون بخالص الشكر إلى ماركو دوندي وبينغ وين وياسر زواوي على مساهماتهم في إعداد هذا المقال عن إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية تحديداً.
اقرأ أيضاً: