تشير الاستطلاعات التي أجرتها شركة إيدلمان (Edelman) والمنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) إلى انخفاض الثقة في قادة الأعمال إلى أدنى مستوياتها التاريخية. يكمن أحد الأسباب المحتملة فيما يسميه الأستاذان في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد) (INSEAD)، جيانبييرو وجينيفر بتريليري، "نزع الإنسانية من القيادة" (dehumanization of leadership)؛ أي التفكير في القادة على أنهم أدوات (يسعون لتحقيق هدف تجاري معين) أو أبطال (يسعون لتحقيق رؤية فريدة). باختصار، نحن نرغب في وجود قادة يتمتعون بالكفاءة إما على هيئة آلات خارقة وإما بشر يتمتعون بقدرات استثنائية، وإما مزيج منهما، في المناصب القيادية بمؤسساتنا، ويسعى العديد من الرؤساء التنفيذيين إلى تلبية تلك التوقعات. خضع هؤلاء القادة لبرامج تدريبية مكثفة لإخفاء نقاط الضعف ووضع الخطط والالتزام بها وتقليل المخاطر والحفاظ على مستوى ثابت من الأداء واتخاذ القرارات العقلانية مع التحكم الكامل بزمام الأمور في الظروف كافة. على الرغم من ذلك، يواجه هؤلاء القادة تحديات في تحقيق هذه التوقعات.
لذلك، بات من الضروري اتباع نهج مختلف يسمح للقادة بإبراز جوانبهم الإنسانية على نحو كامل، وبالتالي كسب ثقة الموظفين واحترامهم. على الرغم من أن هذا النهج قد يبدو واضحاً وبديهياً، فإن تطبيقه على أرض الواقع لا يزال يشكّل تحدياً بالنسبة للقادة. فيما يلي 3 اقتراحات محددة:
كن عاطفياً
أكد الباحث في مجال العلاقات الزوجية، جون غوتمان، منذ فترة طويلة أن اللحظات الصغيرة من الارتباط والتواصل والحميمية تُعد أمراً ضرورياً لبناء علاقة زوجية صحية. ينطبق هذا الأمر على عالم الأعمال أيضاً. يقدّر الموظفون لحظات التواصل الصادقة التي تلبي احتياجاتهم الاجتماعية والإنسانية أكثر من تقديرهم للهدف الوظيفي أو الحوافز المادية التي يقدمها العمل. نسيتُ العديد من التفاعلات مع رؤسائي السابقين، لكنني سأتذكر دائماً اللحظة التي بكى فيها أحدهم أمامي خلال فترة تعرّض الشركة لضغوط كبيرة من المستثمرين. أدى ذلك الموقف الذي أظهر ضعفه إلى تعزيز ولائي له. من المحتمل أن تشعر براحة في التعبير عن السعادة أو الحماس، لكن عندما تستدعي الظروف، يمكنك أيضاً التعبير عن الإحباط والقلق والغضب.
كن غريب الأطوار
قرر الرئيس التنفيذي لشركة سيرك دو سوليه (Cirque de Soleil)، غي لاليبرتيه، ذات مرة تعيين مهرج ليتبعه ويقلد سلوكياته. أصبح الرئيس التنفيذي لشركة إتنا (Aetna)، مارك بيرتوليني، من هواة ممارسة التأمل واليوغا بعد أن نجا من الموت بأعجوبة، ثم قدّم بعد ذلك دروساً مجانية للموظفين جميعهم. وصفت مجلة وايرد (Wired) مؤخراً أسلوب القيادة الذي يتبعه الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، بأنه دافئ وعاطفي وغريب الأطوار بعض الشيء. بالنسبة له وللقادة المستقبليين الآخرين الذين يتبنون هذا النهج، يُعد هذا الوصف إشادة بالقدرات القيادية المميزة. يُمكن أن يظهر المدراء بمظهر أكثر إنسانية أمام الموظفين من خلال الكشف عن سماتهم الشخصية الفريدة وشغفهم وتقلباتهم المزاجية. فكر في جوانب حياتك أو شخصيتك التي قد تفاجئ موظفيك أو تسعدهم وشارك تلك الجوانب معهم لبناء علاقات أقوى.
عبّر عن الشك
يدرك القادة الأذكياء وجود مجموعة من الحلول الممكنة لأي مشكلة، لذلك، عندما يتخذون قراراً ما، فإنهم على استعداد لإعادة النظر فيه وتغييره إذا لزم الأمر. يجب أن يتبنّى المدراء الشعار الذي يطرحه عالم المستقبليات، بول سافو، وهو "آمن بآرائك دون أن تتشبث بها"، ولا سيما إذا كانوا يحاولون التعامل مع المواقف المعقدة والتحديات غير المتوقعة. تشير شركة الاستراتيجيات، وولف أولينز (Wolff Olins)، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤخراً بين الرؤساء التنفيذيين، إلى أن الموظفين في الوقت الحالي يتمتعون بطابع فردي أكثر من أي وقت مضى. في المقابل، يتعلم القادة أن يتخلوا عن بعض سماتهم، فيصبحون أقل تركيزاً على رؤيتهم ومعرفتهم وتحديد الأهداف، في حين يزداد تركيزهم على تشكيل بيئة عمل إيجابية وتعزيز التواصل بين أفراد الفريق وطرح الأسئلة. لذلك، لا تتردد في إظهار الشك وطلب الاقتراحات والخيارات التي تتعارض مع أفكارك، وكن مستعداً لتغيير آرائك إذا لزم الأمر.
نعتقد أحياناً أننا نرغب في أن يكون قادتنا مثل الأدوات أو الأبطال، لكن من المستحيل أن تثق في شخص يكون دائماً عقلانياً وجدّياً ويسيطر على انفعالاته دائماً. إذا كنت مديراً، فتحلّ بالشجاعة لتقديم نفسك بوصفك إنساناً يتسم بالتعقيد، فلا تحاول أن تظهر نفسك دائماً بمظهر الشخص المثالي، بل كن صادقاً واعترف بأنك ترتكب أخطاء، ولا تحاول أن تبدو دائماً قوياً وثابتاً، بل اعترف بمشاعرك ونقاط ضعفك، ولا تتصرف بثقة مطلقة وتصدر أحكاماً قاطعة، بل كن مستعداً لطرح الأسئلة وتغيير رأيك وتقبّل وجهات النظر المختلفة.