كانت رشا، وهي إحدى عميلاتي السابقات ومسؤولة تنفيذية ذات إمكانات عالية في مجال التسويق في إحدى المؤسسات العالمية، تتمتع بسمعة طيبة تجاوزت نطاق دورها الوظيفي. اشتهر فريقها بإنتاجيته ومشاركته الفعالة، لكن ما ميّزه أكثر كان النمو الملحوظ لأفراده؛ إذ حصل موظفوها على الترقيات بوتيرة أسرع من الموظفين الآخرين.
لذلك، كان الجميع يرغبون في العمل تحت إشرافها، حتى إنها حصلت على لقب "صانعة القادة". يعود جزء كبير من نجاحها إلى رغبتها الطبيعية في دعم أفراد فريقها وتوفير فرص النمو لهم، حتى إن كلفها ذلك فقدان أفضل موظفيها نتيجة انتقالهم إلى أماكن أخرى. لم يكن هذا الدعم مقتصراً على مساعدة الموظفين في الحصول على الترقيات؛ بل كان يمثّل التزاماً مستمراً بتطويرهم، ما أسهم في تعزيز سمعتها القيادية.
للأسف، يبدأ العديد من المدراء بدعم موظفيهم فقط عندما يشعرون بالخوف من فقدانهم أو عند اقتراب مواعيد الترقيات الدورية. ولكن هذا النهج التفاعلي يكون متأخراً غالباً؛ إذ يسارع المدراء لتسليط الضوء على إنجازات أفراد فريقهم ونقاط قوتهم، ما يضعهم في منافسة شديدة مع العديد من المدراء الآخرين الذين يفعلون الشيء نفسه.
لا يقتصر دور المدير بوصفه داعماً لموظفيه على مجرد التأكد من أن الموظف يستوفي الشروط المطلوبة للترقية خلال فترات الترقيات، بل يتمثل الدعم الحقيقي والفعال للموظفين في العمل المستمر على تعزيز نموهم من خلال تقدير إنجازاتهم ومساهماتهم وضمان توافق جهودهم مع أهداف المؤسسة وإبراز قيمتهم أمام أصحاب المصلحة الرئيسيين. فيما يلي بعض الطرق للتخلي عن نظام الترقيات التقليدي الذي تحدده الشركة ويربط هذه الترقيات بفترات روتينية، والاستعاضة عنه بدعم الموظفين على مدار العام.
تغلّب على ترددك في دعم موظفيك
قد يتردد المدراء في دعم موظفيهم لعدة أسباب. أولاً، يعمل العديد من المدراء ضمن هياكل تنظيمية صارمة تفرض جداول زمنية ثابتة ومحددة لمنح الترقيات. يدفعهم ذلك إلى حصر جهودهم المتعلقة بدعم الموظفين ضمن فترات محددة يرونها مناسبة بدلاً من البحث عن طرق لتطوير أفراد فريقهم خارج إطار نظام الترقيات التقليدي
ثانياً، يواجه المدراء غالباً صعوبة في الموازنة بين دعم موظفيهم وضمان الإنصاف والمعاملة العادلة بين أفراد الفريق جميعهم. قد يخشى هؤلاء المدراء اتهامهم بالتحيز وما يترتب عليه من نفور أفراد الفريق واستيائهم، ولا سيما إذا لم يكن الجميع مستعدين بالقدر نفسه للتقدم في مسيرتهم المهنية. بالإضافة إلى ذلك، قد يتردد المدراء في دعم الموظفين علناً بسبب مخاوفهم بشأن تأثير ذلك في سمعتهم الشخصية وصورتهم أمام الآخرين؛ ماذا إذا خيب الموظف الآمال أو لم يرقَ إلى مستوى التوقعات؟ يمكن أن يؤدي الخوف من تحمل المسؤولية عن ترقية شخص غير جاهز والتعرض للإحراج إلى امتناع القادة عن دعم أفراد فريقهم.
ثالثاً، يسود اعتقاد خاطئ وشائع بين المدراء وهو أن دعم الموظفين يصب في مصلحة الموظف وحده؛ دون أن يدركوا الآثار الإيجابية غير المباشرة أو الفوائد البعيدة المدى التي تعود على الفريق وعليهم شخصياً.
تُظهر تجربة رشا أن دعم أفراد فريقك هو خطوة إدارية استراتيجية، فعندما يدعم المدراء موظفيهم باستمرار، فإن الفوائد لا تقتصر على المنفعة الفردية للموظف المعني، بل تمتد لتشمل الفريق بأكمله؛ إذ يسهم الدعم المستمر للموظفين في تحسين أداء الفريق وتعزيز الولاء وتقوية الثقافة التنظيمية. يؤدي ذلك إلى سلسلة من الآثار والنتائج المتتابعة التي تتمثل في تحسين مشاركة الموظفين الذين يشعرون بالدعم وتعزيز روح الابتكار لديهم، بالإضافة إلى تحفيزهم للمساهمة في نجاح الشركة. ويعزز هذا الأمر أيضاً سمعة المدير بوصفه قائداً يسهم في تطوير المواهب، ما قد يتيح له فرصاً أكبر للتقدم في مسيرته المهنية.
ابدأ بإنشاء علاقة شراكة مع الموظف
يعكس الدعم الفعّال إدراكك لإمكانات أفراد فريقك والتزامك بتطويرهم. يجب أن يكون دورك في تقديم الدعم لفريقك مشابهاً للدور الذي يؤديه الموجه الداعم؛ أي أن تؤمن بقدراتهم وتبذل أقصى جهدك لدعمهم حتى في الظروف الصعبة. يجب عليك الاستفادة من في السر والعلن، لدعم تطور الموظفين وترقيتهم، كما يجب أن توفر لهم البيئة الآمنة التي تسمح لهم باتخاذ القرارات المحفوفة بالمخاطر دون الخوف من العواقب السلبية.
ولكن التطوير الوظيفي هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الموظفين ومدرائهم، إذ يجب على الموظفين التركيز على تحسين أدائهم وإظهار إمكاناتهم وبناء علاماتهم التجارية الشخصية (وهي أفكار تناولتها في مقال سابق).
لبدء هذه الشراكة، يجب عليك إجراء محادثة تحدد فيها أسس العلاقة والتوقعات والأهداف، على سبيل المثال، يمكنك أن تقول:
"ألاحظ أنك تمتلك إمكانات كبيرة، وأرغب في مساعدتك على النمو في مسيرتك المهنية، فلنتعاون على وضع خطة لتحقيق هذا الهدف معاً.
أرغب أيضاً في مساعدتك من خلال دعم عملية نموك، وذلك عبر زيادة فرص ظهورك وإبراز إنجازاتك أمام الآخرين وضمان توافق عملك مع أهدافنا والاعتراف بمساهماتك وجهودك وتقديرها، لكن في الوقت نفسه عليك الالتزام بتحمّل المسؤولية عن تحسين أدائك والعمل على بناء علامتك التجارية الشخصية وتحقيق أقصى استفادة من إمكاناتك.
لنتحدث أيضاً عن أهدافك المهنية، ونعمل معاً على وضع خطة لمساعدتك على تحقيقها".
يُؤسس هذا الحوار لإنشاء مسؤولية متبادلة وشراكة هادفة ومدروسة، كما أنه يخفف عنك الضغط بحيث لا تكون المسؤول الوحيد عن دعم الموظف لضمان ترقيته أو حصوله على دور جديد.
أدِّ دورك في هذه الشراكة وأوفِ بالتزاماتك
بصفتك داعماً للموظفين، يتمثل دورك في توفير 3 عناصر أساسية وضرورية لضمان تحقيق الدعم الفعال:
- تعزيز الظهور: يسهم تعزيز ظهور الموظفين والتعريف بهم في زيادة فرص ملاحظة إنجازاتهم ومهاراتهم وقدراتهم.
- الملاءمة والتوافق مع الأهداف المؤسسية: يؤدي ربط إنجازات الموظفين بالأهداف الكبرى للشركة إلى إظهار أثر عملهم ودوره في تحقيق الرؤية العامة ويؤكد قيمته وأهميته داخل المؤسسة.
- التقدير: يرى الأشخاص الذين يشعرون بالتقدير في العمل أن الترقيات عادلة ومنصفة أكثر بمقدار 6 أضعاف مقارنة بالموظفين الذين لا يشعرون بالتقدير.
تساعد هذه العناصر على ضمان تقدير أفراد فريقك واحترامهم والاعتراف بقيمتهم وتوافقهم مع أولويات المؤسسة. وفيما يلي بعض الخطوات العملية التي تساعدك على أداء دورك في هذه الشراكة:
ركز على قيمة الموظف وإمكاناته، وليس فقط على مساهماته
عند دعم موظفيك، قد يكون من السهل الوقوع في فخ التركيز على المسميات الوظيفية أو مدة تولي الوظيفة أو مقارنتهم بزملائهم، ولكن المبررات الأقوى التي تدعم حق الموظف في الحصول على الترقية أو التقدير تستند إلى القيمة الفريدة التي يضيفها كل شخص. لذلك، احرص على توجيه دعمك للموظف بناءً على مساهماته المحددة التي قدمها في سبيل معالجة التحديات الرئيسية التي تواجه المؤسسة. حاول إظهار دور مهاراته وجهوده في إنشاء قيمة قابلة للقياس، ولا سيما في المجالات التي تتوافق مع أهداف المؤسسة. يؤدي هذا الأسلوب إلى تحويل التركيز نحو مناقشة إمكانات الموظف المستقبلية والأثر الذي يمكنه تحقيقه بدلاً من التركيز على المساهمات الأساسية التي يقدمها فقط.
- تعزيز الظهور: احرص على تسليط الضوء على إنجازات موظفيك باستمرار في اجتماعات القيادة وشجعهم على عرض إنجازاتهم في اجتماعات الفريق التي يستعرض فيها الأفراد المستجدات والتقدم المحرز في المشاريع والمهام، ما يزيد من وضوح مساهماتهم أمام صنّاع القرار.
- الملاءمة والتوافق مع الأهداف المؤسسية: احرص على توجيه دعمك للموظف بناءً على مساهماته المحددة التي قدمها بهدف تحقيق أهداف المؤسسة وحاول إظهار دور مهاراته وجهوده مباشرة في تحقيق النتائج الرئيسية والمهمة للشركة، ما يبرز إمكاناته وقدرته على تحقيق أثر أكبر.
- التقدير: احرص على تقدير إمكانات الموظفين وقدرتهم على التطور والنمو والاعتراف بها وليس فقط بالإنجازات التي حققوها. ركز أيضاً على الاحتفاء بنجاحاتهم علناً مع إبراز كيفية توافق مهاراتهم مع الرؤية الاستراتيجية للشركة.
شجع الريادة الفكرية
يؤدي تقديم الموظفين بوصفهم إلى تعزيز مصداقيتهم بالإضافة إلى تحسين سمعة فريقك. شجّع أفراد فريقك على كتابة المقالات، أو إلقاء العروض التقديمية، أو المشاركة في الندوات والفعاليات المتخصصة في مجال عملهم. تسهم هذه الفرص في تطوير خبراتهم وإبراز قيمتهم بصورة أوضح. ساعد الموظفين على تحديد المجالات التي يمكنهم فيها قيادة المناقشات أو حل المشكلات المعقدة، ثم ادعم مشاركتهم في المشاريع المشتركة بين الأقسام المختلفة حيث يمكنهم إبراز قدراتهم والتميز.
- تعزيز الظهور: اقترح بعض المنصات التي يمكن لأفراد فريقك مشاركة رؤاهم وأفكارهم من خلالها، مثل التحدث في الاجتماعات الداخلية أو المساهمة في المنشورات أو المدونات المتعلقة بمجال عملهم، وادعم مشاركتهم في الفعاليات المرتبطة بالقطاع لتعزيز ظهورهم.
- الملاءمة والتوافق مع الأهداف المؤسسية: ساعدهم على توجيه جهودهم في الريادة الفكرية نحو موضوعات تتوافق مع الأولويات الاستراتيجية للشركة وشجعهم على معالجة التحديات الحالية التي تواجه القطاع والتي تؤثر بدرجة كبيرة في نجاح الشركة.
- التقدير: احرص على الاعتراف بمساهمات موظفيك في الريادة الفكرية وتقديرها علناً، مثل إلقاء عرض تقديمي ناجح نال إعجاب الحضور أو نشر مقال مميز، وسلّط الضوء على هذه الإنجازات أمام كبار القادة لإظهار قيمتهم بالنسبة للمؤسسة.
ساعد الموظفين على تطوير علاماتهم التجارية الشخصية
يستطيع الموظفون أصحاب المهارات والقدرات القيادية المميزة اكتساب الثقة والدعم بسرعة أكبر من غيرهم.
لم تكن العلامة التجارية الشخصية التي حصلت عليها رشا بوصفها "صانعة القادة" وليدة الصدفة، بل كانت انعكاساً لالتزامها بتطوير فريقها. لذلك احرص على مساعدة موظفيك على توضيح المهارات أو الصفات التي يريدون أن يتميزوا بها في مجال عملهم ووفّر لهم الفرص الملائمة لإبرازها وتعزيز علامتهم التجارية الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، شجعهم على توسيع شبكات علاقاتهم داخل المؤسسة والبحث عن مرشدين يعززون قدرتهم على النمو والتطور.
- تعزيز الظهور: شجع الموظفين على التواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين داخل المؤسسة واحرص على تسهيل عمليات التعارف التي تسهم في تعزيز تأثيرهم وزيادة ظهورهم.
- الملاءمة والتوافق مع الأهداف المؤسسية: ساعد الموظفين على توضيح علاماتهم التجارية الشخصية من خلال إثبات توافقها مع رسالة الشركة، وقدّم لهم الدعم اللازم لتحديد المجالات التي يمكن فيها استخدام نقاط قوتهم بأفضل طريقة.
- التقدير: احتفِ بالموظفين الذين يبذلون جهدهم لبناء علاماتهم التجارية الشخصية واحرص على تقدير مساهماتهم التي تعكسها. ركّز أيضاً على الاعتراف بجهودهم والإشادة بها علناً، ما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويظهر التزامك بتطويرهم.
ارفع مستوى التوقعات المتعلقة بإمكانات الموظفين
كلّف موظفيك بالعمل على مشاريع ذات أثر كبير حتى إن كانت تتجاوز قدراتهم الحالية. لا يعني ذلك وضعهم في مواقف تؤدي إلى فشلهم، بل توفير تحديات تدفعهم للنمو والتطور وتجاوز حدود إمكاناتهم. بالإضافة إلى ذلك، تأكد من مناقشة التقدم الذي يحرزونه مع القادة الآخرين؛ إذ يؤدي التحدث بطريقة إيجابية عن إنجازات أفراد فريقك أمام أصحاب المصلحة إلى تحسين مكانتهم وتعزيز سمعتك القيادية.
- تعزيز الظهور: كلّف موظفيك بالعمل على مشاريع تتطلب تعاوناً بين الأقسام المختلفة؛ إذ يسهم ذلك في زيادة فرص ظهورهم وتفاعلهم مع الأقسام والقادة الآخرين.
- الملاءمة والتوافق مع الأهداف المؤسسية: اختر مشاريع تتماشى مع أولويات الشركة الاستراتيجية وطموحات الموظف المهنية؛ إذ يضمن ذلك أن تكون مساهماتهم ذات قيمة عالية ومتوافقة مع استراتيجية الشركة.
- التقدير: بعد إتمام المشروع بنجاح، احرص على الاعتراف بمساهماتهم والإشادة بها في اجتماعات الإحاطة مع قيادة الشركة أو من خلال أشكال التواصل والرسائل الموجهة للموظفين على مستوى الشركة بأكملها.
عند التركيز على تقدير الموظفين وضمان توافق عملهم مع أهداف المؤسسة وتعزيز ظهورهم، فإنك تساعدهم على تحقيق النجاح وتعزز سمعتك بوصفك قائداً يسهم في تحفيز النمو والابتكار والولاء.
لا تنتظر مواعيد الترقيات الدورية أو حدوث أزمة في استبقاء الموظفين لتبدأ بدعم فريقك. سيؤدي التركيز على دعم الموظفين باستمرار إلى نتائج إيجابية متتابعة، مثل زيادة المشاركة والتفاعل وتحسين الأداء وتعزيز استعداد الفريق لمواجهة التحديات الجديدة.
من خلال هذه العملية، ستعزز علامتك التجارية القيادية، ما يُبرز مكانتك بوصفك مديراً يسهم في بناء المسارات المهنية لموظفيه ويحقق النتائج المرجوة.