دراسة حالة: هل بالإمكان إصلاح ثقافة عمل مسمومة دون طرد بعض الموظفين؟

12 دقيقة
إصلاح ثقافة عمل مسمومة

مديرة مالية تتساءل كيف بوسعها تحقيق تغيير إيجابي في قسم مأزوم، وكيف يمكن إصلاح ثقافة عمل مسمومة بشكل واضح.

اضطّر مضيف الطيران إلى أن يعيد السؤال عليها مرّتين: "هل ترغبين أن تشربي شيئاً، سيّدتي؟"

"آه.. آسفة. أريد ماءً دون ثلج من فضلك"، قالت نويل فريمان، المديرة المالية في شركة "فرانكلين كلايميت سيستيمز" (Franklin Climate Systems) لأنظمة التحكّم بالجو. كانت نويل شاردة تراقب الغيوم على ارتفاع 30 ألف قدم غارقة في أفكارها وهي في طريقها إلى المنزل بعد قضاء يومين في ولاية أركنساس لزيارة أكبر منشأة تابعة لشركتها التي تختص بتصميم أنظمة التحكّم بالجو للسيّارات الصغيرة والرباعية الدفع وهندسة هذه الأنظمة وتصنيعها. كانت هذه المنشأة تابعة لمجموعة شركات "إف بي هولدينغ" القابضة (FB Holdings)، المتخصّصة بالتصنيع ومقرّها أورورا في ولاية إيلينوي، لكنّها كانت تتمتّع بسمعة غير طيّبة بوصفها أسوأ وحدات المجموعة أداءً خلال ما يقارب عقد من الزمن.

بما أنّ نويل كانت تشغل منصب المديرة المالية، فإنّ أكثر ما كان يشغل بالها هو الأرقام. ولكن بعد إمضاء بعض الوقت في مدينة ليتل روك، شعرت بالقلق من أنهم ربما كانوا يواجهون مشكلة أكبر. كانت قد ذهبت إلى أركنساس لمراجعة الخطط التشغيلية والتوقعات المالية لما تبقّى من العام مع الفريق في الميدان، إذ كانت "إف بي هولدينغ" القابضة قد تمكّنت من النجاة من الأزمة المالية التي عصفت عام 2008 دون تكبّد خسارة مالية، لكن وحدات إنتاج أنظمة التحكم في الجو، وهي مورّد من الطراز الأول لقطع غيار السيّارات، لم يحالفها القدر ذاته من النجاح. كانت شركة فرانكلين قد عادت مؤخراً إلى تحقيق الأرباح، لكنّ نويل وكاميرون كورين، المتخصّص في إخراج الشركات من عثراتها والذي عيّن قبل خمسة أعوام في منصب الرئيس التنفيذي لقيادة دفة السفينة إلى برّ الأمان، كانا لا يزالان يعملان بجد لضمان استمرار الشركة على المسار الصحيح. كانت نويل تعلم بأن المصنع في ليتل روك سبق له أن مرّ بسنوات من التقشّف وشدّ الحزام على البطون والدوران الوظيفي، لذلك لم تتوقع أن تُستقبل استقبالاً حاراً، لكنّ النظرات السلبية التي شعرت بها في أعين الموظفين كانت أسوأ حتى مما توقعت. فالكلمة التي ظلت تدور في رأسها هي "مسمومة"1.

كيفية إصلاح ثقافة عمل مسمومة

كان مدير الموارد البشرية في الشركة، دوغ لي، قد حذّرها هي وكاميرون من "المزاج السيء" في المصنع كما سمّاه. وكان صريحاً جدّاً في التعبير عن مخاوفه من أنّه على الرغم من وصول شركة فرانكلين إلى حالة من الاستقرار المالي الآن، إلا أنّ هناك مشكلة لا تزال تضغط على الأداء وكان من الصعب تحديدها كمياً، ألا وهي المعنويات السيئة للغاية وحالة اللامبالاة المنتشرة على نطاق واسع2، وتحديداً في مصنع ليتل روك.

كانت نويل قد أصغت إلى مخاوف دوغ، ولكن بوصفها شخصاً منهمكاً بالأرقام، كانت تفترض أنه وبمجرّد خروج القسم من الحالة العصيبة، فإنّ مشاكل الناس ستختفي. ومع هبوط الطائرة باتجاه أورورا، تساءلت نويل عما إذا كانت على خطأ. "قد تكون هذه المشكلة من النوع الذي لا يمكن لملف في إكســل أن يحلها"، قالت ذلك بينها وبين نفسها.

قبل يومين

كان يوم الاجتماع الثالث المُجدول مُسبقاً لنويل لمراجعة الشؤون المالية، ومرّة أخرى كانت وحدها في غرفة المؤتمرات بانتظار قدوم الموظفين.

عندما أطل أحد المشرفين في المصنع برأسه داخل الغرفة، سألته: "هل ستنضم إلينا؟"

"أعتقد ذلك"، أجابها بتردّد وجلس في الجهة المقابلة لها على طاولة الاجتماعات.

أبدت نويل اهتمامها، فرجع الرجل إلى الخلف ثم قال: "لا أعلم إذا كان يُفترض بي أن أكون هنا. تلقيت دعوة، لكنّها أرسلت إليّ من شخص آخر".

سمعت نويل أشياء من هذا القبيل طوال النهار. كان واضحاً بأنّ الناس لم يكونوا يتواصلون عبر الأقسام المختلفة أو مع زملائهم في الفريق نفسه. لم يكن أحد مهتمّاً كما بدا بسماع آخر المستجدّات المالية، والقلّة التي كانت قد حضرت الاجتماعات السابقة أبدت موقفاً أقرب إلى العدوانية. عندما دخلت المبنى صباح ذلك اليوم، كان الصمت المطبق يخيّم عليه. في أرض المصنع وفي المكاتب المختلفة، التزم الناس جانب الصمت؛ وعندما كانت تمرّ بهم، لم يكن أي منهم يرفع رأسه حتى. لم تكن هناك أي حيوية أو نشاط، بينما غابت روح الزمالة.

"هلا أسديت لي خدمة يا مارشال؟" سألت نويل. "اسمك مارشال، أليس كذلك؟" أومأ برأسه موافقاً.

"لا يبدو أن شخصاً آخر سيحضر الاجتماع"، قالت وهي تنظر إلى الساعة التي كانت تشير إلى الحادية عشرة والثلث. "هلا أخبرتني ماذا يحصل هنا؟"

جلس مارشال هادئاً لمدّة دقيقة ثمّ هز كتفيه لا مبالياً. "أعتقد أنّه ليس لديّ ما أخسره حالياً"، قال ذلك لها. "لم يعد هذا المكان مناسباً للعمل باعتقادي. لديّ أناس يتركون العمل أو يهدّدون بترك العمل طوال الوقت3. الناس هنا لا يحبّون القدوم إلى العمل. يبصمون وهم داخلون ويبصمون وهم خارجون. أعمل هنا منذ 18 عاماً، ولم يسبق أن كان الوضع كما هو حالياً. كنا نستمتع في عملنا، وكنا نخرج معاً بعد أوقات الدوام. أمّا الآن فكل ما أسمعه هو "أريد أن أنجز عملي وأغادر فحسب". لم يعد هناك إحساس بأننا مجموعة واحدة".

"بسبب عمليات التسريح؟" سألته وهي تعلم الإجابة حتى قبل أن تنهي السؤال.

"نعم بالضبط. الجميع يعلم بأن الشركة مرّت بأوقات عصيبة. لكن كل عمليات "شد الحزام" – مشيراً بأصبعيه في الهواء إلى قوسي التنصيص، بينما جفلت نويل مدركة مدى غباء هذه العبارة التي تهدف إلى تلطيف الواقع السيء – تركت أثرها السيء". كل المزايا التي كانت تشدّ من أزر الناس وتقرّبهم من بعض – مثل وجبات الغداء والعشاء في المصنع، والعلاوات المالية، حتى الصغيرة منها – كانت تعني الكثير بالنسبة لموظفينا. أما الآن فنحن لا نفعل شيئاً لهم. عدا عن أنّ أجراً يبلغ 15 دولاراً في الساعة لا يكفي لسد رمقهم".

"أنا أقدّر صراحتك معي"، قالت نويل. "أتخيّل صعوبة الموقف".

"كما أخبرتُكِ، ليس لديّ ما أخسره". ابتسم مارشال والحزن بادٍ على محيّاه. "لكنّ الوضع محزن. أتذكّر عندما كانت الشركة تنتبه إلى وجودي، بل وكانت تهتم لأمري. لكنّ الوضع الآن اختلف وكأنّ أحداً لا يثق بأحد".

"هل هناك من طريقة تسمح للشركة بأن تستعيد ثقتك بها؟"

"بصراحة، لست واثقاً من وجود هكذا طريقة. ثمّة شعور بأنّ أورورا تركّز على الإيرادات. كل ما أنجز في السنوات القليلة الماضية كان يركّز على المال وليس على الأفراد. وأصبحت الرسالة هي: "أشكر ربك أنّ لديك وظيفة". لم أرَ أي إشارات على أنّ الأمور ستتغيّر في وقت قريب".

العودة إلى أورورا

في صباح اليوم التالي لعودة نويل من ليتل روك، وجدت نفسها في غرفة مؤتمرات فارغة أخرى، لكنها في هذه المرة كانت تنتظر كاميرون ودوغ. بعد بضع دقائق دخلا الغرفة معاً.

"كيف كانت رحلتك؟" سأل كاميرون.

"مأساوية"، أجابت متذكّرة اجتماعها مع مارشال.

هزّ كاميرون رأسه وهو يشعر بنفاد صبره. "هذه أوقات عصيبة على الجميع. لقد شعرت المواقع الأخرى التابعة لنا بالألم مما حصل، لكنّ لم يصل الوضع في أي موقع إلى الشعور بالمرارة كما حصل في مصنع ليتل روك". توقّف قليلاً ثم قال: "تعلمين أننا لا زلنا تحت الرقابة الدقيقة من "إف بي هولدينغ". وقد يكون تسريح الموظفين هو خيارنا الأفضل للإبقاء على سير الأمور في الاتجاه الصحيح".

تبادلت نويل نظرة سريعة مع دوغ. كانت تعلم معارضته المطلقة لأيّ عمليات تسريح إضافية بما أنهم باتوا في وضع مالي أفضل الآن.

"أدركتُ أن تسريح الموظفين ليس ضرورياً من الناحية المالية. لكن من الناحية الثقافية، حان الوقت للقيام ببعض عمليات التطهير"، مضى كاميرون في كلامه. "ليس بوسعنا أن نحتفظ بأشخاص مثل مارشال، يشغل منصب مشرف، وينشر السوداوية والتشاؤم في أرجاء المؤسسة. نحن بحاجة إلى أشخاص يمتلكون نظرة إيجابية تجاه مستقبل الشركة، وليس من يتمسّكون بماضٍ تليد لا يمكننا الرجوع إليه".

أبدى دوغ اعتراضه قائلاً: "مع احترامي الشديد لك، أنا اختلف معك في الرأي يا كاميرون". لم يكن مارشال من النوع الذي لا يخبر الرئيس التنفيذي إلا بما يودّ سماعه. "لقد التزم هؤلاء الموظفون بالعمل معنا طوال الفترة العصيبة، وإذا ما طبّقنا المبادرات الصائبة، بوسعنا استمالتهم من جديد. ولن تسهم عمليات التسريح الإضافية، ولاسيما أنّنا عدنا إلى تحقيق الأرباح، إلا في جعل الأمور تسوء أكثر. ثمّ من ذا الذي سينضمّ إلى شركة تعامل موظفيها بهذه الطريقة4؟ وكيف ستعثر على العدد الكافي من الناس ليحلّوا مكان الموظفين ذوي الخبرة الذين سنتخلّى عنهم، حتى وإن كانوا فاقدين للشغف بعملهم؟ تذكّر البحث الذي عرضته عليك والذي يشير إلى أنّ الشركات التي تسرّح أعداداً كبيرة من الموظفين أكثر ميلاً بمقدار الضعف إلى احتمال إعلان إفلاسها مقارنة بالشركات التي لا تُقدم على هذه الخطوة".

"لكنّ استطلاعات الرأي الخاصّة بتفاعل الموظفين، ناهيك عن القصص المرويّة كتلك التي أخبرتنا بها نويل، تشير إلى أنّ الأمور تسير من سيء إلى أسوأ"، أجابه كاميرون. لذلك أنا أجد معاناة في العثور على حلّ لهذه القضية. فنحن لم نصل بعد إلى المستوى الذي يجب أن نكون عليه من الناحيتين التشغيلية والمالية، وربما يكون السبب في ذلك هو أنّ لدينا الكثير من الموظفين الذين يعيقون تقدّمنا5. نحن نشبه الجرّاح الذي يجد نفسه أمام مريض ينزف على طاولة العمليات. فهل نضمّ أيدينا معناً ونغنّي؟ أم نخرج مباضعنا ونداويه؟"

تشبّث دوغ بموقفه وقال: "أعتقد – وصوّبيني يا نويل إذا كانت مخطئاً – بأنّ النزيف قد توقّف. والأمر حالياً يشبه مريض في وحدة العناية المركّزة ويحتاج إلى مساعدة ليتعافى".

تراجع هو وكاميرون في مقعديهما ونظرا إليها، منتظرين رد فعلها.

"أنت على حق يا دوغ بقولك إننا قد وصلنا إلى مرحلة الاستقرار"، قالت نويل. "ولكن بناءً على ما رأيته في أركنساس، فإن المريض وبكل تأكيد لم يخرج من الحالة الحرجة بعد".

الضغط على زر إعادة الإقلاع

في يوم السبت التالي، التقت نويل صديقتها جوس بالقرب من منزليهما. كانت السيدتان قد درستا في كلية إدارة الأعمال معاً وانتهى بهما المطاف سوياً في أورورا، لذلك كانتا تلجآن إلى بعضهما البعض للحصول على النصائح التي تخص العمل. وبما أنّ جوس كانت قد نجحت في إصلاح الأوضاع في شركة للإنشاءات من موقعها كمسؤولة للعمليات، فإنها كانت تقدّم يد العون كثيراً لنويل خلال عملها في شركة فرانكلين.

وأثناء دورانهما حول الملعب في مضمار يبلغ طوله 5 أميال، وصفت نويل الوضع في مصنع ليتل روك والنقاش الذي دار مؤخراً بين كاميرون ودوغ. "تحدّثنا كثيراً عن "استئصال البذور المريضة"، وكما تعلمين، فقد سرّحنا الكثير من الموظفين. لكنّ الشيء الفظيع هو أنّه على الرغم من مغادرة الأشخاص الأكثر إساءة، إلا أنّ المعنويات بقيت منخفضة".

"ليس الموظفون هم من يسمّم الأجواء"، قالت جوس، "وإنما الثقافة هي المسمومة6. وبالتالي، حتى لو كان ذلك صعباً، فإنكم يجب أن تصلحوه أولاً. لقد أعطيتك أسماء الاستشاريين الذين نعمل معهم، أليس كذلك؟"

"بلى، أنا ودوغ تحدّثنا معهم سابقاً. ولكن كلّما كنّا نطرح فكرة العمل معهم على كاميرون، كان يرفضها متذرّعاً بعدم قدرته على تحمّل التكاليف حالياً، وهو محق في ذلك. فإيراداتنا ستبدو في وضع أفضل إذا واصلنا تخفيض النفقات الثابتة7، عوضاً عن إنفاق المزيد من المال لمحاولة إصلاح المشكلة".

"بالنسبة لشركتنا، كان ذلك أفضل مال ننفقه في تاريخنا"، قالت جوس. "كان الوضع صعباً بالتأكيد. واستغرق وقتاً طويلاً بالتأكيد. ففي معظم الأحيان، كنت أشعر وكأنني أعيش في قصّة من قصص أفلام الكرتون. لكنّ مواقف الموظفين تحسّنت كثيراً، حالها حال الأرقام".

"لديّ ما يفوق قدرتي على الإنجاز فيما يتعلّق بالوضع المالي. لا أعلم لماذا يجب عليّ أن أشارك في هذه المسألة8. لكنّني أكره الشعور بأنّ فريق المدراء التنفيذيين يخذل موظفينا، ويستعمل أرقامي لتبرير ذلك".

"تحتاج إعادة الشركة إلى مستوى رفيع من الأداء التشغيلي إلى تركيز مئات الموظفين وبذلهم لأقصى طاقتهم"، قالت جوس. "يخدع كاميرون نفسه إذا كان يعتقد أنّه قادر على الاعتماد على بضعة أشخاص طيّبين يتمكّنون وبمعجزة من المحافظة على تفاعلهم بعد جولة إضافية من عمليات تسريح الموظفين".

"أنا أظل أنظر حولي بحثاً عن زر إعادة الإقلاع"، قالت نويل.

"لسوء الحظ، عندما يتعلّق الأمر بالثقافة ليس هناك شيء من هذا القبيل".

دراسة حالة حول إصلاح ثقافة عمل مسمومة

أسئلة حول كيفية إصلاح ثقافة عمل مسمومة

رأي الخبراء

هل يجب على نويل دعم تسريح الموظفين أم المطالبة بتغيير الثقافة؟

جيرمي آندروز: الرئيس التنفيذي لشركة "تريغر غريلز" (Traeger Grills)

سوف تحتاج فرانكلين على الأرجح إلى التخلّي عن المزيد من الموظفين في لحظة معيّنة، وينبغي على نويل وكاميرون تركيز عمليات التسريح هذه على الموظفين الذين لا يتبنّون قيمهم أو ليس لديهم إيمان بمستقبل الشركة. لكن أعتقد أن الفريق القيادي مضطر إلى القيام بالكثير من العمل قبل اتخاذ القرار.

ليس بوسع نويل إصلاح هذه المشاكل بمفردها؛ فبوصفها المديرة المالية، فإنّ صلاحياتها محدودة في نهاية المطاف. وإنما تقع على عاتق كاميرون، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي، مسؤولية القيادة. في الحقيقة، أنا فوجئت عندما علمت بأنّه لم يزر المنشأة في ليتل روك بنفسه لرسم صورة أفضل عمّا يجري على الأرض. ويبدو أنّه منفصل عن الناس الذين يديرون شركته، وهذا أمر خطير. فالرئيس التنفيذي لا يجب عليه البتّة تفويض أمر الثقافة إلى شخص آخر.

عندما تولّيت قيادة شركة "تريغر غريلز" (Traeger Grills) في عام 2014، كان المزاج السائد فيها شبيهاً بما هو موصوف هنا، حيث لم يكن هناك تعاون. كان الموظفون يريدون أن يأتوا إلى الدوام، ويُتركوا وشأنهم، وينفّذوا الحد الأدنى من العمل، ويحصلوا على أجورهم يوم الجمعة كل أسبوعين. كنا جميعاً- بمن فيهم أنا بصراحة- نكره الذهاب إلى العمل آنئذٍ.

وبما أنّ تجربتي السابقة كانت في شركة ناشئة، اعتقدت أنّ بوسعنا وضع استراتيجية للخروج من هذه الحالة وتطبيقها على المستوى التشغيلي، لكنني كنت مُخطئاً. فالنجاح التجاري لا يقود إلى ثقافة إيجابية، بل العكس هو الصحيح.

عندما بدأت أصغي إلى الناس، سمعت قصصاً صدمتني. أخبرني أحد مندوبي المبيعات أنه قد دعا أحد الزبائن لتناول طعام العشاء – وهي إحدى الطرق الأساسية التي يتّبعها مندوبو المبيعات لبناء الأواصر مع الزبائن – وأنّه تلقى توبيخاً لعدم حصوله على الموافقة أولاً. وأخبرني موظف آخر يستحق الاحترام أنّ العلاوة الوحيدة التي تلقاها من الشركة قبل انضمامي إليها كانت عبارة عن شيك بمبلغ 36 دولاراً يُفترض بأن يُصرف على شراء ديك حبش (رومي). كان المزاج سيئاً جدّاً إلى حد أننا عندما قرّرنا إدخال تغييرات على سلسلة التوريد وأغلقنا المخزن، أضرم الموظفون الغاضبون النار في إحدى شاحنات الشركة في موقف السيّارات.

اتضح لي أنّ الشركة كانت بحاجة إلى بداية جديدة تماماً، وهذا كان سبباً أساسياً لانتقالنا إلى موقع آخر. ومن بين 140 موظفاً كانوا يعملون لدينا في ذلك الوقت، دعونا 25 موظفاً فقط للانتقال معنا. أردنا ضم الموظفين الذين كانوا يؤمنون بقيم شركتنا، وليس من كانوا راسخين في الثقافة المسمومة.

لا يقود النجاح التجاري إلى ثقافة إيجابية، بل العكس هو الصحيح.

قد تُقرّر نويل أو كاميرون في نهاية المطاف أنّ ذلك هو المسار الصائب الذي يجب على فرانكلين أن تسير فيه أيضاً. ولكن قبل أن يطردا أيّ شخص آخر، يجب عليهما أن يتفّهما الوضع حقاً في مصنع ليتل روك. فنحن بوضوح أمام مجموعة تعرّضت لاضطهاد كبير. فلماذا يشعرون بعدم الرغبة بالتفاعل؟ لماذا بقوا في الشركة؟ ما الذي سيجعلهم يشعرون بأنهم قد استثمروا في هذه الشركة وفي عملهم؟ كما يجب عليهما الحديث عن نوع الثقافة التي يرغبان ببنائها. بعد ذلك بوسعهما اتخاذ قرارات التوظيف والطرد بناءً عليه.

يخلق القادة ثقافات قويّة عندما يتمتعون بالشفافية مع فرقهم بخصوص وضع الشركة في الماضي والمكانة التي يطمحون بنقلها إليها. عندما يُقْدِمُ قادة شركة فرانكلين على هذه الخطوة، قد يجدون أنّ العديد من الموظفين لا يستطيعون الانضمام إليهم في رحلتهم تلك، أو قد لا يرغبون في ذلك. لكنّ هذه الخسائر سوف تكون للصالح العام. فالصنف الصحيح من الموظفين هو القادر فقط على مساعدة الشركة على الازدهار.

فيليب شرام: المسؤول المالي ونائب الرئيس لشؤون الموارد البشرية في شركة "ويباستو روف سيستمز" (Webasto Roof Systems).

يجب على نويل أن تنادي بالإبقاء على الموظفين ضمن الشركة، وليس التخلّص منهم. ففرانكلين بحاجة إلى ذهنية مبنيّة على تعاون الجميع، بحيث يكون كل واحد منهم قادراً على فهم المعاناة الحاصلة والشعور بأنّه يستثمر في إنجاح القسم. وهذا هو الطريق الوحيد الذي سيمكّنها من التصدّي للتحدّيات التي تواجهها، سواء مادياً أو ثقافياً.

تتمثّل الخطوة الأولى بالنسبة لقادة المؤسسة في رسم الرؤية. أين يجب أن يكون هذا القسم بعد مرور عام؟ وبعد مرور خمسة أعوام؟ كيف يمكن للموظفين أن يساعدوا في حصول ذلك؟ بعدها يجب على مدراء فرانكلين أن يكونوا صرحاء مع الموظفين بخصوص الوضع المالي الحقيقي للشركة، وأن يشركوهم في الرؤية الجديدة. فهذا يمنح الموظفين هدفاً يتحلّقون حوله.

وفي الخطوة التالية، يجب على المدراء أن يعزّزوا الإحساس لدى الموظفين بأنّهم عنصر حيوي في نجاح فرانكلين. قلّة من الناس فقط في ليتل روك تشعر بأنّ عملها مهم أو مفيد، وهذا واقع يجب أن يتغيّر. بطبيعة الحال، ليس من السهل إقناع الموظفين غير المتفاعلين أن يسيطروا على زمام عملهم. وأنا أوصي بالبدء بجمع المزيد من البيانات حول القضايا الأساسية (استناداً إلى استطلاعات رأي الموظفين، على سبيل المثال) أو الإصغاء ببساطة إلى الموظفين وهم يعبّرون عن آمالهم ومخاوفهم.

يجب على فرانكلين بعد ذلك تحديد الموظفين التوّاقين إلى المساعدة في تغيير الواقع الراهن (باستعمال التحليل الشبكي، على سبيل المثال) وتمكينهم من أن يكونوا بمثابة نماذج تُحتذى وقادة غير رسميين لعملية التغيير. من الحيوي بمكان فعل كل ذلك بدعم من الشركة الأم.

تستند هذه القضية نوعاً ما إلى تجربتي التي تعود إلى عام 2013 في شركة "ويباستو روف سيستمز" (Webasto Roof Systems)، وهي جزء من مجموعة "ويباستو غروب" (Webasto Group) الرائدة في التوريدات الخاصّة بصناعة السيارات. وفي مسعى منّا للبحث عن العناصر التي يمكن أن تساعدنا في التغيير، طلبنا من زملائنا الذين كانوا يرغبون بأن يشاركوا بفاعلية في إحداث تحوّل في ثقافة الشركة تقديم طلباتهم. تلقينا ما يقارب 180 طلباً لشغل 18 موقعاً، وكانت هذه علامة جيّدة. انتقينا العناصر المساعدة في التغيير والتي اجتمعت كمجموعة لتحديد الأهداف الخاصة بثقافتنا، وتحديد سلوكيات الموظفين التي ستقرّبنا من تحقيق هذه الأهداف. ثمّ أطلقنا برامج لتحسين التفاعل والتواصل وتشجيع الناس على تحمّل المسؤولية عن أداء القسم. كانت شركتنا الأم قد دعمت هذه الأنشطة كلها، وإن كانت قد مثّلت انحرافاً على المدى القصير عن المعايير المطبّقة في عموم المجموعة.

مهما كان القطاع الذي تعمل فيه، فإنّ الأفراد هم أساس أي شركة.

فعلنا كل ذلك دون وجود أي استشاري خارجي، وكان ذلك عنصراً حاسماً في نجاحنا. وبحسب تجربتي، فإنّ الاستعانة بأطراف خارجية لإعادة رسم معالم الثقافة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. يجب أن يبدو هذا العمل بمظهر العمل الأصيل والحقيقي وأن يأتي من الناس الذين يفهمون المؤسسة.

أكذب لو قلت أنّ الثقافة تتّسم بالإيجابية بنسبة 100%، لكننا أدخلنا تحسينات هائلة على جميع المعايير التي نقيسها، بما في ذلك المعايير المالية.

غالباً ما يشعر الرؤساء التنفيذيون بإغراء للتركيز على الأرقام فقط، لكنّني تعلّمت القاعدة التالية: مهما كان القطاع الذي تعمل فيه فإنّ الأفراد هم أساس أي شركة. تحتاج فرانكلين إلى الاعتناء بثقافتها الآن، وعدم اتخاذ الإجراءات التي قد تسهم في تدميرها أكثر.

تعليقات مجتمع هارفارد بزنس ريفيو حول موضوع إصلاح ثقافة عمل مسمومة

استهدفوا المخرّبين

لن يحلّ التطهير مشكلة الثقافة؛ لكنّ استهداف الموظفين الذين يسمّمون الثقافة واستئصالهم قد يكون ضرورياً. قلّة من الموظفين فقط هم من المخرّبين؛ وغالبيتهم تريد إنجاز عمل جيّد. لكن كل مخرّب يجب طرده.

كيلي سميث جونسون، مالكة شركة "كلارتي كونسالتينغ بارتنرز" للاستشارات.

التغيير من قاعدة الهرم إلى قمّته

يجب على كاميرون تجميع فريق من أركنساس لتولّي مسؤولية الدفع بالتغيير. لكنّ تركيبة هذا الفريق يجب أن تعكس مواقف الموظفين، وليس مواقف قيادة الشركة. ويجب أن ينطلق التغيير من قاعدة الهرم إلى قمّته، ولذلك فأنت بحاجة إلى تمكين الناس الذين يمتلكون حافزاً لتغيير الأشياء، حتى لو كانوا يختلفون معك في الرأي.

جين ريد شارم، مديرة في فلايت غلوبال

فكّر عالمياً وتصرّف محلياً

وفي نهاية الحديث عن موضوع إصلاح ثقافة عمل مسمومة لديك، يحتاج كاميرون إلى معرفة ما إذا كانت المشاكل تقتصر على مصنع ليتل روك. وإذا كان هذا هو الحال، فإنّ ذلك قد يكون نتيجة للقيادة المسمومة التي يجب أن تُستبدل. فإذا ما كانت واسعة النطاق، فإنّ فرانكلين ستحتاج ساعتها إلى تحسين الثقافة في عموم الشركة.

رافي نيماليكانتي، مدير إدارة أول في شركة طمسون رويترز.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي