أخبرتني صديقة في الإدارة التنفيذية لمؤسسة تعمل في صناعة متأثرة بالزعزعة الرقمية والهوامش المتدنية خلال جلسة سوياً كيف نالت رئيستها التنفيذية الجديدة إعجاب الجميع في اجتماع للإدارة التنفيذية خارج الشركة. قالت صديقتي: "لقد استمعت بحرص لشكاوى الأفراد بشأن جميع العمليات والعوائق التي شعروا أنها تعرقل أداء وظائفهم. وبدلاً من صدّهم أو مهاجمتهم، وافقت وقالت أنها ستفعل ما في وسعها للتخلص من هذه العوائق... فأُعجِب الجميع بذلك وشعروا بالنشاط".
أثر إشراك الموظفين في الإدارة
لا شك في أن الأثر رائع بالنسبة للرؤساء التنفيذيين المتجاوبين، لكن تفانيها الواضح مع علمها جيداً بالصناعة عبّر عما يتجاوز الرغبة المفهومة في القضاء على الأعباء البيروقراطية المزعجة. فقد أرادت على الأرجح أن ترى كيف يدرك أفراد الإدارة العليا فاعليتهم. والهدف من وراء ذلك: القضاء على العوائق المؤسسية لتحسين نتائج العمل كُلياً.
لم يكن التمكين غرضها في المقام الأول، فالرئيسة التنفيذية كانت تزيل بفاعلية حجج الإدارة التنفيذية لتبرير تدهور الأداء وعدم الكفاءة. وقد لاحظت بصفة أساسية أن هذا كان استثماراً في رفع تحمّل الأفراد للمسؤولية. لم تعارضني صديقتي المسؤولة عن جزء كبير من العمل، فقد كانت تدرك صعوبة موقفها.
تصعبُ تسمية هذا النهج بأنه نهج مخادع أو "مكيافيلي" يرى في الغاية مبرراً للوسيلة، لكن من العدل تذكر أن المؤسسات في كثير من الأحيان تسيء فهم إشراك الموظفين وتمكينهم. فالإشراك والتمكين يمثلان قِيَماً مرغوبة ومحلاً للإعجاب، لكنهما في الأساس وسائل وليست غايات. والهدف العملي من زيادة إشراك الموظفين في الإدارة وتمكينهم ليس إسعادهم ورضاهم، إنما زيادة إنتاجيتهم وابتكارهم ومسؤوليتهم عمّا يتخذونه من خيارات. فالتمكين هو استثمار في تحمّل المسؤولية، والمؤسسات الناجحة تتوقع عوائد إيجابية على استثماراتها.
على سبيل المثال، في إحدى المؤسسات العالمية للأعمال التجارية بين الشركات، كان موظفو المبيعات دائمي الشكوى من عبء تقديم تقارير مُفصّلة عن مكالماتهم مع العملاء الحاليين والعملاء المحتملين. وعلى الرغم من الفائدة التي تعود على فرق المبيعات والمؤسسة على حد سواء من المعلومات والبيانات التي تقدمها هذه التقارير، بينت غالبية المبيعات الواضحة أن الوقت والجهد المطلوبين لتقديم التقارير كانا على حساب الوقت والجهد المبذولين في البيع. قال فريق المبيعات: بإمكاننا أن نبيع أكثر لو طلبتم تقارير أقل. دعونا نعمل بحرية لنحقق مبيعات عالية. خففوا أعباء التقارير. مكّنونا.
التعامل الجدي مع نهج تمكين الموظفين
لذا، كاختبار وإثبات لتعامل الشركة بجدية مع شكاوى فريق المبيعات لديها، غيّرت الشركة سياسة التقارير المطلوبة لبعض المناطق وخطوط الإنتاج. وكانت النتيجة: زيادة مبيعات مجموعة من الموظفين ذوي الأداء المرتفع، واستقرار معدل المبيعات بالنسبة للغالبية العظمى، بينما انخفضت المبيعات بشكل ملحوظ بالنسبة إلى 20% من المشاركين.
بمعنى آخر، لم يرفع التمكين من المبيعات المحققة إلا لبعض أفراد الفريق، ولم يُسفِر عن فائدة إيجابية على صعيد الإنتاجية بالنسبة لباقي الأفراد. بل أشارت مراجعات المبادرة بالفعل إلى أن التسويق وخدمة العملاء قد تأثروا سلباً بغياب تقارير المبيعات المُفَصّلة لهذه الحسابات. ومن المفارقات في الواقع أن مندوبي المبيعات متوسطي الأداء ثبت أنهم يعتمدون على التقارير السابقة لفاعليتها، بدرجة أكثر مما أقروا به.
كان لهذه التجربة في النهاية أثر هائل على مؤسسة المبيعات. فعندما بسّطَت الشركة متطلبات تقارير المبيعات، كشفت هذه التجربة أن فريق المبيعات عيّن الكثيرين من الموظفين منخفضي الأداء، كما عجز كثير من مندوبي المبيعات عن تقييم العملاء المحتملين بدقة وتحديد موقعهم في دورة المبيعات دون دعم أكثر تفصيلاً. خلاصة القول: إن السماح لمندوبي المبيعات الأفضل أداءً بالعمل بحرية كان استثماراً رائعاً، بينما أسفر تمكين مندوبي المبيعات المتوسطين أو العاديين عن عائد استثمار ضعيف.
سواء كان المجال المعنيّ هو المبيعات أو خدمة العملاء أو البرمجيات، فإن استمرار الأداء المنخفض للموظفين بعد تمكينهم دليل على أنهم في الوظيفة الخاطئة على الأرجح. قد يكون التمكين بالفعل الطريقة الأوثق لتحديد أي المنهجين يحقق أكبر قيمة مضافة للوظيفة: الامتثال الصارم للتعليمات أم منح الموظفين مساحة أكبر لأخذ المبادرة. كما أن التمكين نقيض الامتثال، فالغرض منه زيادة الخيارات لا تقليلها.
ولكن بينما يُخضِع الامتثال الموظفين للمساءلة عن اتباع القواعد، يُخضِعهم التمكين والإشراك في الإدارة للمساءلة عن خياراتهم، وكلما زاد تمكينهم، زاد تحملهم للمسؤولية. بمعنى آخر، اختر ما ترجوه بعناية لأنك ستحصل عليه حتماً.