زاد استياء الأطباء بسبب ظروف العمل المتدهورة كما زادت المخاطر المتعلقة بتقديم الرعاية الصحية للمرضى إلى مستويات مثيرة للقلق في المستشفيات الأوروبية. وسعياً إلى فهم الواقع المتطور وإشراك الأطباء في التقنيات الجديدة، يتتبع استطلاع "الخط الأمامي للرعاية الصحية" الذي تنفذه شركة "باين" (Bain) في أوروبا كل عامين مواقف مزاولي المهن الطبية الأوروبيين وأولوياتهم وسلطة اتخاذ القرارات لديهم، وتستند النتائج إلى آراء 1,556 طبيباً من تسعة تخصصات و154 مديراً للمشتريات في المستشفيات في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا.
يُظهر بحثنا أن غالبية الأطباء لن يزكوا مستشفياتهم لعائلاتهم أو أصدقائهم كمكان للعمل أو لتلقي الرعاية الصحية. بالإشارة إلى النقص في أعداد العاملين، وتخفيضات الميزانية، والمعدات القديمة، وعدم كفاية المرافق، يحذر الأطباء من أنهم غير مستعدين للتعامل مع تحديات الرعاية الصحية التي تلوح في الأفق. حاولت المؤسسات الموفرة للخدمة إجراء تغييرات هيكلية على مدى السنوات القليلة الماضية لإصلاح مشاكل معيّنة، ولكن جهودها على وجه الإجمال باءت بالفشل.
إشراك الأطباء في التقنيات الجديدة
عندما يحتاج النظام بأكمله إلى التجديد، يكون من الصعب معرفة من أين تبدأ. من خلال خبرتنا، يستطيع مزودو الخدمات الصحية خلق زخم قوي للتغيير وإعادة إشراك الأطباء من خلال التركيز تحديداً على التقنيات التي يشعر الأطباء أنها تحسن قدرتهم على تقديم الرعاية الطبية. ومع ذلك، فالتقنية وحدها ليست كافية ومن الأهمية بمكان الحصول على قبول الأطباء واقتناعهم من خلال التأكيد على استفادتهم من مزايا التقنية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن إشراك الموظفين في عمليات أمن البيانات في مجال الرعاية الصحية؟
نرى عدداً قليلاً من شبكات مزودي الخدمة الرائدة في أوروبا قد بدأ بسلك هذا المسار. وتعيد هذه الشبكات إشراك الأطباء من خلال رسم رؤية واضحة لتوفير رعاية صحية استثنائية، والابتكار على نطاق واسع في عدد قليل من المجالات الأساسية، والاستثمار في التقنية التي من شأنها أن تساعد هذه الشبكات في إدخال تحسينات جوهرية على طرق تقديم الرعاية الصحية. وتستهدف هذه المؤسسات التقنيات التي ثبت تأثيرها على النتائج التي حققتها للمرضى، أو لها أثر مؤكد على كفاءة تقديم الرعاية، أو على مشاركة القوى العاملة وتفاعلها، أو على إدارة طلبات القاطنين في المناطق التي يقدمون خدمات فيها.
ومؤسسة "سالفورد رويال إن آتش إس فونديشن تراست" لخدمات الرعاية الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (Salford Royal NHS Foundation Trust)، هي عبارة عن شبكة واحدة من مقدمي الخدمات الطبية وهي رائدة في التفاعل مع الزبائن في الخطوط الأمامية وفي نشر التقنيات الحديثة. وتتمتع مؤسسة "سالفورد رويال إن آتش إس فونديشن تراست" بسمعة طيبة كواحدة من أفضل مجموعات المستشفيات في المملكة المتحدة، وتعد واحدة من بين 16 مستشفى أشادت بها هيئة الخدمات الصحية الوطنية "كنموذج يحتذى به في تقديم الرعاية الصحية الرقمية على مستوى العالم"، وهي مزود لخدمات الرعاية الصحية الفائقة بكفاءة عالية من خلال استخدام التقنيات الرقمية عالمية المستوى.
المشاريع الرقمية التي تهدف إلى تحسين تجربة المرضى
أطلق فريق الإدارة في مؤسسة "سالفورد رويال إن آتش إس فونديشن تراست" الخيرية في المملكة المتحدة 50 مشروعاً رقمياً تهدف إلى تحسين تجربة المرضى وأمانهم، وزيادة الكفاءة التشغيلية وتحسين الموثوقية. وقد أثمر العديد من هذه الاستثمارات بالفعل نتائج إيجابية للمرضى، بما في ذلك أداة تقييم إلكترونية للكشف عن الهذيان الذي خفض متوسط طول فترة الإقامة في المستشفى للمرضى بمعدل النصف، والبنية التحتية لتقنية المعلومات التي تمكن المرضى من إرسال بياناتهم من خلال الأجهزة القابلة للارتداء مباشرة إلى الأطباء لرصدها في الوقت الحقيقي، وأداة تقييم إلكترونية خفضت معدل الجلطات الدموية الوريدية لدى المرضى بنسبة 20%. كما أدت استراتيجية "سالفورد" أيضاً إلى تقليل وقت إعداد الوثائق والمستندات بشكل كبير للموظفين. قال 93% من الأطباء إنهم راضون عن الخدمات الإلكترونية لتسجيل المرضى بالمستشفى وفقاً لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة "كيه إل أيه إس" للأبحاث (KLAS Research)، مقارنة بمتوسط يقدر بـ 60% بين الأطباء على وجه العموم.
اقرأ أيضاً: كيف سيكون منهج أمازون في دخول قطاع الرعاية الصحية؟
لا يزال العديد من مؤسسات مقدمي الخدمة في بداية الرحلة. ففي إسبانيا، تقوم شركة "بادالونا سيرفايس أسيستانشيالز" (Badalona Serveis Assistencials)، وهي شركة محلية تعمل خارج برشلونة، بنشر تقنيات مختلفة لتطوير نموذج رعاية صحية أكثر تكاملاً وفعالية للمرضى الذين يعانون من حالات مرضية مزمنة ومعقدة. واستخدمت التحليلات المتقدمة لبناء نموذج تنبؤي لمجموعات المرضى حسب المخاطر حتى يتمكن الأطباء من التدخل بشكل استباقي؛ وهي تستخدم سجلات الرعاية الصحية الإلكترونية المتكاملة بالكامل لتنسيق الرعاية عبر مواقع الرعاية المختلفة، بما في ذلك الرعاية المنزلية والرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية؛ وهي تستخدم المراقبة عن بعد لمراقبة حالة المرضى عن كثب في منازلهم. وقد نجحت تلك الجهود حتى الآن في خفض متوسط مدة الإقامة في المستشفيات ومتوسط أيام استخدم الأسرّة وزيارات الطوارئ. وعموماً، لقد تحسنت نتائج المرضى وانخفضت التكاليف التشغيلية الخاصة بالخدمات السريرية.
في فرنسا، هناك أربعة مستشفيات في باريس تشكل جزءاً من تجربة استخدام التعلم الآلي والبيانات الضخمة في معالجة مشكلة نقص العاملين من خلال التنبؤ بزيارات المرضى ومعدلات دخول المستشفيات. ويجمع المشروع، الذي يديره "المركز الطبي في باريس" (Assistance Publique-Hôpitaux de Paris)، وهو أكبر منظومة إدارة مستشفيات في أوروبا، بيانات الفترات السابقة (دون إشارة إلى هويات أصحابها) ومجموعات البيانات الخارجية، بما في ذلك الطقس والعطلات الرسمية وأنواع الإنفلونزا، من أجل التنبؤ بالزيارات ومعدلات دخول المستشفيات خلال الأيام الخمسة عشر القادمة. تخطط مجموعة المستشفيات لاستخدام البيانات من أجل ضمان مستويات التوظيف المناسبة خلال فترات الذروة، والحد من أوقات الانتظار وتحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة. على الرغم من أن نموذج التنبؤ لا يزال قيد التطوير، فقد ثبتت دقته بتحقيقه نسبة تفاوت في حدود 5% مقارنة بالمعدل الفعلي لدخول المستشفى. وتأمل الإدارة في تنفيذه في نهاية المطاف ونشره في جميع المستشفيات البالغ عددها 44 مستشفى.
يواجه مقدمو الرعاية الصحية في أوروبا تحديات عامة واسعة النطاق، بما في ذلك إعادة النظر في تقديم الرعاية لأعداد المسنين التي تتزايد بسرعة بين السكان. ويمكن أن تساعد الاستثمارات المستهدفة في مجال التقنيات الحديثة التي تحسن رعاية المرضى وكفاءة مقدمي الرعاية الصحية على تمكين هذا التحول. تسلط الجهود التي تبذلها كل من جامعة "ستانفورد" وشركة "بادالونا سيرفايس أسيستانشيالز" و"المركز الطبي في باريس" الضوء على الطريق نحو المستقبل.
إن وضع أهداف طموحة لتحسين الرعاية الصحية واستخدام الاستثمارات الذكية في التقنية من أجل إشراك الأطباء في التقنيات الجديدة يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في إحداث تغيير أوسع نطاقاً ويساعد في معالجة حالة السخط التي يواجهها العديد من الأطباء في أوروبا.
اقرأ أيضاً: