كيف تخبر زميلك في العمل أنه يزعجك

4 دقائق
إخبار الزميل أنه مزعج

عندما نعمل عن كثب مع الآخرين، فمن السهل أن تنشأ الصراعات والتوترات بسبب الاختلافات الطبيعية بين الناس في طبيعتهم وتوقعاتهم. حين تحدث مثل هذه التوترات، سيكون لديك أحد خيارين، الأول: الحديث عن المشكلة ولفت الانتباه إليها، والثاني: صمت وتجاهل الأمر. العديد منا يعضّ على لسانه لأننا نخشى أنه إذا تحدثنا بصراحة، فسوف نؤثر على العلاقات المهمة التي تربطنا بالآخرين.

ولكن الأبحاث تشير إلى أن تجاهل هذه المواقف سيزيد الأمر سوءاً، وذلك لأسباب عديدة. ففي حالة التوتر عادة ما يستجيب الدماغ إما عن طريق المواجهة، أو الهرب، أو الوجوم، وفي أثناء كل حالة من هذه الحالات يكون هنالك ضمور في نشاط بعض المناطق في الدماغ. وقد كشفت الأبحاث أن محاولة كتم التوتر تجعل ردّة فعل الدماغ الدفاعية أكثر عنفاً. ولذا، فإنك حين تقول "لا مشكلة" في كل مرة، فإن هذا لن يساعد على تحقيق حالة التوازن التي نرجوها.

إن تلك المشاعر التي نفترض أننا نخفيها معدية بشكل عجيب. فقد وجد علماء النفس أن الإنسان حين يكون عَكرَ المزاج فإنه ينقل التوتر أو الانزعاج الذي لديه إلى من حوله من الأشخاص خلال 5 دقائق فقط، حتى لو لم يدُر بينهم حديث أو لم يكونوا يعملون سوية. ولهذا فإن زميلك سيلتقط بلا وعي منه تلك الإشارات السلبية التي تحملها عنه، سواء كنت تلمّح وترغب في أن يقرأ أفكارك أو لم تكن راغباً في ذلك.

إخبار الزميل أنه مزعج

أما الأخبار الجيدة، فهي أن هناك طريقة سليمة ومضمونة العواقب لمصارحة زميلك بالقضايا الشائكة التي تزعجك، حتى لو ظننت أن في الأمر حرجاً بسبب الاختلاف في المرتبة بينكما. وهذه الطريقة تساعد على أن يتجنب الطرفان الرد بطريقة دفاعية، وتهيئك لاستخدام لهجة إيجابية أثناء الحوار، وفيما يلي تفاصيل هذه الطريقة:

الخطوة صفر: دع مقصدك تحقيق التعاون. اسأل نفسك قبل البدء بالحوار: "ما شكل العلاقة التي أرغب في الحفاظ عليها مع هذا الشخص؟"

لقد عملت مع مدير في مرحلة مبكرة من مهنتي كان دوماً يعيد كتابة عملي، وأحياناً يغيّر التركيبات النحوية التي أستخدمها بشكل يجعل فهم الجمل صعباً على القارئ. لقد كان أسلوبه في إدارة الأمور بأدق تفاصيلها كفيلاً بأن يجعلني أشعر بأنني مراهق مشاكس. شعرت بضرورة قول شيء له. ولو لم أتوقف هنيهة لأفكر بالهدف الذي أرجوه من الحديث معه، لذهبت إليه بهدف غير معلن وهو: "سأحرص على أن يفهم هذا الرجل أنه يزعجني حد الجنون!". ولبقيت مسكوناً بفكرة "المواجهة". ولكنني فكرت لبضع ثوانٍ ووضعت هدفاً جديداً للحوار مع المدير: "حاول أن تكتشف سبب تصرفه بهذا الشكل، وتناقش معه بالطريقة التي تساعدكما على العمل سوية بطريقة أكثر فعالية." ولو افترضنا فعلاً أن المشاعر معدية، فإن الشعور الذي يرافق هذه الرسالة سيكون له وقع أفضل على الطرف الآخر.

الخطوة 1: اطلب الإذن

لا تشرع بالكلام عن الموضوع مباشرة. ابدأ حديثك مع الطرف الآخر قائلاً: "إن علاقة العمل التي تربطنا سوية تعني لي الكثير، وهناك أمرٌ في ذهني أودّ التحدث معك حوله، هل تأذن بذلك؟" فإن كان الوقت غير مناسب، فيحسن بك تأجيل الكلام إلى وقت لاحق، أما إن كان الوقت مناسباً، فستكون قد نجحت في التقديم للموضوع ببيان قصدك بالتعاون.

الخطوة 2: قدّم وصفاً لـ" الحقائق المجردة"

وهذا يعني أن تتحدث عن واقعة معينة وتصف الحقائق الأكيدة لديك مجردة عن العواطف أو التفسيرات أو التعميمات. بالنسبة للقصة التي جرت معي، فقد كان هذا يعني عدم قول شيء لمديري من قبيل: "التعديلات التي أجريتها سخيفة للغاية" أو "أنت لا تمنحني مساحة كافية". هذه العبارات يمكن الاختلاف حول مدى صحتها، لأنه بإمكان الطرف المقابل بكل سهولة أن يقول: "هذا ليس صحيحاً". ولأن مثل هذه التعليقات انتقادية بطبيعتها، فإنها ستدفع زميلك إلى التفكير بطريقة دفاعية، وهذا يعني أنه لن يستجيب لكلامك بأريحية وسعة صدر. حاول بدل ذلك أن تتكلم بطريقة: "أشعر أنني لاحظت (حقيقة، حقيقة، حقيقة)." حاول أن تقتصد وتوجز بالكلام قدر المستطاع، حتى لو كانت القضية مهمة في رأيك. أذكر، مثلاً، أنني قلت لمديري: "لاحظت في العرض التقديمي الأخير، أنك أعدت صياغة العناوين في 14 شريحة من الشرائح العشرين، ورأيت أن الجمل أصبحت أطول وأقل وضوحاً".

الخطوة 3: بيّن للطرف الآخر شعورك حيال ما ذكرته من الحقائق المجردة

كما وضحنا في الخطوة السابقة، وضح له ما يعنيه الأمر بالنسبة لك. لقد وجدت الأبحاث أن الإنسان يحدّ من مستوى التوتر لديه حين يعمل على تحديد مشاعره بدقة. لقد قلت لمديري: "لقد جعلني ذلك أشك في أنني لا أفهم تماماً ما الذي تريده مني." ومن المفيد هنا تجنّب استخدام اللغة الهجومية. لقد كنت غاضباً حينها، لا شك في ذلك، ولكن حين سألتُ نفسي لأعرف ما هو الخوف الذي يستتر وراء هذا الغضب، أدركت أنه قلقي الحقيقي من أنني لا أؤدي عملي على الوجه المطلوب. ومن الجيد كذلك أن توضح بلهجة صادقة سبب اهتمامك بالأمر، وتؤكد أن الهدف يتجاوز مجرد الشكوى. ولا يحتاج الأمر كثيراً من التعقيد، فقد قلت لمديري ببساطة: "إنني حريص على تأدية عملي جيداً".

الخطوة 4: حاول التعرّف على وجهة النظر الأخرى

حين نستجمع جرأتنا للخوض في موضوع حساس، قد ننسى بسهولة أننا لا نملك بالضرورة فهماً كاملاً للقضية، بل يندر أن يدرك المرء الصورة بكل أبعادها، فالإنسان كما يرى العلماء يقع دوماً ضحية ظاهرة تعرف باسم "الانتباه الانتقائي". فاحرص لذلك على أن تسأل الطرف الآخر عن رأيه في القضية المطروحة، وأظهر اهتماماً حقيقياً بإجابته، حتى لو لم تتفق معها. الهدف من هذا هو أن تقف على دوافع سلوك الطرف الآخر، لعل ذلك يساعدك على حل المشكلة. وفي الحالة التي ذكرتها لك، تبيّن لي أن مديري كان يسعى من خلال تعديلاته إلى إضافة ما دعاه "درجة من الغموض" في مقابل الأسلوب المباشر في كتابتي كما يقول. لم يكن مديري كاتباً ماهراً، ولذا لم تكن التعديلات التي يجريها في مكانها. ولكن حين عرفت الهدف مما يفعلهه تمكّنت من معرفة السبيل التي تساعدني على الالتزام بما يريده المدير وتحقيق ما أرغب به أنا في آن واحد.

الخطوة 5: حاول أن تتوصل إلى حل مشترك للمشكلة

عليك أن تقرر مع زميلك الطريقة الأفضل لإنهاء سوء الفهم القائم. اسأل الطرف المقابل عن رأيه في حلّ مقترح، ثم أضف الخطوات التي يقترحها. ليس الأمر متعلقاً هنا بالتراتبية بينكما، ولكن الأبحاث تشير إلى أن الناس يشعرون بارتباط أكثر بالأفكار إن كانوا قد أسهموا بها. لذلك وقبل أن أقول لمديري: "حسناً، سأغيّر في هذه الأمور في الفترة المقبلة، وأود منك أن تخبرني بتقييمك لما أكتب بعدها"، سألته قائلاً: "ما الذي تقترح عليّ فعله لأزيد من مقدار الدقة التي تفتقدها في كتابتي؟"، وقد كان هذا السؤال كفيلاً بتحويل كفّة الحوار لصالحي.

وكانت النتيجة أن الأمور تحسنت، ولم أتعرّض للطرد من الشركة. ولقد وجدتُ خلال سنوات خبرتي الطويلة في العمل، أن هذه الطريقة في تقديم الرأي والملاحظات هي الأسلم حتى في أكثر المواقف حساسية. فقد اتبعها رئيس تنفيذي في إحدى الشركات ليتمكن من إقناع رئيس مجلس الإدارة بالكف عن التدخّل في قراراته، كما استخدمتها رئيسة تنفيذية رفيعة المستوى في الشرق الأوسط وهي تحاول معالجة السلوك الأبويّ تجاهها من رئيسها، وهنالك العديد من القصص الأخرى التي تظهر فعالية هذه الطريقة حتى في أصعب الحوارات على الإطلاق، ألا وهي الحوارات مع المراهق صعب المراس.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي