كيف نستفيد من علم السلوك في إزالة “العرقلة” من التجارة الدولية؟

4 دقيقة
التجارة الدولية
shutterstock.com/cybrain

لا تشكّل الأمور اللوجستية وحدها عائقاً أمام إنجاز الأشخاص لمهامهم، بل توجد اعتبارات عاطفية ونفسية وسلوكية تؤثر على عملية صنع القرار مثل الشعور بالإحراج والاستبعاد، فعند تقديم طلب لإنجاز معاملة ما، قد يواجه الأفراد مشاكل مثل تأخر الحصول على المعلومات أو إخفائها عنهم بقصد أو دون قصد، أو صعوبة قراءة المحتوى المكتوب بخط اليد، أو ضرورة القيام بالعديد من الإجراءات الطويلة وبذل جهود لإعادة التواصل والتنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة، ما قد يعرقل إنجاز هذه المعاملة.

فيما يخص قطاع التجارة الدولية، قد تمنع هذه العراقيل الحكومات من الاستفادة الكاملة من مزايا الحركة التجارية وما تحققه من إيرادات ومداخيل للدولة.

العرقلة (Sludge) في التجارة الدولية

تشكل المعاملات الورقية سبباً رئيسياً للعرقلة الحاصلة في التجارة، التي بحسب تقديرات غرفة التجارة الدولية، لا تزال تعتمد على 4 مليارات مستند ورقي يومياً، ما يجعل إزالتها هدفاً أساسياً لتسهيل حركة التجارة؛ وللتحقق من الأعباء التي تتسبب بها المعاملات الورقية على التجارة الدولية، أجرينا دراسة شملت 5 متغيرات منها: عدد مستندات الاستيراد، وعدد مستندات التصدير، والوقت اللازم لإعداد مستندات الاستيراد (بالأيام)، والوقت اللازم لإعداد مستندات التصدير (بالأيام)، والنسبة المئوية لإجراءات الاستيراد والتصدير التي يمكن إنجازها إلكترونياً، ثم أضفنا متغيرين آخرين هما: وقت التحضير المستغرق لكل مستند استيراد (بالأيام) ووقت التحضير المستغرق لكل مستند تصدير (بالأيام).

وأجرينا مقارنات بين اتفاقيات تجارة حرة تشكل بمجموعها أكثر من 50% من حجم التجارة الدولية في عام 2022، بما يشمل التجارة بين الدول الأعضاء وخارجها، وهي بحسب إحصائيات منظمة التجارة العالمية لعام 2022: اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ومجلس التعاون الخليجي، واتفاقية السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية "ميركوسور"، والاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا، والاتحاد الأوروبي.

وكشفت هذه الدراسة عن 3 نتائج رئيسية:

  1. يختلف مستوى الكفاءة بين تكتلات اتفاقيات التجارة الحرة؛ حيث يعتلي الاتحاد الأوروبي واتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا الصدارة بكفاءة عالية في مجالات مختلفة.
  2. تستغرق تكتلات اتفاقيات التجارة الحرة بالمتوسط وقتاً أطول في إعداد مستندات الاستيراد مقارنةً بالوقت المستغرق لمستندات التصدير.
  3. عدم الاتساق في المستوى بين الدول الأعضاء ضمن التكتل نفسه، وهو ما يتضح من خلال الانحرافات المعيارية العالية.

مبادئ من علم السلوك لمواجهة العرقلة

يبحث علم السلوك في كيفية تصرف الأشخاص وطرائق تفكيرهم ومشاعرهم في سياقات مختلفة بالاستفادة من الاختبارات العلمية، وتم الاعتماد على الرؤى السلوكية في تفسير العديد من التحديات ومعالجتها، فقد وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2017 قائمة بالتغييرات الإيجابية القائمة على الرؤى السلوكية، وفي عام 2021، أصدر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً لتقليل العقبات الإدارية وأعباء المعاملات الورقية التي يتسبب التأخر في إنجازها بتكلفة إضافية يمكن تسميتها بـ "ضريبة الوقت"، كما أجرت حكومة نيو ساوث ويلز في أستراليا ولغاية عام 2022 نحو 40 عملية مراجعة للعراقيل التي تعترض تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين نتج عنها وضع توجيهات وإرشادات فعالة لتقليل الجهد والوقت، ومؤخراً شجع الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيرش على إجراء عمليات مراجعة للعرقلة بهدف الحد من البيروقراطية.

وعليه، نقترح 6 مبادئ قائمة على السلوك لتيسير حركة التجارة الدولية، استند بعضها إلى قانون الحد من المعاملات الورقية الصادر عن وزارة الأمن الداخلي الأميركية التي خفّضت الأعباء على عامة الناس بمقدار يزيد على 21 مليون ساعة من الأعباء منذ الأول من يونيو/حزيران 2023، وبالنظر إلى حجم المستندات الورقية المستخدمة في التجارة، وفرض وزارة الأمن الداخلي أكثر من 190 مليون ساعة من المعاملات الورقية سنوياً على عامة الناس، باتت الحاجة ملحة لاستكشاف الاستراتيجيات المحلية الناجحة واعتمادها وتطبيقها على المستوى الدولي.

  1. توافر المعلومات: يشمل هذا إضافة المعلومات الجديدة وحذف المعلومات التي لم تعد ذات صلة. كما يُعد نشر المعلومات كذلك من الإجراءات الإضافية التي يمكن أن تتخذها الدولة لتسهيل توفير المعلومات مثل تسهيل مراجعة المستندات وتحميلها لتجنب عدم التوافق عبر الأجهزة أو عبر متصفحات الإنترنت، والسماح بمراجعة المحتوى بالكامل دون تسجيل الدخول إلى الحساب، وتوفير محتوى سمعي/مرئي للأغراض التعليمية وضرورة نشر قائمة الأسئلة الشائعة. وتستوجب الحالات الحسّاسة أو العاجلة تأسيس بعض القنوات التي تتيح للمستفسرين من خلالها وصف حالاتهم في فضاء آمن والحصول على إجابات فورية.
  2. التبسيط: قد تصبح النماذج الحالية في بعض الحالات صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً، ما قد يتسبب بارتكاب مقدمي الطلبات أخطاء بسبب تشتت انتباههم، وبالتالي يمكن تبسيط النماذج من خلال تقليل الأسئلة، وتمكين التجديد التلقائي وحذف المصطلحات غير المألوفة، وتحديد المفاهيم، والسماح بالتوقيعات الإلكترونية بدلاً من التوقيع باليد للتقليل من المساحة المحدودة على الورقة وتوفير الجهد والوقت. كما يمكن تقليل عدد الموافقات المطلوبة من الجهات الأخرى الذي يؤدي إلى زيادة مخاطر التأخير والأخطاء وسوء التواصل.
  3. تقديم المعاملات عبر الإنترنت: ليس بالضرورة أن يحسّن تقديم المعاملات عبر الإنترنت ليكون بديلاً عن المعاملات الورقية من مستوى الكفاءة، إذ لا بد من إدراج بعض الخصائص مثل خاصية فحص الأخطاء، وسهولة التصفح، وتعريف المصطلحات، والحفظ التلقائي وذلك لتذليل العقبات وتشجيع المشاركة.
  4. الإفصاح عن الوقت المستغرق لتعبئة الطلب: يساعد الكشف عن وقت الانتهاء المتوقع لتعبئة الطلب على تحقيق هدفين: الأول، مساعدة مقدمي الطلبات على تحديد متى وأين يبدؤون بتعبئة النموذج، إذ يتطلب النموذج الذي يستغرق 60 دقيقة قدراً مختلفاً من الاهتمام والتفاني مقارنةً بالنموذج الذي يستغرق دقيقتين فقط. والثاني: يساعد هذا الإفصاح في استحضار الحالة الذهنية لمقدمي الطلبات، فمحاولة تعبئة المعاملات الورقية التي تتطلب 60 دقيقة بعقلية تريد استكمالها خلال دقيقتين فقط قد يؤدي إلى القلق والإحباط، الأمر الذي يقود إلى معاملات منخفضة الجودة.
  5. أداة تتبع نسبة التقدم: إنّ استخدام أداة لتتبع نسبة التقدم في تعبئة الطلب توفر لأصحاب المصلحة الوضوح الذي يحتاجون إليه، ما يوفر قدراً أكبر من الشفافية ويساعد على إدارة المخاطر الاستباقية. وعلى النقيض من ذلك، فقد يؤدي عدم اتضاح الصورة حول نسبة التقدم في تعبئة الطلب إلى نتائج غير مرغوبة، بما في ذلك القلق، وتأخير اتخاذ القرار، وعدم القدرة على التخطيط.
  6. التعبئة المُسبّقة: كما هي الحال مع العديد من برمجيات تقديم الإقرارات الضريبية؛ تعد البيانات المُسبّقة استراتيجية فعالة لمعاملات التجارة الدولية أيضاً، خاصة بالنسبة للمعلومات التي لا تتغير كثيراً والمتعلقة بمقدم الطلب أو المؤسسة. يمكن تحقيق التعبئة المُسبّقة بطرائق مختلفة مثل استرداد البيانات بناءً على مصادقة المستخدم أو السماح لمقدمي الطلبات بتحميل ملف وإعادة تحميله للحصول على التحديثات. ما يميّز هذا الأسلوب في تعبئة الطلبات أنه يحدث تغييراً في عقلية مقدمي الطلبات والانتقال من تقديم المعلومات إلى التحقق من صحتها، وهذا لا يقلل فقط من أعباء العمل، بل يقلّل أيضاً من الأخطاء المطبعية.

إن فهم كيفية اتخاذ الناس لقراراتهم يساعد على تحسين العديد من المجالات، ومنها التجارة الدولية التي تشهد تطوراً مستمراً في الأنظمة والإجراءات المتبعة، ما يجعل الاعتماد على الرؤى السلوكية أحد الحلول المقترحة الفعالة لتيسير حركة التجارة وتحسينها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .