ملخص: أظهرت الدراسات أن 77% من الموظفين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء العمل. لماذا يسهل علينا الوقوع في فخ تفقد حساباتنا على السوشيال ميديا؟ وكيف يمكننا تجنب ذلك والعودة إلى أداء العمل الذي ينتظرنا؟ ناقشت كاتبتا هذه المقالة نتائج سلسلة من الدراسات التي تستكشف الأسباب التي تجعل الناس أكثر أو أقل انجذاباً إلى مشاهدة مقاطع الفيديو أو قراءة المنشورات دون توقف. وحددتا 3 عوامل رئيسة لديها القدرة على التأثير في مدى جاذبية المحتوى ذي الصلة، وهي مقدار المحتوى المشاهد بالفعل، ومدى التشابه في المحتوى المشاهد، وأسلوب مشاهدته. واقترحتا بناءً على تلك النتائج أنه إذا كنت قلقاً بشأن الوقوع في شراك تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، فيجب عليك اتخاذ عدة خطوات لتقليل التشابه بين المحتوى الذي تستهلكه ومدى تكراره وترابطه.
تصوّر هذا الموقف: بدأت يوم عملك للتو وشرعت في العمل على ذلك التقرير الكبير الذي يجب عليك الانتهاء منه، إلى أن أرسل لك أحد أصدقائك مقطعين من مقاطع الفيديو التي تتحدث عن المشاهير على "إنستغرام". قد تعتقد أن مشاهدة مقطعي الفيديو ستستغرق بضع دقائق فقط، إلى أن تتفاجأ أنك أضعت ساعة كاملة من وقتك. لقد وقعت في شراك تلك المصيدة، وتشاهد الفيديو تلو الآخر، وأهملت ذلك التقرير الكبير الذي ينتظرك على مكتبك.
نرغب جميعنا في استغلال أوقاتنا بكفاءة وإنتاجية، لا سيما في أثناء العمل. ومع ذلك، أظهرت الدراسات أن 77% من الموظفين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء العمل، في حين يستخدمها آخرون لما يصل إلى عدة ساعات في اليوم. نحن لا نجلس ونفتح هواتفنا ونقول عمداً: "سأقضي ساعتين على "تيك توك" الآن!" حتى عندما لا نعمل على أي مهمة مستعجلة. كيف تتحول عبارة "سأشاهد بعض اعترافات المشاهير" إلى ساعات من المشاهدة إذن؟
لفهم سبب وقوع الناس في شراك تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل (ومساعدتهم على التخلص منها والعودة إلى مزاولة أعمالهم)، أجرينا سلسلة من الدراسات مع ما مجموعه 6,445 شخصاً في الولايات المتحدة شملت طلاباً وأفراداً عاملين. وحددنا خلال هذا البحث 3 عوامل تؤثر على ما إذا كان الأشخاص يختارون الاستمرار في مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو بدلاً من التبديل إلى نشاط آخر؛ واشتملت تلك العوامل على مقدار المحتوى الذي شاهدوه بالفعل، ومدى تشابه المحتوى الذي شاهدوه، وأسلوب مشاهدتهم له.
كنا مهتمين في الجزء الأول من بحثنا في استكشاف ما إذا كان الوقوع في شراك التصفح سيزداد قوة أو ضعفاً بمجرد أن يشاهد الأشخاص عدة مقاطع فيديو بالفعل. وجعلنا المشاركين يشاهدون إما 5 مقاطع فيديو موسيقية مختلفة أو مقطع فيديو موسيقياً واحداً فقط، ثم سألناهم عما إذا كانوا يفضّلون مشاهدة مقطع فيديو آخر أو إكمال مهمة متعلقة بالعمل. على المستوى النظري، قد يتوقع المرء أن يملّ الناس من مشاهدة مقاطع الفيديو الموسيقية بعد مشاهدة 5 مقاطع متتالية، وهو ما يقلل من رغبتهم في مشاهدة المزيد منها. لكن في الواقع، وجدنا أن العكس هو الصحيح: ازدادت احتمالية أن يشاهد الناس مقطع فيديو موسيقياً إضافياً بنسبة 10% بعد مشاهدتهم 5 مقاطع فيديو، مقارنة بما لو أنهم شاهدوا مقطع فيديو واحداً فقط.
ودرسنا بعد ذلك تأثير تصنيف مقاطع الفيديو التي شاهدها الأشخاص ضمن فئات معينة؛ حيث عرضنا على نصف المشاركين مشاهدة مقطعي فيديو، وصنّفنا المقطعين ضمن فئة واحدة ("مقاطع الفيديو التعليمية")، في حين عرضناهما على النصف الآخر من المشاركين دون أي تصنيف. ووجدنا أن مجرد تصنيف مقاطع الفيديو ضمن فئة معينة على اعتبار أنها متشابهة زاد احتمالية اختيار الأشخاص مشاهدة مقطع فيديو آخر ذي صلة بنسبة 21%.
ونظرنا أخيراً في سلوك عمل الأشخاص بعد مشاهدة عدة مقاطع فيديو متتالية، مقارنة بمشاهدة العدد نفسه من مقاطع الفيديو مع بعض الانقطاعات. أكمل المشاركون في إحدى المجموعتين مهمتي عمل ثم شاهدوا مقطعي فيديو متشابهين، في حين أكمل المشاركون في المجموعة الأخرى نفس المهام الأربع، لكنهم ناوبوا بين أداء العمل واللهو (أي عمل ثم فيديو ثم عمل ثم فيديو). وعلى الرغم من أداء المجموعتين الأنشطة نفسها، أحدث الترتيب فارقاً كبيراً: ازداد احتمال أن يختار المشاركون الذين لم ينقطع استهلاكهم للفيديوهات مشاهدة فيديو آخر بنسبة 22% مقارنة بأولئك الذين ناوبوا بين أداء مهام العمل ومشاهدة مقاطع الفيديو.
وبدا من الواضح أن التفاصيل التي تبدو بسيطة حول ترتيب المحتوى الذي نستهلكه ونوعه لها تأثير كبير على قرارنا بالاستمرار في استهلاك محتوى مشابه. لكن ما الذي يعزز هذا التأثير؟ تشير البحوث السابقة إلى أن العوامل الثلاثة التي حددناها تزيد من سهولة الوصول إلى محتوى مماثل. وتشير سهولة الوصول في هذا السياق إلى مدى اهتمام الفرد بمحتوى معين ومدى تشابهه مع المحتوى الذي شاهده بالفعل. بمعنى آخر، عندما نحصل على شيء يسهل الوصول إليه، يصبح من الأسهل معالجته، وهو ما يدفعنا إلى توقع أننا سنستمتع به أكثر. بعبارة أخرى، يختار الأشخاص الاستمرار في الوقوع في شراك تصفح وسائل التواصل الاجتماعي لأن مشاهدة المحتوى ذي الصلة "تبدو فكرة صائبة" لهم، حتى لو كانت تتعارض مع ما يريدون القيام به بالفعل، سواء كان ذلك إنجاز العمل أو حتى مجرد أخذ استراحة.
وتوضح تلك النتائج أيضاً سبب سهولة تشتت انتباهنا بتطبيقات مثل "إنستغرام" أو "يوتيوب" في العمل. فقد صُممت تلك المنصات لمحاصرة المشاهدين في مصيدة وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي تقدم محتوى صغير الحجم يسهّل استهلاك العديد من مقاطع الفيديو أو المنشورات المتتالية بسرعة، كما أنها غالباً ما تقترح محتوى مشابهاً بشكل تلقائي، وقد يبدأ العديد منها تشغيل مقاطع فيديو مماثلة بشكل تلقائي حتى، وهو ما يقلل من احتمالية التوقف عن المشاهدة. وعلى الرغم من أن تقديم محتوى يجذب المستخدمين لا يُعتبر أمراً سيئاً بالضرورة، وجدنا أن سهولة الوصول إلى ذلك المحتوى هو ما يصعّب على المستخدمين التحرر من شراك التصفح والعودة إلى أداء أعمالهم.
والخبر السار هو أنه عندما نفهم ما يجعل مصيدة التصفح شائكة جداً سندرك ماهية الأدوات التي نحتاج إليها للخروج من شراكها. بمعنى آخر، من المرجح أن نقع في شراك مصيدة التصفح إذا شاهدنا العديد من الصور أو مقاطع الفيديو المتتالية، وإذا استهلكنا مقاطع متعددة من محتوى مشابه، وإذا لم يتشتت فكرنا في أثناء استهلاك هذا المحتوى. لذلك، حاول أن تبذل جهداً لمشاهدة مقطع فيديو واحد فقط للخروج من شراك مصيدة تصفح وسائل التواصل الاجتماعي؛ وإذا كنت ترغب في مشاهدة عدة مقاطع متتالية، فاختر مقاطع فيديو لا تبدو ذات صلة؛ أو اعثر على طرق لمقاطعة عملية المشاهدة عن قصد. ويوجد بالفعل عدد لا يحصى من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك في كسر تلك الحلقة: يمكنك استخدام مؤقّت وسائل التواصل الاجتماعي الذي يحثك على أخذ قسط من الراحة بعد فترة زمنية معينة، أو وضع ملاحظة ملصقة على مكتبك مع رسالة تنصحك بتجنب مشاهدة كثير من مقاطع الفيديو المتتالية، أو تذكير نفسك بوعي باستهلاك أنواع مختلفة من المحتوى.
في النهاية، لا ضير في مشاهدة مقطع فيديو أو مقطعين عن القطط، أو تصفح بعض الصور الساخرة (ميمز) التي يرسلها صديقك. لكن عندما يمنعك استهلاك كل ذلك المحتوى من أداء المهام التي يجب عليك أداؤها فعلاً، ستقع حينئذ في مشكلة. لذلك، إذا كنت قلقاً من فكرة الوقوع في شراك تصفح وسائل التواصل الاجتماعي (أو إذا كنت قد وقعت في شراكها بالفعل وتواجه صعوبة في الخروج منها)، فابحث عن طرق تقلل التشابه بين المحتوى الذي تستهلكه ومدى تكراره وترابطه. قد يكون الأمر صعباً، لكنه ليس مستحيلاً. وبمجرد أن تتحرر من شراك التصفح، يمكنك مواصلة العمل على ذلك التقرير الكبير في وقت قصير جداً.