الفنانة المصرية أنغام، والتي اعتلت المسرح طفلة كانت أيضاً شاهداً على انتقال الأغنية العربية من جيل إلى جيل. تطورت إدارتها لفنها من رعاية والدها الفنان الراحل محمد علي سليمان إلى الاستقلال بقرارها الفني والشخصي عبر تجارب توجتها بألقاب فنية عديدة.
هارفارد بزنس ريفيو: أنغام محمد علي سليمان... إلى أي درجة أثقل كاهلك هذا الاسم وإلى أي مدى خدمك وحفر عميقًا في موهبتك منذ الطفولة؟
أنغام: أعتبر أنني محظوظة جداً كوني ابنة محمد علي سليمان وتربيت في بيته الفني ومنحني الكثير من خبرته ومعرفته وشكل دعماً كبيراً لي في بداياتي. بعض أبناء وبنات الفنانين محظوظون والبعض الآخر غير محظوظين، رأيت الحالتين في حياتي، وأعتقد أنني من المحظوظين لأن أبي فنان وموسيقي وملحن وجزء كبير من الحظ أنني وجدت من يرعى موهبتي باكراً جداً ووجدت من شعر بموهبة طفلة في البيت وجزء كبير أنني بدأت بداية صحيحة دون كثير من التخبّط وجعلني أسير على سكة واضحة. لا أعتقد أنّ اسم أبي أتعبني فقد أتى التعب بسبب أمور أخرى منها اختلاف في وجهات النظر لأننا ننتمي إلى جيلين مختلفين، وأهم الأسباب اطلاعي على أشكال موسيقية مختلفة عما يحبه.
في عمر السادسة اعتليت المسرح للمرة الأولى. ما هي إيجابيات وسلبيات البداية الفنية في الطفولة؟
سعادتي لا توصف كوني بدأت مسيرتي الفنية في عمر مبكر ولم أجبر على ذلك، لم تكن عندي مشكلة في ذلك الوقت بالطبع. نكتشف المشاكل حين نكبر ونفتقد إلى أيام الطفولة لاسيما حرية الإنسان وحرية التصرف في سنواته الأولى، كل هذا لم أعشه كباقي الأطفال. في الخامسة عشرة من عمري بدأت أشعر أنني مسؤولة عن عملي وعن الحفلات وعن البروفات والتسجيلات وعن الظهور. كنت سعيدة حينها، ولم أشعر بما أفتقده، وبعد ذلك لمست سلبيات هذا الموضوع، لكنني في الوقت نفسه اكتسبت خبرة كبيرة جداً وحصدت شهرة في سن مبكرة ورصيدي كبير جداً، فأجيال مختلفة وكثيرة تعرفني وهذا يعني مجدداً أنني محظوظة والحمد لله. أما اجتماعياً فلم أكن طفلة سعيدة على الإطلاق، وهذا يعود إلى أسباب أسرية بحتة وأيام الدراسة في الكونسرفاتوار وبعد ذلك في معهد الموسيقى العربية هي أسعد أيام حياتي، حيث مارست حريتي ونسجت صداقاتي وخبرات حياتية لأننا نختلط مع بعضنا منذ الابتدائية حتى الدراسات العليا، جميعنا مع بعض منذ الصف الثالث الابتدائي وحتى البكالوريوس أي نهاية الجامعة. وهنا كانت الخبرة الحياتية الكبيرة جداً.
هل فكرة كونك مطربة مصر الأولى راسخة في كيانك الفني؟ إلى أي درجة يقلقك هذا اللقب للحفاظ عليه؟
أعتبر هذا اللقب لطيفاً لكنني لا أفكر به كل يوم، أفكر في الناس التي تحبني وأفكر في مجال الموسيقى والغناء الذي أحبه وهو أهم هواياتي وما زالت تشغلني لأنها بقيت هوايتي وفي الوقت عينه حرفتي. لا أفكر باللقب، مع أنه جميل ويسعدني ولكنه ليس بالأهمية التي تتخيلها الناس بالنسبة إليّ. نجاح أي أغنية من أغنياتي أو نجاح أحد ألبوماتي هو ما أسعى إليه، لا أسعى إلى الألقاب بل أسعى دوماً إلى النجاح كما إلى الوصول إلى وجدان الناس من خلال عمل يصدقونه ويحبونه ويشعرون أنه منهم وإليهم وبالتالي أن يحبوا الصوت الذي يؤدي هذا العمل والإحساس الذي يصل إليهم ويشعروا بالتعبير المختلف أو الشغف الذي أشعر به تجاه الغناء والموسيقى، هو ما أسعى إلى المحافظة عليه وإيصاله لمن أغني لهم. من يسميني مطربة مصر الأولى أو يلقبني بأي لقب آخر هذا من ذوقه وحبه وكرمه. لا اشعر به ثقلاً أو عبئاً.
هل يكفي الصوت الجميل لصناعة مطرب ناجح، وما هو دور التنظيم وإدارة الأعمال في اختيار الكلمات والملحن ومن ثم النجاح؟
لا شكّ بأنّ الموهبة التي يمنحها الخالق للإنسان مهمة جداً لكنّ إدارة الموهبة في بعض الأوقات تكون أهم. يولي الناس أحياناً أهمية للصوت الكبير أو القوي ولا يعنيها الشكل، وأحياناً أخرى تكون الأهمية للتركيبة الكاملة للشكل والمضمون ولاسيما في المنطقة العربية. الصوت القوي ليس كل شيء في منطقتنا لا سيما بالنسبة إلى السيدات، ومن كسرن هذه القاعدة هن قلّة قليلة، ومن الرجال أجد أنّ الفنان صباح فخري الذي يعتبر من الجيل القديم الجميل على سبيل المثال يعتمد فقط على قوة صوته وشكل أدائه والصعوبات التي يغنّيها، أمّا الآن فالوضع مختلف فمن الصعب إيجاد فنان ذي صوت قوي قادر على أداء ما هو صعب ويكتفي بالصوت والأداء، بتنا في عصر حيث الاهتمام بالشكل ليس فقط للفنانات بل مهماً أيضاً للفنانين، ولا وجود لإدارة الموهبة والأعمال بالمعنى الحقيقي للإدارة كما هي الحال في أوروبا وأميركا، وكل موهبة أو فنان يدير نفسه، وكل شخص و"شطارته".
تحفظين كل نفس في أغاني أم كلثوم وفيروز وماذا عن الموسيقار محمد عبد الوهاب... متعة خالصة أم دراسة معمّقة؟
أعتبر أنني درست في مدرسة الموسيقار عبد الوهاب، تعلّمت من أعماله ودرست كل تفاصيلها بشكل معمق وبتركيز كبير، والسيدة فيروز هي ذوقي ومسمعي وإحساسي تربى على صوتها وعلى أسلوبها وهي المطربة العربية التي تأثرت بها بشكل كبير بالفعل. تأثرت بطريقة أدائها وبمدرستها في الأداء، أما السيدة أم كلثوم فقد استغرقت الكثير من الوقت حتى أدركت عظمتها وعظمة أدائها وصوتها وأسلوبها. تأخرت قليلاً في هذا الإدراك لأن روحي كانت كلها مع السيدة فيروز. هذه الأسماء الثلاثة هي الجامعة التي تخرجت.
ما هي أبرز المنعطفات الأساسية في حياة أنغام الفنية؟ على سبيل المثال: مرحلة المايسترو أمير عبد المجيد الذي قال: "هي صوتي ... عارفة ازاي تمسك جملة اللحن وتطلّع كل الأحاسيس اللي جواها وتوصّلها صح" ومن ثم مرحلة الملحن شريف تاج و"سيدي وصالك" هذا كان في الماضي، ماذا عن المرحلة الحالية؟
لم تكن هناك مرحلة مع الملحن شريف تاج بل كانت هناك نجاحات غير عادية مثل "سيدي وصالك" و"عمري معاك"، والمرحلة المهمة كانت مع المايسترو أمير عبد المجيد إذ كنت لتوي قد خرجت من عباءة محمد علي سليمان، وقدّمنا ألبوماً كاملاً "أقولك إيه" وبعد ذلك أغنيات عدة. أعتبره مرحلة مهمة جدًا من حياتي، والمرحلة الحالية هي العمل مع كل موهبة ومع كل شاعر أو ملحن شاباً كان أو كبيراً في السن، صاحب خبرة أو من دون خبرة أستمتع بالعمل معهم جميعاً، واستمتع بالموهبة الخضراء التي تنبثق من البراعم. تعاملت مع مواهب ذات نضارة البدايات، وهذا الاخضرار في الموهبة له لون وطعم وميزة. أتعامل منذ فترة طويلة مع ملحنين وشعراء جدد وكبار وهذه المرحلة هي من أكثر المراحل متعة.
من هو الملحن الذي يفهم صوت أنغام وما يناسبها؟
الملحن الذي يفهم صوت أنغام ويعرف بدقّة ما يناسبها ويعرف مناطق الجمال في ضوتها واستخدمها جميعها هو رياض الهمشري رحمه الله ولكن بالطبع بعد محمد علي سليمان. استمتعت جداً بالتعامل مع الهمشري وبالأغنيات التي قدمناها سوياً مع أنها قليلة وهي ما زالت من أجمل ما غنّيت في حياتي. رياض الهمشري ملحن قدير وخبير وعظيم وكان العمل معه متعة غير عادية.
كيف صنعت التوازن بين متطلبات السوق الفنية مع المحافظة على قيمك الفنية الأكاديمية؟
لم أبالِ يوماً بمتطلّبات السوق لأن السوق الفنية تتغيّر مرات عدّة في اليوم، نجد موضات كثيرة تطلق في اليوم الواحد، والفنان أو الموسيقي الحقيقي لو ركض وراء الموضة وبقي يتتبعها سيتعب وسيفقد هويته وسيضيع. أبحث دوماً عمّا يناسبني وأجد نفسي به، وأبحث عن الموسيقى التي تعيش واللحن الذي لا يموت. أعشق الكلاسيكيات الموسيقية لأنّها قادرة على الحياة مدّة طويلة والأغاني العصرية ذات الطابع العصري، أختار منها ما يناسبني ولا أختارها تبعاً لموضة ما. أحبّ خوض التجارب ولكن في إطار ما يشبهني فنياً وموسيقياً وهذا بالنسبة إليّ ما أراه سبب نجاحي وسبب وصول أغنياتي إلى الناس، وبقائها على قيد الحياة، وهذا ما أسعى بغية تحقيقه.
من المعروف أنك لا تساومين فنياً... متى تهادنين في الفن وعلى أي أساس؟
فكرة المساومة أو المهادنة فنياً غير واردة عندي وكي لا أكون مبالغة أو مدّعية مثالية قد أجامل في تقديم أغنية في بعض الأحيان. مع أنني لا أفضل هذا الموقف إلا أنني قد أغني أغنية مجاملة لأتقاضى المال، وهذا قمة المساومة أو التنازل ولكن ضمن حدود ما يليق بي وما لا يجرحني ولا يجرح اسمي ولا يكتب كنقطة سوداء في تاريخي أو رصيدي الفني.
"لم تكن أنغام خليفة فنان أو فنانة بل كانت خليفة زمن" كيف تعاملت مع هذه المقولة التي رافقتك منذ البداية وحتى يومنا هذا؟
أنا في الحقيقة معجبة جداً بهذه المقولة، وأرى أنّها دقيقة وحقيقية لأنني أتيت في زمن أو تاريخ ودّعنا فيه عبد الحليم والسيدة أم كلثوم وكان الأستاذ عبد الوهاب على قيد الحياة، واستمعت إلى موسيقاه وتربّيت على صوت السيدة فيروز وأم كثوم وعبد الحليم وفي الوقت نفسه عاصرت نجومية وقمّة وردة الجزائرية ووقفتها على المسرح وحفلاتها المهمة جداً، وعملت معها بعد ذلك، وسمعت نجاة الصغيرة وفايزة أحمد وتشبّعت بإحساسها، كما أنّني عشت في بيت فني. أنا عصارة زمن ولستُ عصارة صوت واحد أو تأثر بفنان واحد. أشدّد على محبتي واحترامي لهذه المقولة.
متى كوّنت أول فريق عمل حقيقي، وكيف تديرين هذا الفريق؟
فريق العمل الذي أتمسك به هو الفريق الموسيقي الفني المكوّن من شاعر وملحّن وموزع والمايسترو الذي يقود الفرقة الموسيقية والموسيقيين الذين يرافقونني على خشبة المسرح، أما فريق العمل الإداري فيمكن أن أغيره. أتمسك بالفنانين والمبدعين الذين أتعامل معهم منذ أكثر من عشر سنوات وهم من الأسماء المعروفة جداً في مجال عملهم. كل من يستمع إلى أنغام يعرف فريق عملها ويعرف المحيطين بي في كل الأوقات تقريباً.
ما هي خريطة النجاح لأي فنان؟ هل من نصائح وإرشادات؟
فكرة الخريطة قد تكون صعبة على الفنان المبتدئ الذي يخطو أولى خطواته في عالم الفن، لكن من المهم أن يكون لديه رؤية لنفسه أو هوية لكي يستطيع لفت الأنظار نحوه، ولكي يلمع في ما يقدّمه، عليه ألا يقلّد أحدًا أو يمشي على نهج أحدهم. عليه أن يقوم بما يحبّه ويغني ما يحبّه ويصرّ على فكرته، أظن أن الإصرار هو جواز مرور للنجاح.
كيف قمت بإدارة العلاقة الأسرية في منزلك؟ وكيف تعدّلين ميزان التوجيه بين عملك وبين اهتمامات طفليك وتخطيطك لحياتهما؟
لم أواجه أي مشكة في هذا الإطار، لأنني في البداية ربّيت ابني البكر عمر تربية أستطيع القول إنها تربية رجولية، فهو أخ وأب لأخيه الصغير عبد الرحمن ولذلك يحتوي أخيه بصورة كبيرة، وعبد الرحمن لا يشعر بأي مشكلة. يفتقد الأب بالطبع ولكن ليس بدرجة مخيفة، ليست لديّ أي مخاوف من هذه الناحية، ومخاوفي كأي أم عادية تقلق عند تأخر أبنائها في العودة أو خلال سفرهم، وأفكّر بمستقبلهما ولا أخطّط لهما بل أهيئ الطريق لولديّ وعليهما أن يحلما ويخططا لتحقيق الحلم وأدعو لهما على الدوام وربنا هو الحافظ.