كيف تدير أفراد فريقك في فترات الضغط وتحميهم من الاحتراق الوظيفي

5 دقائق
إدارة الفريق في فترات ضغط العمل

ملخص: إن فترات ضغط العمل الكبير، المتمثلة في ساعات العمل الطويلة الشديدة التوتر التي تضطر لقضائها غالباً في الأسابيع الأخيرة قبل طرح منتج جديد، لها تأثير شديد على نجاح الشركات وتسهم بقوة في تشكيل الثقافة المؤسسية. يدرك القائد الكفؤ أنه في هذه الأوقات يصعب التميز في الأداء من دون تحميل الموظفين عبء مطالب كبيرة، لكن أي نجاح يُبنى على حساب صحة الموظفين النفسية أو البدنية هو نصر باهظ الثمن. في دراسة أجريت على مجموعة من كبار الضباط في الجيش الأميركي ممن خدموا في بيئات شديدة التوتر مليئة بالضغوط، ميز الباحثون القدرة على موازنة التوتر بين إنجاز العمل وإدارة آثار هذا التوتر على الأفراد، وعرفوها على أنها كفاءة قيادية مستقلة بحدّ ذاتها وتتمتع بأهمية كبيرة لا سيما في المؤسسات العالية الأداء، فكيف يمكن إدارة الفريق في فترات ضغط العمل بشكل صحيح؟

 

لتحقيق النجاح والحفاظ عليه، تحمّل شركات كثيرة أفراد فرقها عبء مطالب كبيرة جداً. خذ مثلاً بنوك الاستثمار وشركات المحاماة والشركات الاستشارية التي ساءت سمعتها بسبب إخضاع الموظفين لأيام عمل شاقة. يستخدم مطورو البرامج كلمة "ضغط العمل الكبير" (crunch) لوصف ساعات العمل الطويلة الشديدة التوتر التي يُلزم الموظفون بها في الأسابيع الأخيرة قبل طرح منتج جديد.

كيفية إدارة الفريق في فترات ضغط العمل

يدرك القائد الكفؤ أنه في هذه الأوقات يصعب التميز في الأداء من دون تحميل الموظفين أعباء المطالب الكبيرة، لكن أي نجاح يُبنى على حساب صحة الموظفين النفسية أو البدنية هو نصر باهظ الثمن.

إذن، كيف يمكن للقادة النجاح في إدارة فرقهم في فترة ضغط العمل الكبير مع تجنب إصابة أفرادها بالاحتراق الوظيفي؟

لمعرفة ذلك أجرينا دراسة على مجموعة من كبار الضباط في الجيش الأميركي ممن خدموا في بيئات شديدة التوتر مليئة بالضغوط، وتمكنا من خلال بحثنا من تمييز القدرة على موازنة التوتر بين إنجاز العمل وإدارة آثار هذا التوتر على الأفراد، وعرّفناها على أنها كفاءة قيادية مستقلة بحدّ ذاتها وتتمتع بأهمية كبيرة لا سيما في المؤسسات العالية الأداء.

موازنة المخاطر مع الأفراد والمهمة

الجيش هو أفضل مكان يتجلى فيه هذا التوتر بوضوح، إذ يمكن أن تكون فترات ضغط العمل الكبير مسألة حياة أو موت. في السعي إلى تحقيق هدف ساحة المعركة يتعين على القادة غالباً المخاطرة بحياة الجنود الذين يخدمون تحت قيادتهم من النساء والرجال. فالقائد الذي لا يخاطر لن يعرف طريق النصر يوماً، في حين أن القائد المتهور الذي يفرّط بحياة من هم تحت إمرته سيقود وحدة معدومة الفعالية منخفضة المعنويات والانضباط ويكون عرضة لعصيان جنوده الصريح بدرجة كبيرة.

أجرينا في بحثنا مقابلات مع مجموعة من كبار الضباط في الجيش الأميركي واستطلعنا آراءهم بشأن القيادة الفعالة، إذ تحدثنا إلى ضباط بمرتبة عقيد ومقدم في الجيش الأميركي ممن يزيد متوسط خبرتهم على 20 عاماً، وخدم معظمهم كقادة كتائب في عمليات الانتشار القتالي أو الانتشار الدولي لدعم العمليات القتالية.

حددت دراستنا 3 سلوكات مترابطة تميّز القادة الذين يتمتعون بالكفاءة في الجيش؛ يمثل السلوك الأول الذي أطلقنا عليه "كن ودوداً ومنفتحاً" جانب "الأفراد" من القيادة، ويمثل السلوك الثاني، "تعرف على طرق سير الإجراءات والعمليات"، جانب "المهمة" من القيادة، وأخيراً، يمثل السلوك الثالث الذي يُسمى "وازن المخاطر مع المهمة والأفراد" تكامل السلوكين الأولين.

وفقاً للمشاركين في بحثنا يقوم القائد الودود والمنفتح بما يلي:

  • يوفر الفرص ليتمكن الأفراد من التحدث إليه، ويحرص على أن يكون متاحاً ويقلل الحواجز بينه وبين فريقه قدر الإمكان.
  • يؤكد لأفراد الفريق (قولاً وفعلاً) أن أصواتهم مهمة.
  • يمارس الاستماع الفعال.
  • يحفّز الصراحة ويكافئها، ولا "يلقي اللوم على من لا علاقة له".
  • يظهر انفتاحاً واستعداداً لمناقشة وجهات النظر المختلفة.
  • يظهر اهتمامه بصحة أفراد الفريق ورفاهتهم إلى جانب الاهتمام بعملهم.

أفاد الضباط المشاركون في دراستنا أن القائد الذي يعرف طرق سير الإجراءات والعمليات يتميز بما يلي:

  • يفهم العمليات الضرورية لنجاح المهمة.
  • يتمتع بكفاءة تقنية عالية (لا أحد يعرف كل شيء لكنه يعرف ما يتعين عليه معرفته).
  • يدرك ما لا يعرفه ويسعى بجد إلى اكتساب المعلومات اللازمة لسدّ الفجوات.
  • يخرج لرؤية ما يجري على أرض الواقع؛ أي إنه يعرف طرق إنجاز العمل والترابط فيها.
  • يفهم تكاليف القرارات التشغيلية وتبعاتها.
  • يعرف مؤسسته ويرى الروابط بين مجاله والمجالات الأخرى من المؤسسة.

والقائد الذي حاز على أكبر درجة من إعجاب المشاركين في دراستنا يجسد السلوك الثالث: يوازن المخاطر مع المهمة والأفراد. وتمكن من ذلك بطريقتين:

أولاً، بنى ولاء الأفراد واكتسب ثقتهم قبل فترات ضغط العمل الكبير وبعدها؛ أي إنه يملك رصيداً من الثقة يمكنه الاعتماد عليه في فترات ضغط العمل الكبير. قال المشاركون في دراستنا باستمرار إن القائد الذي قام باستثمار أولي قوي في الأفراد كان قادراً على إدارة المخاطر بفعالية أكبر عند الضرورة. والقائد الذي يعتني بأفراد فريقه يخلق مستوى عالياً من الالتزام والولاء وتحمل المسؤولية، ما يؤدي بدوره إلى اعتبار أداء المهمة أولوية بالنسبة للجميع. قال أحد الضباط: "يمكنك رؤية شعار ملصق على كثير من الجدران في الجيش كتب عليه: ’المهمة أولاً، الأفراد دائماً‘. أما لدى القادة الأفضل، فالأفراد يأتون أولاً وهم سيتولون أمر المهمة".

ثانياً، أقام هؤلاء القادة نشاطات للحفاظ على معنويات الأفراد وثقتهم بأنفسهم في أثناء فترات ضغط العمل الكبير، وحرصوا على أن تبقى خطوط التواصل مفتوحة كي يتمكن أفراد الفرق من الإشارة إلى المشكلات، ووضحوا ارتباط متطلبات المهمة الشديدة الصعوبة بنجاح المهمة نفسها، ووضعوا أهدافاً واضحة وساعدوا مرؤوسيهم على فهم الصورة الأكبر عندما تتطلب المهمة تضحيات كبيرة محتملة فخلقوا بذلك فهماً مشتركاً، وأبدوا عزمهم على منح الأولوية للفريق لا لمصالحهم الشخصية موضحين أنهم يشاركون أعباء العمل مع الفريق وأنهم يفهمون تبعات قراراتهم.

كيف تثبت أن قيادتك متوازنة في فترات ضغط العمل الكبير؟

كيف يمكن للقادة تطبيق نهج القيادة المتوازنة هذا في مؤسساتهم؟ أولاً، فكر في موقعك من فترة ضغط العمل الكبير؛ قبل فترة ضغط العمل الكبير وبعدها يجب أن تستثمر في بناء ولاء أفراد فريقك وثقتهم بإثبات كفاءتك المهنية وخلق المعنى، وفي أثناء فترة ضغط العمل الكبير يتعين عليك المفاضلة بين الأولويات ودفع أفراد فريقك لبذل أقصى جهد لديهم.

عند التحضير لفترة ضغط العمل الكبير والتعافي منها يتعين عليك القيام بما يلي:

  • احرص على أن تكون متاحاً لأفراد الفريق. استمع إلى أفراد فريقك، عاملهم على أنهم شركاء وليس موظفين، بتأكيد أن صوتهم مسموع واعتزم مناقشة وجهات نظرهم المختلفة والتعلم من خبراتهم ومعرفتهم للمؤسسة.
  • احرص على معرفة طرق سير العمليات في مؤسستك جيداً. استثمر الوقت لتتعرف على أفراد فريقك وما يفعلونه والتحديات التي يواجهونها حالياً. ستساعدك فرص التعلم هذه في التواصل مع أفراد الفريق والتفاعل معهم وإثبات أنك مهتم بعملهم ومستعد للاستماع إلى مشكلاتهم وقضاياهم.
  • احرص على تركيز اهتمامك على تطوير أفراد فريقك مهنياً. احرص على القيام بعملية تقييم دورية لمدى استعدادهم لمواجهة التحديات الحالية التي ستظهر في المستقبل المنظور.
  • امنح الأولوية لصحة الأفراد النفسية. وضح أن طلب دعم الصحة النفسية ليس علامة ضعف.

في فترات ضغط العمل الكبير، قم بما يلي:

  • ضع أهدافاً صعبة لكن قابلة للتحقيق، وفكر بهدف مثير للحماس وقابل للتحقيق بناء على مستوى أداء الفريق ونضجه، وقيّم المخاطر قبل تحديد الهدف، وتعلم من إخفاقات فريقك السابقة وقدم لأفراده التقييمات لمعالجة الفجوات في تطورهم.
  • افهم تكاليف قراراتك. في بعض الأحيان لا يدرك القادة ما يطلبونه من فرقهم في فترات ضغط العمل الكبير، لذلك حاول أن تشارك أفراد فريقك في أعباء العمل والتضحيات قدر الإمكان.
  • احرص على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة. تؤثر فترات ضغط العمل الكبير غالباً على إتاحة القائد، لذلك احرص على أن يكون لدى أفراد الفريق طريقة لمشاركة المعلومات المهمة معك، مثل تعرضهم لضغط شديد أو عدم سير الأمور كما يجب.
  • لا تمنح مصالحك الشخصية أفضلية على مصالح الفريق. يكون القادة السامون خانعين لرؤسائهم وطغاة على مرؤوسيهم.

توقع فترات ضغط العمل الكبير غالباً أثراً كبيراً على نجاح الشركة وتسهم بقوة في تشكيل الثقافة المؤسسية. وغالباً يتسبب الأداء في هذه الفترات سواء كان جيداً أو رديئاً بتقزيم آثار فترات التشغيل الأخرى التي تكون الحالة فيها مستقرة، وتسبب القيادة الضعيفة في فترات ضغط العمل الكبير ضرراً كبيراً للمؤسسة ما يؤدي إلى إصابة الموظفين بالاحتراق الوظيفي أو العجز عن تحقيق الأهداف أو كليهما معاً. يشير بحثنا حول إدارة الفريق في فترات ضغط العمل إلى أن قدرة القائد على موازنة المخاطر مع المهمة والأفراد شرط أساسي لتحقيق النجاح المؤسسي في فترات ضغط العمل الكبير وضمان ألا يكون النصر باهظ الثمن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي