إدارة الفرق متعددة الثقافات

15 دقيقة
إدارة فريق متعددة الثقافات

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن كيفية إدارة فريق متعددة الثقافات بطريقة ناجحة. عندما احتاج أحد مطوري البرمجيات العالميين الكبار إنتاج منتج جديد بسرعة، كوّن مدير المشروع فريقاً من الموظفين من الهند والولايات المتحدة الأميركية. من البداية لم يتفق أعضاء الفريق على موعد تسليم المنتج. اعتقد الأميركيون أنه يمكن إنجاز العمل في غضون أسبوعين أو ثلاثة؛ بينما اعتقد الهنود أنه قد يستغرق من شهرين لثلاثة أشهر. بمرور الوقت أبدى أعضاء الفريق الهندي ممانعتهم الإبلاغ عن عقبات عملية الإنتاج، والتي سيجدها أعضاء الفريق الأميركي في المرحلة التي سيتسلمون بها العمل. تؤثر هذه الصعوبات بالطبع على أي فريق، ولكن في الحالة السابقة فإن هذه الصعوبات نشأت من الاختلافات الثقافية. مع تصاعد التوتر أصبح النزاع على موعد التسليم والتقييم شخصياً وهذا ما أدى بدوره إلى تعطيل التواصل بين أعضاء الفريق حتى في القضايا الصغيرة. هنا قرر مدير المشروع التدخل، وكنتيجة لهذا فإن أعضاء الفريقين الأميركي والهندي اعتمدوا عليه لتوجيههم فيما يتعلق بالتفاصيل العملية الدقيقة والتي كان يجب على الفريق أن يتحملها بمفرده. أصبح المدير متورطاً بالقضايا اليومية لدرجة أن المشروع انحدر بشكل يائس مقارنة مع المخطط الأكثر تشاؤماً، ولم يتعلم الفريق أبداً العمل سوياً بفعالية.

اقرأ أيضاً: 4 أشياء تفعلها فرق العمل القادرة على التأقلم والتطور

غالباً ما تولد الفرق متعددة الثقافات معضلات إدارية محبطة بسبب عدم معرفة كيفية إدارة فريق متعددة الثقافات بطريقة صحيحة. يمكن أن يتولد عن الاختلافات الثقافية عوائق جوهرية تؤثر بشكل كبير على العمل الجماعي للفريق، ولكن قد تكون هذه العوائق دقيقة وصعبة الملاحظة إلى حين حدوث ضرر ملحوظ. كما حصل بالحالة أعلاه – التي أخبرنا بها المدراء المسؤولون – فإن المدراء بتدخلهم قد يخلقون مشاكل أكثر من مساهمتهم بإيجاد الحلول. يكمن التحدي بإدارة الفرق متعددة الثقافات بشكل فعال في عملية التعرف على المسببات الثقافية الضمنية للنزاع، وبالتدخل بطرق تعيد كلا الفريقين إلى المسار الصحيح وتساعد الأعضاء بالتعامل مع التحديات المستقبلية بأنفسهم.

قابلنا مدراء وأعضاء فرق متعددة الثقافات من كافة أرجاء العالم. قادتنا هذه المقابلات – بالإضافة إلى بحثنا العميق في حل النزاعات والعمل الجماعي – لاستنتاج أن النوع الخاطئ من التدخل الإداري قد يؤدي لتهميش الأعضاء المهمين الذين يجب أن يشاركوا أو قد يؤدي على نحو أسوأ إلى خلق مقاومة ضمن الفريق، وهذا ما ينتج عنه أداء أضعف للفريق ككل. لا نتحدث هنا عن احترام اختلاف المقاييس الوطنية لإنجاز الأعمال، كالممارسات المحاسبية مثلاً، بل نشير إلى مشاكل العمل  اليومية التي تحدث بين أعضاء الفريق وتمنع أعضاءه من إدراك الغايات الواجب عليهم تحقيقها، كمعرفة الأسواق المختلفة للمنتج وخدمة الزبائن المرتبطة بثقافة الزبون ومناوبات العمل على مدار 24 ساعة.

عقبات إدارة فريق متعددة الثقافات

الأمر الجيد هو إمكانية التحكم بالتحديات الثقافية وذلك إذا اختار المدراء وأعضاء الفريق الاستراتيجية الصحيحة لتجنب فرض الأساليب المبنية على ثقافة واحدة فقط في الحالات متعددة الثقافات.

التحديات

يميل الناس لافتراض أن التحديات في إدارة فرق متعددة الثقافات تنشأ من اختلاف أساليب التواصل؛ ولكن هذه فئة واحدة  فقط من الفئات الأربعة للتحديات التي – طبقاً لما جاء في بحثنا – قد تحول دون الوصول للنجاح المطلق للفريق. هذه الفئات هي: التواصل المباشر مقابل غير المباشر، مشاكل  اللهجات والطلاقة بالكلام، اختلاف المواقف تجاه التسلسل الهرمي والسلطة، وتعارض معايير اتخاذ القرار.

التواصل المباشر مقابل غير المباشر

يكون التواصل في الحضارات الغربية مباشراً وصريحاً، فالمعنى واضح ولا يتعين على المستمع أن يعرف الكثير عن سياق الكلام أو المتكلم ليفسر ما يقوله. هذا الأمر لا ينطبق على العديد من الثقافات الأخرى: حيث يكون المعنى مبطناً بحيث يتم تقديم رسالة في الكلام. على سبيل المثال يحصل المفاوضون الغربيون على معلومات مهمة حول تفضيل الطرف الآخر والأولويات وذلك من خلال طرح أسئلة مباشرة مثل "هل تفضل الخيار A أو B؟"، بينما في الثقافات التي تستخدم التواصل غير المباشر يضطر المفاوضون للاستدلال على التفضيلات أو الأولويات من التغيرات – أو النقص بالتغيرات – في مقترحات التسوية للطرف الآخر، يستطيع غير الغربيين في المفاوضات بين الثقافات أن يفهموا عمليات التواصل المباشر للغربيين؛ ولكن يعاني الغربيون من صعوبة في فهم عمليات التواصل غير المباشرة لغير الغربيين.

التواصل في الثقافات الغربية مباشر وصريح، بينما في العديد من الثقافات الأخرى يكون المعنى متضمناً في طريقة تقديم الرسالة، وهذا الاختلاف قد يسبب ضرراً كبيراً للعلاقات بين أفراد الفريق.

شرحت إحدى المديرات الأميركيات التي كانت مديرة لمشروع بناء واجهة تفاعلية لنظام بيانات العملاء الأميركي والياباني المشاكل التي كان يعاني منها فريقها كالتالي: "في اليابان يريدون الكلام والنقاش، بعد ذلك نأخذ استراحة ثم يتحدثون ضمن المؤسسة. يريدون التأكد من وجود تناغم في باقي المؤسسة. من أصعب الدروس بالنسبة لي كانت عندما ظننتهم يقولون (نعم) بينما كان قصدهم فقط هو (أنا أستمع إليك)".

اقرأ أيضاً: أفضل فرق القيادة العليا تزدهر بالاختلاف

يمكن أن يسبب الاختلاف بين التواصل المباشر وغير المباشر ضرراً كبيراً في العلاقات عندما تتعرض المشاريع التي ينفذها الفريق لمشاكل. عندما اكتشفت المديرة الأميركية، التي اقتبسنا منها الكلام السابق، أن الأخطاء المتعددة في النظام قد تؤدي لحدوث فوضى بعمليات الشركة بشكل كبير، أرسلت هذا الأمر عبر بريد إلكتروني لمديرها الأميركي ولأعضاء الفريق اليابانيين. قدر مديرها التحذير المباشر ولكن زملاؤها اليابانيون شعروا بالإحراج وذلك لأنها انتهكت مبادئهم بكشف النقاب عن المشاكل ومناقشتها. وكان الرد على هذا الأمر بتقليل إمكانية وصولها للأشخاص والمعلومات التي احتاجتها لمراقبة تقدم العمل. كان من الممكن أن يستجيبوا بشكل أفضل لو أنها أشارت للمشاكل بشكل غير مباشر، على سبيل المثال من خلال سؤالهم عما يمكن أن يحدث إذا كان جزء ما من النظام لا يعمل بشكل مناسب، على الرغم من علمها بأن هذا تقصير، وما هي الآثار المترتبة علية.

كما يشير بحثنا إلى صحة ما يلي: تخلق تحديات التواصل حواجز تعيق العمل الفعال للفريق وذلك من خلال تقليل مشاركة المعلومات أو خلق نزاعات مرتبطة بالعلاقات بين الأشخاص أو بفعل كلا الأمرين. في اليابان يكون الرد النموذجي على المواجهة المباشرة هو عزل منتهك المعايير. تم عزل المديرة الأميركية ليس فقط اجتماعياً ولكن أيضاً جسدياً. أخبرتنا أنهم "وضعوا فعلياً مكتبي في غرفة تخزين، حيث كانت تحتوي على مكاتب مكدسة من الأرضية وصولاً للسقف وقد كنت الشخص الوحيد بهذه الغرفة، وبالتالي عزلوني كلياً وهذا ما كان إشارة واضحة لي بأنني لست جزءاً من الدائرة الداخلية وأنهم سيتواصلون معي فقط عند الحاجة".

كانت الغاية من أسلوبها المباشر حل مشكلة معينة وهذا ما حصل لأن مشروعها أُطلق بشكل خال من المشاكل، لكن انتهاك المعايير أدى لتفاقم التحديات في العمل مع زملائها اليابانيين وأدى أيضاً للحد من قدرتها على كشف أي مشاكل أخرى كانت ستؤدي لعرقلة المشروع لاحقاً.

مشاكل اللهجات والطلاقة في الكلام

على الرغم من أن لغة العمل العالمية هي الإنجليزية إلا أنه قد يحدث سوء فهم أو إحباط عميق بسبب لهجات المتكلمين غير الناطقين باللغة، أو ضعف الطلاقة بالكلام، أو مشاكل الترجمة أو الاستخدام، وهذه الأسباب قد تؤثر أيضاً على إدراك الحالات أو الكفاءة.

على سبيل المثال، أعرب عضو من أميركا اللاتينية في فريق استشارات متعدد الثقافات عن أسفه بقوله: "في العديد من المرات شعرت أنه وبسبب اختلاف اللغة لم أملك كلمات لأقولها للتعبير عن بعض الأشياء التي كنت أفكر بها. لاحظت عندما ذهبت للمقابلات مع شخص من الولايات المتحدة الأميركية أنه يميل لقيادة هذه المقابلات، وهذا كان مفهوماً ولكنه بنفس الوقت كان محبطاً وذلك لأننا بنفس المستوى. كان يخطر في بالي أسئلة جيدة جداً لكنه هو من كان يتولى القيادة".
عند مقابلتنا مع عضو أميركية في فريق أميركي – ياباني يعمل على تقدير التوسع المحتمل لمتاجر البيع بالتجزئة الأميركية في اليابان، وصفت أحد زملائها الأميركيين في فريق العمل كالتالي: "لم يكن مهتماً بالتقييمات من المستشارين اليابانيين وشعر أنه بسبب عدم طلاقتهم في اللغة بنفس مستواه فإنهم لم يكونوا أذكياء بما فيه الكفاية ولذا لم يضيفوا أي قيمة إضافية". كان عضو فريق العمل المذكور آنفاً مسؤولاً عن تقييم أحد جوانب إمكانية التوسع في اليابان، وبفعل عدم تدخل الخبراء اليابانيين فقد خاطر بالمبالغة في تقدير الفرص والاستخفاف في التحديات.

قد يكون الأعضاء غير المتمتعين بطلاقة اللغة هم الأكثر خبرة بالفريق، لكن الصعوبة التي يعانون منها بالتواصل تجعل من الصعب على الفريق التعرف على خبرتهم والاستفادة منها. إذا أصبح أعضاء الفريق محبطين أو غير صبورين تجاه ضعف الطلاقة في اللغة فقد تنشأ بينهم النزاعات. يمكن أن يقل حماس واندفاع المتحدثين غير الناطقين باللغة للمساهمة بالأعمال وقد يساورهم القلق حول تقييم أدائهم والآفاق المستقبلية لوظائفهم. تدفع المؤسسة ككل ثمناً أكبر: حيث أن استثمارها بالفرق متعددة الثقافات لا يثمر.

اقرأ أيضاً: 4 طرق لكي يحافظ القادة على أوقاتهم وتمكين فرق عملهم

تعلمنا أن بعض الفرق تستخدم الاختلاف اللغوي لحل التوترات عوضاً عن خلقها. كان فريق مؤلف من مشترين أميركيين وأميركيين لاتينيين يفاوض فريقاً يتبع لمزود كوري، حدثت المفاوضات في كوريا ولكن المناقشات تمت باللغة الإنجليزية. كان الكوريون يتحدثون الكورية بشكل متكرر أثناء المناقشات، وكرد – محبط – على هذا كان المشترون يتكلمون بالإسبانية، على الرغم من أن الطرفين ناقشوا فقط الأحداث غير المهمة والأحداث الرياضية، في حالة تحدث أي كوري بالإسبانية. كان أعضاء الفريق الذين لا يتقنون الإسبانية يدعون المشاركة لتسلية زملائهم بالفريق. أثبتت هذه المفارقة فعاليتها: حيث نقلت للكوريين بطريق ملائمة وغير مباشرة أن حديثهم باللغة الكورية كان مزعجاً ومحبطاً للجانب الآخر. كنتيجة لهذا قام الطرفان بتقليص المحادثات الجانبية.

اختلاف المواقف تجاه التسلسل الهرمي والسلطة

أحد التحديات الكامنة في العمل الجماعي متعدد الثقافات هي أنه تصميمياً تكون للفرق بنية سطحية، لكن أعضاء الفرق من بعض الثقافات - التي يتم التعامل بها مع الأشخاص بشكل مختلف تبعاً لمنزلتهم الوظيفية في المؤسسة – لا يشعرون بالراحة في هذه الفرق. إذا تم اتباعهم لأعضاء ذوي منزلة أعلى بالفريق فإن سلوكهم سيتم النظر إليه كسلوك ملائم إذا كان معظم الفريق ينحدر من ثقافة تعتمد على زعيم أو مرجعية عليا، لكن هذا قد يؤذي مكانتهم الاعتبارية ومصداقيتهم، وقد يواجهون الإهانة في حال كان معظم الفريق ينحدر من ثقافة تستند على المساواة.

قد يضر أعضاء الفريق الذين لا يشعرون بالراحة للفرق ذات البنية السطحية– في حالة إتباعهم لأعضاء فريق أعلى منزلة وظيفية –بمكانتهم الاعتبارية ومصداقيتهم وقد يواجهون الإهانة حتى إذا كان معظم الفريق ينحدر من ثقافة تستند على المساواة.

أخبرنا أحد المدراء المكسيكيين – الذي كان يعمل في فريق ائتمان وتوثيق لمصرف – "في الثقافة المكسيكية، من المفروض أن تكون دوماً متواضعاً، لذا في حال فهمت شيئاً ما أم لم تفهمه فإن عليك أن تضعه بصيغة سؤال، ويجب عليك أن تبقى نهايته مفتوحة. أظن أن هذا لم يكن في صالحي وذلك لأن الأميركيين ظنوا أنني لا أعلم حقاً عما أتحدث وهذا ما جعلني أشعر أنهم يظنون أنني أتردد بإجابتي".

عندما يعتقد أعضاء الفريق أنهم يعاملون بقلة احترام، نتيجة لاختلاف المعايير الثقافية، فإن المشروع بأكمله قد ينهار. في إحدى المفاوضات الأميركية – الكورية كان أعضاء الفريق الأميركي يعانون من صعوبة الحصول على معلومات من نظرائهم الكوريين، ولذلك قاموا بالشكوى مباشرة للإدارة الكورية العليا وهذا ما أدى تقريباً لتخريب الصفقة. شعر المدراء الكوريون ذوي المرتبة الأعلى بالانزعاج وذلك لأن التسلسل في المراتب متصل بشكل كبير في المؤسسات والثقافة الكورية، فبرأيهم كان يجب على أعضاء فريقهم من المرتبة الأدنى أن يخبروهم بالمشكلة وليس أعضاء الفريق الأميركي. وقد شعر أعضاء الفريق الكوري بالخزي لأن مدراءهم قد علموا بالأمر قبل أن يتمكنوا هم من إعلامهم به. حُلّ النزاع فقط عندما سافر أحد أعضاء الفريق الأميركي من ذوي المرتبة العالية إلى كوريا ناقلاً احترامه لنظرائه الكوريين.

تعارض معايير اتخاذ القرارات

تختلف الثقافات بشكل كبير عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات، خصوصاً بمدى سرعة اتخاذ القرارات وكمية التحليل المطلوب مسبقاً. ليس من المستغرب أن يفضل المدراء الأمريكيون اتخاذ القرارات بشكل سريع جداً وبتحليل قليل نسبياً مقارنة مع المدراء من بلدان أخرى.

أخبرنا المدراء البرازيليون في شركة أميركية ممن كانوا يفاوضون لشراء منتجات كورية لسوق أميركا اللاتينية ما يلي :"من جهة، اتفقنا على ثلاث نقاط، وفي اليوم التالي أراد الجانب الأميركي – الإسباني أن يبدأ بالنقطة الرابعة. لكن الجانب الكوري أراد العودة ليعيد مناقشة بعض الأمور بالنقاط الثلاثة المتفق عليها. وهنا كان مديري على وشك أن يصاب بنوبة".

ما يتعلمه أعضاء الفريق الأميركي من تجارب كهذه هو أنه لا يمكن ببساطة فرض الطريقة الأميركية على الثقافات الأخرى، على سبيل المثال قد يعارض المدراء من الثقافات الأخرى مشاركة المعلومات حتى يفهموا الغرض الكامل من المشروع، ولكن بنفس الوقت تعلم هؤلاء المدراء أنهم لا يستطيعون ببساطة تجاهل رغبة نظرائهم الأميركيين باتخاذ القرارات بسرعة. ما المطلوب فعله إذاً؟ يبدو أن الحل الأمثل هو تقديم تنازلات بسيطة للعملية وتعلم ضبط التوجهات وحتى احترام الأساليب الأخرى في اتخاذ القرار، على سبيل المثال فقد تعلم المدراء الأميركيون إبقاء مدراءهم قليلي الصبر بعيداً عن الاجتماعات بين الفرق وإعطاءهم تحديثات موجزة للاجتماعات على نحو متكرر. من الدروس المشابهة للمدراء من ثقافات أخرى هو أن يكونوا صريحين حول احتياجاتهم، فمثلاً يمكنهم القول: "يجب أن نرى الصورة الكاملة قبل أن نتكلم بالتفاصيل".

الاستراتيجيات الأربعة من أجل إدارة فريق متعددة الثقافات

استخدمت الفرق والمدراء الأكثر نجاحاً الذين قابلناهم أربع استراتيجيات من أجل إدارة فريق متعددة الثقافات ومن أجل التعامل مع التحديات سالفة الذكر، هذه الاستراتيجيات هي: التكيف (الاعتراف بالفجوات الثقافية بانفتاح والعمل حولها)، التدخل الهيكلي (تغيير شكل الفريق)، التدخل الإداري (وضع المعايير مبكراً أو  استقدام مدراء ذوي مرتبة أعلى)، والخروج (إزالة عضو من الفريق عندما تفشل الخيارات الأخرى). لا يوجد طريقة واحدة صحيحة للتعامل مع نوع معين من المشاكل الناتجة عن تعدد الثقافات؛ وتحديد نوع التحدي المراد مواجهته هو فقط الخطوة الأولى. الخطوة الأكثر حساسية هي تقدير الظروف – أو "تفعيل الظروف المتعلقة بالحالة" – التي يعمل فيها الفريق، على سبيل المثال، هل يتيح المشروع أي مرونة للتغيير أو هل تجعل مواعيد تسليم هذا الأمر مستحيلاً؟ هل تتوفر مصادر إضافية يمكن الاعتماد عليها؟ هل الفريق دائم أم مؤقت؟ هل يتمتع مدير الفريق بالاستقلالية لاتخاذ قرار حول تغيير الفريق بطريقة ما؟ حالما يتم تحليل الظروف السائدة فإنه يمكن لقائد الفريق أن يحدد رداً مناسباً

التكيف

تجد بعض الفرق طرقاً للعمل مع أو حول التحديات التي يواجهونها، حيث تتكيف من ناحية السلوك أو المواقف دون إحداث تغييرات بعضوية المجموعة أو مهمات الأعضاء. يعمل التكيّف عندما يهدف أعضاء الفريق للاعتراف وتسمية اختلافاتهم الثقافية ولأخذ المسؤوليات على عاتقهم لاكتشاف كيفية التعايش معها. يعد التكيف غالباً أفضل أسلوب ممكن لمشكلة ما، على اعتبار أنه يشمل نموذجياً وقتاً إدارياً أقل مقارنة مع الاستراتيجيات الأخرى؛ وبسبب أن أعضاء الفريق يشاركون بحل المشكلة بأنفسهم، ويتعلمون من هذه العملية. عندما يضع أعضاء الفريق باعتبارهم هذا الموضوع فإنهم يمكن أن يصبحوا خلاقين فيما يتعلق بحماية اختلافاتهم الجوهرية مع الانضمام للأعمال مع الآخرين.

على سبيل المثال، شعر أحد الأعضاء الأميركيين بفريق استشارات سيندمج لاحقاً بشركة أخرى بالإحباط بتسلسل المراتب بالشركة الفرنسية التي كان يعمل بها فريقه، حيث شعر أن مقابلة بعض المدراء الفرنسيين غير المعنيين مباشرة بعملية الدمج "لن يضيف أي قيمة لي أو لغايات المشروع"، ولكنه قال أنه فهم أنه "من المهم إشراك جميع الأشخاص هنا" في حال كان الاندماج أساسياً للعمل.

حاول فريق متعدد الثقافات أميركي – بريطاني استخدام أساليبهم المختلفة لاتخاذ القرارات للوصول إلى قرار عالي الجودة. هذا الأسلوب – المسمى بالاندماج – ينال انتباهاً جدياً من علماء السياسة ومن مسؤولي الحكومة الذين يتعاملون مع السكان ذوي الثقافات المتعددة الذين يريدون حماية ثقافاتهم عوضاً عن التوحد أو الاندماج. إذا اعتمد الفريق بشكل مفرط على أسلوب الأميركيين "المضي قدماً " فإنه قد لا يستطيع ملاحظة المخاطر الكامنة وقد يضطر أعضاء الفريق لاحقاً للتراجع والبدء من جديد، وبهذا الوقت يكون لسان حال أعضاء الفريق البريطانيين، "أخبرناكم أن الأمور تجري بسرعة كبيرة". إذا استخدم الفريق الأسلوب البريطاني "دعنا نفكر بهذا" فإنه يهدر الكثير من الوقت بمحاولة تحديد كل خطر كامن بما يشمل المخاطر الأقل احتمالية، وبهذا الوقت يفكر أعضاء الفريق الأميركي بالموضوع ويتهامسون حول العجز في التحليل. أتت قوة الفريق من أن بعض أعضائه كانوا يطمحون للمضي قدماً بينما البعض الآخر كان يهدف للعمل من خلال المخاطر الكامنة. للتكيف بين جميع الأعضاء فإن الفريق قام بكلا الأمرين: تحرك الفريق بسرعة لا تصل لسرعة أعضاء الفريق الأميركيين أو البريطانيين.

التدخل الهيكلي

التدخل الهيكلي من أجل إدارة فريق متعددة الثقافات هو عبارة عن إعادة تنظيم متعمدة أو إعادة لتوزيع الواجبات مصممة لتقليل الاحتكاك بين الأشخاص أو لإزالة مصدر النزاع لمجموعة واحدة أو أكثر. يمكن أن تكون هذه المقاربة فعالة للغاية عندما تضع المجموعات الفرعية الواضحة حدوداً في الفريق (مثلاً  الإدارة المركزية مقابل الإدارات الوطنية الفرعية) أو عندما يكون أعضاء الفريق فخورين أو مدافعين أو مهددين أو متمسكين بالنمط السلبي لبعضهم البعض.

وصف أحد أعضاء فريق بحث استثماري منتشر عبر قارة أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة لنا كيف قام مديره بحل النزاعات عن طريق التخلص من الاختلافات بالمراتب الوظيفية والتوترات اللغوية في "قبائل" الفريق الثلاثة. بدأ المدير بجعل الفريق يتقابل وجهاً لوجه مرتين بالسنة، ليس فقط لمناقشة المشاكل اليومية الدنيوية (والتي كان يوجد العديد منها)؛ وإنما أيضاً لتحديد مجموعة من القيم التي يمكن للفريق استخدامها لتوجيه وتقييم تقدمه. باللقاء الأول أدرك المدير أنه عندما بدأ بالتحدث قام الجميع بالسكوت بانتظار ما يريد أن يقوله، لذلك قام بتوظيف مستشار لإدارة اللقاءات المستقبلية. لم يمثل المستشار تهديداً في الرتب وبالتالي كان قادراً على الحصول على العديد من المشاركات من أعضاء الفريق.

من التدخلات الهيكلية الأخرى عند إدارة فريق متعددة الثقافات هي إنشاء مجموعات عمل صغيرة مؤلفة من مزيج من الثقافات أو مزيج من الهويات المتحدة وذلك ليتم الحصول على معلومات لا تكون قادمة من الفريق ككل. كانت مديرة الفريق تُقيّم فرص البيع بالتجزئة في اليابان باستخدام هذا الأسلوب. عندما أدركت أن المستشارة اليابانية لن تشارك إذا زاد حجم المجموعة أو إذا كان هنالك تفوق عددي للذكور بالمجموعة، فقسمت الفريق إلى مجموعات أصغر كمحاولة لحل هذه المشكلة. استخدمت المديرة هذه التقنية بشكل متكرر وكسبت نقطة بتغيير عضوية المجموعات الفرعية كل مرة وذلك كي يتعرف أعضاء الفريق على بعضهم ويحترموا الجميع في الفريق.

تشتمل تقنية المجموعات الفرعية على عدة مخاطر، لكنها، تعزل الأشخاص الذين لا يعملون بشكل جيد سوياً أو لا يشاركون بالمجموعة الأكبر لسبب أو لآخر. عاجلاً أم آجلاً يجب على الفريق أن يجمع القطع التي أتت منها المجموعات الفرعية، وبالتالي فإن هذا الأسلوب يستند على تدخل هيكلي آخر: يجب على شخص ما أن يكون وسيطاً للتحقق من أن القطع المختلفة تتطابق.

التدخل الإداري من أجل إدارة فريق متعددة الثقافات

عندما يتصرف مدير ما كمحكم أو كقاضي أي أنه يتخذ القرار النهائي دون تدخل الفريق فلن يمتلك المدير أو الفريق الكثير من البصيرة لمعرفة سبب توقف الفريق، ولكن يمكن لأعضاء الفريق استخدام التدخل الإداري بفعالية لحل المشاكل.

عندما وقعت خبيرة أميركية ذات خبرة كبيرة في دول شرق آسيا بمجال السلامة في المصفاة في موقف حرج خلال أحد المشاريع في الصين، قامت بطلب مدراء شركتها ذوي المرتبة العليا إلى بكين للتحدث مع المدراء ذوي المرتبة العليا الذين يرسل إليهم مدراء المصافي الصينية تقاريرهم. على النقيض من أعضاء الفريق الغربيين الذين أخلو بالسلوك من خلال أسلوب رؤساء نظرائهم الكوريين. تأكدت خبيرة السلامة من احترام التسلسل الهرمي الوظيفي في كلتا المنظمتين.

قالت لنا: "في محاولة لحل القضية، أجرت الإدارة المحلية في المصفاة الصينية اجتماعاً مع مكتبنا في بكين ومع الإدارة العليا في المصفاة، في النهاية فهموا أننا لم نكن نحاول إهانتهم أو إهانة ثقافتهم أو إخبارهم أنهم كانوا سيئين بأي شكل من الأشكال. كنا نحاول المساعدة. أدركوا أخيراً وجود العديد من القضايا المهمة المتعلقة بالحرائق والسلامة، لكننا فعلياً اضطررنا إلى خطاب بعض المستويات العليا لحل هذه القضايا".

عالج أحد مدراء المشروع تحدي اللغة مباشرة، حيث أخبر الأعضاء بأنهم اختيروا وفقاً لخبرتهم بالمهمات وليس وفقاً لطلاقتهم في اللغة الإنجليزية، وأنه يتعين على الفريق العمل على حل المشكلات.

يمكن للتدخلات الإدارية الهادفة لوضع المعايير في المراحل الأولى من عمر الفريق أن تساعد الفريق على البدء بعمليات فعالة. في أحد الحالات التي أُبلغنا بها: كانت لغة التخاطب لفريق تطوير برمجيات متعدد الثقافات هي الإنجليزية، ولكن بعض الأعضاء – وعلى الرغم من تحدثهم الإنجليزية بشكل صحيح قواعدياً – كانوا ذوي لكنة واضحة. في مرحلة وضع القواعد الأساسية لعمل الفريق عالجت المديرة التحدي مباشرة، حيث أخبرت الأعضاء أنهم اختيروا لخبرتهم بالمهمات وليس لطلاقتهم في اللغة الإنجليزية، وأنه يجب على الفريق أن يعمل على حل المشكلات. مع مضي المشروع لمرحلة التدريب على خدمة العملاء، نصحت المديرة أعضاء الفريق بالإقرار بلهجاتهم مقدماً، حيث قالت أنه يجب عليهم أن يقولوا للعملاء: "أنا أدرك أن لكنتي غريبة، إذا لم تفهم ما أقول بإمكانك إيقافي عن الكلام وسؤالي بعض الأسئلة".

الخروج

ربما وبفعل أن العديد من الفرق التي درسناها كانت فرقاً مؤسسة لإنجاز مشاريع معينة، فقد وجدنا أن مغادرة الفريق كانت استراتيجية نادرة لإدارة التحديات. في الحالات قصيرة الأمد غالباً ما ينتظر أعضاء الفريق غير السعداء انتهاء المشروع. عندما كانت الفرق دائمة – تقدم منتجات أو خدمات – فإن خروج عضو واحد أو أكثر من الفريق كان السبيل الأخير لإدارة التحديات، ولكن استخدم هذا الأسلوب – إما بشكل طوعي أو بعد طلب رسمي من الإدارة. ازدادت احتمالية خروج الأعضاء مع ازدياد العواطف وفقدان الاحترام بين أعضاء الفريق وذلك لإنقاذ الموقف.

وصف أحد الأعضاء الأميركيين في فريق استشارات متعدد الثقافات التحدي بين مستشارين كبيرين، أحدهما امرأة يونانية والآخر رجل بولندي – وذلك حول آلية التعامل مع المشكلات: "قالت المرأة اليونانية (هذه هي الطريقة التي أعتقد أنه يجب أن نقوم بها)، لم يكن شيئاً تستطيع التحكم به. بينما قال الرجل البولندي: (أعتقد أنه يجب أن نقوم بها بهذه الطريقة عوضاً عن الطريقة السابقة). وهنا غضبت المرأة اليونانية وقالت وهي منزعجة: (لا أعتقد أن هذه هي الطريقة الصحيحة للقيام بالأمر). وهذا ما حول الاختلاف من مهني لشخصي.

انتهى الأمر بمغادرة المرأة اليونانية للمؤسسة، وهذا كان نتيجة مباشرة لجميع القضايا المباشرة التي كانت تحدث بين هؤلاء الأشخاص. ببساطة لم يكن هنالك انسجام جيد، وقد وجدت أنه في بعض الأوقات عندما تعطي استشارات فإنه عليك بشكل واضح أن تتكيف مع الثقافة، ولكن يجب عليك بنفس الوقت أن تتكيف مع أسلوب قائد المشروع أياً كان.

على الرغم من أن عملية إدارة فريق متعددة الثقافات تواجه مشكلات غير منسوبة بشكل مباشر للاختلافات الثقافية؛ إلا أن هذه الاختلافات تشكل الأساس للمشكلات الواجب معالجتها في العديد من الفرق التي درسناها، علاوة على ذلك – عندما تكون التحديات جدية وذات تأثير سلبي على عمل الفريق - فإنه يمكن للتحديات الثقافية أن تكشف عن مشاكل إدارية جوهرية. والمدراء الذين يتدخلون بمراحل مبكرة ويضعون معايير، والفرق والمدراء الذين يبنون تفاعلاً اجتماعياً ويعملون لتشغيل كافة أعضاء الفريق، والفرق التي ترى المشكلات ناتجة عن الثقافة وليس لأسباب شخصية، جميع الحالات السابقة تواجه التحديات بالمرح والإبداع. قد يستطيع المدراء الذين يتدخلون عندما يصل الفريق لتسوية ما أن يجعلوا الفريق يتحرك مرة أخرى، ولكنهم نادراً ما يشجعون الفريق لمساعدة نفسه بالمرة القادمة التي تحدث بها تسوية.

عندما يأخذ أعضاء الفريق المحبطين بعض الوقت للتفكير بالتحديات والحلول الممكنة بأنفسهم، فإن هذا قد يحدث فرقاً كبيراً. خذ على سبيل المثال هذه القصة حول مركز نداء للخدمات مالية: كان جميع أعضاء المركز متكلمين طليقين باللغة الإسبانية؛ لكن بعضهم كان من أميركا الشمالية وبعضهم كان من أميريكا اللاتينية. أصبح هنالك تلكؤ بأداء الفريق – المقاس بعدد المكالمات التي أجيب عليها بالساعة – حيث كانت إحدى الموظفات من أميركا اللاتينية تتحدث بضعف فترة المكالمة مقارنة مع زملائها. كانت تتعامل مع أسئلة المتصلين بشكل ملائم ولكنها كانت تضمن أحاديثاً جانبية (دردشة) بالمكالمات. عندما واجهها زملاؤها بالفريق بكونها قائدة حرة (عبروا عن استيائهم من حاجتهم لتعويض نسبة مكالماتها المنخفضة)، قامت مباشرة بالإقرار بالمشكلة معترفة بأنها لم تعلم كيف تنهي المكالمة بشكل لبق – حيث أن الدردشة تُعتبر عادية بثقافتها. تجمع أعضاء الفريق لمساعدتها: باستخدام التكنولوجيا الخاصة بهم فكانوا يقتحمون أي من مكالماتها التي تتجاوز الوقت المحدد مقدمين اعتذارهم من الزبون وعارضين عليه أن يتولوا المكالمة عوضاً عنها وقائلين أن هذه الموظفة قد طُلِبت بشكل مستعجل لتقديم المساعدة بمكالمة أخرى. نجح حل الفريق على المدى القريب ونجحت الموظفة على المدى البعيد بإنهاء المكالمات بشكل أفضل.

في حالة أخرى متعلقة بكيفية إدارة فريق متعددة الثقافات في إحدى الشركات، فإن أحد المدراء الهنديين لفريق متعدد الثقافات مهمته تنسيق أعمال مشروع تكنولوجيا معلومات بكافة أرجاء شركة معينة وجد نفسه محبطاً عندما تقابل هو وعضو بالفريق من سنغافورة مع عضوين يابانيين من فريق التنسيق لمحاولة تسليم الطرف الياباني لجزئه من المشروع. ولكن حسب وجهة نظر المدير الهندي فإن متابعتهم للعمل لم تكن كافية. فكر المدير ورفض التواصل مع أعلى رتبة بين أعضاء الفريق الياباني، وقرر عوضاً عن ذلك محاولة بناء التوافق مع كامل فريق تكنولوجيا المعلومات الياباني، وليس فقط مع عضوي فريق التنسيق. وضع المدير ومعه زميله من سنغافورة عرض عمل وأخذوه لليابان ثم دعوا كامل فريق تكنولوجيا المعلومات لعرضه عليهم عند اجتماع الغداء، حيث عرضوا قصصاً ناجحة حول الأقسام الأخرى من المؤسسة التي انحازت لأولويات العمل الكبرى للشركة. أخبرنا المدير أن الأثر لم يكن ملحوظاً ولكنه نجح، حيث أراد فريق تكنولوجيا المعلومات الياباني أن يبرز في عروض العمل المستقبلية. في النهاية استطاعت كافة الفرق العمل بشكل جيد سوياً دون الحاجة لتدخل مدير ذي مرتبة عالية من أجل إدارة فريق متعددة الثقافات في الشركة.

اقرأ أيضاً: 4 طرق لبناء فريق مبتكر

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي