هل شعرت يوماً أن مديرك في العمل يريد النيل منك؟ لعلها مجرد شكوك ومخاوف، ولكن ربما كانت شكوكك في محلها. ثمة الكثير من المدراء السيئين، وهم ليسوا أغبياء ولكنهم يفتقرون إلى الذكاء العاطفي. يتسم هذا النوع من المدراء بتدني مستوى وعيهم الذاتي، وهم لا يفهمون موظفيهم ولا يستطيعون التحكم في عواطفهم، ويفتقرون إلى القيم والمبادئ.
هؤلاء القادة المتناقضون خطرون؛ فهم يعرقلون عمل موظفيهم ويفككون فِرق العمل، ويدمرون الموظفين علناً أحياناً وبالخفاء أحياناً أخرى وببطء. مع مرور الوقت، نجد أنفسنا في حالة صدام دائمة معهم، وذلك يستنزف قوانا تدريجياً. يخيم هذا الصدام على تفكيرنا طوال الوقت، ونتألم كلما تذكرنا الكلمات القاسية التي أُطلقت في وجهنا. فنعالج جراحنا ونخطط للانتقام. نشكو مديرنا والظلم الذي نعانيه لكل من لديه استعداد للإصغاء إلينا من الزملاء والأحباء.
وعلى الرغم من أن الشكوى ترهقنا لا نستطيع التوقف، وكأننا في معركة حياة أو موت، وذلك لأن الصراع مع أشخاص أقوياء مثل المدراء يثير استجابة الخوف البدائية العميقة في أدمغتنا؛ فالمدراء يتحكمون في حياتنا ومستقبلنا، فضلاً عن مصدر رزقنا.
من الواضح أن هذا الصراع الشديد مع المدير يضر بالصحة ويقوّض السعادة والنجاح، فما العمل؟
احمِ نفسك أولاً. للنزاع مع المدير نتائج عكسية، لأن ثقافاتنا المختلفة تحترم التسلسل الهرمي للسلطة، وكلما كانت مرتبتك أعلى كنت "على حق"، وخاصة في نظر الأعلى منك مرتبة. إنه نظام يعيد تدوير نفسه ويحترم الموظفين ويكافئهم بناءً على مرتبتهم في المؤسسة لا على سلوكهم، وهذا يعني أن معركتك مع مديرك خاسرة في نظره وفي نظر الآخرين، حتى قبل أن تبدأ، لذلك إن فُرضت عليك هذه المعركة فاحرص على وضع استراتيجية لحماية نفسك من تداعياتها. على سبيل المثال، احرص على إقناع أشخاص ذوي نفوذ بدعمك في حال ساءت الأمور، ويجب أن تضع "استراتيجية خروج" لتنأى بنفسك عن النزاع يمكن أن تستخدمها قبل وقت طويل من حدوث ضرر حقيقي.
ثانياً، ركز على نفسك. احرص على ألّا تخوض معركة مع مديرك لمجرد أن تثبت رأيك، أو لتغطي على شعورك بالنقص. عليك أن تكون نزيهاً؛ أي أن تكافح في سبيل الأهداف التي تخدم مصلحة الجميع، وليس مصلحتك فحسب. لا تتنازل عن مبادئك، ولا تستخدم أساليب قذرة مثل تضخيم الحقائق أو تحريفها، إذ إننا نفكر في استخدام هذه الأساليب عندما ندخل في نزاعات غير متكافئة، والأذى والطعن في الظهر أسلوبان شائعان جداً؛ الانحدار إلى هذا المستوى المتدني يؤذي روحك من الداخل.
ثالثاً، اعلم أن سبب هذا الصراع غير الصحي هو مشكلات مديرك وليس مشكلاتك، فهذا النوع من المدراء غير متوازن وعديم الثقة بالنفس واستغلالي ومتعطش للسلطة ونرجسي غالباً، وهو بحاجة إلى المساعدة، بل إلى التعاطف. ما لم تفهم حقاً أنه يعاني مشكلة نفسية داخلية، فستجد نفسك عالقاً معه في دوامة الصراع أو تلقي اللوم على نفسك أو تؤدي دور الضحية. من مصلحتك التركيز على بناء علاقات جيدة مع الجميع (مثل زملائك ومدراء مديرك)، وأداء عملك على أكمل وجه، والعثور على طرق جديدة للإبداع. الإبداع من قوى الحياة التي تحارب اليأس الناتج من المعارك الطويلة الأمد.
رابعاً، قيّم وضعك بموضوعية. النزاعات في العمل أمر سيئ، لكن النزاع مع مديرك مؤذٍ جداً، فقد يحطم معنوياتك ويدمر صحتك. وفي حال كنت تتشاجر مع مديرك دوماً، عليك أن تعرف إذا ما كان البقاء في وظيفتك يستحق كل ذلك العناء. لا شك أنه لدينا جميعاً ملايين الأسباب للبقاء في وظائفنا (إلى جانب الخوف عادةً)، ولكن إذا لم يكن من الممكن إصلاح العلاقة مع مديرك، فلماذا لا تفكر في كل الأسباب الوجيهة للعثور على وظيفة أخرى مع مدير أفضل وفي ظل ثقافة شركة أفضل لا تسمح بمثل هذه المعارك؟
وأخيراً اسأل نفسك: "هل أنا جزء من المشكلة؟" هل تسهم في استمرار ثقافة الصراع باستخدام نفوذك لترهيب الآخرين بصمت أو للحصول على ما تحتاج إليه على حساب الآخرين؟ يدفعنا العديد من الثقافات المؤسسية إلى التصرف بهذه الطريقة، إذ تدفعنا الديناميات السلبية للسلطة إلى جانب التركيز المفرط على المنافسة إلى الصراع بدلاً من التعاون. قد لا تتمكن من تغيير الثقافة المؤسسية في الشركة برمتها، لكن بوسعك تغييرها في فريقك. إليك كيف يمكنك فعل ذلك:
- ابدأ بالوعي الذاتي. الوعي الذاتي هو أساس الذكاء العاطفي، وتحتاج إليه لإدارة الصراع مع مديرك ومع أي شخص آخر. الوعي الذاتي يعني أنك تفهم مشكلاتك الشخصية، وحينها لن تظهر بطريقة تفاجئك أو تفاجئ الآخرين.
- سيطر على مشاعرك. يثير الصراع مشاعر سلبية قوية، ولك الخيار؛ إما أن تسمح لها بالسيطرة عليك وإما أن توجهها لتعزيز صحتك وتوازنك الشخصي.
- افهم الناس جيداً. تعلّم أن ترى الأشخاص على حقيقتهم، وليس من خلال مكانتهم في السلّم الوظيفي. اكتشف دوافع الناس وحاجاتهم، ثم قدم المساعدة.
- انطلق من مبدأ التعاطف والحب أيضاً، فالمشاعر الإيجابية معدية بطبيعتها، كما نظيراتها المؤذية مثل الغضب والخوف. وعندما تختار أن تقدم الاحترام الإيجابي والحماسة والرعاية والاهتمام، إلى جانب التعاطف والحب، سيعاملك الناس بالمثل في أي مكان.