يمكن أن يشكل تغيّر الموظفين تحدياً كبيراً للشركات، إلا أنه يخلق مشكلة فريدة من نوعها لشركات الخدمات المهنية التي ينبغي عليها القلق من أن يأخذ الموظفون العملاء معهم لدى استقالتهم.
نظراً للتعامل مع العملاء وطبيعة أعمال الخدمات المتكيّفة مع متطلبات العميل، تماماً كما هو الحال في مكاتب المحاماة أو الاستشارات، يصبح العملاء مخلصين للأفراد عوضاً عن الشركات. يؤثر هذا على الشركات من جميع الأحجام، ويكون مكلفاً جداً. على سبيل المثال، عندما غادر بيل غروس الرئيس التنفيذي لإدارة الاستثمارات شركة إدارة استثمارات المحيط الهادئ - بيمكو (Pacific Investment Management Co - Pimco) في العام 2014 للانضمام إلى منافستها جانوس كابيتال (Janus Capital)، سرعان ما سحب عملاؤه أكثر من 23.5 مليار دولار من صناديق بيمكو الاستثمارية. وشهد القطاع بعد ذلك منافسة شديدة لجذب هؤلاء العملاء الذين اختار عدد منهم اللحاق بغروس. ويركز أصحاب المشاريع الصغيرة ورواد الأعمال أيضاً على زيادة معدلات الاحتفاظ بالعملاء في حال ترك أحد موظفيهم. مع ذلك، ونظراً للقيود المفروضة على البيانات، نفتقر لوجود بحوث تجريبية واسعة النطاق حول هذا الموضوع.
قررت إلقاء نظرة على هذه القضية في سياق قطاع جماعات الضغط على المستوى الاتحادي. ففي دراسة نشرتها مجلة الإدارة الاستراتيجية (Strategic Management Journal)، أجريت بحثاً تجريبياً حول العملاء الذي يتبعون أعضاء مجموعات الضغط الفيدرالية الذين يغيرون شركاتهم. ينص قانون الإفصاح عن جهود الضغط لعام 1995 (LDA) وقانون القيادة الشريفة والحكومة المفتوحة لعام 2007 (HLOGA) على أنّ تقدم شركات الضغط مجموعة تقارير عن كل عميل يضغطون بفعالية لصالحه على أساس نصف سنوي (قانون الإفصاح عن جهود الضغط)، وكل ثلاثة أشهر (قانون القيادة الشريفة والحكومة المفتوحة). تتضمن هذه التقارير وجود اسشاريين للضغط مسجلين لكل عميل، والعائدات المالية المكتسبة من العميل مقابل الضغط لصالحه، والقضايا المحددة التي يشملها الضغط لصالحه. وسمحت لي هذه البيانات بربط مختصي استشارة الضغط الأفراد بعملائهم مع مرور الوقت، ومراقبة متى يتبع العملاء مستشاريهم أعضاء جماعة الضغط عند انتقالهم إلى شركة أخرى. وتألفت عينتي النهائية من 1,800 استشاري ضغط وأكثر تنقلوا بين الشركات في الفترة ما بين عامي 1998 و2014. كما قمت بتحليل قرارات حوالي 18,000 عميل (للبقاء مع شركتهم الحالية أم اللحاق باستشاري الضغط الذي يتولى قضيتهم).
قادني البحث إلى استخلاص بعض النتائج المهمة. أولاً، أثّرت فترة علاقة العميل، مع كل من استشاري الضغط والشركة الضاغطة، على ولاء العميل. ووجدت دليلاً على أنّ احتمالية لحاق العميل بموظف يتنقل من شركة إلى أخرى يزيد في المتوسط بنحو 2 في المئة تقريباً لكل فترة 6 أشهر يعمل فيها العميل مع عضو مجموعة الضغط، إلا أنه ينخفض بنحو 1 في المئة تقريباً لكل فترة 6 أشهر يتعاقد فيها العميل على خدمات شركة الضغط. وهذا يعني أنّ العميل الذي يستأجر شركة ضغط ويعمل مع عضو ضغط معين من اليوم الأول أكثر احتمالاً لأن يلحق بمستشار الضغط إلى شركة أخرى من عميل مماثل بدأت علاقته مع الشركة قبل علاقته مع استشاري الضغط. ولا يُعتبر الحجم النسبي لهذه التأثيرات صغيراً: ففي المتوسط، يتضاعف احتمال لحاق أحد العملاء بمستشار الضغط الفرد بعد أن يخدم الموظف العميل لمدة 3 سنوات ونصف.
تُعتبر الطريقة التي تُبنى فيها العلاقة مع العميل مهمة. فالعملاء الذين يخدمهم فريق عمل تقل احتمالية لحاقهم بموظف بعد استقالته مقارنة مع أولئك الذين يعملون مع استشاري ضغط. ولوضع هذا في منظوره الصحيح، في المتوسط، تنخفض احتمالية لحاق العميل باستشاري الضغط بنسبة 2.5 في المئة تقريباً مع كل عضو فريق إضافي يعمل مباشرة مع العميل. في الواقع، يساعد استخدام الفرق للشركات من أجل الاحتفاظ بالعملاء ممن يملكون تاريخاً طويلاً من العمل مع الاستشاريين الأفراد. وقد تعاملت الغالبية العظمى من العملاء في عينتي مع فرق.
وتكتسي صفات أعضاء الفريق أهمية كذلك، فعندما يعمل العملاء مع فرق من المتخصصين، تصبح احتمالية بقائهم أوفياء للشركة أكبر مما هو الحال عليه عندما يعملون مع فرق من غير المختصين. وأعني بالمختصين أولئك الموظفين الذين يركزون على مجال واحد، ففي سياق الضغط، المختصون هم الذين يضغطون في المقام الأول ضمن مجال واحد، سواء كان الدفاع، أو التعليم، أو الطاقة، أو أي موضوع آخر من الموضوعات المحددة البالغ عددها 79. ويميل غير المختصين إلى الضغط في جميع المجالات على مجموعة متنوعة من المسائل. ويشير تحليلي إلى أنه على الرغم من أنّ الفرق مفيدة للحماية ضد فقدان العميل، إلا أنها أكثر فعالية عندما يضم الفريق متخصصين بدلاً من غير المختصين. وأعتقد أنّ المزيد من التخصص وتقسيم العمل داخل الفرق يجعل من الصعب على أي فرد من جماعات الضغط توفير كل الخدمات التي يمكن للفريق توفيرها.
ومع ذلك، يُعتبر أحد مخاطر استخدام الفرق لإدارة الخدمات المقدمة للعملاء هو أنّ أعضاء الفريق بأكمله يمكن أن يغادروا جماعياً للانضمام إلى شركة منافسة ما أو إنشاء شركتهم الخاصة. يستقيل حوالي 19 في المئة من أعضاء جماعات الضغط برفقة أحد زملاء العمل، وهي ظاهرة نسميها "الانتقال المشترك". وعندما يحدث ذلك، ترتفع بشكل كبير احتمالية لحاق العميل بهم، ولكن فقط في حال خدم أعضاء الفريق العميل بشكل مباشر قبل أن يتركوا الشركة. بعبارة أخرى، إذا استقال موظفان معاً لم يتعامل العميل سوى مع واحد منهما، فمن غير المرجح لحاق العميل بهما. ويسلط هذا الضوء على المكانة الهشة للمدراء عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على علاقات مع العملاء. وبما أنّ شركات الخدمات المهنية تخدم بشكل متزايد العملاء عبر الفرق التعاونية، على الشركات أن تحاول إيجاد طرق للحد من الحافز الذي يدفع فرقاً بأكملها للاستقالة.
ركزت دراستي على أعضاء مجموعة الضغط، إلا أنه ينبغي تعميم هذه العواقب على شركات الخدمات المهنية الأخرى التي تتشارك بعدد من الصفات مع شركات الضغط. فالنتائج خارج قطاع الخدمات المهنية أقل وضوحاً، إلا أنه يمكننا أن نتصور أنماطاً مماثلة في الوظائف التي يتم فيها التعامل وجهاً لوجه مع العملاء خارج نطاق الخدمات المهنية. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الأسئلة المهمة. على سبيل المثال، هل تستفيد الشركات من توظيف الموظفين الذين يجلبون عملاءهم معهم من شركتهم القديمة؟ تبدو الإجابة "نعم"، إلا أنّ توظيف هؤلاء الموظفين قد يجلب ما يسمى بلعنة الفائز، حيث تكون الشركات التي استقطبت هؤلاء الموظفين بالغت بتقدير قيمتهم المضافة بالنسبة للشركة، وسيكون عليها أن تستمر في دفع أجور أعلى مما يستحقون. ومن المجالات الأخرى التي تستحق البحث، متى وكيف تستخدم الشركات شروط عدم الاستقطاب لمنع الموظفين، قانونياً، من أخذ العملاء عند مغادرتهم للشركة. ومع ذلك، في نهاية المطاف، يمكن للعملاء الانتقال كما يحلو لهم، وبالتالي، وفّرت نتائجي أدلة أولية يمكنها أن تساعد المدراء على تحديد أي العملاء أكثر عرضة للتخلي عن خدمات الشركة، إلى جانب بعض النصائح حول كيفية تنظيم العلاقات للحفاظ على ولائهم.