إليك هذا المقال الذي يتحدث عن إجراء محادثة صعبة تحديداً. بقيت في حالة نكران قرابة عام ونصف قبل أن أعترف بضرورة تسريح رائد من العمل.
كان أداؤه يؤكد هذه الضرورة بصورة قطعية لسنوات، ولكنه شخص شديد اللطف ومحبوب لدرجة دفعتني لتفسير الشك لصالحه دوماً. لقد أحببته وكنت أعلم أن ما يجنيه ضروري لإعالة أسرته، بالإضافة إلى أن أجره ارتفع على مدى الأعوام التسعة التي عمل فيها لدي حتى بات صعباً عليه العثور على أجر مساو في أي مكان آخر، فأصبحت أمقت فكرة الصعوبات التي قد يواجهها إذا سرحته من العمل. ولكنه أثبت أنه غير مؤهل لإدارة الموظفين والمشاريع، فقد كان ينهي المشاريع استناداً على الإلحاح عليه وليس على أهمية العمل الذي التزم به، كما أنه أصبح معروفاً أنه يوافق على أي مشروع يعرض عليه ولكن لا أحد يعلم إن كان سينفذه فعلاً. أضف إلى ذلك أنّ فريقه كان يعاني حالة تخبط مستمرة مع اتصالات رائد المذعورة التي تسببت دائماً في تغيير برنامج العمل بأكمله.
تحدثت معه قبل 18 شهراً عن مدى خطورة النمط المزمن الذي يتبعه. كنت واثقاً من أنه سيتمكن من إجراء التغييرات اللازمة التي وافق عليها. وعلى مدى الأشهر التالية كنت أخادع نفسي لأصدق أن هناك نموذج تحسّن في نجاحاته العشوائية. ولكن بعد هذا الوقت الطويل ومع استمرار شكاوى زملائه المتكررة، لم أعد أستطيع التهرب من مسؤوليتي، وأصبح تسريح رائد أمراً واجباً.
بقيت مذعوراً من موعدنا المحدد يوم الجمعة عند الساعة الثانية ظهراً، إلى أن حانت اللحظة.
لقد أمضيت مع زملائي 30 عاماً في دراسة أفضل الإجراءات للتعامل مع هذه الأمور تحديداً، وأقصد هنا تلك اللحظات المشحونة بالخطورة العاطفية أو السياسية. واستنتجنا أنّ طريقة تعاملنا مع هذا النوع من المحادثات الحاسمة تحدد قوة نفوذنا وصحة فرقنا واتساق ابتكاراتنا ومتانة علاقاتنا مع زبائننا واستمرارية علاقات الزواج والصداقة. لقد قضينا آلاف الساعات في مراقبة كيفية تعامل الناس مع هذه اللحظات، وللأسف كانت ملاحظتنا المتكررة هي أننا نسيء التصرف في أهم لحظة. فنجبن أو نتجبّر، ونلجأ للغموض أو المبالغة، ونحاول التبرير أو الدفاع.
ولذلك من الطبيعي وجود طلب كبير على الكتب التي تتحدث عن هذه المواضيع، ومن ضمن تلك الكتب كان يزداد الطلب على كتابنا. فجميعنا متعطشون للنصائح التخطيطية بشأن إتقان التعامل مع المحادثات الصعبة. كيف يجب عليّ صياغة جملتي الافتتاحية؟ كيف أطرح مخاوفي؟ كيف أحافظ على تركيزي وأصل إلى حلّ؟
في حين أن جميع هذه الأسئلة وجيهة، يبين بحثنا أنّ المؤشر الأساسي لنجاحنا في محادثة حاسمة لا يتعلق بكيفية كلامك، بل بما تفعله قبل أن تبدأ بالكلام. وعلى ذلك، كان ما فعلته يوم الجمعة عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً أهم مما حدث عند الساعة الثانية.
الاستعداد لنقاش حاسم أو إجراء محادثة صعبة
فيما يلي أربعة أمور واجبة من أجل الاستعداد. وإذا قمت بها كما يجب ستصبح احتمالات أن تجري محادثتك على نحو جيد أفضل بكثير.
افهم دوافعك جيداً. تصبح دوافعنا في ظروف التوتر والشعور بالتهديد آنية وأنانية. فنقلق بشأن إعجاب الآخرين بنا أو ظهورنا بمظهر جيد أو كوننا على حق أو فوزنا أو تمكننا من تفادي الخلاف. وعلى مدى 18 شهراً، كان دافعي مع رائد هو الحفاظ على الهدوء بيننا. أردت أن ألطّف الأمور وأحسنها، ولكن مشكلة الدوافع الآنية هي أنها تجازف بالمستقبل في سبيل الحفاظ على الحاضر. وبسبب تجنب الخلاف مع رائد جازفت بقدرته على الاحتفاظ بعمله وتسببت بالضرر لزبائننا وأغضبت زملاءه وحتى أنني جازفت بخسارة بعضهم، لأنني عندما أتعرض للضغط والتهديد أفكر بالهروب وليس بالمدى البعيد. وفي كل مرة أخلّ رائد بالتزام ما كنت أشعر بضيق في صدري وأفكر بكيفية إصلاح الأمر بدلاً من التفكير بالمشكلة الحقيقية.
المحادثات الصعبة
عند الاستعداد لمحادثة حاسمة أو إجراء محادثة صعبة تحديداً، يجب عليك أولاً إعادة تحديد دوافعك، إذ ستتمكن من تغييرها بصورة كبيرة عن طريق التفكير ملياً بإجابة سؤال بسيط: "ماذا أريد حقاً؟" وبرأيي، من المفيد أن تجيب عليه عند أربعة مستويات: ماذا أريد حقاً لنفسي وللشخص الآخر وللعلاقة بيننا ولكل من له صلة بالأمر؟
حدث أمر مهم عندما فكرت ملياً في هذه الأسئلة صباح تلك الجمعة. فقد شعرت بتركيز وإصرار قويين وهدوء شديد عندما توصلت إلى رغباتي الحقيقية، وهي أن أكون مديراً عطوفاً وأخلاقياً، وأن أساعد رائد في الحصول على وظيفة يستطيع النجاح فيها مع حرصي على أن يعرف أنني أهتم لأمره وأمر عائلته، وأن أقدم لفريقه وزبائنه الدعم الذي يستحقونه. وبمجرد التوصل إلى هذه الدوافع تغيّر الأثر الذي تسببت به عندما بدأت بمحادثتي معه.
افهم مشاعرك جيداً. تشكل العواطف غير المفيدة عائقاً آخر في وجه إجراء محادثة بناءة. إذ إننا ندخل إلى المحادثات غاضبين وخائفين ومجروحين أو متخذين موقفاً دفاعياً. ولكننا نتفاجأ بأن عواطفنا لا تمت لما يفعله الشخص الآخر بأي صلة، وإنما تتعلق بالحكاية التي ننسجها بخيالنا عما يفعله.
على سبيل المثال، قبل صرف موظف من عمله، يتخيل المدير عادة قصة الضحية والشرير. فتساعده قصة الضحية على إعفاء نفسه من المسؤولية في المشكلة التي يتناولها (كأن يقول: "لقد فعلت كل ما بوسعي لأجل رائد. لقد كنت صبوراً ومشجعاً ولطيفاً معه، ولم يعد هناك ما يمكنني فعله بعد، هو من أوصل نفسه لهذا!") وبذلك، تجعله قصة الضحية الطرف البريء الذي يعاني في هذه الأزمة.
أما قصة الشرير فتساعده في تبرير أيّ فعل سلبي يقوم به تجاه الشخص الآخر عن طريق اتهامه بامتلاك دوافع شريرة أو مسيئة، فيصبح بذلك مستأهلاً لهذه المعاناة. (كأن نقول: "لا أصدق أنّ رائد لم يتمكن من إصلاح هذا الوضع. لقد كان كسولاً وعديم الحماس ومتغطرساً، وكانت الفرص متاحة له ولكنه لم يكن مهتماً بما يكفي لإصلاح الوضع بعد تقييمنا الواضح كالشمس لأدائه").
تعرّف على القصص التي تحكيها لنفسك وادحضها. وامنح نفسك دور الفاعل بدلاً من دور الضحية، وامنح الشخص الآخر دور الإنسان بدلاً من دور الشرير. اسأل نفسك: "ما الذي أدعي عدم معرفته عن دوري في هذه الأزمة؟" وأيضاً: "ما الذي يدفع شخصاً عاقلاً وحكيماً ومحترماً للتصرف مثله؟".
عندما طرحت على نفسي هذه الأسئلة، تمكنت من رؤية كيف كنت بطرق كثيرة أختصر تقييماتي وأمكن رائد في العمل، وأنه بذل جهوداً حقيقية في سبيل التغيّر ولكن دوره لم يكن مناسباً لنقاط قوته، فقد كان رجلاً جيداً في مكان غير مناسب. وبذلك شعرت بالاحترام والحزم بدلاً من الانفصال والسخط.
اجمع الحقائق. من الطبيعي أن ندخل إلى هذه النقاشات الحاسمة حاملين وجهات نظر متعاكسة. مثلاً، سيحضر رائد إلى الجلسة وهو يرى أنه قد حقق تقدماً معقولاً وأنه يستحق البقاء في عمله، بينما أرى أنا العكس. وغالباً ما يتحول الحوار إلى تنافس استنتاجات بدلاً من مشاركة المعلومات. فأقول ما أعتقده وتقول ما تعتقده وندور في حلقة مفرغة.
لذلك، يجب ألا تبدأ الحوار بطرح استنتاجك، بل استعرض الحقائق والوقائع والبيانات التي أوصلتك إليه واشرح المنطق الذي استخدمته. وبالتالي، يجب عليك جمع البيانات استعداداً لإجراء حوار صحي. وإذا استنتجت أنّ "رائد غير مؤهل إطلاقاً لإدارة الأشخاص والمشاريع"، فأنت تدين له ببناء حجتك بطريقة هادئة وصادقة وحساسة، كما يجب أن تكون عازماً على السماح له بدحضها، وهذا ما سيوصلنا إلى المرحلة الرابعة.
كن فضولياً. قد يكون أهم ما تحمله معك إلى المحادثة الحاسمة هو مزيج من الثقة والفضول. إذ يجب عليك التفكير ملياً بموقفك بما يكفي لتكون واثقاً أنك على حق، ويجب أن تمتلك ما يكفي من التواضع لتهتم بسماع أي حقيقة أو منطق قد يؤدي إلى تحسين استنتاجك. فنحن نقاوم فضولنا لأننا نعتقد أنه يضعفنا، ولكنه في الحقيقة يزيدنا قوة وقدرة على الإقناع. وكما قال دين راسك يوماً: "إنّ أفضل وسيلة لإقناع الآخرين هي استخدام أذنيك والإصغاء"، وعندما تصغي بإمعان وصدق لن يشعر الآخر بحاجة لمقاومتك في سبيل إيصال صوته.
عندما دخلت القاعة، حيث التقيت برائد، كنت واثقاً من القرار الذي كان عليّ إعلامه به، ولكنني في الوقت ذاته كنت مستعداً لتلقي المعلومات التي قد تغير رأيي. شعرت بمزيج من التعاطف والإصرار، وكنت مستعداً لمشاركة الأساس الذي بنيت عليه قراري. لم أكن سعيداً ولكنني شعرت بالاطمئنان.
أتمنى لو كان بمقدوري القول أنّ الأمور سارت على نحو جيد. فقد واجه رائد صعوبة في العثور على عمل جديد، ولكنني كنت أنا وزملائي معه في بحثه عن وظيفة. وعلى الرغم من أن تطبيق القرار كان مؤلماً إلا أنّ رائد أيده خلال دقائق من بدء لقائنا، إذ قال: "لقد عانيت من ضغط كبير في الأشهر الستة الماضية، كنت أغرق وعرفت أنني لست مناسباً لهذا العمل". وعندما انتهى حوارنا تعانقنا، واستمرت صداقتنا بصورة جيدة لسنوات بعد ذلك.
من المنطقي أن تقلق بشأن ما ستقوله عندما تريد إجراء محادثة صعبة. ولكن من الضروري أن تركز أولاً على دوافعك وافتراضاتك وأفكارك. فالمحادثات الحاسمة تعتمد بنسبة 60% على فهم أفكارك ومشاعرك وحدسك بصورة صحيحة، بينما تعتمد بنسبة 40% على التحدث بالطريقة الصحيحة.
اقرأ أيضاً: