سيجد القادة الذين يُجرون تحليلاً شاملاً وصارماً على تكاليف شركاتهم الأساسية فرصاً لإعادة توجيهها نحو النمو المستقبلي، لكن عليهم أن يتصرفوا بجرأة وحزم لتحقيق مكانة تنافسية من حيث التكلفة. يناقش مؤلفا هذه المقالة 5 إجراءات مهمة يمكن للرؤساء والمسؤولين التنفيذيين اتخاذها للتعامل مع التحديات المتعلقة بالتكاليف. تُسهم هذه الإجراءات مجتمعة في الحفاظ على الكفاءة وإعادة توجيه الموارد للاستثمار في الابتكار، وتعزيز النمو، واسترداد القيمة.
بعد سنوات من الإنفاق المتزايد استجابة لأحداث عالمية رئيسية، وغير مسبوقة أحياناً، يتجه ميزان الأعمال اليوم نحو التركيز على خفض التكاليف وزيادة الكفاءة.
ومع ذلك، لا تتخذ الشركات إجراءات خفض التكاليف إلا عند حدوث الأزمات غالباً، فتكون استجاباتها مفاجئة وجذرية تُسفر عن خفض كبير في الميزانيات، وإغلاق المواقع التشغيلية، واتخاذ إجراءات تسريح للعاملين تفتقر إلى بُعد النظر. ومن النادر أن تحقق هذه الإجراءات التفاعلية نتائج مستدامة تتجاوز نتائج المدى المنظور. ويشير استقصاء أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) على أكثر من 600 مدير تنفيذي بالإدارة العليا إلى أن معظم القادة حققوا أهدافهم الأخيرة في خفض التكاليف بالفعل، لكن أفادت نسبة 35% منهم بعودة التكاليف التي خفّضوها تدريجياً خلال 12 إلى 18 شهراً.
وثمة سببان مهمان لتلك الزيادة التدريجية في التكاليف مرة أخرى؛ الأول هو فشل معظم المؤسسات في التعامل مع الأسباب الجذرية لتحديات زيادة التكاليف، والثاني هو افتقار معظمها إلى النظام اللازم لإدارتها وفق نهج شمولي ومستدام.
لكن ثمة طريقة أفضل لتحقيق القدرة التنافسية في التكاليف والكفاءة المستدامة، طريقة تولد فوائد إضافية مهمة أيضاً؛ فالقادة الذين يفهمون طبيعة القوى التي تُسهم في زيادة التكاليف ويستجيبون لها بحزم قادرون على الاستفادة من الموارد المتاحة لتحقيق النمو ودعم الأولويات الاستراتيجية.
وسُيسهم هؤلاء القادة بدورهم في بناء مؤسسات أكثر رشاقة وسرعة وقوة.
الديناميات التي تزيد التكاليف
يجب أن يكون القادة على دراية بالديناميات السائدة التي تجعل من الصعب عليهم الحفاظ على القدرة التنافسية في التكاليف وتحقيق تأثير دائم ومعالجتها.
الدينامية الأولى هي أن معظم المدراء لا يملكون حوافز كافية لتحقيق أداء متميز من حيث التكلفة. وفي غياب آلية تجبرهم على تقييم العائد على الاستثمار في الإنفاق، مثل تحمّل المسؤولية عن الأرباح والخسائر، سيزيدون ميزانيات الفرق بغض النظر عن الغايات المنشودة الأكبر للتكاليف أو التوجيهات بشأن الكفاءة.
الدينامية الثانية هي أن النفقات العامة تولّد نفقات عامة أخرى. عموماً، يتعامل القادة مع التحديات التي تواجه الشركة من خلال إضافة مناصب ومستويات إدارية ولجان جديدة. ويزيد كل إجراء يتخذونه من التكاليف الإضافية والتعقيد في الهياكل التنظيمية. ويؤدي هذا النمط إلى خلق حلقة مفرغة من الأنظمة المعقدة التي تُصمم لإدارة التعقيد المتزايد.
الدينامية الثالثة هي إضافة المؤسسات موارد إضافية لمعالجة الأولويات الناشئة وتمويل قدرات جديدة، دون مراعاة الأنشطة القائمة؛ وفشل العديد منها في استغلال المواهب الحالية أو تقليل الإنفاق على الجهود التقليدية غير المهمة.
وأخيراً، تواجه الشركات صعوبة في تحقيق استفادة كاملة من العائد على الاستثمار لاستثماراتها الكبيرة في التكنولوجيا. على الرغم من أن التبنّي الحثيث لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والقدرات الأخرى حسّن الإنتاجية في بعض المجالات، تتولد تلك المكاسب عادة من الأنشطة الثانوية بدلاً من تلبية الأولويات الأكثر قيمة للمؤسسة. على سبيل المثال، تحتاج الشركة بعد تبنّي التكنولوجيا، مثل تبنّي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمراجعة السير الذاتية وفرزها، إلى عدد أقل من موظفي التوظيف؛ لكنها تختار الاحتفاظ بالعدد الكامل من موظفي التوظيف وتُكلّفهم بمهام التوظيف غير المهمة، بدلاً من إعادة توظيفهم في المجالات التي تحظى بالأولوية في إدارة الموارد البشرية، مثل التنوع والشمول أو إدارة المواهب الاستراتيجية، أو إعادة توجيه الإنفاق إلى وحدات الأعمال.
دليل الرئيس التنفيذي لإدارة التكاليف
حددنا 5 إجراءات مهمة يمكن للرؤساء والمسؤولين التنفيذيين اتخاذها للتعامل مع التحديات المتعلقة بالتكاليف في مختلف القطاعات والأسواق. تُسهم هذه الإجراءات مجتمعة في الحفاظ على الكفاءة وإعادة توجيه الموارد للاستثمار في الابتكار، وتعزيز النمو، واسترداد القيمة.
أعِد تصميم مؤسستك
أعد النظر في توزيع المسؤوليات المتعلقة بالأرباح والخسائر للتأكد من تحمّل المدراء مسؤولية الأداء، وتمتعهم بصلاحية مساعدة شركتك على خفض التكاليف. ضع عمليات لقياس الأداء وإدارته (وحوافز) لجعل القادة الذين لا يتحملون مسؤولية مباشرة عن الأرباح والخسائر مسؤولين عن تحقيق عوائد محددة تضيف قيمة للشركة. حسّنت إحدى الشركات المصنّعة ربحيتها من خلال تعزيز مستوى المسؤولية المتعلقة بالأرباح والخسائر في مختلف الإدارات داخل الشركة، وتجميع الموارد الهندسية. كما تبنّت عمليات تمويل أكثر مرونة جعلت إعادة توجيه رأس المال إلى الأنظمة الرقمية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات أسهل وأسرع عند تغيّر الأولويات والاحتياجات. ونجحت في اغتنام الفرص وإعادة توزيع المهندسين والاستثمارات عبر وحدات الأعمال دون زيادة في التكاليف الإجمالية عندما استدعت التغيرات في السوق منها إعادة توجيه عملية تطوير المنتجات.
تقليل النفقات العامة
أجرِ عملية بحث دقيقة لتحديد المستويات الإدارية واللجان والجهود المتزاحمة أو المكررة داخل المؤسسة التي يمكن إلغاؤها أو تحسينها. واحرص على موازنة مستويات الخدمة مع احتياجات الأعمال ومتطلبات الربحية، وعلى ضمان أن يوفر الإنفاق على وظائف الدعم قيمة ملموسة للشركة. على سبيل المثال، اكتشف أحد العملاء أن 50% من موارده المخصصة للتخطيط والتحليل كانت تُستخدم لإنشاء تقارير أداء مفصّلة لم تخدم غايات القيادة المنشودة. وكانت قيمة هذه المهمة على أداء الأعمال محدودة، في حين أنه نتج عنها تزايد العبء البيروقراطي.
في الوقت نفسه، قلل الخدمات الداخلية ذات المستوى الفاخر التي تُصرف عليها نفقات غير ضرورية وتُولد قيمة تجارية هامشية أو معدومة أو استغنِ عن تلك الخدمات. على سبيل المثال، قد تتطلب وظيفة داخلية وقتاً طويلاً في تحويل البيانات إلى تمثيل بصري، وهو إجراء قد يكون غير ضروري لأصحاب المصالح الذين يعتمدون على الأرقام المستخلصة في جداول البيانات أساساً. والحل الأمثل في حالة الشك هو إعادة توجيه تلك الموارد من النفقات العامة إلى الأنشطة المباشرة التي تُسهم في توليد قيمة، ما يقلل من التكاليف ويزيد الإنتاجية.
اتخذ القرار الصائب
أجرِ تقييماً منهجياً على محفظتك الاستثمارية من المنتجات والخدمات للتخلص من خطوط الأعمال التي تحقق أداءً ضعيفاً أو المبادرات ذات القيمة المنخفضة، والتزم في متابعة تنفيذ هذه القرارات. وضع أحد العملاء استثمارات بعشرات الملايين في برنامج للعمليات الرقمية، لكنه وجد بعد مرور عامين أن البرنامج لا يزال يعمل بالتزامن مع العمليات اليدوية التي كان من المفترض أن يحلّ محلها. وكان على القيادة العليا إعادة النظر في دراسة الجدوى وتقليل النشاط التقليدي لتحقيق الكفاءة المنشودة.
نفّذ القرارات بدقة
أعِد تقييم عملياتك وأثرك والتكنولوجيا المستخدمة لتحقيق أقصى درجات الكفاءة. فكّر مثلاً في الضغوط التي تواجه سلسلة التوريد نتيجة للتحديات الجيوسياسية والزعزعات في طرق التجارة. يتطلب الحفاظ على التكاليف تبنّي أساليب التصنيع الرشيق وتقييم الشبكة واستراتيجية المخزون لتحديد الفرص وإعادة النظر في العلاقات مع الموردين والشركاء. ونظراً لأن سلاسل التوريد الصارمة التي تعتمد على التوقيت المناسب غير فعّالة في ظل حالة عدم اليقين الحالية، فمن المهم الاستثمار في بدائل مرنة تعتمد على البيانات في الوقت الحقيقي والقدرات الرقمية، والتخلص من العمليات القديمة في الوقت نفسه.
تجاوز التفكير في سلاسل التوريد، وابحث عن طرق لتقديم الخدمات للعملاء دون زيادة التكاليف الأساسية لشركتك. ولعلّ إحدى طرق تحقيق ذلك هي من خلال إجراء تحليل مفصّل على كيفية استخدام الموارد وتصميم العمليات لمنع الهدر. على سبيل المثال، تشير تجربتنا إلى أن النشر السريع لتقنية الحوسبة السحابية قد يؤدي إلى زيادة غير ضرورية في التكاليف. في الواقع، تصرف شركات كثيرة نسبة 30% تقريباً من إنفاقها على الحوسبة السحابية بسبب التصميم السيئ للبنى التحتية، وتكرار البيانات، ووجود أنظمة تقليدية غير ضرورية.
هيّئ مؤسستك للصمود في المستقبل
لا يمكن لأي شركة تجاهل قوة التغيير الشاملة لكل من الذكاء الاصطناعي التقليدي والتوليدي. وتعتبر المؤسسات الذكاء الاصطناعي وسيلة لتحقيق النمو عادة، لكنها تغفل عن الإمكانات الهائلة التي يقدمها في إدارة التكاليف وتحقيق الكفاءة التشغيلية. أجرِ تحليلاً على العمليات الداخلية والخارجية جميعها في الشركة، وحدد فرص الزعزعة الذاتية. ونفّذ تغييراً شاملاً على الأنشطة التقليدية الهادفة؛ وألغِ تلك التي لا داعي لها أو العديمة الفعالية. في الوقت نفسه، أعِد توزيع المواهب من المجالات التي تمكن أتمتتها إلى مجالات عمل أهم. وابدأ إجراء التجارب على الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي التوليدي، وغيرهما من التكنولوجيات الناشئة اليوم للبقاء في طليعة المنافسين في المستقبل.
مبادئ التنفيذ
يجب على القادة أن يتخذوا إجراءات جريئة وحازمة لتحقيق مكانة تنافسية من حيث التكلفة تتيح لهم تحقيق النمو وتوليد عوائد سريعة للمساهمين. ويمكنهم من خلال اتباع المبادئ الثلاثة الآتية توجيه مؤسساتهم لتحقيق أثر سريع ومستدام:
- قوة الموظفين تُحدث التغيير
اخلق فرص التنقّل الوظيفي ضمن المؤسسة للموظفين أصحاب الأداء المتميز استناداً إلى قدراتهم وإمكاناتهم. وطوّر الكفاءة المطلوبة لتقييم مهارات الموظفين (مثل العمل التعاوني، والتحليل المالي، وعلوم البيانات، والترميز البرمجي، وغير ذلك)، وحسّن مهاراتهم واصقلها بحسب الحاجة لتمكين توزيع المواهب بمرونة في المؤسسة بما يتناسب مع تغيّر الأولويات. ستعزز هذه الخطوات قدرتك على إعادة التمحور واستبقاء أصحاب الأداء المتميز.
- التخطيط مفيد
قيّم قوة المبادرات والأدوار ومدى وضوحها، وحدد الأهداف المتعلقة بالتكاليف، وبيّن أوجه الترابط بين مختلف المبادرات، وحلّل المخاطر المحتملة قبل أن تنفّذ جدول الأعمال المتعلق بالتكاليف. وتأكد من وجود نظام حوكمة مناسب للمساعدة في تحقيق وفورات في التكاليف عند الحاجة. تشير البحوث التي أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية إلى أن تحوّلات التكلفة المُختبرة بدقة تحقق متوسط قيمة يزيد على 130% من القيمة المستهدفة؛ في حين حققت تحولات التكلفة غير الدقيقة قيمة أقل بمقدار 30 نقطة نسبية.
- الثقافة مهمة
يجب أن يكون القادة قدوة في تطبيق السلوكيات المرغوب فيها. طوّر ثقافتك للتركيز على صناعة قرارات فعّالة مبنية على تحليل العائد على الاستثمار، من مساحة العمل وحتى قاعة الاجتماعات. وقدّم مكافآت ملموسة للأفراد الذين يتخذون إجراءات تخدم مصالح المؤسسة بفعّالية. وسيصبح الانضباط في التكاليف جزءاً متميزاً من ثقافة شركتك مع مرور الوقت.
إذا مرَّ وقت طويل منذ إجرائك آخر تحليل على تكاليف شركتك وعملياتها، فلا تنتظر حدوث أزمة.
في الواقع، سيجد القادة الذين يُجرون تحليلاً شاملاً وصارماً على تكاليف شركاتهم الأساسية فرصاً كثيرة. وسيحقق أولئك الذين يتخذون إجراءات جريئة وحازمة منهم مكاسب قصيرة المدى وميزة دائمة.