التفويض يحتاج إلى التدريب

4 دقائق
shutterstock.com/melitas

التفويض باعتقاد كبار المدراء لا يزيد على مجرد نقرة زر، فما عليك سوى تقديم تعليمات واضحة عن المهمة المطلوبة للشخص المفوض ومن ثم تكون قد ألقيت عن كاهلك عبء المسؤولية على الفور، واكتسبت المزيد من الوقت في جدول أعمالك.

لكن هذا ليس إلا حلماً صعب المنال، أما الواقع فبعيد عن ذلك كل البعد، كما نعلم جميعاً، إذ تضطر كثيراً إلى التدخل في اللحظة الأخيرة لتدارك الموقف وتجنب فشل المهمة. لكن تدخلك هذا لا يتيح للموظف فرصة للتعلم. ولا يترك له المجال للتعامل مع عواقب أفعاله، ويحرمه من فرصة اكتشاف حلول مبتكرة. لكن الأمر الأخطر أنك تحبط بذلك روحه المعنوية، إذ يعتقد أنه مهما كان مقدار الجهد الذي يبذله، فإن عمله ليس بجودة كافية.

خذ، على سبيل المثال، كريم، المدير التنفيذي لشركة قيمتها ملايين الدولارات، ويتمحور جزء كبير من مهامه على التواصل مع العملاء والشركاء، ومنها إرسال الرسائل إلى أصحاب المصلحة الخارجيين عدة مرات في السنة. لكن جدول أعماله المزدحم يضطره إلى تفويض نائبه للاتصالات، عزيز، بكتابة تلك الرسائل. ويقدم عزيز تلك الرسائل أولاً إلى كريم للمراجعة الأخيرة، فيضيف عليها ملاحظاته وتعديلاته العديدة بالخط الأحمر ويعيدها إلى عزيز، آملاً في أن يتعلم من تلك التعديلات ويحسّن كتابته في الرسالة التالية. لكن ما يحدث في الواقع أن مقدار اللون الأحمر يبقى نفسه في كل مرة. ويضطر كريم في النهاية إلى كتابة معظم رسائله بنفسه، وهو يشعر بالغضب لأن عليه العمل في عطلة نهاية الأسبوع لترتيب الأمور في اللحظة الأخيرة. وفي المقابل، يشكو عزيز من أنه مهما يفعل ويبدع، فإن كريم لا يعجبه عمله، وتأخذ تلك العملية وقتاً وتترك كل منهما محبطاً من الآخر.

خلال عملي مدرباً تنفيذياً، سمعت العديد من القصص المشابهة لقصة كريم في العشرات من الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 100" (Fortune 100)، إذ يشتكي قادتها من مطبات تفويض أعمالهم، ومن دورة الإحباط التي يقعون بها عندما لا يخرجون بالنتائج التي يبتغونها. لكن الحقيقة أن تكليف شخص آخر بمهمة معينة لن يسفر عن نتائج باهرة، مهما كانت إرشاداتك الأولية واضحة. فإيجاد شخص مناسب لتولي مهمة جديدة يتطلب تحليلاً، وتقييماً لرد الفعل، وتعديلات تراكمية مستمرة. قد يبدو من غير المنطقي أن تصرف وقتاً إضافياً في تدريب شخص على مهمة لم يكن لديك أصلاً الوقت الكافي لتوليها بنفسك، لكن الاستثمار في رعاية المفوض الصحيح يؤتي ثماره في تدريب موظفين أكثر قدرة ويوفر الوقت.

لقد اعتمدت على البحث المعروف عن التعلم و"التسلسل الهرمي للمؤهلات"، بإعداد ما أسميته "مؤشر التفويض" لمساعدتك على تقييم مهارات الموظفين، وإرشادك في المهام المطلوبة مع المحافظة على تمكين الموظف ليكون مسؤولاً عن إنجازه النهائي. وينطوي ذلك على خطوتين. أولاً، تقييم مدى معرفة الموظف فعلياً بمهمة أو مشروع معين. لا بد أن تطرح عليه بعض الأسئلة المباشرة مثل: "هل تجد نفسك مرتاحاً لأداء هذه المهمة؟ ما النهج الذي ستتبعه للتعامل معها؟ هل تتضمن خطوات معينة لست واثقاً من إتقانها؟".

فوّض الموظف بعد ذلك بالمهمة حسب مستوى كفاءته. فيما يلي كيفية تطبيق الإرشادات، اعتماداً على خبرة الموظف الخاص بك:

نفّذ بنفسك

إذا كان موظفك يفتقر إلى الخبرة أو المهمة ولم يكتسب المهارات المطلوبة للمهمة، فإنه في وضع تسميه هرمية الكفاءة "غير واعٍ لعدم الكفاءة"، وفي هذه الحالة، يجب عليك أن تعلمه بالطريقة التالية: نفذ المهمة بنفسك للمرة الأولى، ودع الموظف المعني يلازمك كظلك خلال ذلك ليتعلم تنفيذها وحده في المرة التالية.

أعلِم

إذا أدرك موظفك أنه لا يعرف كيفية تنفيذ مهمة معينة، فسيكون في وضع "واعٍ بعدم كفاءته". وبإمكانك تسريع تقدمه نحو إتقان المهمة من خلال تشجيع التعلم الذاتي، وتنظيم التعلم بطريقة تناسبه.

علّم

إذا كان الموظف المعني يجيد تنفيذ بعض الخطوات اللازمة لإنجاز مهمة معينة، لكنك تكافح لتعليمه الخطوات الأخرى (وهذا يجعله في وضع بين وعيه بعدم كفاءته والمرحلة التالية وعي الوعي بكفاءته)، فركز على شرح الأسباب له وبيّن له كيفية تنفيذ المهمة واشرح له لماذا تنفذها بتلك الطريقة المعينة. فتحديد الخطوات الفردية يكشف عن البنية الأساسية لكيفية مقاربة تنفيذ مهمة معينة.

سَل

إذا كان موظفك يعرف كيفية تنفيذ مهمة معينة لكن عليه اتباع وصفة محددة بدلاً من فعل ذلك تلقائياً، فهذا يعني أنه يعي بأنه مؤهل. ولتعمق فهمه للموضوع، اسأله عما تعلمه. بعض الأسئلة المحددة، مثل: "ما الفحوى الرئيسة لهذه العملية التي ستنفذها؟" قد تدعه يدرك أنه يعرف أكثر مما كان يظن.

ادعم

حتى إذا كان الموظف المعني قادراً تماماً على التعامل مع المهمة؛ أي أنه مؤهل دون أن يعي ذلك، فهذا لا يعني أن تتركه دون توجيه، فبرامج العمل تتغير، ويضع المستفيدون أولويات جديدة، بينما تتطور المشكلات، ولهذا دعه يعلم أنك مستعد لدعمه عند الحاجة.

لنعد إلى مثال كريم مع مراعاة الخطوات السابقة. بعد أشهر من الأداء الروتيني وتوقع نتيجة مختلفة، أثار كريم هذه المسألة خلال إحدى جلساتنا التدريبية. وحددنا أنا وهو المرحلة التي وصل إليها عزيز في تعلم كتابة الرسائل، حيث يرى أن عزيز يعرف أنه يرتكب الأخطاء لكنه لا يعرف كيف يصلحها. كان عزيز في وضع "نفّذ بنفسك" ضمن الإرشادات السابقة ولم يتطابق ذلك مع ما كان عزيز يتعلمه. فبدلاً من مساعدة عزيز في التعلم، كان كريم يتولى المهمة وهو غاضب من اضطراره لتنفيذ العمل بنفسه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي