هل إبطاء النمو الاقتصادي هو الحل؟ قراءة في المستقبل

8 دقيقة
حركة مجتمعية
ميراج سي/غيتي إميدجيز

ملخص: ثمة حاجة ملحة لإعادة النظر في تركيز النظام الاقتصادي العالمي على النمو المستمر. يتعارض مفهوم "تراجع النمو" مع ضرورة التوسع الاقتصادي الدائم لازدهار الإنسان، ويزعم أنه غير متوافق مع الاستدامة البيئية على كوكب موارده محدودة. وعلى الرغم من بعض المقاومة، ولا سيما من جانب قطاع الأعمال، فإن الحجج المؤيدة لتراجع النمو تسلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين النمو الاقتصادي والتدهور البيئي، وتقترح التحول إلى ممارسات تجارية أكثر استدامة وإعادة تقييم الأفكار الخاطئة المتعلقة بالنمو المستدام، مثل فعالية التحولات في مجال الطاقة وتحسين الكفاءة، التي تتجاهل في كثير من الأحيان الآثار البيئية الجسيمة والاعتماد الكبير على البنى التحتية للطاقة الحالية. يدعو المقال إلى حركة مجتمعية نحو الحد من الاستهلاك والإنتاج المفرط، مع تبنّي قيم الرعاية المجتمعية والعدالة التوزيعية، وتحدي أيديولوجيات السوق التقليدية في المقام الأول.

في مايو/أيار 2023، انطلق مؤتمر "ما بعد النمو" (Beyond Growth) في البرلمان الأوروبي في بروكسل. وكانت الحاجة الملحة إلى تغيير النظام الاقتصادي الحالي على رأس جدول أعمال المؤتمر الذي حضره أكاديميون وقادة حكوميون. وأشار البيان الختامي للمؤتمر إلى أن عالمنا "يواجه أزمة بيئية اجتماعية مدفوعة بنظام رأسمالي عالمي يتمحور حول التوسع (النمو) الاقتصادي الدائم وتراكم الثروة، إذ يتعارض هاجس التوسع الاقتصادي مع محدودية الموارد على الكوكب".

لقد لفت البيان انتباه الجمهور إلى فكرة مفادها أن البشرية سوف تستفيد بالفعل من الابتعاد عن النموذج الاقتصادي السائد للنمو بأي ثمن. ويرى بعض المختصين، ولا سيما قادة الشركات والمستثمرين، أن هذه الفكرة التي أطلقوا عليها "تراجع النمو" (Degrowth) لعنة، لأن الكثير منهم يعتقدون أن التوسع الاقتصادي ضروري لازدهار الإنسان وحريته. وقد لخص الخبير الاقتصادي البيئي تيم جاكسون رأيهم بقوله: "التشكيك في النمو هو عمل المجانين والمثاليين والثوريين".

ومع ذلك، فإن ردود الفعل البديهية هذه تتجاهل عناصر مهمة من فكرة تراجع النمو الضرورية للشركات التي تريد المنافسة في القرن الحادي والعشرين.

إن جوهر فكرة تراجع النمو يكمن في حقيقة تاريخية مفادها أن النمو الاقتصادي وانبعاثات الغازات الدفيئة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. وتروج التوجهات السائدة في مجتمع الأعمال المعاصر التي تتجاهل هذه العلاقة تماماً، مثل "النمو الأخضر" و"الابتكار الأخضر" و"التحول القادم في مجال الطاقة"، هدفاً وهمياً يتمثل في النمو غير المقيد والاستدامة. ولكي نكون واقعيين بشأن التحديات الجوهرية للنمو، يجب علينا تعديل افتراضاتنا الثقافية وإعادة تشكيل نماذج الأعمال غير المستدامة.

الأفكار الخاطئة حول النمو "المستدام"

وتستند نظرة شركات كثيرة بشأن النمو المستدام إلى أفكار خاطئة كثيرة تعكس تفكيراً غير واقعي وتخفق في معالجة جذور المشاكل العالمية الحالية التي سوف تصبح ذات أهمية متزايدة للحكومات والمستثمرين والمستهلكين في مواجهة الضغوط المناخية الكبيرة المتنامية.

الفكرة الخاطئة الأولى: يمر العالم بمرحلة انتقالية في مجال الطاقة

تركز إعلانات الشركات ووسائل الإعلام الرئيسية بدرجة كبيرة على تقدم مصادر الطاقة المتجددة. لقد أسهمت السياسات الحكومية، مثل الإعفاءات الضريبية للطاقة المتجددة والإعانات الحكومية وتعرفة إمداد الشبكة الرئيسية بالطاقة المتجددة والمزادات التنافسية، كثيراً في خفض تكاليف الطاقة المتجددة وتشجيع نشرها. بين عامي 2010 و2021، انخفضت تكلفة الكهرباء من مشاريع الطاقة المتجددة على مستوى المرافق العامة بنسبة 88% للطاقة الشمسية الكهروضوئية، و68% لطاقة الرياح البرية، و60% لمشاريع طاقة الرياح البحرية، ما يشير إلى أننا نتحرك نحو مستقبل مستدام، وأن انبعاثات الكربون تنخفض في بعض المناطق مثل الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، لا تعكس هذه النظرة الانتقائية للوضع العالمي التجربة التاريخية. ويمكن القول إن التحول الشامل من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة ضرب من الخيال. فأولاً، لم يشهد التاريخ البشري سوى تحول حقيقي واحد فقط في مجال الطاقة، وهو التحول من الخشب إلى الفحم. ومع اكتشف الإنسان مصادر جديدة للطاقة لاحقاً، مثل النفط والغاز والطاقة النووية ومؤخراً طاقة الشمس وطاقة الرياح، فإن "التحول" لم يتسم باستخدام مصدر بدلاً من آخر، بل بإضافة مصادر جديدة إلى هذا المزيج، وتوسيع نطاق إمدادات الطاقة الإجمالية.

تمثل الزيادة الهائلة في الطاقة المتجددة خطوة إيجابية نحو الاستدامة، ولكننا حتى الآن نعمل على زيادة مصادر الطاقة الحالية، ما يؤدي إلى زيادة صافية في استهلاك هذه الطاقة. ولا عجب في ذلك؛ فقد أنفق قطاع الطاقة تريليونات الدولارات في بناء البنية التحتية الحالية لدعم إنتاج النفط والغاز الطبيعي والفحم، ولن يتطلب التحول إلى الطاقة المتجددة تغيير هذا النظام الضخم فحسب، بل أيضاً ضمان موثوقية النظام الجديد وقدرته على تلبية الطلب العالمي. كما أن قطاعات الوقود الأحفوري توظف ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم وتسهم بدرجة كبيرة في الاقتصاد العالمي، وسيؤدي التحول عنها إلى إلغاء عدد كبير من الوظائف وزعزعة الاستقرار الاقتصادي، وقد يثير ردود فعل سياسية عنيفة ستسارع جماعات الضغط التابعة لقطاع الوقود الأحفوري إلى تأجيجها.

ويجب ألا ننسى أن الطاقة المتجددة تتطلب كمية هائلة من المواد الخام مثل المعادن الخام النادرة التي يصعب استخراجها والضرورية لإنتاج توربينات الرياح والألواح الشمسية والبطاريات. وغالباً ما تتجاهل الدول المتقدمة هذه التأثيرات البيئية لأنها تتركز في دول الجنوب، ولا يصح استنتاج أن مصادر الطاقة المتجددة هي بالضرورة أكثر صداقة للبيئة دون الأخذ في الحسبان هذه العوامل.

لا نستطيع الاحتفال بالتقدم الذي أحرزته مصادر الطاقة المتجددة دون معالجة القضية الأساسية المتمثلة في استمرار الاعتماد على الطاقة التقليدية والآثار البيئية لمصادر الطاقة المتجددة، فتحول الطاقة كما نفهمه ما هو إلا وهم.

الفكرة الخاطئة الثانية: كفاءة الطاقة ستحل مشكلة التغير المناخي

يعتقد الكثير منا أن التغييرات الكثيرة التي أحدثها العصر الرقمي، مثل إرسال المستندات إلكترونياً بدلاً من طباعتها، توفر في استهلاك الطاقة وبذلك تكون أفضل للبيئة. لكن الواقع غير ذلك؛ فالعالم الرقمي نفسه له تأثيرات هائلة على البيئة، وهذه التأثيرات تتزايد مع ظهور أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات هائلة من البيانات. ولكن المشكلة أعمق من ذلك؛ فالمقياس التقليدي لتقدم الاستدامة، أي الكفاءة البيئية، مضلل أيضاً.

وكما أثبت التاريخ، فإن زيادة الكفاءة غالباً ما تؤدي إلى زيادة الانبعاثات الإجمالية. فعندما أدّت المحركات البخارية إلى الثورة الصناعية في بريطانيا في القرن التاسع عشر، كان الكثير من الناس قلقين بشأن استدامة إمدادات الفحم في إنجلترا، واعتقد بعضهم أن الحل يكمن في تطوير محركات أكثر كفاءة، لكن عالم الاقتصاد ويليام ستانلي جيفونز في كتابه "مسألة الفحم" (The Coal Question) الصادر عام 1865، قال إن التأثير الارتدادي لهذه المحركات الأكثر كفاءة من شأنه أن يؤدي في الواقع إلى زيادة في استهلاك الفحم.

وتتلخص رؤية جيفونز في أن الكفاءة تؤدي إلى زيادة فرص وصول المستهلكين إلى الخدمات وخفض الأسعار، وذلك يتسبب بدوره بزيادة كل من الاستهلاك والانبعاثات، وهو نمط واضح في العديد من القطاعات اليوم. فمثلاً، تستهلك مصابيح ليد (LED) القليل من الكهرباء، لكن الناس يستخدمونها بكثافة أكبر من المصابيح التقليدية. ويمكن أن يؤدي تحسين كفاءة أنظمة التدفئة والتبريد إلى إبقاء المباني في درجات حرارة مريحة على مدار العام، بدلاً من درجات الحرارة التي توفر الطاقة. وقد يؤدي ابتكار محركات طائرات أكثر كفاءة إلى رحلات جوية أرخص والمزيد من رحلات الطيران.

لكن غالبية الشركات تتجاهل هذه الحقيقة وتقدم تقارير عن كثافة انبعاثات الكربون؛ أي الانبعاثات على أساس كل منتج أو خدمة، بدلاً من انبعاثاتها الإجمالية. على سبيل المثال، كشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز في عام 2023 حول تقارير المناخ لشركات المواد الغذائية الكبرى أن مثل هذه الفجوات في حساب الانبعاثات منتشرة على نطاق واسع. والتزمت ستاربكس بتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية بحلول عام 2050، لكنها أبلغت في عام 2022 عن زيادة بنسبة 12% في إجمالي انبعاثاتها مقارنة بعام 2019. وبما أن إيراداتها زادت بنسبة 23%، فقد خلصت المتحدثة الإعلامية باسم الشركة بيث نيرفيغ إلى أن ارتفاع الانبعاثات كان حتمياً، وهو بالضبط ما يركز عليه مصطلح "تراجع النمو". إذا أردنا حقاً أن نصل إلى صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية، فعلينا أن نعيد النظر في افتراضاتنا حول النجاح الاقتصادي.

ولا ينطبق ذلك على ستاربكس وحدها؛ فمن بين 20 شركة أغذية ومطاعم كبيرة شملها التقرير، لم يحقق أكثر من نصفها تقدماً في الأهداف المتعلقة بخفض الانبعاثات أو شهدت انبعاثاتها زيادة. وعلى الرغم من أهمية كفاءة الطاقة، فإن المعلومات المتعلقة بها في التقارير غالباً ما يجري انتقاؤها بعناية للمساعدة في إخفاء الافتقار إلى التقدم نحو خفض الانبعاثات.

الفكرة الخاطئة الثالثة: الابتكار قادر على إنقاذنا

من الطبيعي أن يأمل البشر التوصل إلى حل شامل لكل المشاكل الاقتصادية والبيئية. ويعتقد أنصار النمو الأخضر أن الابتكارات التكنولوجية مثل الهيدروجين الأخضر، والتقاط الكربون، والهندسة الجيولوجية ستتيح تحقيق النمو مع تقليل الانبعاثات والآثار المناخية في الوقت نفسه، والحقيقة هي أن هذه الابتكارات التكنولوجية حتى الآن تعد بالكثير ولا تقدم إلا القليل.

فوفقاً لمقال افتتاحي نشرته مؤخراً مجلة نيتشر (Nature)، ما يزال الهيدروجين الأخضر والتقاط الكربون ينتميان إلى العالم "الخيالي"، وقد يصبحان جزءاً من الحل يوماً ما، لكنهما يواجهان تحديات كبيرة من حيث الكفاءة والتكلفة والفوائد البيئية الفعلية.

يجري إنتاج الهيدروجين عادةً عن طريق تعريض الغاز الطبيعي للبخار، الذي يولد كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون باعتباره منتجاً ثانوياً. أما "الهيدروجين الأخضر" فينتجه المتخصصون باستخدام الكهرباء المستمدة من الطاقة المتجددة، ولكن هذه العملية مكلفة واستخدامها غير مجدٍ للموارد المتجددة. أما تقنيات التقاط الكربون وتخزينه فهي عملية معقدة ومكلفة وصعبة التنفيذ من الناحية التقنية؛ وقد توقف العديد من المشاريع الأولية.

إن السيارات الكهربائية واعدة أيضاً، ويرجع ذلك بدرجة ما إلى حسابات انتقائية حتى مع افتراضانا أن الكهرباء تأتي من مصادر نظيفة. في الواقع إن الآثار البيئية الناجمة عن استخراج المواد الخام لبطاريات السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى إنتاجها والتخلص منها، شديدة الخطورة وغير محسوبة في الغالب، ومن المحتمل أن تعادل المكاسب البيئية المتوقعة في خفض الانبعاثات لكل كيلومتر تقطعه السيارات الكهربائية.

أما الهندسة الجيولوجية (مثل حجب أشعة الشمس عن الأرض لإبطاء الاحتباس الحراري) فهي غير مثبتة ومن شبه المؤكد أنها ستؤدي إلى عواقب سلبية غير مقصودة. وفي سعينا الدؤوب للابتكار الأخضر الذي سينقذنا، ارتكبنا خطأً فادحاً بالتركيز الانتقائي على الإيجابيات دون النظر إلى السلبيات.

تحديث طرق التفكير في القرن الحادي والعشرين وما بعده

يجب أن يتجنب القادة الوقوع في فخ التركيز على الإيجابيات الانتقائية التي تجعلنا جميعاً نشعر بالرضا (مثل ازدهار الطاقة المتجددة؛ ومكاسب الكفاءة؛ والابتكارات الخضراء) وأن يفهموا أننا بحاجة إلى تحول جوهري في عقليتنا من التركيز على خفض الانبعاثات أو تعويضها إلى التركيز على تجنب الانبعاثات عند تصميم المنتجات. ويبدو أننا لن نستطيع تحقيق ذلك مع الاستمرار في النمو في الاقتصادات المتقدمة.

علاوة على ذلك، لا تزال أجزاء كثيرة من العالم تعاني الفقر المدقع، وتحتاج إلى الاستفادة من مزايا التحول الصناعي، ما يعزز ضرورة أن يواجه مواطنو الدول الغنية الحقيقة المرة المتمثلة في أن ازدهارهم لم يعد بإمكانه الاعتماد على النمو الاقتصادي.

وكما تُظهر الصفقة الخضراء الأوروبية، فإن السياسات التي تتحرك في هذا الاتجاه ستعيد تشكيل الأسواق والقرارات التجارية. ومن المهم أيضاً أن تدرك الشركات أهمية هذه الأفكار وتوفر منصة للابتكار المؤسسي.

تدرك الشركات التي تتطلع إلى المستقبل هذه الأفكار الخاطئة وتدمج الاستدامة في تصميم المنتجات منذ البداية حتى لا تحتاج إلى تقليل الانبعاثات لاحقاً. على سبيل المثال، عندما تصنع شركة سفنث جينيريشن (Seventh Generation) منتجات جديدة، فإنها تدرس بعناية المواد والمكونات البديلة التي يمكن أن تستخدمها والتي تلبي معاييرها لتجنب الآثار الارتدادية. بعد إجراء مقابلات مع رئيسها التنفيذي السابق جوي بيرغستاين وقادة آخرين، تذكرتُ مقولة ألبرت أينشتاين الشهيرة: "الذكي يحل المشكلة، والحكيم يتجنبها". البلاستيك آفة العالم الحديث؛ حيث نستخدم في إنتاجه غازات الدفيئة ونعيد تدوير أقل من 10% منه، ما يسبب كميات هائلة من النفايات. وللتخلّص من البلاستيك تماماً، تعمل الشركة بنشاط على ابتكار مساحيق لغسيل الملابس وغسل الأطباق وتنظيف الأسطح وغسل اليدين يمكن تعبئتها في عبوات من مواد يسهل إعادة تدويرها مثل الألومنيوم والكرتون.

إن تضييق حلقة النفايات هو مجال آخر من مجالات التركيز المهمة. وقد طرحت شركة إنترفيس (Interface) العالمية المتخصصة في مجال الأرضيات التجارية بلاط سجاد الأرضيات القابل للتركيب الذي يمكن استبدال قطعه بسهولة عند تلفها أو اهترائها بحيث لا يتعين التخلص من سجاد الأرضية بالكامل. وعلاوة على ذلك، فقد أحدثت الشركة زعزعة في قطاعها من خلال نموذج خدمة جديد، حيث تحتفظ الشركة المنتجة بملكية المنتج طوال دورة حياته، في حين يستأجر العميل السجاد فحسب. إن الجمع بين التركيب والصيانة والإزالة برسوم شهرية ثابتة يقلل من النفايات ويطيل عمر الموارد.

وهناك مثال آخر يتمثل في شركة فيرفون (Fairphone)، وهي شركة هولندية للهواتف الذكية تبذل جهوداً حقيقية لمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية في قطاع الإلكترونيات. وتشجع عملاءها على إصلاح هواتفهم عندما تتعطل بدلاً من الاستعاضة عنها بأخرى جديدة. قد يبدو أسلوب شركة فيرفون غير عملي بالنظر إلى التوقعات المطلوبة من شركات الهواتف الذكية المدرجة في البورصة مثل شركة آبل (Apple)، ولكن من المهم أيضاً أن نفكر بطريقة نقدية في هذه التوقعات. لقد حددت النماذج الحالية لنجاح الشركات افتراضاتنا وأنماط تفكيرنا، فبات التخلص من النفايات غير مكلف، وهي عادة مسؤولية طرف آخر. سيحتاج قادة الشركات غداً إلى التفكير في سلسلة القيمة برمتها، بدءاً من المواد ومروراً باستخدام المستهلك وانتهاءً بنهاية العمر الافتراضي للمنتج، وذلك من أجل ترسيخ الاستدامة في جميع أنحاء المؤسسة.

يشكل تراجع النمو تحدياً جوهرياً للنموذج الرأسمالي الحالي من خلال إعطاء الأولوية للرفاهتين الاجتماعية والبيئية لا للأرباح، لأنه ينطوي على انتقال المجتمع من الاستهلاك والإنتاج المفرطين إلى التقليل منهما وعدالة توزيع الموارد والتركيز على قيم الرعاية.

تتعارض هذه الأفكار مع الأيديولوجيات التقليدية التي تركز على السوق أولاً، لذا فإن قادة الشركات يستهجنون هذا المفهوم، لكن ترويج الإحصائيات الانتقائية والمضللة حول جهود الاستدامة التي تلائم وجهات النظر العالمية غير الواقعية لن يجدي نفعاً أيضاً. يتعين علينا إعادة النظر في افتراضاتنا الراسخة وإعطاء الأولوية لتجنب الأضرار لا لتعزيز الكفاءة، والاتجاه إلى النماذج الدائرية بدلاً من الابتكارات الخضراء، ومطالبة الشركات بأن تقود التحولات في أنماط الاستهلاك بدلاً من التحولات في مجال الطاقة. وهذه ليست دعوة إلى الركود بل دعوة إلى النمو المسؤول المستدام الذي يراعي رفاهة كوكبنا والأجيال القادمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .