ليس عليك كقائد أن تختار بين التعاطف والأداء

7 دقائق
إبداء التعاطف
ألكسوم/غيتي إميدجيز

ملخص: يواجه القادة مطالب متكررة لـ "إبداء التعاطف" في وقت غير مسموح فيه بالتنازل عن النتائج بحال من الأحوال. ونتيجة لذلك، وقع الكثير من القادة في مزلق الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما: إما "التعاطف أو الأداء". وهم يعلمون أن كليهما ضروري، ولكنهم يجدون صعوبة في تعزيز الأداء بطريقة تُزيد أيضاً من دعم موظفيهم. وتتزايد هذه الحاجة المزدوجة لزيادة جرعة التعاطف ورفع مستوى الأداء، في حين أن الإعياء الناجم عن تفشي فيروس كورونا قد أدى إلى استنفاد طاقات الموظفين والقادة والعملاء على حد سواء. ومن غير المتوقع أن تختفي مشكلة هذه المطالب المتكررة. ولتوفير جرعة كبيرة من التعاطف ورفع مستوى الأداء بصفة دائمة، يحتاج القادة إلى البيانات وترتيب الأولويات والإعداد والتعاون مع الآخرين.

 

قبل عُطلة العام الماضي بقليل، ألغت روزا، رئيسة قسم خدمة العملاء في إحدى شركات التأمين الصحي، اجتماعها الشهري العام. كانت تعتقد أن الموظفين سيرحبون بهذه الخطوة لأنها ستمنحهم ساعة إضافية، خاصة أنهم كانوا يسابقون الزمن لتحقيق الأهداف المطلوبة منهم في نهاية العام. كان سلوكها يبدو عقلانياً تماماً في هذا الموقف، لكنه جاء بنتائج عكسية؛ فقد أخبرها أحد مدرائها الموثوقين بأن الموظفين أبدوا تذمرهم في غرفة الاستراحة من تصرفها وأعربوا عن استيائهم من سلوك "كبار المسؤولين الذين يعطون الأولوية للأرقام على حساب الأشخاص". وقالت لنا روزا لاحقاً: "لقد أفسدتُ الأمر. كنت أعتقد أنني أتعاطف معهم حينما ألغيتُ اجتماعاً كان سيستغرق جزءاً لا يُستهان به من وقتهم. ولكن مع الضغوط الواقعة عليهم لتحقيق النتائج، كانت الرسالة التي وصلتهم هي: ’ركّزوا في عملكم فقط‘".

توضح قصة روزا التحدي المتمثل في كيفية إدارة العلاقة المعقّدة بين حاجة المدراء لإظهار التعاطف وتعزيز مستوى الأداء. وقد أجرينا مؤخراً استقصاء على مستوى العالم شمل 300 مسؤول من كبار قادة الشركات العاملة في عدد متنوع من القطاعات تتراوح ما بين الضيافة إلى صناعة السيارات والتكنولوجيا الحيوية، وأفاد 61% منهم بأنهم يجدون صعوبة في تحقيق التوازن بين حاجة الموظفين للدعم ورغبة شركاتهم في رفع مستوى الأداء. وبينما يعتقد معظمنا أن القيادة الحقيقية تستلزم إبداء التعاطف الممزوج بتحمّل المسؤولية، فإن هذه النتائج تشير إلى أن إظهار هذا النوع من القيادة يبدو في الواقع أصعب من أي وقت مضى.

إذ نواجه مطالب متكررة لإبداء التعاطف في وقت غير مسموح فيه بالتنازل عن النتائج بحال من الأحوال. ونتيجة لذلك، وقع الكثير من القادة في مزلق الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما: إما التعاطف أو الأداء. وهم يعلمون أن كليهما ضروري، ولكنهم يجدون صعوبة في تعزيز الأداء بطريقة تُزيد أيضاً من دعم موظفيهم.

وتتزايد هذه الحاجة المزدوجة إلى زيادة جرعة التعاطف ورفع مستوى الأداء، في حين أن الإعياء الناجم عن تفشي فيروس كورونا قد أدى إلى استنفاد طاقات الموظفين والقادة والعملاء على حدٍّ سواء. ومن غير المتوقع أن تختفي مشكلة هذه المطالب المتكررة. ولتوفير جرعة كبيرة من التعاطف ورفع مستوى الأداء بصفة دائمة، يحتاج القادة إلى البيانات وترتيب الأولويات والإعداد والتعاون مع الآخرين.

البيانات: تعرّف على الجوانب المهمة

لقد وجدنا أن الكثير من القادة يتعاملون مع هذا التحدي معتقدين أنهم يفهمون جيداً أهم الجوانب التي تشغل بال أصحاب المصلحة الرئيسيين المعنيين، ولكن من الواضح أن هذا غير حقيقي بالمرة. ولا يُعتبر التصرف بناءً على أولويات غير مفهومة جيداً أمراً غير فاعل فحسب، ولكنه قد يأتي بنتائج عكسية أيضاً عندما توحي تصرفات القادة بأنهم لا يفهمون معاناة مرؤوسيهم. وكما قال أحد القادة الذين تحدثنا إليهم، فإن "إبداء التعاطف من قِبَل مسؤول يدير ظهره لموظفيه أكثر خطورة وأعلى تكلفة من عدم إبداء أي تعاطف على الإطلاق".

وهكذا يحتاج القادة إلى جمع البيانات حول ما يهتم به الموظفون حقاً، بدلاً من افتراض أنهم يعرفونه بالفعل. على سبيل المثال: لقد سمعنا الكثير من القصص عن كبار القادة الذين فشلوا في تقدير الفارق بين خبرات العمل من المنزل التي كانت مريحة لهم نسبياً خلال الجائحة، ولكنها لم تكن مريحة بالمرة لموظفيهم. ويتمثّل الهدف في التعرُّف على القصة الحقيقية. اطرح أسئلة محددة، مثل: "ما أصعب شيء واجهته في الشهر الماضي؟" أو: "ما التغيير الذي سيكون له أكبر أثر إيجابي على رفاهتك في العمل؟".

وتذكّر أن اختلاف طرق جمع البيانات يؤدي إلى إنتاج أنواع مختلفة من المعلومات، ويرسل إشارات مختلفة. وتعد الاستقصاءات والاجتماعات العامة مفيدة لرصد الاتجاهات وقياسها، لكنها لا تمنحك فهماً عميقاً لخبرات الموظفين، كما أنها لا تعكس التعاطف بصورة حقيقية. وكما قال أحد المدراء في إحدى شركات الطاقة المصنَّفة على قائمة "فورتشن 100"، فقد أوضحت المحادثات التي تجري عند مبردات المياه أن العاملين في مؤسسته قد "سئموا الاجتماعات العامة وملوا منها، فهم لا يثقون في الرسائل المنبثقة منها أو صدق التعاطف الناجم عنها".

في المقابل، تُعد المحادثات الثنائية طريقة مثالية لفهم التعقيدات التي تواجه الأفراد ونقل الشعور بالتعاطف الحقيقي. وقد جلس هذا المدير نفسه مؤخراً لاحتساء فنجان من القهوة مع موظفة كان والدها يعاني مرضاً خطِراً منذ فترة من الزمن. أخبرته كم يعني ذلك بالنسبة لها، قائلة: "أنت أول شخص منذ نصف عام يسألني عن أحوالي". هذه المحادثات مهمة، لكنها تتطلب استثماراً كبيراً للوقت وقد لا تساعدك على رؤية الصورة الكبيرة. ويتمثّل أفضل نهج في صنع مزيج من الأساليب والتفكير ملياً في الطرق التي تستخدمها وكيفية المزج بينها للحصول على أفضل نتيجة ممكنة.

ترتيب الأولويات: خصّص وقتاً لـ "إبداء التعاطف"

ثمة حقيقة لا جدال فيها، وهي أن إجراء المحادثات الدالة على التعاطف يستغرق وقتاً، وهذا يسلط الضوء على مشكلة ترتبط في جوهرها بتوافر الوقت: إذا أراد المدراء تخصيص بعض الوقت لإظهار التعاطف، فعلى مؤسساتهم أن تتخلّص من الأعمال غير المهمة. قد يبدو هذا سهلاً نظرياً، ولكنه يمثل تحدياً صعباً في الواقع العملي. وقد أجريتُ محادثة مع مسؤولة تنفيذية في إحدى شركات الأدوية، شدّدتْ خلالها على "أننا دائماً ما نفشل في ترتيب الأولويات. وهناك صعوبة حقيقية في تحديد الأشياء التي يمكننا التخلي عنها، لا سيما فيما يتعلق بالأداء على المدى المنظور". ويقتضي التمييز بين الجوانب المهمة للأداء وتلك التي يُحبَّذ امتلاكها أن يطرح القادة أسئلة، مثل: "ما مقدار التقارير التي تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب عملاً مرهقاً دون قيمة مضافة حقيقية؟"، أو بشكل أكثر تحديداً: "ما هما التقريران اللذان تتلقاهما عن المنجزات الدورية، ولكنك لا تقرؤهما في الواقع؟".

يعد مدراء الخطوط هم أفضل مَنْ يستطيع ترتيب الأولويات. فلديهم معرفة مباشرة بالعمل المنجز والأشخاص الذين يؤدونه، لكنهم بحاجة إلى المساعدة. ويجب على القادة أن يساعدوا المدراء على تذكّر أن هذا لا يتعلق بالمفاضلة بين الأداء والتعاطف، بل يتعلق بالمفاضلة بين بعض العناصر المختلفة في كل منهما، حتى يتمكنوا من توفير الوقت للتركيز على الجوانب التي تخلق أكبر قيمة مضافة ممكنة. كما يجب على كبار القادة قبول فكرة أن مدراء الخطوط في شركاتهم لديهم بيانات أكثر وأفضل مما لديهم، وبالتالي عليهم أن يثقوا بهم ويدعموا جهودهم وطلباتهم لترتيب الأولويات، حينما يعمل هؤلاء المدراء لدعم الموظفين الذين يحتاجون إلى الدعم.

الإعداد: زيادة الشفافية

روى أحد المسؤولين التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم أن موظفاً قال له: "أود أن يفهم مديري السياق الذي أعمل فيه"، ولكنه أضاف أيضاً: "لا أريد أن يصل هذا الكلام إلى مديري، ولا أريد أن أخبره بهذه الأشياء، لأن هذا يجعلني أبدو شخصاً كثير الشكوى". يسلط هذا الضوء على جزء مهم من التحدي المتمثّل في خلق بيئة تسهم في تطبيع المحادثات حول الدعم الذي يحتاج إليه الأفراد.

أولاً: تأكد أن كل فرد في مؤسستك يدرك عدم التعارض بين الرفاهة والأداء، لا سيما على المدى البعيد. وساعد الأفراد على إدراك أن الرفاهة تتعزز من خلال المدراء الذين يظهرون التعاطف ويقدمون الدعم، وأن الرفاهة بدورها تعزز كافة أنواع النتائج القابلة للقياس والمتعلقة بالأداء. وسيسهم الاعتراف بأن الأمر ليس خياراً أُحادياً بين الرفاهة والأداء في مساعدة المدراء على إدراك أن اختيار استثمار الوقت والطاقة في القيادة التعاطفية سيساعدهم على تحقيق أهدافهم الكبرى.

ثانياً: اعمل على مراعاة عنصر الأمان النفسي لدى كلٍّ من القادة والموظفين في هذه المناقشات، وذلك لكي يتحدث الموظفون بصدق بشأن حاجتهم إلى الدعم، ولكي يتحدث القيادة بصدق بشأن متطلبات الأداء التي تواجهها المؤسسة.

وحينما تتوافر لديك كل هذه البيانات، يمكنك اتخاذ قرارات معقولة ومستنيرة وقائمة على التعاطف حول كيفية استثمار الوقت والجهد لتعظيم رفاهة الموظف وأدائه.

التعاون مع الآخرين: التعاون من أجل التوصُّل إلى الحلول

يتمثّل الجزء الأخير من الأحجية في المسؤولية المشتركة عن حل المشكلة. إذ تقع مسؤولية زيادة رفاهة الموظفين واندماجهم على عاتق كلٍّ من المدراء والموظفين، فهو تحدٍّ جماعي يجب على كافة العاملين في المؤسسة أن يتكاتفوا معاً من أجل تحمّل مسؤوليته والتصدي له. ويجب علينا التخلي عن فكرة أن التوصُّل إلى الحلول وعلاج مشاكل الموظفين عملٌ يخص القائد وحده. فالموظف هو أفضل مَنْ يعرف ما يحتاج إليه، ومن ثم فنحن بحاجة إلى تقليل العبء على القادة وتحميلهم وحدهم مسؤولية التوصُّل إلى الإجابات. ويجب عليهم بدلاً من ذلك التركيز على إنشاء بيئة توفر قنوات التواصل وتشجّع على المناقشة المفتوحة، إلى جانب توفير الموارد والأدوات بشكل استباقي لمساعدة الموظفين على فهم احتياجاتهم الخاصة، والاستجابة لطلبات الموظفين ودعمها.

ويعد تذكير الجميع بمسؤولياتهم الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، بحيث يتحمّل الموظفون مسؤولية التحديات التي يجابهونها وصقل قدراتهم، بينما يتحمّل المدراء مسؤولية توفير المتطلبات والموارد المؤسسية. ويحرص بعض الشركات على محاكاة منهجيات التعلم والتطوير، وتتحول بشكل متزايد نحو المزيد من التدخلات القائمة على الاحتياجات الفردية. وكما قال أحد المسؤولين التنفيذيين: "نحن بحاجة إلى نهج يشجّع الموظف على اختيار ما يناسب ظروفه عند تقديم الدعم، وهو نهج يوفر للموظفين خيارات وأدوات يمكنهم استخدامها لمساعدة أنفسهم". وتتراوح هذه الإجراءات بين تخصيص ميزانيات محدّدة للأفراد لإنشاء مجتمعات داخلية، مثل نوادي الكتب، وربط الموظفين بمقدمي الخدمات الصحية التابعين لجهات خارجية، مثل تطبيقات التأمل وتعليم اليوغا عبر الإنترنت ومتخصصي الصحة العقلية لهم ولأسرهم.

وكما هي الحال مع أي شيء في بيئة اليوم سريعة التغير، فإن أفضل طريقة لضمان التوصُّل إلى حلول ملائمة تتمثل في جعل الجميع يتفقون مسبقاً على موعد محدَّد لإعادة النظر في النهج المتبع وإجراء التعديلات اللازمة.

لا يقتصر مفهوم القيادة المتعاطفة على تخفيف أعباء العمل وإعطاء الموظفين ما يريدون فحسب. ولا يعني الوصول إلى مستوى متميز من الأداء تجاهل احتياجات ورفاهة موظفيك. إذ يحتاج القادة الذين يسعون جاهدين إلى رفع مستوى الأداء بشكل دائم، لا سيما في بيئة اليوم، إلى تخصيص الوقت والجهد لضمان تمكين موظفيهم من تحقيق هذه الغاية.

وثمة تحذير مهم هنا: لا تدع إبداء التعاطف أو القيادة المتعاطفة تشكّل نقطة ضغط جديدة عليك وعلى مؤسستك. ففي ظل تزايد احتياجات الموظفين للدعم، وجد بعض المدراء أنفسهم محل تقييم استناداً إلى قدرتهم على دعم موظفيهم بشكل متزايد، عادةً من خلال معدلات استبقاء الموظفين ودرجات الاندماج. وعلى الرغم من أن تحمّل المسؤولية بشأن هذه الأبعاد أمر جيد، فإن هذه المسؤولية تأتي مصحوبة بخطر مزدوج يتمثّل في إضافة المزيد من الضغوط إلى نظام مثقل فعلياً بالكثير من الأعباء وتحويل الإجراءات التي كانت تتمحور حول الإنسان وتبدو متعاطفة في الأساس إلى مجرد أدوات آلية. إذ نفقد كلاً من المصداقية والفعالية عندما يصبح إظهار التعاطف عملاً إجرائياً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي