عندما أدرّس المفاهيم الأساسية للاستراتيجية، مثل إطار القوى التنافسية الخمس، أو مبادئ الميزة التنافسية، يُطرح عليّ السؤال نفسه، ويعبّر المدراء عن استيائهم قائلين: "هذه الأفكار قديمة جداً وتعود لأكثر من 30 عاماً، هل توجد مفاهيم أحدث يمكننا استخدامها؟".
للأسف، يدل هذا السؤال على عدم فهم طبيعة المعرفة. يشبه هذا الأمر قولك لأستاذ الرياضيات، الذي يشرح مبادئ الحساب: "هذه الأفكار قديمة وعمرها أكثر من 100 عام، ما الأفكار الجديدة؟".
استغرق الأمر عقوداً من الزمن لتحديد المبادئ الأساسية لاستراتيجية الأعمال، ومرور 30 عاماً على معرفتنا بها لا يقلل من قيمتها الجوهرية.
المبادئ الأساسية هي:
- إذا كنت ترغب في إنشاء قيمة وتحقيق أرباح تفوق تكلفة رأس المال، يجب تحقيق عائدات أعلى على جهودك واستثماراتك مقارنة بالمنافسين.
- لتحقيق عائدات أعلى من عائدات المنافسين، يجب أن تتمتع بميزة تنافسية أو أن تدخل المنافسة في قطاع يشهد طلباً كبيراً.
- ثمة طريقتان فقط لتحقيق ميزة تنافسية؛ يجب أن تكون أسعارك مرتفعة أو أن تكون تكاليفك أقل، ويشمل ذلك تكاليف الميزانية العمومية وتكاليف الضرائب.
- تتميز القطاعات التي تحظى بطلب كبير بانخفاض قوة المنافسة، يرجع ذلك غالباً إلى قلة عدد المنافسين، لكن ثمة أسباب أخرى مثل وجود التشريعات أو زيادة الطلب بمعدل أسرع من العرض.
يسعى رواد الأعمال باستمرار إلى تحقيق ميزة تنافسية من خلال زيادة الأسعار التي يفرضونها على منتجاتهم مقارنة بأسعار المنافسين، أو تقليل التكاليف لتصبح أقل من تكاليف المنافسين. لذلك، بالتأكيد، ثمة العديد من الطرق الجديدة للتنافس. على سبيل المثال، وجدت الشركة المتخصصة في تنظيم رحلات العطل العائلية، مارك وورنر (Mark Warner)، طريقة ذكية لخفض تكاليف العمالة لديها؛
إذ بدأت بتوظيف طلاب في فترة الانقطاع الدراسي للعمل في مخيمات العطل ودفعت لهم الحد الأدنى للأجور المنصوص عليه في القانون فقط، ولم يمانع الطلاب ذلك بسبب رغبتهم في اكتساب الخبرة العملية وإغناء سيرتهم الذاتية. على الرغم من ذلك، اكتشفت الشركة طريقة مبتكرة لخفض التكاليف أكثر من ذلك؛ إذ تدفع الشركة جزءاً كبيراً من أجور موظفيها عن طريق السماح لهم باستخدام المرافق التابعة لها وتوفير الإقامة والطعام، لذلك، تدفع الشركة مبلغاً نقدياً للموظفين يبلغ نحو 50 يورو فقط في الأسبوع، حتى إن هذا المبلغ مشروط بإكمال الموظف لعقده.
دعونا نأخذ مثالاً آخر من قطاع المطاعم. وجد بعض أصحاب المطاعم أنه يمكنهم تحقيق أسعار أعلى لوجباتهم إذا سمحوا للعملاء بدفع ما يرونه مناسباً لقيمة الوجبة، بدلاً من تحديد أسعارها مسبّقاً، ولأن بعض العملاء يجدون متعة كبيرة بالوجبات -وقد يكون لمرافقيهم دور في زيادتها- تولّد القيمة الإجمالية للتجربة التي يعيشونها ربحاً أكبر للمطعم.
ما أود الإشارة إليه هو أن البحث المستمر عن أفكار أو نظريات جديدة ربما لا يؤدي إلى تحقيق النجاح بالقدر الذي يؤدي إليه التركيز على تحليل الأسعار والتكاليف ودراسة المنافسين بدقة. فهم المؤلف مايكل بورتر هذه الحقيقة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ولا يتطلب التحدي الذي يواجهك في ظل المنافسة الشديدة إعادة كتابة نظرية بورتر، بل أن تكون مبدعاً في تطبيقها. لتحقيق ذلك، عليك ابتكار عرض ذكي يثير اهتمام العملاء ويشجعهم على دفع أسعار أعلى أو تقديم ابتكار تشغيلي يخفض التكاليف، أو العثور على سوق جديدة لا تحتوي على كثير من المنافسين.