هذا السؤال هو أحد الأسئلة التي تؤرقك دائماً بصفتك أحد أولياء الأمور العاملين. ويخطر ببالك كل يوم، عند الساعة الثالثة عصراً تقريباً: "حسناً، ماذا سنُحضر لوجبة العشاء؟".
سواء وصلك هذا السؤال على شكل رسالة من شريك حياتك أم راودك خلال اجتماع التسويق، فإنك تنتفضين بشكل غير إرادي، لأنّ وقت العشاء هو أحد الأشياء الحساسة لدى أولياء الأمور العاملين، وتتجلى من خلاله الضغوط الهائلة للوظيفة المزدوجة لولي الأمر كموظف وأب أو كموظفة وأم.
لماذا؟ لأنّ ما يمثل مشكلة عملية مباشرة واضحة المعالم، وهو إعداد وجبة الطعام، ينطوي في الحقيقة على مشكلة نفسية وعاطفية وجسدية أيضاً، وهي مشكلة يعاني منها الآباء والأمهات العاملون في لحظات ضعفهم الكبيرة. فمع حالة التعب والإرهاق التي ترافقنا في نهاية يوم عمل طويل، يكون اللجوء إلى وجبات المطاعم وخيارات الأطعمة سهلة التحضير، التي لن تعود على صحتك بفائدة تُذكر، أمراً في غاية البساطة.
وبعد الإسراع إلى البيت في طريق عودتنا من العمل، ومع اقتراب ساعة النوم لأطفالنا، يبدو من المستحيل لمّ شمل الأسرة في الوقت ذاته حول طاولة واحدة. ولا يطاوعك قلبك لإجبار طفلتك على تناول البروكلي نظراً لحاجة جسمها إليه لاسيما بعد انقطاعك عن رؤيتها لتسع ساعات. تأمْلي أن تختتم أيامك بجلوس جميع أفراد أسرتك لتناول وجبة طعام عادية ومناسبة وهانئة ومغذية، ولكن تجربتك ليلاً تسبب لك شعوراً بالحيرة والتوتر والذنب. لست وحدك، فالكثير من أولياء الأمور العاملين، إن لم يكن معظمهم، يعانون من الأمر نفسه.
ولحسن الحظ، ثمة طريقة أفضل للمضي قدماً. يمكِنك أن تقطعي شوطاً طويلاً في ترويض الجوانب اللوجستية، وتقليل إحساسك بالإجهاد، والإكثار من الوجبات العائلية، من خلال اتباع نهج متعدد الأبعاد لمعالجة المشكلة، ومن خلال استخدام أساليب بسيطة ومحددة، نشير إلى 13 من أكثرها فعالية في الأسفل.
رؤية الصورة الكبيرة وتولي زمام المسؤولية
اجعليها إحدى الأولويات. من المهم إكمال تقرير الميزانية، وإصلاح السيارة، والتحضير للاجتماع بالعميل الكبير، وإعداد زي المسرحية المدرسية لطفلتك، والقيام بأشياء أخرى. جدول أعمالك ممتلئ، والواجبات التي يتعين عليك فعلها لا تنتهي، والكثير من الأشياء تحتل الأولوية. إذا أردت أن تحظي بوجبة عشاء عائلية، فعليك أن تُعطي هذه الوجبة أهمية مساوية. قد ينطوي ذلك على تغيير في طريقة التفكير، مع النظر إلى الوجبات العائلية كجزء بالغ الأهمية من نمط حياتك اليومي (وفي حال أردت المزيد من الإقناع في هذا الجانب، تابع الدراسات العلمية التي تُبين أنّ الأطفال الذين يأكلون مع آبائهم وأمهاتهم أقل ميلاً للإدمان في المستقبل). وإحدى الخطوات العملية البسيطة التي من شأنها أن تساعدك: من رزنامة "أوت لوك" (Outlook) أو "جوجل" الخاصة بك، احجبي ساعات المساء التي ترغبين فيها بتناول الطعام مع أسرتك، إضافة إلى الأوقات التي ستخصصينها لشراء المواد الغذائية وتحضير الطعام. عندما يتم تسجيل هذه التفاصيل كمدخلات "رسمية"، فعلى الأرجح أنك ستنجزينها بالفعل.
كوني جادة، وتخلصي من الضغط. من المحتمل أنك عندما تفكرين في "عشاء عائلي"، تتخيلين وجبات عشاء ساخنة مطهية بكل الحب في المنزل، وتُقدّم مساءً في أطباق مزركشة وجميلة. أعيدي صياغة توقعاتك وتخلصي من بعض ذلك الضغط. ربما تلتزمين بالاجتماع لتناول وجبة طعام مرة في الأسبوع، مساء كل جمعة مثلاً. وقد يكون فطوراً عائلياً بدلاً من العشاء، إذا كان جدول المدرسة وجدول العمل يساعدان على هذا. ولا بأس إذا تضمنت الوجبة نفسها مواد مطبوخة في فرن المايكرويف أو بقايا طعام أو أطباقاً ورقية. الكمال ليس هدفنا هنا. هدفنا هو تناول الطعام معاً على نحو منتظم.
ضعي قوانين جديدة. يرفض طفلك ذو الخمسة أعوام تناول الخضروات، ويريد طفلك ذو السبعة أعوام تناول المعكرونة دون صلصة، أو ربما يطلب الاثنان الرقائق الباردة بدلاً مما تقدمه لهما. ولكن وظيفتك المزدوجة كأحد ولاة الأمور العاملين صعبة بما فيه الكفاية دون التصرف كطباخ وجبات سريعة أو مفاوض دبلوماسي، لذا قم بالاستقالة من هاتين الوظيفتين اليوم، وضع بعض القوانين الجديدة الصارمة والسريعة. يحصل الجميع على الوجبة نفسها: لا بدائل ولا تغييرات. إذا اخترتِ عدم الأكل من الطعام المقدم في هذه الوجبة، فيمكنك الانتظار إلى الوجبة القادمة. وإن اشتكيت، يمكنك غسل الأطباق. وضع هذا النظام الجديد والالتزام به لن يكون سهلاً، ولكن إذا اتخذتَ موقفاً صلباً، فستصبح الوجبات أسهل وأكثر متعة من الآن فصاعداً.
إتقان جزئية الطعام
كن مستعداً. سيكون من المستحيل تحضير أي وجبة، خصوصاً تحت ضغط الوقت، إذا لم تتوفر لديك لوازم المطبخ الأساسية. هل تحتاجين إلى قائمة؟ افتحي صفحة "نيويورك تايمز" المعنونة بـ"المخزن العصري للأطعمة وأدواتها" (Modern Pantry) وخزني جميع الأشياء المشار إليها تحت بند "مواد أساسية" (Essentials).
وفِّري الوقت حيثما تستطيع. كأب عامل أو أم عاملة، فإن الوقت بالنسبة لك هو أندر الأصول، وإذا كنت تحاول ضغط وجبات الطعام العائلية في جدولك الممتلئ أصلاً، فعليك أن تتسم بكفاءة عالية. اشتري الفواكه والخضروات المقطعة. ضعي الأغذية الأساسية على خدمة إعادة الطلب التلقائية من أمازون. جرِّبي خدمة توصيل مواد البقالة. (نعم، قد تكون هذه الأشياء باهظة الثمن، ولكنها أرخص بكثير من الطلب في الداخل). وبمجرد وصولك إلى المنزل، حتى قبل نزع معطفك أو وضع حقيبة حاسبوك المحمول في الزاوية، أشعلي الفرن أو ضع قدر ماء على عين التسخين. ما الذي ستقومين بخبزه أو غليه؟ من يدري! ولكن بمجرد جلوس أطفالك في المكان المناسب، وعودتك إلى المطبخ، ستكونين جاهزة للبدء في الطهي.
تناول الوجبات الخفيفة على نحو استراتيجي. إذا كنت تشعرين بالجوع عند مغادرة مكان العمل، أو إذا كان الأطفال كذلك عندما تصلين إلى المنزل، قد تسوِّل لك نفسك الاستعانة بقائمة الوجبات الجاهزة والأطعمة سريعة التحضير وغيرها من الخيارات المشابهة. وبدلاً من ذلك، أبقِ بعض الوجبات الخفيفة غير القابلة للفساد (الفواكه المجففة، المكسرات النيئة) في حقيبة عملك وفي السيارة، وضعي بعض المقبلات الصحية (قطع الجزر مع الحمص، جبنة قليلة الدسم) جانباً أثناء عملية الطهي. هذا سيُرضي الجميع حتى تتمكنوا من الاستمتاع بوجبتكم الرئيسة بهدوء معاً.
استخدمي نهج "إضافة مكوِّن صحي". إذا كنتِ ستتأخرين في مكان العمل وقررتٍ أخذ وجبة برجر جاهزة في طريقك دون مغادرة سيارتك، فلا تعذبي نفسك. بالتأكيد، إنها ليست أفضل أوقاتك على مستوى الطهي أو التغذية، ولكننا نتعامل مع الواقع هنا. إن كانت ثمة طريقة لتحسين الوضع، قدّمي الوجبة الجاهزة مع بعض قطع الجزر والبرتقال وأكواب الحليب، وستكون لديك وجبة فورية تحتوي على فيتامينات "أ" و"ج" والكالسيوم. أضِيفي مكوناً صحياً، ولا تلُومين نفسك.
كلِّفي كل شخص بوظيفة ما. كلما شارك أفراد أسرتك في إعداد الوجبة العائلية، يزيد احتمال استمتاعهم بها وشعورهم بالفخر لإنجازها، وشعورهم أنها وجبتهم. بينما تُعد وجبة العشاء، اجعلي أصغر أطفالك يضع المناديل الورقية على الطاولة أو اجعلي طفلك الثاني يقلِّب السلطة. أو دعي الأطفال يُعدّون وجبة الطعام بأنفسهم. ولإعطائهم بعض الأفكار، أرِهم كتاباً صدر مؤخراً بعنوان "20 وصفة يتعين على الأطفال معرفتها" (20 Recipes Kids Should Know)، وهو كتاب طبخ بسيط ومفصّل كتبته طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً (تولّت أختها في المرحلة الثانوية التقاط الصور). إذا كانت طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً قادرة على كتابة كتاب طبخ رائع، فإن طفلك ذي العشر أعوام يستطيع العمل وفق الخطوات المحددة فيه.
اصنعي وجبة طعام لأوقات الطوارئ. عجّة البيض (الأومليت) والسلطة شطيرة لحم (بوريتو) مثلجة وقطعة من الفاكهة. كيس من الخضروات المجمدة المطبوخة في الماء نفسه الذي توجد فيه المعكرونة، ويقدّم مع الصلصة من إناء. لا يهم ما هي وجبتك التي تستغرق خمس دقائق حتى النضج والتي تعرفين أن أطفالك سيأكلونها، ولكن احرصي على أن تكون لديك وجبة كهذه، إذ ستساعدك عند الحاجة، وستشعر أنك تمسكين بزمام الأمور مع التراجع في الوجبة العائلية.
جعل وقتك على الطاولة أكثر قوة ومتعة
أطلقي عليها اسماً. أطلقي على الوجبة الاسم الذي تريدين، "وجبة عشاء عائلية" أو "وجبة أسرتنا" أو "الأكل في غرفة الطعام" أو "الجلوس معاً، جميعنا نحن الخمسة"، وليكن الاسم شيئاً ما ولا يتغير. يُرسل الاسم إشارات حول معنى الوجبة وأهميتها، ويجعل حتى أبسط وجبات العشاء وأسرعها تبدو جزءاً من طقس أسري كبير.
ركِّزي على السلوكيات بقدر تركيزك نفسه على الطعام. ليس عليك تجهيز الطاولة بأشواك منفصلة للحم والسمك، أو تتوقع أن يقوم طفلك البالغ من العمر أربع سنوات بغسل يديه بعد الأكل، ولكن يمكنك استخدام الوجبات العائلية أحياناً كطريقة لتعليمه أهمية الاحترام وآداب الطعام، والتأكيد عليها. شجِّعي أطفالك على الانتظار حتى جلوس الجميع لتناول الطعام، وعدم مقاطعة شخص يروي قصة ما، وأن يستخدموا المناديل، ويشكروا الشخص الذي يمرر لهم الصلصة. فكِّري في الحياة على طاولة الأسرة وكأنها تحضير للبلوغ.
اجعليها لحظات سعيدة. لتنجح الوجبة العائلية، يجب أن تبدو كملجأ من تجارب اليوم، ومكافأة بدلاً من مهمة. أبقِ الأمور إيجابية: استغلي هذا الوقت لمشاركة أي أخبار جيدة، وللحديث حول الخطط لعطلة نهاية الأسبوع، مثل زيارة مرتقبة من الجدّة، وابدئي التعليقات بعبارات افتتاحية سعيدة مثل "الشيء المضحك الذي حدث اليوم...". ولا تستجوبي الأطفال حول اختبار الهندسة الذي قدّموه بالأمس، بل اتركيهم يقرروا ما سيتحدثون بشأنه.
اجعلي جلستكم قصيرة. يمكن أن تكون فعاليات نهاية اليوم قاسية بالنسبة للأطفال من مختلف الأعمار. يشعرون بالتعب، ولديهم مدى انتباه أقصر مما لدى البالغين، ويتلاشى السلوك الجيد بسرعة. ولكن لا حاجة لأن تكون الوجبات العائلية طويلة حتى يكون لها أثر. المهم هو انتظامها وجودتها. عندما تبدئي نظامك الجديد، اجعلي هدفك هو الجلوس معاً لمدة 15 دقيقة فقط حول الطاولة. وسيبدأ الوقت بالازدياد بشكل طبيعي كلما كبر أبناؤك وبناتك، وكلما أصبحت ممارسة التواصل على هامش الوجبات المشتركة عادة أساسية لا غنى عنها لدى جميع أفراد الأسرة.