في عام 2024، أصبح القادة يواجهون تحديات معقدة في عالم الأعمال. ثمة عدة قضايا مهمة ستكون في صميم اهتماماتهم. فيما يلي بعض الطرائق التي يمكن للرؤساء التنفيذيين من خلالها التعامل بنجاح مع هذه الاضطرابات المستمرة.
يتحدث الشريك الإداري لقسم قدرات العملاء بماكنزي هومايون هاتامي. والمسؤولة الرئيسية للعملاء بمؤسسة ماكنزي ليز هيلتون سيغل، مع مديرة التحرير العالمية لوسيا راهيلي، ويناقشون معاً القضايا الأساسية وسط الأزمات المستمرة والاضطرابات، ويبحثون في الاتجاهات التي ينبغي على القادة توجيه طاقاتهم نحوها لضمان تقدم مؤسساتهم وازدهارها.
اكتشف الجديد في عام 2024
لوسيا راهيلي: تحدثنا قبل أكثر من عام في برنامج "ماكنزي لايف" عن الموضوعات المهمة حول الرؤساء التنفيذيين في تلك الفترة. في 2023، كانت بيئة العمل شديدة الصعوبة، ويبدو أن 2024 ليس بالعام السهل كذلك، لم يكن هو العام الذي يُمنح فيه القادة قسطاً من الراحة. هومايون، برأيك ما الذي تغيّر تغيراً جوهرياً بالنسبة للرؤساء التنفيذيين خلال العام الماضي؟
هومايون هاتامي: بالطبع، جميع الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم يقدّرون الفرص والحياة التي يتمتعون بها. ولكن كما ذكرتِ، فإن القيادة في هذه الأوقات أصبحت أكثر تحدياً. نحن نتعامل مع سلسلة لا تنتهي من الأزمات. هناك نزاعات كبيرة تجري، وهناك معاناة في أنحاء عديدة من العالم. أيضاً، العديد من البلدان على أعتاب إجراء انتخابات. هناك مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي الذي يعاني تفاوتاً في الأداء، كما أننا نواجه تردداً وأملاً مع عدم تيقن فيما يتعلق بالتكنولوجيا.
ألاحظ أن الرؤساء التنفيذيين الذين نتعامل معهم في هذه الظروف يتميزون بتواضعهم، ويَعون جيداً أهمية القيادة المفعمة بالتعاطف والإنسانية. ورداً على سؤالك، أعتقد أن الجغرافيا السياسية باتت تؤثر كثيراً على الأعمال اليوم. نحن نواجه تفاقماً في الانقسامات الاقتصادية وتنافساً حاداً بين كبرى القوى مثل الولايات المتحدة، وأوروبا والصين، خاصة في مجال التكنولوجيا ومنصاتها. إذ يمكن القول إن موضوعات الجغرافيا السياسية لم تعد حكراً على مسؤولي المخاطر والعلاقات الحكومية فحسب، بل أصبحت تتصدر أجندات الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة.
قد تكون تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي هي القصة البارزة خلال العام الماضي، وربما للعقد كله. إذ شهد العام الماضي إطلاق أدوات قوية لهذا النوع من الذكاء الاصطناعي. الآن، نرى هذه الأدوات تنتقل من مرحلة التجربة إلى التطبيق الواسع النطاق في الشركات، مع تزايد استخدامها في مختلف الصناعات. تحاول الشركات استخدام هذه التكنولوجيا استخداماً فعّالاً مع إدارة المخاطر المرتبطة بها. وتدفع هذه التغيرات الرؤساء التنفيذيين لتبنّي نهج قيادي جديد.
القوة المذهلة وراء الذكاء الاصطناعي التوليدي
لوسيا راهيلي: يبدو أن العديد من المؤسسات، كما ذكرت، تطلق أدواتها الخاصة للذكاء الاصطناعي التوليدي لمواجهة بعض المخاطر. ليز، برأيك، كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين التفكير في الذكاء الاصطناعي التوليدي وكيف يمكنهم استغلال إمكانياته استغلالاً فعّالاً والاستفادة منها؟
ليز هيلتون سيغل: لوسيا، لنضع الأمور في نصابها الصحيح، يقدّر معهد ماكنزي العالمي أن قيمة الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تتجاوز 4 تريليونات دولار. لذا، هو موضوع لا يمكن تجاهله ويثير اهتمام الجميع باستمرار.
في استطلاعنا السنوي، سألنا المشاركين إلى أي درجة تُستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي في مؤسساتهم في الوقت الحالي؟ أفاد ثلث الأشخاص بأن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي قيد الاستخدام بالفعل في وظيفة تجارية واحدة على الأقل، في أفاد حوالي نصف المشاركين أن تلك التكنولوجيا تُستخدم في وظيفة واحدة على الأقل بطريقة ما دون تحديد إذا ما كانت الوظيفة تجارية أو لا. لذا يظهر هذا الاستطلاع أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي لا تكتسب أهميتها لأنها مستخدمة بالفعل داخل المؤسسة، ولكنها أيضاً تستحق الاستثمار فيها في المستقبل.
أرى أن الأشخاص يتساءلون حالياً: "ما القيمة الحقيقية التي يمكنني الحصول عليها من هذا النوع من التكنولوجيا؟ وما التغييرات التي ستكون ضرورية؟ وهل يتعلق الأمر فقط بالتكنولوجيا والتحليلات الجديدة؟ وهل يتطلب هذا النوع من التكنولوجيا تغييرات جوهرية في جوانب مؤسستنا كافة؟" في رأينا، يجب أن يكون التركيز على التغييرات الجوهرية الأكثر فعالية في المؤسسة كلها.
لنأخذ مثالاً على ذلك، تعاونا في الخريف الماضي مع بنك آي إن جي (ING)، الذي يخدم أكثر من 30 مليون عميل حول العالم في نحو 40 دولة. وبدأنا ببساطة في هولندا، حيث طورنا نظام دردشة فورية مخصص للعملاء. وفي غضون أقل من شهرين، تم تشغيل النظام بنجاح، ما أدى إلى زيادة بنسبة 20% في عدد العملاء الذين استفادوا من انخفاض وقت الانتظار وتلقوا إجابات أفضل عن أسئلتهم. ثم، تمكّن البنك بعد ذلك من تطبيق النظام في جميع أنحاء العالم.
لوسيا راهيلي: تشير أبحاثنا السابقة إلى أن غالبية التحولات الرقمية، بما في ذلك بعض التحولات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فشلت في تحقيق التأثير المتوقع. بما تفسر هذا الأمر؟ وما الذي يتعين على القادة فعله لتحقيق الهدف منها وتعزيز الأداء؟
هومايون هاتامي: على الرغم من تلك الاستثمارات الضخمة التي تمت، نلاحظ أن الشركات لم تستفد إلا من ثلث الفوائد المتوقعة من التحول الرقمي أو أقل، كما أن الفجوة تتسع بين الشركات الرائدة وتلك المتخلفة، فقد تمكنت الشركات الرائدة من التقدم لأنها طورت قدرات خاصة وصعبة التقليد. يعي هؤلاء القادة جيداً أن الأمر لا يقتصر فقط على التكنولوجيا، بل يشمل أيضاً جانباً مهماً من إدارة التغيير. وهم يدركون تماماً أن الأمر ليس مجرد تقديم ميزة بسيطة من الذكاء الاصطناعي يمكن تناولها بسهولة، بل يتعلق بتبنّي الذكاء الاصطناعي التحويلي الذي سيمنح الأفراد والشركة قدرات متميزة.
يظهر التأثير المضاعف للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية عندما يعيد الرؤساء التنفيذيون إعادة هيكلة أنظمة مؤسساتهم جذرياً. ولكي يقوموا بهذه العملية، عليهم اتباع 6 خطوات رئيسية؛ تبدأ بتبني خريطة طريق رقمية تقودها الاستراتيجيات التجارية، وليس مجرد إضافة تقنيات جديدة، ويهتمون بشدة بتوظيف الأفراد الأكثر موهبة، القادرين على دفع عجلة هذه التحولات. كما يجب عليهم أن يعملوا من البداية على اعتماد نموذج تشغيلي مُصمم للتوسع، مع الأخذ في الاعتبار الحاجة إلى الانتقال السلس من المشاريع التجريبية إلى التطبيقات الشاملة. عليهم أيضاً السعي لجعل التكنولوجيا أكثر سهولة ويسر في الاستخدام، لتسهيل الحياة اليومية للموظفين والزملاء والعملاء. ويضعون تجربة المستخدم في قلب كل تغيير يقومون به، مع التركيز على كل تفاعل يعزز القبول والتوسع في الاستخدام. وأخيراً، ينخرطون في استخدام البيانات استخداماً مكثفاً، ويسعون لدمجها في جوانب العمل جميعها، ويوجهون استثماراتهم وقيادتهم نحو تعزيز التبنّي والتوسع الشامل في الشركة.
يظهر التأثير المضاعف للذكاء الاصطناعي التوليدي والتقنيات الرقمية عندما يعيد الرؤساء التنفيذيون إعادة هيكلة أنظمة مؤسساتهم بشكل جذري. هومايون هاتامي.
نحن في ماكنزي نستثمر في الذكاء الاصطناعي التوليدي لتزويد فريقنا بقدرات فائقة. إذ أطلقنا العام الماضي منصة "ليلي"، التي تمثل حل الذكاء الاصطناعي الخاص بنا، وسرعان ما أصبحت المنصة جزءاً لا يتجزأ من تنفيذنا للمشاريع. وندرب الموظفين على هذه التقنية ونعمل على تغيير طرق عملهم للتكامل على نحو أفضل مع هذه الأداة الجديدة. ومنذ اليوم الأول، صُممت "ليلي" ليتم تبنّيها تبنياً كاملاً وعلى نطاق واسع في أنحاء الشركة كلها.
ارتفاع المخاطر في السياق العالمي
لوسيا راهيلي: لنتحدث في شِق آخر، نحن نشهد حالياً تصاعداً في التوترات الجيوسياسية، وهذا يعرّض الشركات، خاصة العاملة على الصعيد الدولي، لمخاطر كبيرة. إن عام 2024 ليس مهماً فقط بسبب الانتخابات في الولايات المتحدة، حيث أكون أنا وليز، بل هو أيضاً عام انتخابي حاسم عالمياً، إذ يستعد أكثر من 70 دولة للتوجه إلى صناديق الاقتراع خلال العام المقبل. ليز، برأيك كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين وضع استراتيجيات والتعامل بنجاح مع هذه الفترة المتقلبة من الغموض الجيوسياسي؟
ليز هيلتون سيغل: تحتل المخاطر الجيوسياسية في عالم الأعمال مكانة مهمة جداً، خاصة بالنسبة للرؤساء التنفيذيين، وفِرقهم، ومجالس الإدارة. لذلك، نحن ننصح عملاءنا بتعزيز قدراتهم الجيوسياسية، وهذا يعني تحسين الكفاءات اللازمة للتعامل مع هذه المخاطر. وتتضمن القرارات التي ينبغي على الفريق التنفيذي ومجلس الإدارة التفكير فيها موضوعات مثل تنظيم سلسلة التوريد الخاصة بهم وكيفية جعلها أكثر مرونة وقدرة على التكيف.
كما تتبنى الشركة استراتيجيات محكمة في عدة جوانب حيوية لضمان نجاحها واستدامتها. أولاً، تُجري الشركة تقييماً دقيقاً للاستثمارات في الأسواق الجديدة بناءً على تحليل شامل للمخاطر والعائدات المتوقعة، ما يسمح لها باتخاذ قرارات استثمارية مدروسة. ثانياً، تُركز الشركة بقوة على التكنولوجيا، إذ تستثمر في أحدث الابتكارات التكنولوجية لتعزيز بنيتها التحتية وتحسين كفاءتها التشغيلية. أخيراً، تُولي الشركة اهتماماً كبيراً للتغيرات الجيوسياسية عالمياً، وتعمل على تطوير أنظمة وعمليات تضمن لها القدرة على التكيف السريع مع هذه التغيرات. هذه الاستراتيجيات مجتمعة تسهم في بناء منظومة قوية تمكّن الشركة من الاستجابة بفعالية للتحديات المستقبلية.
تعقيدات التغير المناخي
لوسيا راهيلي: هومايون، تحدّثنا العام الماضي عن أن التحول إلى تبنّي الطاقة المستدامة يتطلب تغييرات هائلة في كيفية استثمار الأموال على مستوى العالم، وهو ما يُعد أكبر عملية تحويل للاستثمارات نشهدها في حياتنا. ومنذ ذلك الحوار، لاحظنا أن التكاليف لم تتوقف عن الارتفاع. بالطبع، موضوع التغير المناخي معقد ويختلف تأثيره من مكان لآخر ومن قطاع لآخر. لكن، هل يمكنك أن تشرح لنا كيف يمكن للقادة اتخاذ خطوات استباقية لتسريع الانتقال نحو الوصول إلى مستوى الانبعاثات الصفرية؟
هومايون هاتامي: يعتبر تغير المناخ هو التحدي الأكبر الذي يهدد جيلنا والمشاركين جميعهم في هذا البث ليجعل المعادلة أكثر تعقيداً، خاصة في أوروبا. لقد أظهرت لنا التحديات الأخيرة في مجال الطاقة، بما في ذلك تقلبات السوق وصعوبات تأمين الإمدادات، ضرورة السعي نحو تحقيق 4 أهداف مترابطة وليس تحقيق هدف واحد فقط. نحتاج إلى خفض الانبعاثات، وتحسين تكلفة الطاقة لتكون في متناول الجميع، وضمان أمن الطاقة، وتحقيق كل ذلك مع المحافظة على تنافسية صناعتنا. هذا يعني أنه علينا أن ندير نظامين للطاقة بالتوازي لتحقيق هذه الأهداف.
نحن نواجه تحديين رئيسيين، من جهة، يجب علينا تطوير نظام طاقة جديد وتوسيعه يعتمد على مصادر منخفضة الكربون أو خالية من الكربون. تم التعهد خلال "مؤتمر الأطراف" (COP) بمبادرات طموحة مثل زيادة إنتاج الطاقة المتجددة إلى 3 أضعاف بحلول عام 2030، ومضاعفة معدلات تحسين كفاءة الطاقة، ووضع معايير جديدة لدعم التجارة العالمية للهيدروجين. ومن جهة أخرى، يجب علينا أيضاً تسريع عملية إزالة الكربون من أنظمة الطاقة القائمة، وقد كان هذا جزءاً بارزاً من النقاش في المؤتمر. إذ تشير التقديرات إلى أنه من الممكن تخفيض انبعاثات الميثان من عمليات استخراج النفط والغاز بنسبة 30% دون أي تكلفة إضافية تقريباً. وبكل تأكيد، تتطلب الخطوة المقبلة تحويل هذه التقديرات إلى خطط عمل ملموسة وقابلة للتنفيذ. فضلاً عن أن التمويل سيكون حاسماً ومهماً للغاية لتحقيق هذه الأهداف، إذ سيُمكّن من تنفيذ الاستراتيجيات والمشاريع المطلوبة لهذا التحول الكبير.
فضلاً عن ذلك، نواجه تحدياً كبيراً في تمويل الانتقال نحو نظام طاقة صديقة للبيئة، فهناك فجوة تمويلية تقدر بـ 41 تريليون دولار. ويُعد سد هذه الفجوة أمراً ضرورياً جداً لأننا نمتلك بالفعل التكنولوجيات القادرة على تحقيق استراتيجية خالية من الانبعاثات. ووفقاً لبعض الدراسات، يمكن لهذه التكنولوجيات الموثوقة أن تحقق 90% من التخفيض المطلوب في الانبعاثات. ومع ذلك، تحتاج هذه الجهود إلى دعم مالي كبير وتركيز استراتيجي على تطبيقها تطبيقاً فعّالاً. وفي السياق نفسه، يُعد التكيف مع التغير المناخي جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الشاملة. وحالياً، نرى الدول والشركات تتخذ خطوات عملية لمواجهة التأثيرات المتعلقة بالصحة، والمياه، والغذاء، والطبيعة للتعامل بفعالية مع التحديات البيئية الراهنة.
وللإجابة عن سؤالك حول الإجراءات المطلوبة من القادة، أود أن أشير إلى أن الخطوة الأساسية والأكثر أهمية هي تحديد الخيارات والتضحيات اللازمة واعتبارها غاية مهمة. يجب أن نسعى لخفض الانبعاثات بأسلوب يحافظ على الكفاءة الاقتصادية، مع ضمان توافر الطاقة بأسعار معقولة وبشكل آمن.
تُظهر توقعاتنا أنه بحلول عام 2030، سيكون للتكنولوجيات الصديقة للبيئة دور محوري في توليد الدخل، إذ يمكن أن تصل قيمة الإيرادات السنوية المتحققة من هذه التكنولوجيات إلى ما يصل إلى 12 تريليون دولار. هذا الزخم الاقتصادي يعكس بداية عصر جديد من إعادة توزيع رأس المال، إذ ستُعزز الاستثمارات الموجهة نحو النمو واستغلال الفرص التجارية المتاحة.
التركيز على النمو
لوسيا راهيلي: ليز، لنتحدث عن النمو. ما الذي يمكن أن يفعله القادة اليوم لتحقيق طموحاتهم في التوسع والنمو، وما الاستراتيجيات التي يمكن أن يقومون بها اليوم ليس فقط لتحقيق نمو قوي، بل لضمان استدامة هذا النمو على المدى الطويل؟
ليز هيلتون سيغل: لقد كانت تلك الفترة غير عادية حقاً. لم أشهد مثل الأعوام 2021، و2022، و2023 من قبل. تخيلي أنك مديرة تنفيذية لشركة واجهت أزمة سيبرانية كبيرة بسبب الوضع الجيوسياسي، حيث تعرضت لهجوم سيبراني جعلك تكافحين للحفاظ على موقعك الإلكتروني، الذي يعد لا غنى عنه لتحقق شركتك أرباحاً. بعد ذلك، تعاملتِ مع ارتفاع حاد في أسعار السلع، ثم مع تعطل في سلسلة التوريدات. وبعد كل هذا، فجأة تسألين نفسك وتفكرين وتقولين: "نسيت، يجب أن أعمل أيضاً على تحقيق النمو". لقد كانت فترة معقدة للغاية. عندما نناقش هذه الأمور نظرياً، يصعب فهم الضغط الذي يشعر به شخص يجب عليه التعامل مع هذه التحديات جميعها في وقت واحد.
تظهر الدراسات أنه من بين كل 4 شركات، هناك شركة واحدة فقط تنجح في تحقيق نمو في الإيرادات الكلية يتجاوز المنافسين وتحافظ في الوقت نفسه على نمو الأرباح. وبناءً على ذلك، تم تحديد 6 استراتيجيات لدعم استمرار النمو في الإيرادات مع تحقيق الأرباح بصورة متزايدة.
ما توصلنا إليه هو أنه من بين كل 4 شركات، هناك شركة واحدة فقط تنجح في تحقيق نمو في الإيرادات الكليّة يتجاوز المنافسين وتحافظ في الوقت نفسه على نمو الأرباح. ليز هيلتون سيغل.
من بين الاستراتيجيات المتعددة، أود أن أسلط الضوء على استراتيجيتين بارزتين. تتعلق الأولى بكيفية بناء ثقافة النمو والابتكار داخل شركتك. تظهر البحوث أن الشركات التي تتميز في الابتكار تحقق عادةً زيادة بأربع نقاط في معدل العائد الإجمالي للمساهمين مقارنة بغيرها من الشركات المتميزة. لذلك، فإن غرس ثقافة وعقلية تركزان على النمو والابتكار يعتبر جوهرياً لتعزيز أداء شركتك.
لنأخذ في الاعتبار الجانب الثاني وهو أن 80% من النمو الذي تحققه غالبية الشركات يأتي من أساس أعمالها. لذا، من المهم أن تتساءل: كيف يمكنني تحقيق نمو إضافي من ذلك؟ وكيف أستفيد على نحو فعال من النقاشات السابقة؟ يجب التفكير في كيفية استخدام البيانات، والتحليلات، والذكاء الاصطناعي لدعم هذا النمو. كما يتطلب الأمر التفكير في تحسين استراتيجيات التكنولوجيا داخل المؤسسة. يمكن أن يفتح دمج هذه العناصر معاً أبواباً جديدة للتوسع والنمو. قد لا تكون هذه العملية سهلة، لكن الشركات التي تقدم لها الاهتمام والالتزام الكافيين عادة ما ترى نتائج ملحوظة.
الفارق الذي تصنعه الإدارة الوسطى
لوسيا راهيلي: دعونا نغيّر مسار النقاش قليلاً. عند النظر إلى أجندة الرئيس التنفيذي، ربما لا يكون دور المدراء في المستوى المتوسط من الإدارة أول ما يخطر بالبال. ومع ذلك، تشير أبحاثنا إلى مدى أهمية أن يعطي القادة اهتماماً خاصاً لهذه الشريحة في البيئة الحالية وتأثير هؤلاء المدراء على أداء الشركة.
هومايون هاتامي: إن أفضل الرؤساء التنفيذيين يعملون جاهدين لضمان بقاء أفضل المدراء بالإدارة الوسطى في مناصبهم. ليس هذا فحسب، بل يحرصون أيضاً على مكافأتهم وتعزيز قدراتهم في التوجيه وبناء العلاقات الفعّالة بين فرق عملهم. والهدف من ذلك هو تحقيق الاستفادة القصوى من مهارات هؤلاء المدراء. ولتحقيق ذلك، يمنحون مدراء الإدارة الوسطى الفرصة والوقت اللازمين ليصبحوا مرشدين وقادة بارعين.
على سبيل المثال، من المهم جداً في عالم المبيعات أن يكون لدى مدراء المبيعات الوقت الكافي للتوجيه؛ إذ إنهم موجودون لهذا الغرض بالأساس. فإذا كان تركيزهم مُنصباً على تحقيق الأهداف الفردية بدلاً من الأهداف الجماعية للفريق، فسيتبنون سلوكاً فردياً ولن يوحهوا الفريق توجيهاً فعالاً. والهدف هو تعزيز أداء الفريق كله. ومن ناحية أخرى، يدرك الرؤساء التنفيذيون أهمية جعل المدراء محور التغيير. فمن الضروري التعاون مع المدراء في تصميم التغييرات وتنفيذها. عندما يشارك المدراء في رسم خريطة الطريق ويفهمون الدوافع وراء التغيير، يصبحون أكثر التزاماً وفاعلية. هذه هي الطريقة للحصول على أقصى استفادة من هذه المجموعة الحيوية في أي مؤسسة.
اكتشف مهاراتك الاستثنائية
لوسيا راهيلي: ليز، نتحدث دائماً عما نسميه بـ"القدرات الخارقة"، وهي كلمة تنبض بالإيجابية والقوة. لكن، ما الذي نعنيه بالضبط عندما نستخدم هذا المصطلح في سياق المؤسسات؟
ليز هيلتون سيغل: في عالم الأعمال اليوم، من الضروري لكل شركة أن تعرف ما القدرة الخارقة التي تمتلكها. ما الذي يميز مهاراتها وكفاءاتها عن غيرها بحيث تتمكن من التفوق في ساحة المنافسة؟ كيف يمكن تطوير هذه القدرات أو تغييرها؟ العديد من الصناعات والشركات تواجه تحديات واضطرابات اليوم، سواء كان ذلك بفعل منافسين جُدد يعتمدون على التكنولوجيا الرقمية، أو لأن الأعمال نفسها تتجه أكثر فأكثر نحو الاعتماد على البرمجيات. التغيير يحيط بنا من كل جانب، وعلينا أن نكون مستعدين للتأقلم معه لنضمن استمرار تنافسيتنا.
فإذا لم تكن مؤسستكم واضحة بشأن كيفية تطوير قدرات جديدة للمنافسة بطرق مختلفة، فإن الاحتمالات تشير إلى أنكم ستتخلفون عن الركب. خذوا مثالاً على ذلك مجموعة لويس فيتون (LVMH). تكمن القوة الخارقة لها في التزامها الشديد بالجودة والحرفية في المنتجات التي تقدمها، وهي تُعد من الأفضل في السوق. هذه الخصائص تساعد المجموعة في المحافظة على موقعها الرائد في عالم المنافسة.
في قطاع الأعمال التجارية بين الشركات، تبرز شركة داناهير مثالاً بارزاً. إذ تُعرف هذه الشركة بتطبيقها لـ "نظام داناهير للأعمال"، وهو أساس استراتيجيتها لتوليد القيمة على مر السنين. ويمثل هذا النظام الجوهر الذي تعتمد عليه داناهير للمنافسة بفعالية وإضافة القيمة إلى مساهميها، فهو يعكس كيف تتمكن الشركة من الحفاظ على تميزها والتقدم في مجالها من خلال إدارة استراتيجية محكمة ومدروسة.
والسؤال هنا هل يجب علينا إعادة تقييم قدراتنا وتغييرها؟ هذا السؤال مهم للغاية. في رأيي، ينبغي للفرق التنفيذية أن تكون مستعدة وأن تناقش مع مجالس الإدارة كيفية تكيف هذه القدرات مع الواقع الجديد. لنأخذ مثالاً على ذلك، صناعة الخدمات المالية مثل البنوك وشركات البطاقات الائتمانية، التي باتت تعتمد على نحو متزايد على البرمجيات لتكون أداة رئيسية للتنافس. الطريقة التي يُقدم بها البرنامج للمستهلكين، والتجربة المرافقة له، سواء كانت عبر تفاعل رقمي مع البنك أو استخدام سيارة كهربائية، تؤدي دوراً حاسماً في تحديد قرارات شرائهم.
لذا نساعد الشركات على تطوير مهارات إدارة منتجات البرمجيات، وهي مهارة ضرورية للمنافسة بطريقة جديدة ومبتكرة. فتحديد هذه القدرة الخارقة ليس فقط مهماً، بل أيضاً التخطيط للرحلة التي تنتقل بها الشركة من حالتها الراهنة إلى مستقبل مفعم بالفرص يُعد أمراً حيوياً للغاية كذلك، وهذا يشكل جزءاً مثيراً من العملية.
نظرة على الجانب الإنساني للقادة
لوسيا راهيلي: ليز وهومايون، لقد تحدثتما بطبيعة الحال إلى مئات من الرؤساء التنفيذيين خلال العام. ما الصفات التي ترونها مهمة ليكون الشخص قائداً ناجحاً، خصوصاً في بيئة مليئة بالتحديات مثل التي نواجهها اليوم؟ هومايون، دعنا نبدأ بك.
هومايون هاتامي: عادةً ما يربط الناس بين دور الرئيس التنفيذي ومسؤوليات محددة مثل وضع رؤية واضحة للشركة وتطويرها، والتعامل مع مجلس الإدارة والإشراف عليه، والظهور الفعال والتواصل مع أصحاب المصلحة بالشركة، والإجابة عن الأسئلة الصعبة، والسعي الدؤوب لتحقيق أهداف الشركة. بالطبع، تلك هي الصفات والسلوكيات الأساسية التي يتوقعها الجميع من الرئيس التنفيذي.
إلا أن هناك جانباً غير مرئي من سلوكيات القيادة يؤدي دوراً حاسماً في نجاح القادة، وهو تطوير "العادات الصغيرة" التي تساعد على الحفاظ على الهدوء والطاقة. تشمل هذه العادات تقنين السفر، وتحديد مدة الاجتماعات، وعدم التحقق من البريد الإلكتروني بعد الساعة الثامنة مساءً، واختيار استخدام الهاتف بدلاً من البريد الإلكتروني للتواصل. كما قد يفضل القائد الخروج في جولة مشي بدلاً من عقد اجتماعات ثنائية. إذاً فالطريقة المثلى والأكثر فعالية للقائد لرعاية فريقه، والاهتمام بعملائه، وبأصحاب المصلحة تبدأ بالاهتمام بنفسه أولاً.
أفضل طريقة بوصفك قائداً، وربما الطريقة الوحيدة لضمان تحقيق رعاية فعّالة لفرقك وعملائك وأصحاب المصلحة جميعهم هي أن تبدأ بالعناية بنفسك. فالاهتمام بصحتك الجسدية و صحتك النفسية يجعلك أكثر قدرة على دعم الآخرين وتحفيزهم بطريقة مستدامة وفعالة. هومايون هاتامي.
ليز هيلتون سيجل: مؤخراً، كانت لي فرصة مثيرة لمقابلة الرئيس التنفيذي لشركة أمازون العملاقة، أندي جاسي. خلال المقابلة، تناولنا موضوع القيادة في شركة عملاقة مثل أمازون، التي تصل إيراداتها إلى مستويات تقارب الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل السويد أو تايلاند، وعدد الموظفين يكافئ سكان مدن كبيرة مثل فيلادلفيا أو دالاس. طرحت عليه سؤالاً عن الصفات التي يبحث عنها في القادة، فأكد أهمية قيادة الأشخاص كعنصر أساسي، لكنه أضاف أيضاً أهمية التعلم المستمر. وقد شدد على أن التطور والابتكار في الفكر والعمل هما مفتاح القيادة الناجحة، وهذا يعكس بالضبط ما ناقشناه اليوم حول الحاجة إلى ذهن متفتح يتطلع دائماً لاكتساب المعرفة والقدرات الجديدة.
روبرتا فوسارو: سنناقش لاحقاً مفهوم "الضغوط الصغيرة". سنستكشف ماهيتها والطرق المُثلى لمواجهتها، بصحبة الخبير والكاتب روب كروس.
روب كروس: إن الضغوط الصغيرة ليست كالضغوط التقليدية التي نعتادها، تلك التي تظهر في صورة تحديات كبيرة أو علاقات متوترة. بل في الحقيقة، هذه الضغوط الدقيقة قد تنبع من الأشخاص الأقرب إلى قلوبنا، الذين نحبهم ونعتز بهم. ومن هنا، تأتي خطورة هذه الضغوط، فهي تؤثر علينا تأثيراً أعمق بكثير مما قد نتوقع، بسبب مصدرها المحبب والمألوف لنا.
والتحدي الأبرز الذي شهدنا فيه تحولاً مؤخراً، ولا سيما في ظل تأثيرات جائحة كوفيد-19، هو أن حجم التعاون المطلوب في كل جانب من جوانب حياتنا ازداد كثيراً. في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا نواجه 20 أو 25 أو 30 من هذه الضغوط الصغيرة أو المواقف المحملة بالتوتر في يوم واحد. على الرغم من اعتيادنا مقاومة هذه الضغوط ومحاولة التغلب عليها، فإنها تترك أثرها على أجسادنا التي تمتص هذه الضغوط، ما يؤدي إلى تأثيرات قد تكون طويلة المدى على صحتينا النفسية والجسدية.
يمكن للضغط أن يؤثر مباشرة على الأيض؛ أي كيفية تحويل أجسامنا للطعام إلى طاقة. تُظهر دراسة بحثية مهمة أن الضغط يمكن أن يغيّر من طريقة أيض الجسم للوجبات؛ على سبيل المثال، تحت تأثير الضغط، يمكن أن تحتسب الوجبة نفسها بزيادة تتجاوز 200 سعرة حرارية مقارنةً بالحالة الطبيعية.
كثيراً ما نتحدث عن ارتفاع معدلات الإرهاق ومدى التعب الذي يشعر به الناس أليس كذلك؟ ولكن على الجانب الآخر، لم نكن يوماً ما نمتلك هذه القدرة الكبيرة على تحديد ملامح عملنا واختيار الأشخاص الذين نتشارك معهم هذا العمل كما نمتلكها اليوم. ومع ذلك، نجد أنفسنا نتخلى عن هذه الصلاحيات بسرعة. لذا هناك 5 أنواع من التفاعلات التي تميل إلى استهلاك طاقتنا بشدة.
دعوني ألقي الضوء على موضوع الأخطاء الصغيرة التي يرتكبها الزملاء في الفريق. لا أعني هنا الأفراد الذين يتجاهلون بوضوح مسؤولياتهم، بل أشير إلى تلك الزلات البسيطة التي يمكن أن تصدر عن الأعضاء الأكثر تفانياً ونشاطاً. في عصرنا الحالي، قد ينتمي الأشخاص إلى فريق رئيسي واحد، ولكن في الوقت نفسه، يُطلب منهم الإسهام في 5 أو 6، أو حتى 7 مشروعات إضافية. هذه الأعباء المتعددة تعرضهم للإرهاق والتشتت، صحيح؟
لنفترض أنك تدير مشروعاً ولديك 4 أشخاص في فريقك. يكمل كل فرد منهم 95% من مهامه فقط تحت الضغط، وقد يبدو كل على حدة كأنه أخطاء طفيفة. ومع ذلك، إذا جمعنا النسبة المئوية للعمل غير المكتمل من كل فرد (5% لكل واحد)، يصبح التأثير الكلي عليك باعتبارك مديراً للمشروع 20%، أليس كذلك؟
من الضروري تطبيق آليات تضمن الالتزام والمسؤولية داخل الفِرق. ليس من اللازم أن تتواصل تواصلاً فردياً مع كل عضو في الفريق. يمكنك ببساطة تعزيز الوضوح والمساءلة من خلال إجراءات مثل إعادة توضيح التوقعات، والتأكد من أن الأعضاء جميعهم يدركون بوضوح التزاماتهم. كما أنه من المهم أن يقدم الأفراد ملخصاً سريعاً في الاجتماعات يوضح مدى تقدمهم مقارنة بالخطط الموضوعة. الهدف من هذه الإجراءات هو منع التدهور التدريجي في مستوى الالتزام، ما يساعد الفريق على البقاء متماسكاً ومتوجهاً نحو تحقيق أهدافه بفعالية.
وفي سياق آخر، تميل النساء إلى تحمل المزيد من المهام التعاونية مقارنةً بالرجال مع مرور الوقت. هذا الوضع يؤدي إلى زيادة الضغوط الصغيرة المتراكمة التي تواجهنها.
أما عن الأشخاص الأكثر سعادة، فهم غالباً ما ينخرطون في عدة مجموعات خارج نطاق عملهم، حيث يجدون الصدق والانتماء الحقيقين. لذلك لتوسيع دائرتك الاجتماعية، يمكنك اتباع إحدى هاتين الطريقتين: أولاً، أعِد اكتشاف شغف قديم ودعه يكون المحفز لانضمامك إلى مجموعة جديدة تشاركك هذا الاهتمام. ثانياً، حاول إعادة الاتصال بالأصدقاء القُدامى من الجامعة أو غيرهم من الأصدقاء الذين تقلصت علاقتك بهم، وابحث عن سُبل لإعادة إحياء تلك الصداقات.
الدرس الأكبر الذي استفدته من هذه الأعمال هو أن بعض الأشخاص الذين مروا بتغيرات جذرية في حياتهم كانوا يقفون أمام هذه التحديات بنية واضحة، ويقولون: "سأتقن العمل أولاً. وعندما أنجز ذلك، سأعود لأكوّن نفسي مجدداً، ثم سأعيد الاستثمار في الأمور التي تُحافظ على إنسانيتي وتماسكي.
لكنهم لم يفعلوا ذلك، فمع مرور الأيام، نجد أن بعض الأشخاص يتحولون إلى نسخ أضيق من أنفسهم، حيث يصبحون أكثر تقييداً وتضييقاً في طريقة تفكيرهم وأفعالهم. على الجانب الآخر، هناك أشخاص يتبنون التغييرات بصدر رحب، فيقول أحدهم: "أسعى لأداء واجباتي بكفاءة وفعالية، وفي الوقت نفسه أولي اهتماماً كبيراً لدعم المجتمع وتعزيزه من حولي".
الأشخاص الذين يتميزون في أداء مهامهم يكتشفون مصادر جديدة للسعادة في حياتهم. يتفاعلون مع اللحظات الصغيرة بطرق ملهمة، ما يمنحهم تجارب غنية مع الآخرين. هذه اللحظات الصغيرة تكون عادةً جزءاً من الحل وأحياناً جزءاً من التحدي، ولكن النجاح يكمن في قدرتهم على استخدامها استخداماً إيجابياً وابتكارياً.