أولويات الآباء والأمهات العاملين في توزيع وقتهم بشكل استراتيجي

7 دقائق
أولويات الآباء والأمهات العاملين

ملخص: في ظل تعدُّد الواجبات والمهمات المطلوب إنجازها في المنزل وفي العمل، تختلف أولويات الآباء والأمهات العاملين، لذلك يجب على الآباء والأمهات العاملين ترتيب أولويات مسؤولياتهم بشكل استراتيجي، بحيث يخصّصون وقتهم للأشياء المهمة. يجب أن يسألوا أنفسهم: ما الذي يتعين عليّ فعله بصفة شخصية من منطلق مسؤولياتي كأب أو أم؟ ما الذي يضيف أكبر قيمة ممكنة لحياة أطفالي؟ وما الذي يمكن أن أطلب من الآخرين فعله؟ تختلف إجابات هذه الأسئلة من والد لآخر. ولكن يمكن بشكل عام تقسيم واجبات العملية التربوية إلى 4 أنواع مختلفة من العمل. أولاً: الرعاية التربوية، أي التواصل مع أطفالك على المستويين الفكري والعاطفي. ثانياً: صناعة القرار، أي اتخاذ القرارات التي تضمن مصلحة أطفالك وحلّ المشكلات والمفاضلة بين الخيارات المتاحة في حياتهم اليومية. ثالثاً: الخدمات اللوجستية، أي كل ما يتعلق بانتقالات الأطفال ومطالبتهم بأداء واجباتهم المنزلية ومتابعة القرارات المتخذة وتنظيم أنشطتهم اليومية. رابعاً، وأخيراً، الدعم المنزلي، أي جميع المهمات المطلوبة لتدبير الشؤون المنزلية، مثل طهي الطعام والتنظيف وغسل الملابس وغيرها من الواجبات المنزلية. وقد يكون لإعطاء الأولوية للرعاية التربوية وصناعة القرار أكبر أثر إيجابي على الأطفال، في حين يمكن تكليف أشخاص آخرين بأداء المهمات الأخرى، شريطة أن يكونوا متوافقين مع أسلوبك التربوي.

 

كثيراً ما نتحدث عن "تحقيق التوازن" بين العمل وتربية الأطفال، ونفترض أن الحل يكمن في مزيج من تقديم التنازلات بين هذا وذاك وأداء مهمات متعددة في وقت واحد واختيار صاحب عمل يتفهم أوضاعنا. ولكن هناك حدود للتنازلات التي يمكن تقديمها وأداء المهمات المتعددة في وقت واحد سيصيبنا بالإرهاق لا محالة. ولا نمتلك جميعاً رفاهية أو فرصة اختيار صاحب عمل يتفهم أوضاعنا ويمنحنا المرونة الكافية. حتى لو نجحنا في العثور على شخص كهذا، فقد تكون أضرار هذا الخيار أكثر من نفعه بسبب إلحاح مطالب العمل المتجددة باستمرار أو إمكانية ضياع فرص الحصول على الترقيات وتهميش دورنا وعدم قدرتنا على المطالبة بزيادة الأجر.

وثمة طريقة بديلة تتمثل في التفكير في تربية الأطفال بشكل أكثر استراتيجية ومراعاة الدقة والصرامة في ترتيب أولويات المطالب المتزاحمة: ما الذي يتعين عليّ فعله بصفة شخصية من منطلق مسؤولياتي كأب أو أم؟ ما الذي يضيف أكبر قيمة ممكنة لحياة أطفالي، وكيف سيساعدهم على أن يكبروا ويصيروا أشخاصاً سعداء في حياتهم ومستعدين جيداً لمجابهة غمار الحياة؟ وما الذي يمكن أن أطلب من الآخرين فعله دون التأثير على أطفالي كثيراً، إذا لم أتدخل لفعله بنفسي؟

تختلف إجابات هذه الأسئلة من والد لآخر. ولكن يمكن بشكل عام تقسيم واجبات العملية التربوية إلى 4 أنواع مختلفة من العمل، استناداً إلى مدى استراتيجية العمل وإلى أي مدى يتطلب التدخل المباشر من قِبَل الوالدين:

  1. الرعاية التربوية: التواصل مع أطفالك على المستويين الفكري والعاطفي.
  2. صناعة القرار: اتخاذ القرارات التي تضمن مصلحة أطفالك وحلّ المشكلات والمفاضلة بين الخيارات المتاحة في حياتهم اليومية.
  3. الخدمات اللوجستية: كل ما يتعلق بانتقالات الأطفال ومطالبتهم بأداء واجباتهم المنزلية ومتابعة القرارات المتخذة وتنظيم أنشطتهم اليومية.
  4. الدعم المنزلي: جميع المهمات المطلوبة لتدبير الشؤون المنزلية، مثل طهي الطعام والتنظيف وغسل الملابس وغيرها من الواجبات المنزلية.

ويشير معظم الدراسات والمبادئ التربوية الفاعلة إلى أن النوعين الأخيرين يحتاجان إلى أقل قدر ممكن من تدخل الوالدين، ولا بأس بإسنادهما إلى الأصدقاء أو المربيات أو أي طرف آخر يقدم الدعم دون شعور أي من الوالدين بالذنب. ويمكن إعطاء الأولوية للرعاية التربوية وصناعة القرار لتحقيق أكبر أثر إيجابي على الأطفال، على الرغم من أنهما يتطلبان قدراً أقل بكثير من الوقت الذي يُقدَّر بنحو 6 ساعات في الأسبوع. لكن تخصيص قدر كبير من الوقت لتقديم الخدمات اللوجستية والأعمال المنزلية قد يستنزف وقت الوالدين وطاقتهما اللازمين للتركيز على الجوانب الأكثر استراتيجية في العملية التربوية ويعيقهما كذلك عن إحراز التقدم في مسيرتهما المهنية.

ويمكنك تغيير أولوياتك وإعادة ترتيبها، حتى تشعر بالثقة في أن الوقت الذي تقضيه في المنزل يُحدث فارقاً ملموساً. وإليك الطريقة:

الرعاية التربوية

أجمعت الدراسات حول الطرق التربوية الرشيدة والفاعلة على أهمية عددٍ من المفاهيم، مثل إظهار الحب والتواصل والدعم وتعليم القيم ووضع الحدود. وفي حين أن المفردات قد تختلف من خبير تربوي لآخر أو من دراسة لأخرى، فيمكن تسمية هذه المفاهيم مجتمعة باسم "الرعاية التربوية". وتوجب الرعاية التربوية على الآباء والأمهات أن يمتلكوا مخزوناً مناسباً من الطاقة العاطفية ويخصصوا ما يكفي من الوقت للتواصل مع أطفالهم، ووفقاً لدراسات عديدة، فإن التواصل مع الأطفال يجب أن يحتل المرتبة الأولى على قائمة أولويات الوالدين.

ولضمان إعطاء الأولوية للرعاية التربوية، حاول تخصيص نصف ساعة على الأقل من الوقت المركّز والهادئ كل يوم لتقضيه مع أطفالك دون جدول أعمال محدد. يمكنك تخصيص هذه الدقائق في أثناء تناول الإفطار أو قبل العشاء أو بعده، واحرص على تخصيص بعض وقت الفراغ بشكل منتظم قدر الإمكان. ومن الصعب تقديم الرعاية التربوية إذا كان أحد الوالدين منهمكاً في أداء مهمات متعددة أو إذا كان مشغولاً بالواجبات والأعمال المنزلية، لذا أعد تنظيم جدول مواعيدك لتفريغ نفسك خلال هذه الدقائق الثلاثين والتركيز على أطفالك فقط خلالها. وتزداد أهمية الرعاية التربوية مع تقدم الأطفال في السن، لذا إذا كان لديك أطفال أكبر سناً، فاحرص على اختيار وقت تقضيه معهم بعد أن يخلد الصغار إلى فراشهم.

اطرح عليهم خلال هذا الوقت الذي تقضونه معاً أسئلة مفتوحة. واحرص على إبداء حب الاستطلاع والاهتمام. واطرح عليهم أسئلة، مثل: كيف كان يومك؟ ماذا جرى خلال الفعالية الرياضية التي تم تنظيمها اليوم؟ هل يمكنني مساعدتك بأي شيء؟ ما رأيك في المعلم الجديد؟ واحرص على إظهار المودة، فعبارات المديح أو العناق أو الكلمات الدالة على الدعم والمساندة يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً. حتى المراهقون يقدرونها في اللحظات الأكثر هدوءاً (على الرغم من أنهم لا يُظهرون ذلك في أغلب الأحيان).

صناعة القرار

قد تخلق صناعة القرار مسؤوليات ثقيلة الأعباء. حيث تستلزم بعض القرارات البحث في موضوعات غير معروفة سابقاً، مثل المشكلات الطبية أو خيارات تمويل التعليم الجامعي، بل إن بعضها ينطوي على ضرورة إجراء تنازلات صعبة ذات عواقب يَصعُب التنبؤ بها. ما هي التخصصات التي يجب تشجيع أطفالي على دراستها والأنشطة التي يجب تشجيعهم على ممارستها؟ وإذا وقعت حادثة بالمدرسة، فما هي أفضل طريقة للتعامل معها؟ وهل يجب أن أستعين بمدرّس خصوصي لمساعدة طفلي؟ وما هو الوقت المناسب لتمكين طفلي من قضاء بعض الوقت بشكل مستقل بصحبة أصدقائه خارج المنزل؟

وقد يختلف المستوى المطلوب من تدخل الوالدين، اعتماداً على طبيعة قراراتك. فعندما يتعلق الأمر بالرعاية التربوية أو المشكلات الطبية، فمن البديهي أن يتدخل الوالدان بقدر أكبر. ولكن في حالات أخرى، مثل اختيار الأنشطة المدرسية التي يشارك فيها الأطفال أو ما إذا كان بإمكانهم المبيت عند أحد أصدقائهم، فيمكنك تفويض الغير بحسم قرار كهذا. حدّد شخصاً بالغاً آخر، كزوجتك أو صديق تثق فيه أو شخص من أفراد الأسرة، بحيث يكون متاحاً لاستشارته عبر منصة "زووم" (شخص على اطلاع "بأسلوبك التربوي") للمساعدة على اتخاذ القرارات الأقل أهمية. وبالإضافة إلى المساعدة التي يقدمها هذا الشخص للأب أو الأم، فقد توصّلت الدراسات إلى أن إشراك شخص بالغ آخر في المنظومة التربوية مفيد أيضاً للرفاهة العاطفية للأطفال، خاصة عندما يصلون إلى سن المراهقة. احرص على مراجعة هؤلاء الأشخاص بانتظام للتأكد من توافقكما معاً على رؤية محدّدة. ومع تقدم أطفالك في العمر، احرص على منحهم مسؤولية أكبر تجاه هذه القرارات أيضاً.

وبالإضافة إلى ذلك، علّم أطفالك مهارات حل المشكلات: كيفية الحفاظ على هدوئهم وتقييم كافة الخيارات المتاحة ودراسة مختلف العواقب المحتملة. سيساعدهم ذلك على اتخاذ قرارات واثقة تتناسب مع أعمارهم، دون تدخلك شخصياً في كلٍّ منها. على سبيل المثال، يمكن لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات التحقق من حالة الطقس وتحديد ما إذا كان من الجيد ارتداء معطف ثقيل عند ذهابه إلى المدرسة دون الحاجة إلى تدخلك لاتخاذ القرار المناسب له.

الخدمات اللوجستية

تشمل الخدمات اللوجستية كل المهمات المتعلقة بالتخطيط والتنقلات وتنظيم مواعيد توصيل أطفالك إلى المدرسة وحضور الأنشطة والمناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى التزاماتك الخاصة كشخص بالغ عامل. كما يتضمن الكثير من الجوانب التشغيلية التي تصاحب صناعة القرار. فإذا انضم طفلك إلى فريق السباحة، مثلاً، فيجب على أحدهم شراء المستلزمات الضرورية وإدارة جدول المواعيد ودفع الفواتير ونقل الأطفال ذهاباً وإياباً.

ومن المُسلَّم به عموماً أن إثقال كاهل الأطفال بالأنشطة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، بينما يؤدي التدخل لتنظيم كل تلك الأنشطة الإضافية إلى زيادة الأعباء الواقعة على الوالدين. وللتغلُّب على هذه المشكلة، رتّب أولويات الأنشطة الأكثر أهمية وإمتاعاً لأطفالك، ولا تقلق بشأن التخلي عن باقي الأنشطة. وبالإضافة إلى ذلك، احصل على أكبر قدر ممكن من الدعم في تنفيذ الخدمات اللوجستية، وذلك من خلال الاستعانة بأفراد الأسرة والأصدقاء وتبادل التوصيل بالسيارة الخاصة والاستعانة بخدمات التوصيل بالحافلات. وفي أثناء اتخاذك لهذه الترتيبات، حدّد أولويات هذه الجوانب من الخدمات اللوجستية التي يمكن أن تسهم في تقديم الرعاية التربوية. على سبيل المثال، يجد العديد من الآباء أنه إذا كان أحد الأنشطة المدرسية يقتضي توصيل أطفالهم لمسافة طويلة بما فيه الكفاية، فقد يكون من الجيد أن يوصلوهم بأنفسهم، حتى تتسنى لهم الفرصة للتحدث مع أطفالهم حول مجريات حياتهم وما يدور فيها من أحداث. ولكن قد يكون قطع مسافة بالسيارة لمدة لا تتجاوز 10 دقائق بين دروس الرسم ومباراة كرة القدم أمراً يمكنك تفويضه إلى صديق، خاصة إذا كان طفله يشارك أيضاً في هذه الأنشطة.

الدعم المنزلي

هذا هو أقل الجوانب أهمية من الناحية الاستراتيجية في العملية التربوية، ولكنه قد يستغرق وقتاً طويلاً بشكل لا يصدق. فقد قدَّرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً أن الآباء والأمهات يقضون 6.5 ساعات يومياً في أداء الأعمال المنزلية. ومن الأهمية بمكان أن تقلّل الجوانب التي لا تحقق قيمة مضافة في العملية التربوية من أجل توفير الجهد والوقت للرعاية التربوية، أو أن تحوّل بعض هذا الجهد إلى شيء يمكن مشاركته مع الأطفال. فالأطفال الذين يؤدون الأعمال المنزلية يتعلمون تحمّل المسؤولية ويتمتعون عموماً بقدرٍ أكبر من النجاح في الحياة.

حاول أن تتخلّص من هذه الأعباء قدر الإمكان. ويمكن تعهيد هذه المسؤوليات إلى أطراف خارجية من خلال الحصول على المساعدة من أفراد الأسرة الممتدة والأصدقاء أو الاستعانة بمساعدين متخصصين. بالإضافة إلى ذلك، حدّد الأعمال التي لا يحتاج أداؤها إلى إبداء الكثير من العناية أو الأعمال التي لا تتكرّر كثيراً. ويجب أن تقاوم في هذه الجزئية فكرة الخوف من إصدار أحكام مسبقة عليك. فهناك الكثير من الضغوط الاجتماعية للحفاظ على "نظافة" المنزل من أجل الشعور بالنجاح كأم على وجه الخصوص، لكن الأطفال لن يعانوا صدمة كبيرة إذا وجدوا الأطباق متسخة ومتروكة في حوض الغسيل طوال الليل.

حوّلي الأعمال المنزلية إلى شيء يفعله الجميع معاً وتحدي تفكيرك في قدرات أطفالك. واحرصي على إنشاء بيئة منضبطة تطلبين فيها من الأطفال تحمل مسؤولية الأعمال المنزلية وفقاً لجدول زمني محدد. وكما تقول إحدى صديقاتي لأطفالها، فإن "أداء الأعمال المنزلية لا يعني أن تنظفوا قاذوراتكم فقط، بل أن تؤدوا المهمات الأسرية". ويمكن للطفل الصغير أن يضع طعاماً للحيوانات الأليفة يومياً. ويمكن للأطفال قبل سن المراهقة وضع مناشف جميع أفراد الأسرة في غسالة الملابس مرة كل أسبوع. ويمكن للأطفال في سن المراهقة الذهاب بانتظام إلى المتجر لشراء الحليب والضروريات الأخرى.

ولكي يفسح الآباء والأمهات مساحة للأشياء المهمة، يجب عليهم ترتيب أولوياتهم بدقة، حتى يتمكنوا من تخصيص وقتهم وانتباههم للجوانب ذات الأهمية الحقيقية. فمن الصعب إشراك الطفل في محادثة هادئة حول يوم سيئ في المدرسة أو التركيز على عرض تقديمي مهم في العمل عندما يكون أحد الوالدين متعباً من الطهي والأعمال المنزلية. وبقدر ما نحب فكرة الوجبات المطبوخة في المنزل ونظافة منازلنا، فإن تناول البيتزا الجاهزة في إحدى الأمسيات والسماح ببعض الفوضى في غرفة المعيشة يمكن أن يخلق بيئة أفضل لعملية تربوية رشيدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي