ماذا تعرف عن حقيقة التوظيف في أوبر تحديداً؟ كتبت سوزان فولر في مدونتها مؤخراً، وهي مهندسة سابقة مسؤولة عن موثوقية الموقع الإلكتروني لدى شركة "أوبر"، عما أسمته "سنة غريبة جداً جداً لي في أوبر" تحدثت فيها عن الثقافة المنتشرة بالشركة التي تخص بعض السلوكيات غير الأخلاقية. تضمنت رسالتها الحديث عن ممارسات إدارية مزعجة بل ربما غير قانونية كانت قد تعرضت لها، مثل إخبار رئيسها لها بأنه قد يتم طردها بسبب الإبلاغ عن تلك السلوكيات. وكان لافتاً للنظر ما وصفت به فولر قسم الموارد البشرية في "أوبر"، الذي أخبرها أنه لا يشعر بالارتياح تجاه معاقبة هذا المدير بسبب تلك الحادثة لأنه كان مديراً فائق الأداء.
ثقافة التوظيف في أوبر
باستجابة تستحق الثناء، بادر ترافيس كالانيك المدير التنفيذي في "أوبر" بإجراء تحقيق حول الأمر بمشاركة أعضاء بارزين في مجلس الإدارة وبالتعاون مع رئيس قسم الموارد البشرية. لكن السؤال المطروح هنا: هل يجب على الموظفين والمستثمرين وبقية العاملين تقبل ثقافات مؤذية ضمن بيئة العمل في المؤسسات سريعة النمو إلى أن تحدث الكارثة؟ هل هذه الآلام المتنامية أمر مقبول؟ الإجابة بكلمة واحدة هي: لا. يتوقع الموظفون وبقية العاملين في المؤسسة من المسؤولين في قسم الموارد البشرية محاسبة القادة على الأمانة المهنية والمخاطر الاستراتيجية تماماً كما يُتوقع من المدير المالي محاسبة القادة على أسلوبهم الخطر في استخدام أموال المؤسسة أو مواردها. ومع ذلك، غالباً ما يكون القادة في الشركات الناشئة أقل ذكاء عندما يتعلق الأمر برأس المال البشري، إلى أن يفوت الأوان.
قدمت مقالة حديثة على موقع "ريكود" (Recode)، رأياً مثيراً للاهتمام حول التطور الحادث في إدارة الموارد البشرية في شركة "أوبر". تشير المقالة إلى أن كالانيك، المدير التنفيذي، كان يرى بداية أن وظيفة قسم الموارد البشرية تنحصر في توظيف أشخاص أكفاء لدعم النمو السريع للشركة. في بدايات عام 2016 كان هناك نحو 20 شريك أعمال يعملون في قسم الموارد البشرية ويتولون الإشراف على حوالي 6 آلاف موظف. ولكن مع مغادرة عدد من قادة الموارد البشرية رفيعي المستوى في أواخر العام ذاته، تولى رايان غريفز مدير العمليات قيادة مهمات قسم الموارد البشرية لحد كبير إضافة إلى مسؤولياته الأخرى. كل هذا يدل على أن القادة في "أوبر" أعطوا الأولوية مباشرة للخدمات المفيدة إضافة إلى التوظيف، مثل أنظمة الامتثال القانوني والتدقيق والتطوير القيادي.
لا يعتبر هذا النموذج غريباً في المؤسسات الناشئة "أحادية القرن" (يونيكورن)، وهو ما وصفه لي أعضاء مجلس الإدارة وقادة الموارد البشرية ورؤساء تنفيذيون آخرون. في المؤسسات سريعة النمو، يُخصص قسم الموارد البشرية لتقديم "خدمات" ملموسة للفريق القيادي، وهي التوظيف بالدرجة الأولى. إن توظيف أشخاص أكفاء ونجوم أداء هو أمر جوهري بالطبع، لكنه سهل بالنسبة لمؤسسة موارد بشرية التركيز على تأمين هذه الخدمات في ظل جهودها لخدمة القادة حتى يكونوا شركاء استراتيجيين.
عندما تتحول الموارد البشرية إلى مجرد سباق للمواهب، سيفقد مجلس الإدارة والرؤساء التنفيذيون قيمة إدارة الموظفين والقادة الجدد الذين يواجهون مطالب متزايدة، وهي القيمة الأقل وضوحاً ربما لكنها لا تقل في الأهمية. ينظر القادة في الغالب إلى مثل هذه الاستثمارات على أنها تدريب مكلف على أمور يبدو أنها منطقية أو على قضايا يمكن تأجيلها.
لكن التركيز على عنصر واحد من القيم التي يمكن أن يقدمها قسم الموارد البشرية قد يتسبب في استمرار الأزمة. إذا تم التسامح والتغاضي عن سلوكيات إدارية خطرة في حين تركز الموارد البشرية على جانب التوظيف فقط، فسينظر إلى هذه السلوكيات فيما بعد على أنها أمر مقبول. في المقابل، إذا وضعت الضوابط والتوازنات في مرحلة مبكرة، يمكن حينها رؤية أهميتها الجوهرية بالنسبة لنمو المؤسسة وقيمتها. بذلك، لن يكون إجراء تحقيقات كبيرة أمراً ضرورياً أبداً لأن كلمة واحدة من الموارد البشرية ستكون كافية لوأد الأمور في مهدها.
يجب أن يُطلب إلى القادة والمدراء في الشركات الناشئة (وكل الشركات في الحقيقة) معالجة خطورة حالات عدم امتثال الموظفين لقواعد السلوك، تماماً كما هو مطلوب منهم معالجة مخاطر حالات عدم الامتثال القانوني المالي. وكما لاحظنا الحال أنا وبيت رامستاد في شركة استشارات الموارد البشرية "بيوند آتش آر" (Beyond HR)، فإن القادة غالباً ما يمتلكون أطراً أكثر تطوراً حول القيمة التي تقدمها وظيفة القسم المالي من تلك التي يقدمها قسم الموارد البشرية. غضت "أوبر" الطرف بوضوح عن مسألة السلوكيات غير الأخلاقية، ولو كان الأمر يتعلق بالشؤون المالية لما تم التغاضي عنه. عادة ما تخصص الشركات في مراحل نموها المبكر لجنة للمراقبة المالية، على الرغم من أن الرقابة المالية قد تكون مملة أكثر. لكن عندما يتعلق الأمر بالموارد البشرية والتوظيف، يتغاضى الرؤساء التنفيذيون وأعضاء مجلس الإدارة وغيرهم عن المهمات الأساسية، إذ يلفتهم بعض الأمور البراقة الأخرى مثل الثقافة الرفيعة أو الهولاكراسي (وهي طريقة إدارة لامركزية تتوزع فيها الصلاحيات ومسؤولية صنع القرار بشكل غير هرمي)، وقائمة أفضل مواقع العمل أو مكان العمل اللطيف. يشبه هذا إنشاء شركة مالية لتتولى تقييم المخاطر الخارجية قبل أن تصدر التقارير المالية والامتثال للقوانين. إن إنشاء قسم الموارد البشرية بهدف إنجاز خدمات التوظيف فقط يشبه إنشاء شركة مالية من أجل أن تقدم فقط خدمة تقارير للمستثمرين. لن يقبل أي مجلس إدارة أن تكون وظيفة قسم المالية التركيز حصرياً على تقارير المستثمرين أو التحوط من المخاطر، لكن هكذا نمط من الأخطاء وارد جداً عندما يتعلق الأمر بالموارد البشرية.
من المهم جداً في كل مرحلة من مراحل نمو المؤسسة، وفي كل الأقسام، موازنة القيم المقدمة الثلاث وهي المراقبة والامتثال للقوانين والخدمات ودعم القرار، كما أنه من المهم تجنب الانجذاب المستمر للمبالغة في التركيز على جانب أو جانبين فقط، فلكل منها دوره. وكما لاحظ العديد من قادة الموارد البشرية، أنه لو كانت بيانات الرواتب خاطئة، فلن يهتم أي أحد بموضوع الشراكة الاستراتيجية. في حالة "أوبر" يمكننا القول إنه لو تم التحقيق مع موظف بقضية سلوك غير أخلاقي، فقليلون قد يهتمون فيما لو كان هذا الشخص يعتني بالمشاكل الناجمة عن الزعزعة الثقافية أو كان ينمّي فريقه سريعاً.
إضافة إلى تخفيف المخاطر، قد يعود اتباع نهج استراتيجي نحو التنوع والاندماج بنتائج ملموسة. يشير بحث أجرته شركة "آي فور سي بي" (i4cp)، وهي شركة متخصصة في بحوث وبيانات رأس المال البشري إلى أنه في المؤسسات عالية الأداء ينظر القادة غالباً للتنوع والاندماج على نحو استراتيجي، بوصفه يدعم ثقافة المؤسسة وابتكاراتها.
لم تعد "أوبر" اليوم مجرد شركة ناشئة، بتعداد موظفيها البالغ 11 ألف شريك، وذلك باستثناء السائقين، وبقيمة سوقية للاكتتاب قدرت عام 2017 بين 28 – 70 مليار دولار.
إن هذا الحجم من الموظفين والموارد المالية كافٍ ليبرر لمؤسسة موارد بشرية ناضجة ومدعومة توفير الضوابط والتوازنات التي تضبط أي سلوك سيئ. وكما أشار زميلي إيان زيسكين، إلى أن ثقافة الريادة والأداء العالي ليست بديلاً عن ثقافة الأخلاق والتشجيع والمودة. إنهما وجهان لعملة واحدة، لا يمكن لأحدهما الوجود دون الآخر. تستطيع الموارد البشرية تأمين المزيد من القادة، بل يجب عليها ذلك، والعكس صحيح. وفي النهاية، تحصل مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيون والمستثمرون على القيادة النوعية والموارد البشرية التي يتطلبونها ويسمحون بها.
اقرأ أيضاً: