هل يهدف مشروعك إلى تحقيق غرض محدّد؟

6 دقائق
أهداف المشاريع

ملخص: تتطلب كافة منهجيات إدارة المشاريع إعداد دراسة جدوى مفصلة للمشاريع قيد التنفيذ من أجل تحديد أهداف المشاريع بشكل صحيح. ولكن لا يكفي الالتفات إلى دراسات الجدوى وحدها عند تقييم المشاريع وتحديد أولوياتها. إذ نحتاج أيضاً إلى فهم كيفية ارتباط المشروع بغرض أسمى. ويسهم تقييم الغرض في مساعدة القادة على تحديد ما إذا كان المشروع يتفق مع الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، كما أنه يعد عنصراً رئيسياً لإدماج أعضاء الفريق والمؤسسة بأكملها وتحفيزهم على دعم المشروع. ويجب أن تتعلم الشركات كيفية توضيح الغرض من مشاريعها. وثمة طريقة مباشرة لإماطة اللثام عنه، وتتمثل بكل بساطة في طرح السؤال التالي: "لماذا ننفّذ هذا المشروع؟". وعندما تصل إلى إجابة محددة، اسأل عن الأسباب مجدداً. وكلما حددت سبباً، اقتربت أكثر من غرض المشروع. وإذا لم يساعدك هذا التمرين على اكتشاف شيء من شأنه أن يحفز الأفراد على العمل في المشروع، فربما كان جديراً بك ألا تشرع فيه من الأساس.

 

في يناير/كانون الثاني من عام 1957، وقع اختيار لجنة التحكيم المكونة من 4 مهندسين معماريين مشهورين بالإجماع على مُقترَح يورن أوتسون للفوز بإحدى المسابقات الدولية للتصاميم الهندسية. أشاد أعضاء اللجنة بمُقترَح المهندس المعماري الدنماركي لأحد أكبر المسارح العالمية باعتباره "الحل الأكثر إبداعاً وإبهاراً" من بين 230 مُقترَحاً تم تلقيه من أكثر من 30 دولة. وتم إعداد دراسة جدوى للمشروع، وجاءت نتائجها إيجابية للغاية، وبالتالي تمت الموافقة على تنفيذه. وكانت ميزانيته تُقدّر بنحو 8 ملايين دولار ويستغرق تنفيذه 4 سنوات.

ولكن سرعان ما ثبتت استحالة الانتهاء منه في الموعد المحدد. وأدى عدم وجود تعريف واضح للمُقترَح المُقدَّم من أوتسون وغياب تفاصيله إلى عدم اهتمام المهندسين ببدء تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع مطلع عام 1959 كما هو متوقع. وأدى تعقيد التصاميم الهندسية إلى زيادة تكاليف البناء على نحو كبير. وهكذا لم يتم استكمال المشروع في الموعد المحدَّد، واستمرت الميزانية المُقرَّرة في الارتفاع، وبدا أن العمل المتبقي في المشروع آخذ في الازدياد بمرور الوقت بدلاً من التناقص.

وفي النهاية، تأخر الانتهاء من المشروع لعقد من الزمان، واستغرق استكماله 14 عاماً، وتجاوز ميزانيته المقررة بنسبة 1,300%. واضطرت الولاية إلى دفع القسم الأكبر من التكلفة الإضافية وقدرها 95 مليون دولار تم استقطاعها من الأموال المخصَّصة للنفقات العامة الأخرى.

تحديد أهداف المشاريع

السؤال الذي يطرح نفسه الآن من منظور إدارة المشاريع: ألم يكن جديراً بالمسؤولين أن يقلصوا حجم هذا المشروع أو يوقفوه نهائياً بعد كل هذه التأخيرات وتجاوزه للميزانية المُقرَّرة بهذا الشكل؟ فقد كان المشروع من منظور دراسة الجدوى المبدئية كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أليس كذلك؟

في الواقع، لم يكن هذا المشروع سوى "دار أوبرا سيدني" التي تعتبر رمزاً للمدينة وأستراليا كلها، وأحد أكثر الأعمال المعمارية شهرة في العالم. ومن هنا يبدو من الواضح أن العمل في حدود الميزانية المُقرَّرة وجدول المواعيد المحدَّدة والالتزام بمقررات دراسة الجدوى ليست هي المقاييس الوحيدة لنجاح المشروع.

وليست "دار أوبرا سيدني" الحالة الوحيدة من هذا القبيل، إذ يعد مشروع "قبة الألفية" في المملكة المتحدة، بل و"نفق المانش" أيضاً، من المشاريع المعروفة بمخالفاتها الصارخة لمعايير دراسة الجدوى، ولكنها حققت فوائد لم تخطر على بال أولئك الذين وضعوا تصوراتها المبدئية. فقد حققت كل هذه المشاريع نجاحاً هائلاً مع مرور الوقت.

فعند تقييم المشاريع وتحديد أولوياتها، يُعد الالتفات إلى دراسة الجدوى نقطة انطلاق جيدة، لكنها لا تكفي وحدها. إذ نحتاج أيضاً إلى فهم كيفية ارتباط المشروع بغرض أسمى. وقلما تخصّص المؤسسات ما يكفي من الوقت لتوضيح سبب تنفيذ مشاريعها، بل إن الكثير منها لا يعرف كيفية توضيحه، ولكن تعلُّمه أمرٌ في غاية البساطة ويعتبر عنصراً ضرورياً في اختيار أفضل المشاريع الممكنة وتحديد أولوياتها.

لماذا لا تكفي دراسة الجدوى وحدها؟

تتطلب كافة منهجيات تحديد أهداف المشاريع إعداد دراسة جدوى مفصلة للمشاريع قيد التنفيذ. وتعتبر عملية التفكير والبحث وتحليل الخيارات التي تدخل في إعداد دراسة الجدوى عناصر ضرورية لفهم المشروع فهماً تاماً وتحديد ما إذا كان يستحق الاستثمار فيه. لكننا للأسف عندما نجري دراسة جدوى، فإننا نهمل الكثير من الجوانب، حتى إننا قد نسيء تقدير الأساسيات، مثل التكاليف أو الجداول الزمنية التي تخضع لتحيزات المسؤولين عن صياغتها. فإعداد المرء دراسة جدوى تثبت فشل مشروعه أمرٌ يتعارض مع الطبيعة البشرية. وإذا أراد أحدهم تنفيذ مشروع تثبت دراسة الجدوى فشله التام، فلن يعدم طريقة لجعل دراسة الجدوى تبدو خالية من المعوِّقات في مؤسسته، وسيستشهد عادةً بأرقام تبدو إيجابية للغاية.

وقد أجريتُ دراسة حول نجاح المشاريع في أثناء عملي مع شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PricewaterhouseCoopers) راجعنا خلالها 10,640 مشروعاً نفذته 200 شركة في 30 دولة بمختلف القطاعات. وتوصلنا إلى أن 2.5% فقط من الشركات نجحت في استكمال مشاريعها بنسبة 100%، وكانت دراسة الجدوى في الكثير من الحالات مفرطة في التفاؤل وتستند إلى افتراضات مغلوطة.

الغرض يعزّز الاندماج ويرفع مستوى الأداء

إذا كان الالتفات إلى دراسة الجدوى وحدها لا يكفي، فلماذا يحظى فهم غرض المشروع بهذه الأهمية؟ بادئ ذي بدء، يمكن أن يساعد القادة على تحديد ما إذا كان المشروع منطقياً من الناحية الاستراتيجية. إذ لا يمكن تنفيذ كل مُقترَح يأتي مصحوباً بدراسة جدوى إيجابية، كما أن فهم الغرض من المشروع يساعدنا على معرفة مدى توافقه مع الأهداف الاستراتيجية. ولكن ربما كان عنصراً أهم في نجاح المشروع، لأن الغرض يعد عنصراً رئيسياً لإدماج أعضاء الفريق والمؤسسة بأكملها وتحفيزهم على دعم المشروع.

ويمتلك الكثير من المشاريع أهدافاً بعيدة المدى أو أهدافاً فنية أو أهدافاً تركز على المنجزات، كطرح برمجيات جديدة أو تدشين منصة جديدة أو برنامج توسعي أو مجموعة جديدة من قيم الشركة أو إعادة الهيكلة أو مشروع للتحول الرقمي. ويستخدم البعض الآخر أهدافاً مالية، مثل تحقيق عائد على الاستثمار بنسبة 10%. واحذر الأهداف الشديدة التعقيد والمستهدفات الرقمية مثل هذه، فقد فشلت باستمرار في حشد الالتزام العاطفي تجاه تنفيذ المشاريع.

واحرص بدلاً من ذلك على دمج الغرض في أساسيات المشروع، فالغرض الفاعل يعكس الأهمية التي يوليها الأفراد لسير العمل في المشروع، ويكشف عن السبب الأساسي لوجوده. فهو يوقظ دافعيتهم الجوهريَّة ويصل إلى السبب الجذري للمشروع بخلاف تحقيق المكاسب المادية.

ووفقاً لمعهد "إي واي بيكون" (EY Beacon Institute)، فإن الشركات التي تهدف مشاريعها إلى تحقيق غرض معيَّن أفضل من الشركات الأخرى بمقدار 2.5 مرة في تعزيز الابتكار وعمليات التحوّل، بينما تقول شركة "ديلويت" إن مبتكراتها التي تم طرحها في العام الماضي تحقق في المتوسط عائدات أكبر بنسبة 30%. وقد تبيّن لي صدق هذه الإحصائيات من خلال تجربتي كمسؤول تنفيذي، إذ تتمتع المشاريع التي تهدف مشاريعها إلى تحقيق غرض أسمى بفرص أعلى بكثير للنجاح مقارنة بتلك التي لا تلهم الأفراد. ويتمتع العنصر البشري بنقاط قوة هائلة، ويعرف أكفأ القادة أن أفضل طريقة للاستفادة من نقاط القوة هذه هي استمالة قلوبهم، وليس من خلال المنجزات أو العائد على الاستثمار. وعندما يتم الربط بين المشروع الذي يعملون عليه من ناحية، وغرضهم وشغفهم الداخليين من ناحية أخرى، يمكنهم تحقيق نتائج استثنائية. وعلى العكس من ذلك، فقد تنتقل عدوى غياب الغرض أو الاقتناع بمشروع ما بسرعة من أحد أعضاء الفريق إلى باقي زملائه.

ومع ذلك، فقلما تعرف المؤسسات كيفية توضيح الغرض من المشروع، وقلما تخصّص ما يكفي من الوقت لتوضيحه وتوضيح علاقته باستراتيجية المؤسسة، وفي النهاية لماذا يجب الاهتمام بمسألة كهذه؟

استمر في السؤال عن "السبب" عن تحديد أهداف المشاريع

تتمثل إحدى طرق العثور على الغرض من المشروع في طرح السؤال التالي بكل بساطة: "لماذا ننفّذ هذا المشروع؟". وعندما تصل إلى إجابة محدد، اسأل عن الأسباب مجدداً. ويحتاج القادة عادةً إلى طرح هذا السؤال من 4 إلى 7 مرات للوصول إلى جوهر الأمر.

ولك أن تنظر مثلاً إلى مشروع لإنشاء نظام جديد للموارد البشرية. إذا سألت معظم مدراء المشاريع عن الغرض من هذا المشروع، سيقولون لك: "نحن ننشئ نظاماً جديداً للموارد البشرية". وإذا فعلوا ذلك، فقد خلطوا بين المُنجَز المطلوب والغرض. حيث يعرّفنا المُنجَز المطلوب بما سيسفر عنه المشروع، وليس سبب إنجازه.

احرص بدلاً من ذلك على أن تبدأ بالسؤال عن السبب: "لماذا ننشئ النظام الجديد للموارد البشرية؟". وقد تكون الإجابة شيئاً على غرار: "ننشئ هذا النظام لتقديم خدمات أفضل لموظفينا". لقد انتقلت للتو إلى مستوى أعلى. اسأل مرة أخرى: "لماذا نريد تقديم خدمات أفضل لموظفينا؟" ربما "لمعالجة مشكلتنا الرئيسية المتمثلة في ضعف اندماج الموظفين". ومرة أخرى: "لماذا نريد زيادة اندماج الموظفين؟"؛ "لأننا نريد أن يكون موظفونا سعداء في العمل، ما سيؤدي إلى رفع مستوى الأداء في شركتنا".

ها قد اكتشفت الآن أهداف المشاريع من خلال هذا التسلسل من الأسئلة الأعمق والأعمق أن الغرض من مشروعك ليس إنشاء نظام جديد للموارد البشرية، بل جعل موظفيك أكثر سعادة وتحسين مستوى أدائكم بشكل عام.

وهما أمران مختلفان. فقد صار لديك الآن مشروع يرتبط غرضه باستراتيجية المؤسسة، وسيحفّز أعضاء فريق المشروع. وبمجرد أن تكتشف الغرض، ستكون مستعداً لطرح سؤالين آخرين: "متى؟" و"كم؟". قد تتمثّل إجابتك فيما يلي: "سوف نزيد من تحفيز موظفينا بنسبة 30% في الاستقصاء التالي بعد 6 أشهر". سيكون لديك الآن غرض مقنع للمشروع، غرض محدد وقابل للقياس يرتبط بموعد نهائي واضح، ما سيساعدك على إدماج الفريق وأصحاب المصلحة بشكل أكثر فاعلية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى مشروع أكثر نجاحاً.

وإذا لم تصل بعد هذا التمرين إلى شيء ذي مغزى، شيء من شأنه أن يحفّز العناصر البشرية على العمل عليه، فربما كان جديراً بك ألا تشرع في المشروع من الأساس.

وفي نهاية الحديث عن أهداف المشاريع تحديداً، دعونا نلقِ نظرة أخيرة على "دار أوبرا سيدني". في عام 1954، أي قبل ثلاث سنوات من اختيار تصاميم أوتسون، بدأ رئيس وزراء ولاية نيوساوث ويلز، جوزيف كاهيل، المشروع بغرض مذهل: "الإسهام في تشكيل مجتمع أفضل وأكثر استنارة". وبقي هذا الهدف ثابتاً دون تغيير على الرغم من كل التأخيرات والتحديات التي تعرض لها المشروع. وتم افتتاح دار الأوبرا رسمياً بحضور الملكة إليزابيث الثانية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1973 وأصبحت أحد أكثر مراكز الفنون والترفيه شهرةً على مستوى العالم، حيث تستقبل نحو 11 مليون زائر سنوياً. ووفقاً لشركة "ديلويت"، تُقدَّر قيمة "دار أوبرا سيدني" بنحو 4.6 مليارات دولار لأستراليا. ومن هنا يمكن القول إن إعداد دراسة جدوى عملية شاقة وضرورية، ولكن الغرض الأسمى هو ما يجعل المشروع مقنعاً حقاً ويدفع الأفراد إلى بذل كل جهودهم في سبيل تنفيذه.

هذه المقالة منقولة بتصرف من كتاب "دليل هارفارد بزنس ريفيو لإدارة المشاريع" (HBR Project Management Handbook).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي