ماذا يعني أن تكون المدير؟

19 دقيقة

تعتبر عملية التحول إلى قائد رحلة شاقة، حتى للأفراد الأكثر موهبة، إلا أنها وفي الوقت نفسه رحلة مجزية في رحاب التعلم المستمر وتنمية الذات. ويكون نيل منصب المدير لأول مرة أول اختبار نواجهه في مسارنا، والذي يكون مهماً لدرجة كبيرة، إلا أننا كثيراً ما نغفل عنه. ويؤدي عدم إيلائنا الأهمية لما سبق إلى تبعات وخيمة لاحقة على كل من الفرد والمؤسسة.

ويعمل أول منصب إداري يتولاه الشخص على تشكيل شخصيته بشكل لا رجعة فيه. فعندما يتذكر المدراء بعد عقود تلك الأشهر الأولى من توليهم أول منصب إداري لهم، يقولون بأنها فترة غيرتهم جداً وقادت إلى صياغتهم لفلسفات وأساليب قيادية تسببت لاحقاً بإعاقتهم وتقييدهم في حياتهم المهنية. وتتكبد المؤسسات تكاليف بشرية ومالية كبيرة عندما لا يتكيف الشخص الذي تمت ترقيته لأدائه ومؤهلاته الفردية القوية مع مسؤوليات الإدارة بنجاح.

لكن على الإخفاقات ألا تفاجئنا نظراً إلى صعوبة المرحلة الانتقالية تلك، فكل ما عليك القيام به هو سؤال أي مدير جديد عن أيامه الأولى كمدير، بعبارة أخرى، اطلب من أي مسؤول تنفيذي كبير أن يتذكر كيف كان يشعر كمدير جديد. وإذا أجابك بصدق، سيتحدث عن شعوره بالارتباك الكبير، وحتى الحيرة الهائلة للبعض، فلم يكن المنصب الجديد كما توقعونه، ناهيك عن أنه كان أكبر بكثير من قدرة شخص واحد على ملئه، فضلاً عن أنه كان يبدو وكأن لا علاقة له بالقيادة، بغض النظر عن النطاق.

ويصف مدير جديد لفرع شركة تعمل في مجال الأوراق المالية الأمر قائلاً: "هل تعرف مدى صعوبة أن تكون المدير وأنت تشعر بالحيرة والضياع؟ إنه شعور يصعب وصفه، ويشبه شعور إنجاب طفل. ففي اليوم السابق، تكون بلا طفل، وفجأة، تصبح في اليوم التالي أباً أو أماً، ويُفترض أن تعرف كل ما يمكنك معرفته عن رعاية الأطفال".

ومن المثير للدهشة أنه لم يتم إيلاء اهتمام كبير لخبرات المدراء الجدد والتحديات التي يواجهونها رغم أهمية اختبار القيادة الأول هذا وصعوبته، إذ تملأ أرفَّ المكتبات الكتب التي تصف القادة الفاعلين والناجحين، لكن القليل منها يتطرق إلى تحديات تعلُّم القيادة، خاصة بالنسبة لمن يتولى أول منصب إداري له.

وقمتُ، على مدار خمسة عشر عاماً أو نحو ذلك، بدراسة أشخاصاً حققوا تقدماً مهنياً أوصلهم في النهاية إلى منصب إداري، مع التركيز بشكل خاص على "نجوم الأداء" والذين نالوا منصب المدير لاحقاً لقدراتهم وأدائهم المتميز. وكان طموحي في البداية توفير منبر للمدراء الجدد ليصفوا بكلماتهم ما يعنيه تعلُّم الإدارة. وقمت في البدء بمتابعة 19 مديراً جديداً على مدار عامهم الأول في محاولة للحصول على لمحة نادرة عن تجربتهم الشخصية: ما الذي وجدوه أكثر صعوبة؟ ما الذي يحتاجونه للتعلم؟ ما الذي قاموا به لتعلمه؟ ما الموارد التي يعتمدون عليها لتيسير المرحلة الانتقالية وإتقان مهام منصبهم الجديدة؟

وواصلت دراسة التحول الشخصي الذي يحدث للشخص الذي يغدو مديراً منذ بحثي الأصلي الذي تحدثت عنه في النسخة الأولى من "كُن مديراً" (Becoming a Manager)، الصادر في عام 1992. وكتبت دراسات حالة عن مدراء جدد في مجموعة وظائف وصناعات متنوعة، وقمت بتصميم وقيادة برامج قيادة للمدراء الجدد في شركات ومؤسسات غير هادفة للربح. وقد ذكر لي مدراء جدد كيف أن المرحلة الانتقالية باتت تزداد صعوبة مع الوقت نظراً لأن الشركات أصبحت أصغر حجماً وأكثر ديناميكية، مع عمل وحدات مختلفة معاً لتقديم منتجات وخدمات متكاملة وأيضاً مع شركات تعمل مع موردين وعملاء ومنافسين ضمن مجموعة من التحالفات الاستراتيجية.
واسمحوا لي أن أؤكد لكم بأن المعاناة التي يواجهها هؤلاء المدراء الجدد تمثل القاعدة وليس الاستثناء. فهؤلاء ليسوا مدراء غير أكفاء يعملون في مؤسسات مختلة وظيفياً، بل أناس عاديون يواجهون مشاكل تكيُّف عادية. وتمكنت الغالبية العظمى منهم من النجاح في تلك القفزة وباتوا ناجحين في دورهم الجديد. لكن تخيل كم كانت فاعليتهم لتكون أكبر لو كانت المرحلة الانتقالية أقول صعوبة.

ولمساعدة المدراء الجدد على اجتياز اختبار القيادة الأول هذا، نحتاج إلى مساعدتهم على فهم الطبيعة الأساسية لدورهم، أي ما يعنيه حقاً تولي المسؤولية. ويرى معظم الناس أنفسهم كمدراء وقادة، ويستخدمون خطاب القيادة، وبالتأكيد يشعرون بأعباء القيادة، لكنهم فقط لا يفهمونها.

لماذا تعلم الإدارة صعب للغاية

من أوائل الأمور التي يكتشفها المدراء الجدد عند توليهم مناصبهم أن توصيفهم الوظيفي أكثر اتساعاً مما يظنون. ويشعرون بالدهشة من معرفة أن المهارات والأساليب المطلوبة للنجاح كمؤدي فردي شيء، والمهارات المطلوبة للنجاح كمدير شيء آخر مختلف تماماً، وأن هناك فجوة ما بين قدراتهم الحالية ومتطلبات الوظيفة الجديدة.

ففي وظائفهم السابقة، كان النجاح يعتمد في المقام الأول على خبراتهم وأدائهم الشخصي، أما الآن، وبوصفهم مدراء، فإنهم مسؤولون عن إعداد وتنفيذ جدول أعمال لمجموعة كبيرة من الأشخاص، وهو أمر لم يتحضروا له عندما كانوا مؤدين أفراد.

ولنأخذ مثلاً حالة منير، المدير الجديد لفرع شركة الأوراق المالية التي ذكرتها في الأعلى. (تم إخفاء هويات الأفراد المذكورين في هذه المقالة). عمل منير كوسيط مالي لمدة 13 عاماً وكان ذي إنتاجية ممتازة، حيث كان أحد أكثر المهنيين شراسةً وابتكاراً في منطقته. وقامت شركته بترقية الموظفين ذوي الكفاءة والإنجازات الفردية المميزة لمناصب إدارية، بالتالي، لم يتفاجأ أحد عندما طلب المدير الإقليمي من منير التفكير في تولّي مهنة إدارية. وكان منير واثقاً من معرفته الكاملة لكل الأمور اللازمة ليكون مديراً ذي كفاءة. وفي الواقع، كان سبق له وأن ذكر في مناسبات عديدة أنه لو كان في موقع مسؤولية، لكان أكثر انفتاحاً وقدرة على إصلاح الأمور وتحسين الأوضاع بشكل عام في الفرع. وبعد شهر من توليه منصبه الجديد، بدأ الذعر الشديد يدبُّ في أوصاله، فقد كان تنفيذ أفكاره أمراً أصعب مما كان يتخيل. كما أدرك أن حياته السابقة الهانئة ولت إلى غير رجعة ولم يعد في إمكانه إعادة الأمور إلى ما كانت عليه.

وتعتبر ردة فعل منير أمراً طبيعياً، رغم الصدمة التي شعر بها، إذ أن تعلُّم القيادة يتم بالممارسة، وهي أمر لا يمكن تدريسه في قاعات الدراسة. إنها حرفة تُكتسب في المقام الأول عملياً، وبخاصة من التجارب السلبية عبر التجربة والخطأ، والتي تقدم العِبَر للمدير الجديد ليتعلم منها خلال تأدية واجبات منصبه الذي يتجاوز قدراته الحالية. ولم يرتكب معظم المؤدين النجوم أخطاء كثيرة في مرحلة ما قبل الإدارة، بالتالي يعتبر ارتكابهم للأخطاء أمراً جديداً عليهم. وعلاوةً على ذلك، وفي لحظات ارتكاب الأخطاء بسبب الإرهاق، قلة من المدراء تُدرك أنها قد تتعلم منها، وأن ذاك التعلم سيحدث وفق خطوات وبشكل متدرِّج.

وتبدأ هوية مهنية جديدة للمدير حديث العهد بالبزوغ مع تقدمه في عميلة التعلم بالتجربة والخطأ وتخليه عن العقليات والعادات التي ساعدته على أن يصبح ناجحاً في بداياته المهنية. ويبدأ هنا بتعلّم طرق جديدة للتفكير والحياة، ويكتشف طرقاً مختلفة لقياس النجاح ونيل الرضا في العمل. وليس من المستغرب مدى إرهاق هذا النوع من التكيف النفسي؛ حيث يعلق مدير جديد على هذا الأمر بالقول، "لم أكن أعرف أن بإمكان الترقية أن تكون مؤلمة جداً".

إنها مؤلمة ومجهدة. ويفكّر المدراء الجدد حتماً في السؤالين التاليين: "هل سأحب الإدارة؟" و"هل سأكون جيداً في الإدارة؟" بالطبع، لا توجد إجابات فورية، حيث تأتي تلك الإجابات مع الخبرة. وغالباً ما يصحب هذين السؤالين سؤال أكثر إثارة للقلق: "إلى من أتحوّل؟".

المفاهيم الخاطئة للمدير الجديد

ليس من السهل أن يصبح المرء مديراً، لكنني لا أريد أن أرسم صورة قاتمة بلا حلول. وما وجدته في بحثي أن القفزة غالباً ما تكون أصعب مما هي فعلاً عليه بسبب المفاهيم الخاطئة للمدراء الجدد حول دورهم. فقد يكون لديهم بعض الأفكار الحقيقية حول ما يعنيه أن يكون المرء مديراً، ولكن نظراً لأن هذه الأفكار بسيطة وغير مكتملة، تخلق توقعات زائفة تتسبب في معاناة الأفراد في سبيل تأقلمهم مع واقع الحياة الإدارية. ومن خلال الاعتراف بالمفاهيم الخاطئة التالية - والتي يرتقي بعضها إلى مستوى الخرافة تقريباً في قبولها حول العالم - يكون لدى المدراء الجدد فرصة أكبر بكثير للنجاح. (لمقارنة المفاهيم الخاطئة والواقع، راجع قسم "لماذا لا يفهم المدراء الجدد ذلك").

وغالباً ما يفشل المدراء في أداء دورهم الجديد، على الأقل في البداية، لأنهم يأتون إليه بمفاهيم خاطئة أو خرافات حول معنى أن يكون المرء مديراً. وتتسبب هذه الخرافات، لبساطتها وعدم اكتمالها، في إهمال المدراء الجدد مسؤوليات القيادية الرئيسة.

لدى المدراء سلطة كبيرة.

ويركز المدراء الجدد عادةً، عندما يُطلب منهم وصف دورهم، على الحقوق والامتيازات التي تأتي مع منصب المدير، إذ يفترضون بأن الموقع سيمنحهم مزيداً من السلطة، وسيتمتعون بالتالي بمزيد من الحرية والاستقلالية للقيام بما يعتقدون أنه الأفضل للمؤسسة. وعلى حد تعبير أحدهم، فإنهم لم يعودوا "مثقلين بمطالب الآخرين غير المعقولة".

ويواجه المدراء الجدد الذين يصدقون هذا الافتراض صدمة كبيرة. فبدلاً من نيل سلطة جديدة، يقول أولئك الذين درستهم إنهم يجدون أنفسهم محاصرين بسبب الاعتمادات المتبادلة. فبدلاً من الشعور بالحرية، يشعرون بأنهم مقيّدون، وخصوصاً إذا كانوا معتادين على الاستقلال النسبي كمؤدي نجم. ويجدون أنفسهم عالقين في شبكة من العلاقات، ليس فقط مع المرؤوسين ولكن أيضاً مع المدراء والأقران وغيرهم من داخل المؤسسة وخارجها، ممن يقدمون لهم مطالب متواصلة وغالباً متعارضة. وتكون حياتهم اليومية عبارة عن دوامة من الضغط والإرهاق والتشتت.

ويقول مدير جديد: "الحقيقة هي أنك لا تتحكم في أي شيء. وتكون المرة الوحيدة التي أشعر فيها بأني أتحكم بشيء هي عندما أُغلق باب منزلي، ثم أشعر أنني لا أؤدي عملي الذي يُفترض بي أن أؤديه، وهو أن أكون مع الناس. إنه لأمر يثير التواضع بأن أحد مرؤوسي قادر على التسبب في طردي".

ومن الأرجح أن يتسبب أولئك الذين لا يقعون تحت سلطة المدير الجديد الرسمية في جعل حياته بائسة، على غرار الموردين الخارجيين مثلاً، أو المدراء في قسم آخر. نالت سالي، المؤدية النجمة في إحدى شركات الكيماويات، ترقية إلى منصب لتطوير المنتجات مع آمال كبيرة، وأوراق اعتماد لا تشوبها شائبة كواحدة من أفضل المؤدين وذات تقدير عميق لثقافة الشركة، ومعرفة مفترضة اكتسبتها ضمن دورة تطوير القيادة. وبعد ثلاثة أسابيع، تقول محبطة: "لا يعني توليك دور إداري أنك الآن المدير، بل أنك الآن إلى حد كبير رهينة. فهناك الكثير من الإرهابيين في هذه المؤسسة الذين يريدون خطفي".

وكما تقول مديرة جديد بخيبة أمل، " لا يعني أن توليك دور إداري أنك الآن المدير، بل أنك الآن إلى حد كبير رهينة".

ولن يكون المدراء الجدد قادرين على القيادة بفعالية إلى أن يتخلوا عن فكرة أن لديهم سلطة لصالح واقع أن عليهم التفاوض والتعاون مع الآخرين. وكما رأينا، يتجاوز هذا إدارة فريق من المرؤوسين المباشرين ليصل إلى الحاجة إلى إدارة السياق الذي يعمل ضمنه الفريق. وما لم يحدد المدراء ويؤسسوا علاقات فاعلة مع الأشخاص الرئيسين الذين يعتمد عليهم الفريق، فإن الفريق سيفتقر إلى الموارد اللازمة للقيام بعمله.

ويتجاهل الكثير من المدراء الجدد هذه العلاقات أو يهملونها حتى إذا كانوا يقدِّرون أهميتها، ويركزون بدلاً من ذلك على ما يبدو أنه المهمة الأكثر إلحاحاً والمتمثلة في قيادة الفئة الأقرب منهم: مرؤوسيهم. وعندما يتقبلون أخيراً دورهم في بناء الشبكات، غالباً ما يشعرون بأنهم مغمورين بطلباتها. إضافة إلى ذلك، يغدو من المرهق التفاوض مع هذه الأطراف الأخرى من موقف ضعف نسبي، على اعتبار أن هؤلاء المدراء الجدد لا يزالون في قاع السلم الهرمي.

لكن أرباح إدارة الاعتماد المتبادل كبيرة. فعلى سبيل المثال طورت دينا خطة عمل لإطلاق طبعة لاتينية لمجلة مراهقين أميركية خاصة بالشركة التي تعمل فيها، وهي دار نشر كبيرة، خلال عملها في تطوير الأعمال ضمن أحد الأقسام. وعندما حصل المشروع على موافقة مبدئية، طلبت دينا أن تكون المديرة. وبدأت دينا وفريقها يواجهون عقبات عديدة، إذ لم تكن الإدارة العليا تحبّذ المشروعات الدولية، كما أن على دينا إبرام اتفاقيات مع موزعين إقليميين يوزعون في 20% من سوق أميركا اللاتينية قبل حتى أن تتلقى التمويل النهائي، وهي مهمة ليست سهلة لمجلة لم تُختبر بعد تنافس على مساحة آخذة في التناقص ضمن أكشاك الصحف. ولتقليل التكاليف، كان سيتعين عليها الاعتماد على موظفي المبيعات في النسخة الإسبانية من مجلة المرأة الرائدة في الشركة، ممن اعتادوا بيع مجلة مختلفة تماماً قلباً وقالباً.

وعملت دينا كمديرة بالوكالة قبل عامين، بالتالي، فإنها تدرك أهمية تكريس الوقت والاهتمام اللازمين لإدارة العلاقات مع رؤسائها وزملائها على الرغم من كم التفاصيل الهائل الذي يتعين عليها مواجهته خلال تأسيسها للمجلة الجديدة. فعلى سبيل المثال، كانت تجمع مذكرات تنفيذية كل أسبوعين من رؤساء أقسامها لتوزعها على المدراء التنفيذيين في المقر الرئيس. كما بادرت بعقد اجتماعات منتظمة مع قسم أميركا اللاتينية ولتعزيز التواصل مع المجلة النسائية ويمكن فيه لكبار المدراء التنفيذيين حول العالم من مجلات المراهقين والنساء مناقشة الاستراتيجية الإقليمية.

ورغم خبرتها السابقة، واجهت دينا الضغوطات نفسها التي يواجهها أي مدير جديد، حيث تقول: "إن الأمر كما لو كنت تُمتحن طوال أيام السنة". ومع ذلك، صدر العدد الأول في موعده المحدد متخطياً توقعات خطة العمل الخاصة به.

السلطة المنسابة من منصب المدير.

لا تفهموني خطأ: لدى المدراء بعض السلطة على الرغم من الاعتماد المتبادل الذي تقيدهم. وتكمن المشكلة هنا في أن معظمهم يعتقدون خطأً أن قوتهم تستند إلى السلطة الرسمية التي تأتي نتيجةً لوضعهم ضمن تسلسل السلطة الهرمي. ويقود هذا الافتراض كثيرين منهم إلى تبني نهج استبدادي تسلطي، ليس لأنهم متحمسون لممارسة سلطتهم الجديدة على الناس ولكن لأنهم يعتقدون أنها الطريقة الأكثر فاعلية لتحقيق النتائج.

ومع ذلك، يتعلم المدراء الجدد بسرعة أنه عندما يطلبون من مرؤوسيهم المباشرين القيام بشيء، قد لا يستجيبون لهم بالضرورة. ففي الواقع، كلما كان المرؤوس أكثر موهبة، قل احتمال امتثاله ببساطة للأوامر. (ويعترف بعض المدراء الجدد، مع بعض الضغط، بأنهم لم يستمعوا دائماً إلى رؤسائهم أيضاً).

وبعد بضع تجارب مؤلمة، يتوصل المدراء الجدد إلى إدراك مُقلق مفاده أن مصدر قوتهم، وفقاً لأحدهم، هو كل شيء بخلاف "السلطة الرسمية". بمعنى آخر، تبرز سلطتهم فقط عندما ينشئ المدير مصداقية مع المرؤوسين والأقران والرؤساء. ويتذكر أحد المدراء الذين تابعتهم هذا الأمر قائلاً، "استغرقني الأمر ثلاثة أشهر لأدرك أنه لم يكن لدي أي تأثير على أغلب موظفيّ. كان الأمر كما لو كنت أتحدث مع نفسي".

ويُفاجأ العديد من المدراء الجدد بصعوبة كسب احترام الناس وثقتهم، حيث يشعرون بالصدمة، وحتى الإهانة، لدى اكتشافهم عدم كفاية خبراتهم وتاريخهم للحديث عنهم. ويُظهر بحثي عدم معرفة الكثيرين منهم أيضاً الصفات التي تساهم في المصداقية.

إنهم بحاجة إلى إظهار شخصياتهم، أي النية لفعل الشيء الصحيح. ولهذا أهمية خاصة للمرؤوسين الذين يميلون إلى تحليل كل عبارة وإيماءة غير لفظية بحثاً عن علامات على دوافع الرئيس الجديد. ويمكن أن يكون هذا التدقيق مثيراً للقلق، حيث يعلق أحد المدراء الجدد على هذا قائلاً: "كنت أعلم أنني شخص جيد، وكنت أتوقع أن يقبلني الآخرون كما أنا فوراً. لكن كانوا حذرين، وكان علي حقاً محاولة كسب قبولهم".

ويجب عليهم إظهار كفاءتهم، أي معرفة كيفية القيام بالأمور الصحيحة. ويمكن أن يشكّل ما سبق مشكلة، لأن المدراء الجدد يشعرون في البداية بالحاجة إلى إثبات معرفتهم الفنية وبراعتهم، والتي كانت كلها أساس نجاحهم كمؤدين نجوم. لكن بينما إثبات الكفاءة الفنية أمر مهم لنيل احترام المرؤوسين، فإنه ليس مجال الكفاءة الرئيس الذي يريد أن يراه المرؤوسون في مدراءهم.

فعندما تولى بطرس إدارة مكتب تداول في بنك استثماري عالمي، أشرف على مجموعة من كبار التجار المتمرسين. ولإثبات مصداقيته، تبنى منهجاً تسلّطياً حيث أشار على المتداولين بإغلاق مراكز معينة أو تجربة استراتيجيات تداول مختلفة. وقاوم المتداولون ذلك وطالبوا بمعرفة مبررات كل قرار لتصبح الأمور لاحقاً غير مريحة للجميع. وأصبحت استجابة المداولين لتعليقات رئيسهم الجديد شائكة ومقلقة. وفي أحد الأيام، قام بطرس، الذي أدرك افتقاره إلى المعرفة بالأسواق الأجنبية، بطرح سؤال حول التسعير على أحد المتداولين المخضرمين. وأوقف التاجر ما كان يفعله لعدة دقائق لشرح المشكلة، عارضاً مناقشة الأمر أكثر مع بطرس في نهاية اليوم. يقول بطرس: "بمجرد أن توقفت عن التحدث طوال الوقت وبدأت في الاستماع، بدأ بقية موظفي المكتب بتثقيفي عن الوظيفة، وبدا أن تشكيكهم في قراراتي يقل".

قوّض حرص المدير الجديد على إظهار كفاءته الفنية مصداقيته كمدير وكقائد في آنٍ واحد، إذ أثار حرصه على التدخل ومحاولته حل المشكلات أسئلة ضمنية حول كفاءته الإدارية. ففي نظر المتداولين، أصبح مديراً يركز على دقائق الأمور و"مهووس بالسيطرة" ولا يستحق احترامهم.

وأخيراً، يحتاج المدراء الجدد إلى إظهار تأثيرهم، بمعنى آخر، القدرة على تقديم الشيء الصحيح وتنفيذه. ويقول مرؤوس لمدير جديد درسته: "لا يوجد شيء أسوأ من العمل مع رئيس عاجز". ومن الصعب بشكل خاص اكتساب وممارسة النفوذ داخل المؤسسة، كما أشرت، إذ أن المدراء الجدد هم "مدراء صغار" ضمن المؤسسة. ويقول أحد المدراء الجدد: "شعرت بفرحة لا توصف عندما علمت أنه سيتم ترقيتي أخيراً. شعرت أنني سأكون على قمة السلم الذي كنت أتسلقه منذ سنوات، لكنني شعرت فجأة أنني في القاع ثانيةً، باستثناء أنني هذه المرة لم أكن قادراً على معرفة ما هي الدرجات والمكان الواجب عليّ تسلقه".

ونرى من جديد مديراً جديداً يقع في فخ الاعتماد الكبير جداً على سلطته الرسمية كمصدر لنفوذه، إذ يتوجب عليه بدلاً من ذلك بناء نفوذه من خلال إنشاء شبكة من العلاقات القوية المترابطة، القائمة على المصداقية والثقة ضمن فريقه والمؤسسة بأكملها وذلك عبر التفاعل مع مجموعة واحدة في كل مرة.

يجب على المدراء قطعاً السيطرة على مرؤوسيهم المباشرين.

ويتوق معظم المدراء الجدد إلى ضمان امتثال مرؤوسيهم لهم، في سبب يعود جزئياً إلى شعورهم بانعدام الأمن في منصب غير مألوف عليهم. إنهم يخشون أنهم إذا لم يثبتوا ذلك مبكراً، لن يحترمهم مرؤوسوهم. وغالباً ما يعتمد المدراء كثيراً على سلطتهم الرسمية كوسيلة للحصول على هذه السيطرة، وهي تقنية فاعليتها مشكوك فيها في أحسن الأحوال كما رأينا.

لكن حتى لو كان هؤلاء المدراء قادرين على تحقيق قدر من السيطرة بمرور الوقت، سواء عبر السلطة الرسمية أم المكتسبة، سيكون نصرهم المتحقق زائفاً، إذ أن الامتثال لا يساوي الالتزام. فإذا لم يكن الناس ملتزمين، لن يقوموا بمبادرات. وإذا لم يقم المرؤوسون بمبادرات، لن يتمكن المدير من التفويض بفعالية. ولن يتحمل المرؤوسين المباشرين المخاطر المحسوبة التي تؤدي إلى التغيير والتحسين المستمر الذي تتطلبه بيئة الأعمال المضطربة اليوم.

أدركت دينا، التي قادت إطلاق مجلة مراهقين في أميركا اللاتينية، أنها تواجه تحدياً في العمل يتطلب دعماً كاملاً من فريقها. وكانت قد حصلت في الواقع على الوظيفة جزئياً بسبب أسلوبها الشخصي، حيث كان يأمل رؤسائها أن يعوّض هذا الأسلوب عن نقص خبرتها في سوق أميركا اللاتينية وفي إدارة مسؤوليات الربح والخسارة. وكانت لديها طريق تواصل دافئة وأنيقة مع الناس بالإضافة إلى كونها كانت ذي أفكار واضحة. وأنجحت دينا المشروع مستفيدةً من هذه القدرات الطبيعية التي أدت إلى تطوير فلسفة وأسلوب قيادة خاصين بها.

ومارست دينا نفوذها من خلال خلق ثقافة الاستفسار بدلاً من الركون إلى السلطة الرسمية للحصول على ما تريده من فريقها. وكانت النتيجة مؤسسة شعر فيها الناس بالسلطة والالتزام والمسؤولية عن تحقيق رؤية الشركة. ويعلق على ذلك أحد مرؤوسي دينا قائلاً، "كانت دينا سهلة المعشر ومرحة، لكنها كانت تسأل وتسأل وتسأل للوصول الوصول إلى قلب موضوع ما. وستقول لها شيئاً ما وستكرره على مسامعك ثانيةً، وبهذه الطريقة سيكون لدى الجميع وضوح مطلق حيال ما نتحدث عنه. وبمجرد أن تحصل هي على المعلومات وتدرك الأمور التي تعمل عليها أنت، يكون عليك هنا أن تكون متسقاً، حيث كانت تقول، "أخبرتني بكذا، فلماذا تفعل كذا. أنا في حيرة من أمري". ورغم أنها كانت تطرح الطلبات، لم تكن تطلب من الأشخاص تنفيذها على طريقتها. وكان مرؤوسوها ملتزمون بأهداف الفريق لأنها قامت بتمكينهم لتحقيقها ولم تأمرهم بذلك.

وكلما زاد عدد مدراء المستعدين لمشاركة سلطتهم مع مرؤوسيهم بهذه الطريقة، زاد نفوذهم القيادي، إذ يبنون مصداقيتهم الخاصة كمدراء عندما يقودون بطريقة تتيح لأفرادهم أخذ زمام المبادرة.

يجب على المدراء التركيز على إقامة علاقات فردية جيدة.

وتتطلب إدارة الاعتمادات المتبادلة وممارسة السلطة غير الرسمية المستمدة من المصداقية الشخصية قيام المدراء جدد ببناء الثقة والتأثير والتوقعات المتبادلة مع مجموعة واسعة من الناس. وغالباً ما يتحقق ذلك من خلال إقامة علاقات شخصية مثمرة. إلا أنه وفي نهاية المطاف، يجب على المدير الجديد معرفة كيفية تسخير قوة الفريق، وقد يمكن أن يقوّض مجرد التركيز على العلاقات الفردية مع أعضاء الفريق هذه العملية.

ولم يتمكن العديد من المدراء الجدد من إدراك مسؤوليتهم المتعلقة ببناء الفريق خلال سنتهم الأولى في الإدارة، وقام عدد محدود منهم بمحاولة معالجة ذلك. وكان بعضهم يتصور بدلاً من ذلك، أن دورهم في إدارة الأفراد يتمثل في بناء علاقات مميزة مع كل مرؤوس على حدة، مفترضين أن إدارة فريقهم ستكون عبر إدارة فردية لعضو في الفريق.

ويولون الانتباه في المقام الأول إلى الأداء الفردي ويعطون اهتماماً نادراً أو معدوماً بثقافة الفريق وأدائه، وبالكاد يعتمدون على منابر المجموعة للتعرف على المشكلات وحلها. ويقضي بعضهم وقتاً طويلاً مع عدد صغير من المرؤوسين الموثوق بهم، وغالباً ما يكون هؤلاء الأكثر تلقٍ للدعم. ويميل المدراء الجدد إلى التعامل مع المشكلات، حتى تلك التي لها تداعيات على مستوى الفريق، بشكل فردي، مما يقودهم إلى اتخاذ قرارات بناءً على معلومات محدودة بشكل غير ضروري.

ففي الأسبوع الأول من عمل مازن كمدير مبيعات لإحدى شركات البرمجيات في تكساس، طلب أحد المرؤوسين منه مكان ركن سيارة محدد أصبح متوفراً حديثاً. وكان البائع يعمل في الشركة لسنوات، ووافق مازن، الذي يريد إنشاء بداية جيدة مع هذا المخضرم قائلاً، "بالتأكيد، لم لا؟" في غضون ساعة، اقتحم بائع آخر مكتب مازن، وهو بائع يحقق مبيعات هائلة للشركة، وطلب الاستقالة. كان يبدو أن مكان ركن السيارة ذاك مثار مطمع الجميع لأسباب عملية ورمزية، وكان يُنظر إلى البائع الذي استفاد من لفتة مازن العابرة على نطاق واسع أنه غير كفؤ، الأمر الذي جعل أبرز بائع لدى مازن في حيرة من قرار الأخير بمنح موقف السيارات لذاك الشخص.

وقام مازن في النهاية بحل ما اعتبره مشكلة إدارة تافهة، قائلاً عنها، "إنها ليست أمراً يجب عليّ أن أقلق حياله"، لكنه بدأ يدرك أن كل قرار يتعلق بالأفراد يؤثر على الفريق. كان يعمل انطلاقاً من افتراض أنه إذا استطاع إقامة علاقة جيدة مع كل شخص يرأسه على حدة، سيعمل فريقه بالكامل بسلاسة، لكن ما تعلمه هو أن الإشراف على كل فرد لوحده شيء، وقيادة فريق بالكامل شيء مختلف تماماً. وفي بحثي، أسمع مراراً حديث المدراء الجدد عن مواقف قدموا فيها استثناءً لأحد المرؤوسين، في العادة بهدف إنشاء علاقة إيجابية مع ذلك الشخص، لينتهي المطاف بمواجهتهم عواقب وخيمة فيما يتعلق بالفريق ككل. وقد يكون فهم هذه الفكرة أمراً صعباً لمن تمت ترقيتهم مؤخراً لمنصب إداري، ممن كانوا سابقاً يحققون الكثير من النجاحات عبر عملهم لوحدهم.

أسمع مراراً حديث المدراء الجدد عن مواقف قدموا فيها استثناءً لأحد المرؤوسين، في العادة بهدف إنشاء علاقة إيجابية مع ذلك الشخص، لينتهي المطاف بهم بمواجهة عواقب وخيمة فيما يتعلق بالفريق ككل.

وعندما يركز المدراء الجدد فقط على العلاقات الفردية، يهملون جانباً أساسياً من جوانب القيادة الفاعلة والمتمثل في تسخير القوة الجماعية للمجموعة لتحسين الأداء والالتزام الفرديين. ويمكن للقائد إطلاق قدرات حل المشكلات الكامنة لمواهب أعضاء الفريق المتنوعة عن تشكيل ثقافة الفريق، التي هي قواعد المجموعة وقيمها.

يجب على المدراء التأكد من سير الأمور بسلاسة.

وتعتبر هذه الخرافة صحيحة، مثل العديد من الخرافات الإدارية الأخرى، لكنها مضللة لأنها تحكي جانباً من القصة فحسب، إذ يعتبر التأكد من سير العمليات بسلاسة مهمة صعبة للغاية لكونها تتطلب من المدير مراعاة العديد من الأمور التي تحدث في الوقت نفسه طوال الوقت. وفي الواقع، يمكن لتعقيد المحافظة على الوضع الراهن أن يمتص كل وقت المدير المبتدئ وطاقته.

لكن يحتاج المدراء الجدد أيضاً إلى إدراك أنهم مسؤولون عن تقديم التوصيات وإطلاق التغييرات التي من شأنها أن تحسّن أداء مجموعاتهم. وفي كثير من الأحيان، يعني ما سبق تحدي العمليات التنظيمية أو الهياكل الموجودة فوق وخارج نطاق سلطتهم الرسمية، الأمر الذي قد يفاجئ معظمهم. وعندما يفهمون هذا الجزء من الوظيفة، سيبدؤون في التعاطي مع مسؤولياتهم القيادية بواقعية. (راجع الشريط الجانبي "حسناً، شيء آخر: تهيئة الظروف لنجاحك").

حسناً، شيء آخر: تهيئة الظروف لنجاحك

غالباً ما يكتشف المدراء الجدد، متأخرين، أنه يُتوقع قيامهم بأكثر من مجرد التأكد من عمل مجموعاتهم بسلاسة اليوم، حيث يجب عليهم أيضاً التوصية وبدء التغييرات التي من شأنها مساعدة مجموعاتهم على القيام بعمل أفضل في المستقبل.

اكتشف مدير تسويق جديد في شركة اتصالات، سأدعوه جميل، أن سلفه فشل في القيام باستثمارات مهمة، بالتالي حاول في مناسبات عديدة إقناع مديره المباشر بزيادة ميزانية التسويق. وقدّم أيضاً اقتراحاً للحصول على نظام معلومات جديد من شأنه أن يسمح لفريقه بتحسين مبادراته التسويقية. وعندما لم يتمكن من إقناع رئيسه بتقديم المزيد من الأموال، انكفأ على نفسه وركز على التغييرات داخل فريقه والتي من شأنها أن تجعل الفريق مثمراً قدر الإمكان في ظل هذه الظروف. بدت هذه الفكرة حكيمة، خاصة وأن علاقته برئيسه، الذي كان يستغرق وقتاً أطول وأطول للرد على رسائل جميل الإلكترونية، أصبحت متوترة.

وعندما فشلت الخدمة في تحقيق أهداف معينة، طرد الرئيس التنفيذي للشركة جميل لأنه، كما قيل لجميل، لم يكن استباقياً. وقال الرئيس التنفيذي إن جميل مال إلى "النأي بنفسه ولم يطلب مساعدته" في تأمين الأموال اللازمة للنجاح في سوق جديد حرج. ويعتقد جميل، الذي أصيب بالصدمة والضرر، أن الرئيس التنفيذي كان ظالماً بشكل كبير. وزعم جميل أنه لم يكن خطأه أن إجراءات التخطيط الاستراتيجي والميزانية للشركة كانت معيبة. ورد الرئيس التنفيذي: "كانت مسؤولية جميل تهيئة الظروف لنجاحه".

وفي الواقع، يرى معظم المدراء الجدد أنفسهم مستهدفين بمبادرات التغيير التنظيمي، حيث يقومون بتنفيذ التغييرات المطلوبة ضمن مجموعاتهم نتيجةً للأوامر القادمة من أعلى، من دون أن يروا أنفسهم كوكلاء تغيير. ويقود التفكير الهرمي وتأكيدهم على السلطة التي تأتي مع كونهم المدير إلى تحديد ضيّق جداً لمسؤولياتهم. بالتالي، يميلون إلى إلقاء اللوم على الأنظمة المعيبة، والرؤساء المسؤولين مباشرة عن هذه الأنظمة، لتبرير نكسات فرقهم، كما يميلون إلى انتظار الآخرين لحل المشاكل.

ولكن يمثل ما سبق عدم فهم لدورهم داخل المؤسسة، إذ يحتاج المدراء الجدد إلى إنشاء تغييرات لضمان نجاح فرقهم، داخل نطاق مسؤولياتهم وخارجه. إنهم بحاجة إلى العمل لتغيير السياق الذي تعمل فيه فرقهم، وتجاهل افتقارهم إلى سلطة رسمية.

وستقدم هذه النظرة الأوسع فائدة للمؤسسة وحتى للمدير الجديد نفسه. ويجب على المؤسسات تنشيط وتحويل نفسها باستمرار، فلا يمكنها مواجهة هذه التحديات إلا إذا كان لديها مجموعة من القادة الفاعلين القادرين على إدارة تعقيد الوضع الراهن وبدء التغيير.

المدراء الجدد ليسوا وحدهم

يمكن للمدراء الجدد اكتساب فوائد هائلة عبر التعرف على المفاهيم الخاطئة التي أوجزتها للتو خلال رحلتهم في رحاب العملية الشاقة المتمثلة في أن يصبحوا مدراء. لكن سيبقى هؤلاء المدراء يرتكبون الأخطاء خلال محاولتهم فك طلاسم لغز الإدارة، بالنظر إلى الطبيعة متعددة الطبقات لمسؤولياتهم الجديدة، ولن تكون هذه العملية ممتعة بغض النظر عن مدى أهميتها، حيث سيشعرون بالألم خلال تغيير هوياتهم المهنية وإعادة صياغتها، كما أنهم غالباً ما سيشعرون بالعزلة خلال سعيهم لتعلم خبايا منصبهم الجديد.

ولسوء الحظ، أظهر بحثي قيام عدد قليل من المدراء الجدد بطلب المساعدة، في سبب يعود جزئياً إلى فكرة خاطئة أخرى: يُفترض أن يكون لدى المدير جميع الإجابات، بالتالي يُعدُّ طلب المساعدة علامة أكيدة على أن المدير الجديد جاء نتيجة "ترقية خاطئة". ويعرف المدراء المخضرمين بالطبع أن لا شخص واحد يملك كل الإجابات، حيث تأتي خبرات المدير بمرور الوقت والتجربة. وكما تبين الدراسات العديدة، سيسهل التعلم ضمن الوظيفة إذا كان يمكنك الاعتماد على دعم ومساعدة الأقران والرؤساء.

ويعود السبب الآخر في عدم طلب المدراء الجدد المساعدة إلى إدراكهم لمخاطر إقامة علاقات تطويرية (وتكون في بعض الأحيان متخيلة أكثر من كونها حقيقية). فعندما تقوم بمشاركة مخاوفك وأخطائك وأوجه قصورك مع نظرائك في جزء من المؤسسة، فهناك خطر أن يستخدم الأفراد تلك المعلومات ضدك. وينطبق الشيء نفسه على عرض مشاكلك على رئيسك، حيث يعتبر الصراع المتأصل بين أدوار المُقيِّم والمطور معضلة قديمة. بالتالي يحتاج المدراء الجدد إلى أن يكونوا مبدعين في إيجاد الدعم. فعلى سبيل المثال، قد يبحثون عن أقرانهم خارج قسمهم أو إقليمهم أو في مؤسسة أخرى تماماً. ويمكن التخفيف من المشكلة مع المدراء، رغم صعوبة حلها بدقة. وهنا يكمن الدرس ليس فقط للمدراء الجدد ولكن للمدراء ذوي الخبرة أيضاً.

وقد تتجنب مديرة جديدة اللجوء إلى رئيسها المباشر لنيل المشورة لأنها ترى أن هذا الشخص يمثل تهديداً لتطورها وليس حليفاً لها. ونظراً لأنها تخشى عقابه لها على أخطائها وفشلها، ستقاوم طلب المساعدة التي قد تحول دون حدوث تلك الأخطاء في المقام الأول، حتى عندما تكون في حاجة شديدة لذلك. وكما يقول مدير جديد:

"أعلم ضمنياً أن عليّ زيادة وتيرة تواصلي مع مديري لأنه يرغب في ذلك. فهو يملك الخبرة، وأنا مدين له على الأرجح بالذهاب إليه وإخباره بما يجري. ربما لديه بعض النصائح الجيدة، لكن ليس من الآمن مشاركة ذلك معه لعدم وضوح العواقب. فإذ طرحت الكثير من الأسئلة، قد يفقد ثقته فيك ويعتقد أن الأمور لا تسير على ما يرام. وقد يرى أنك غير قادر على ضبط الأمور، ثم سيصعّب عليك حياتك لكونه سيبدأ في التواجد أكثر قربك، ويطرح الكثير من الأسئلة حول ما تفعله، وسرعان ما سيصبح أكثر انخراطاً في عملك، وهو أمر غير مريح مطلقاً. إنه فعلياً آخر شخص أذهب إليه طلباً للمساعدة".

وغالباً ما تكون هذه المخاوف مبررة، إذ عبّر الكثير من المدراء الجدد عن ندمهم لمحاولتهم إقامة علاقة إرشاد بينهم وبين مع رؤسائهم. يقول أحدهم: "لا أجرؤ حتى على طرح سؤال يمكن اعتباره ساذجاً أو غبياً. فذات مرة، طرحت عليه سؤالاً، فجعلني أشعر وكأنني طفل في العمل. كانت الوضع كما لو قال، (كان هذا أغبى شيء سمعته على الإطلاق. بم كنت تفكر بحق الله)؟".

وتعتبر هذه فرصة ضائعة بشكل مأساوي للمدير الجديد ورئيسه والمؤسسة ككل. ويعني هذا أن مدير المدير الجديد يفقد الفرصة للتأثير على المفاهيم الأولية الصحيحة والخاطئة للمدير الجديد في منصبه الجديد وكيف يجب على هذا المدير النجاح في منصبه الجديد. ويفقد المدير الجديد فرصة الاعتماد على الأصول التنظيمية - من الموارد المالية إلى المعلومات حول أولويات الإدارة العليا - التي يمكن أن يقدمها مديره.

وعندما يتمكن مدير جديد من تطوير علاقة جيدة مع رئيسه، يمكن أن يكون لذلك أثر كبير، ولكن ليس بالضرورة بالطرق التي يتوقعها المدير الجديد، إذ يشير بحثي إلى أن حوالي نصف المدراء الجدد يلجؤون في النهاية إلى رؤساءهم للحصول على المساعدة، غالباً بسبب أزمة تلوح في الأفق. ويشعر الكثيرون بالارتياح لإيجاد رؤسائهم أكثر تسامحاً مع أسئلتهم وأخطائهم مما كانوا يتوقعونه. ويتذكر أحد المدراء الجدد قائلاً: "لقد أدرك أنني ما زلت في وضع التعلم وكان أكثر استعداداً للمساعدة بأي طريقة ممكنة".

ويلجأ حوالي نصف المدراء الجدد إلى رؤساءهم للحصول على المساعدة، حيث يشعر الكثيرون بالارتياح عندما يعرفون أن رؤسائهم أكثر تسامحاً مع أسئلتهم وأخطائهم مما توقعوا.

وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون المرشدين متسلطين بشكل كبير خلال محاولتهم تقديم الإرشاد، إذ ذكر أحد المدراء كيف كان يتعلم من رئيسته المباشر: "إنها متطلبة، لكن يُقال عنها إنها تعمل على تطوير الناس ومساعدتهم وإنقاذهم من المآزق. لم أكن متأكداً بعد أول 60 يوماً من تواصلي معها، إذ كان كل شيء صعباً وكنت محبطاً للغاية، في حين لم تعرض هي أي مساعدة. وكان ذلك يقودني إلى الجنون، إذ أنه كلما كنت أطرح عليها سؤالاً، كانت ترد عليه بسؤال، ولا تقدم إجابات. ثم رأيت ما أرادتني أن أراه، والذي كان وجوب أن أقوم بنفسي بالتوصل إلى بعض الأفكار حيال أفضل طريقة أتعامل بها مع الموقف. ثم جاءت بعد ذلك لتتحدث معي حول تلك الأفكار، وكانت تقضي أطول وقت ممكن في العالم معي".

وتسلط تجربته الضوء بوضوح على أهمية فهم مدراء المدراء الجدد – أو مجرد تذكر – مدى صعوبة الانتقال إلى دور الإدارة لأول مرة. ستقدم مساعدة المدير الجديد على النجاح الفائدة للفرد، كما أنها ستقدم أيضاً النجاح للمؤسسة بأكملها عندما يتمكن ذاك الفرد من أداء عمليه الجديد بأفضل شكل ممكن.

ظهرت نسخة من هذا المقال في عدد يناير/ كانون الثاني 2007 من مجلة هارفارد بزنس ريفيو.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي