ما الصفات التي تحدد القائد العظيم؟ على الرغم من أن هناك مكونات أساسية مشتركة يحتاج إليها جميع القادة، مثل القدرة على المحاكمة والنزاهة ومهارات التعامل مع الأشخاص، لكن الوصفة المثالية للقائد الناجح تختلف باختلاف السياق الثقافي. والسبب الرئيسي هو أن الثقافات تختلف في نظرياتها الضمنية للقيادة التي تعبّر عن المعتقدات العامة حول الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يعدّ قائداً. أي أن أسلوبك النموذجي وميولك السلوكية تعدّ ميزة أو موطن ضعف بناء على السياق الثقافي، بعبارة أخرى، تدور القيادة الفعالة إلى حد كبير حول امتلاك الشخصية المناسبة لبيئة معينة.
أظهرت الأبحاث أن صناعة القرار وأسلوب التواصل والسلوكيات السلبية بين القادة تتأثر جميعها بالمنطقة الجغرافية التي يعملون فيها. فيما يلي نستعرض 6 أنماط رئيسية للقيادة توضح بعض هذه النتائج.
صناعة القرار
القائد المتوافق
التزام التنفيذ هي السمة الأساسية للقائد المتوافق، وتحظى بالتقدير في مناطق مثل شمال شرق آسيا (مثل البر الرئيسي للصين وكوريا الجنوبية واليابان) وإندونيسيا وتايلاند والإمارات العربية المتحدة ومعظم بلدان أميركا اللاتينية (المكسيك والبرازيل وكولومبيا وتشيلي). للارتقاء في المناصب التنظيمية، يجب على هؤلاء القادة السعي لتحقيق الإجماع حول القرارات وقيادة الآخرين من خلال عملية توجيه دقيقة، ونتيجة لذلك قد تستغرق الدورات الاقتصادية وقتاً أطول، ولكن بمجرد توافق أصحاب المصالح جميعهم، يجب على القائد المتوافق التصرف بسرعة وإتمام الصفقة لتجنب تعريض التوافق للخطر. يتوخى القائد المتوافق الحذر غالباً ويركز على التهديدات المحتملة أكثر من المزايا أو النتائج الإيجابية المحتملة.
القائد مغتنم الفرص
يحظى القادة الذين يبادرون إلى العمل ويظهِرون المرونة بشأن كيفية تحقيق أهدافهم بتقدير كبير في دول أوروبا الجرمانية والشمالية (ألمانيا وهولندا والدنمارك والنرويج)، والمملكة المتحدة والدول الغربية التي كان للمملكة المتحدة تأثير ثقافي كبير فيها (الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا)، والدول الآسيوية التي بُنيت مؤسساتها الحاكمة والاقتصادية على النموذج البريطاني (الهند وسنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ). يتمتع هؤلاء القادة بدرجات متفاوتة من الفردية ويزدهرون في المواقف التي تتسم بالغموض، ولكن يُستحسن بهم تفقد أحوال أعضاء الفريق باستمرار لضمان مواكبتهم للخطط المتغيرة. غالباً ما يكون للقائد المغتنم الفرص طبيعة طموحة تميل إلى المخاطرة.
أسلوب التواصل
القائد المباشر
يتوقع الموظفون في بعض المناطق أن يعالج قادتهم القضايا بأسلوب مباشر. لا يُحبَّذ التواصل المفرط بين صفوف القيادة في شمال شرق آسيا ودول مثل هولندا، ويفضّل الموظفون هناك أن يكون القائد واضحاً وصريحاً في معالجة المشاكل. ووفقاً لذلك، يحظى القادة الذين يركزون على المهام والنتائج بدلاً من العلاقات والعواطف بالأفضلية. تشيع اجتماعات مراجعة الأداء المرتجلة مع المرؤوسين المباشرين في تلك المواقع، ويعالج القادة السلوكيات غير المقبولة التي تصدر من أعضاء الفريق بمجرد ملاحظتها، وعادة ما يكون القادة المباشرون أقل حساسية في التعامل مع الآخرين.
القائد الديبلوماسي
تتمتع مهارة التواصل والدقة في توصيل الرسائل في بعض الدول بأهمية في التفاهم وإحراز التقدم وتحقيق النجاح. يفضِّل الموظفون في أماكن مثل نيوزيلندا والسويد وكندا ومعظم دول أميركا اللاتينية العمل تحت إشراف مدراء قادرين على إضفاء أجواء ودية وممتعة على محادثات العمل، ويتعامل القادة مع المواجهات البنّاءة بتعاطف؛ أي حين يكون عليهم تقديم ملاحظات سلبية يحرصون على تقديمها بطريقة لائقة. يُتوقع من القادة في هذه المواقع الانتباه إلى ردود فعل الجمهور باستمرار في أثناء المفاوضات والاجتماعات، وتعديل أسلوب تواصلهم لإبقاء أجواء المناقشات لطيفة؛ إذ يُنظر إلى التواصل المباشر الصريح على أنه قسوة لا حاجة لها. عادة ما يُظهر القادة الديبلوماسيون التهذيب واللباقة والقبول حتى في مواجهة الآراء المخالفة.
السلوكيات السلبية
القائد ذو السلوكيات المتناقضة
يظهر القادة ذوو السلوكيات المتناقضة عندما تعطي المؤسسات الأولوية للتسلسل الهرمي، ما يؤدي إلى ميل القادة الناشئين إلى تطوير مهارات تأقلم فريدة. هؤلاء القادة مسؤولون عن تنفيذ توجيهات القيادة العليا وفرضها على الموظفين في المستوى الأدنى، ولكن إفراطهم في استخدام الصلاحيات الممنوحة لهم يمكن أن يؤدي إلى أسلوب القيادة ذي السلوكيات المتناقضة، الذي يتسم بإظهار الاحترام الشديد أو الاهتمام المفاجئ بالتفاصيل في التعامل مع المستوى الأعلى، والتعامل بحزم أو رفض المرونة في قيادة المرؤوسين. على الرغم من أن أسلوب القيادة الذي يشوبه الخلل هذا ليس جيداً، لكنه مقبول بصورة أكبر في بلدان معينة، مثل دول غرب آسيا (تركيا والهند والإمارات العربية المتحدة) وصربيا واليونان وكينيا وكوريا الجنوبية. غالباً ما يعمل القادة ذوو السلوك المتناقض بجد ويخلصون لمدرائهم، لكنهم يتسمون بالشدة والسيطرة على مرؤوسيهم المباشرين.
القائد العدواني السلبي
يصبح بعض القادة متهكمين وعديمي الثقة بالآخرين، وفي نهاية المطاف تنشأ لديهم مقاومة خفية تجاه مهمة أو هدف أو موقف معين، لا سيما عندما يتعرضون للضغط. تنشأ ردود الفعل هذه غالباً عندما يُضطر القائد إلى متابعة هدف أو تنفيذ مهمة دون قناعة بها أو في غياب الأساس المنطقي السليم الذي يبررها. قد يكون التعاون مع الحفاظ على مستوى من الشك مفيداً في بعض الأحيان في الفرق، لكن يمكن أن تعوق هذه السلوكيات التنفيذ الفعال أيضاً. من المثير للدهشة أن أسلوب القيادة هذا يجد قبولاً على نطاق واسع في إندونيسيا وماليزيا، إذ لا يبدو أنه يعوق التقدم المهني للقادة. يميل القائد العدواني السلبي عادة إلى الانتقاد وإبداء الاستياء، ومن المفارقات أن محاولته تجنب الصراعات تولد غالباً قدراً كبيراً من الصراعات أيضاً.
لا شك في أنه يمكن لأي قائد تعديل أسلوب قيادته ليناسب السياق الثقافي ذا الصلة، لكن تحقيق ذلك يتطلب بذل جهد كبير للتغلب على الاستعداد المسبّق والميول الطبيعية للفرد، وجهداً كبيراً أيضاً لكسر العادات القديمة وتعلم عادات جديدة. من المهم أيضاً مراعاة ثقافة المؤسسة التي تتطلب مستوى أدّق من التحليل لتحديد الصفات التي تعزز النجاح أو تعوقه. ينجح كبار القادة غالباً لأنهم يعيدون تعريف الثقافة بطريقة تعكس بصورة مباشرة شخصياتهم وميولهم، وبالتالي تتشكل ثقافة المؤسسة في معظمها من مجموع قيم القادة السابقين المؤثرين ومعتقداتهم.