ملخص: أصدرت جمعية بزنس راوند تيبل قبل 5 أعوام بياناً تعهدت فيه بـ "قيادة شركاتها بطريقة تراعي مصالح جميع أصحاب المصلحة". في الأعوام الخمس الماضية، اكتسبت عقلية أصحاب المصلحة (Stakeholderism) في إدارة الأعمال قبولاً واسع النطاق وساعدت العديد من قادة الشركات على إدراك قيمة أخذ مصالح أصحاب المصلحة على محمل الجد عند التخطيط ووضع الاستراتيجية وصناعة القرارات وتقييم المخاطر وتخصيص الموارد وما إلى ذلك. لكنها بعيدة كل البعد عن أن تحل محل نظرية "رأسمالية المساهمين" (Shareholder Capitalism) باعتبارها مبدأ تنظيمياً رئيسياً للشركات الأميركية، فهذا يتطلب جهداً كبيراً؛ إذ سيتعين على مؤيدي هذه العقلية أن يحددوا بوضوح أكبر ماهية نهج رأسمالية أصحاب المصلحة (Stakeholder Capitalism) وأن يعززوا أسسه النظرية، وأن يضعوا دليلاً لتطبيقه، مثل مقاييس الأداء والمبادئ التوجيهية لإجراء المفاضلات. كما سيتعين عليهم بناء منظومة من المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين والمدراء والمستشارين وغيرهم من المهنيين (المحامين والمصرفيين والمحاسبين والمحللين وغيرهم) الذين يفهمون هذا النهج ويدعمونه، ويرسخون مبادئه في القانون والتشريعات ويعلّمون مبادئه وممارساته لقادة المستقبل.
عندما أصدرت جمعية بزنس راوند تيبل (Business Roundtable) بيانها الجديد حول غاية الشركة في أغسطس/آب 2019، سلطت الضوء على الجدل القائم منذ فترة طويلة بين أنصار رأسمالية المساهمين وأنصار رأسمالية أصحاب المصلحة. أظهر بيان جمعية بزنس راوند تيبل الجديد تحولاً عن موقفها السابق الذي تمثّل بمنح الأولوية للمساهمين، إذ أعلنت فيه التزام الموقّعين عليه "بقيادة شركاتهم بطريقة تعود بالفائدة على أصحاب المصلحة جميعهم".
بدا الموقف لكثير من المعلقين انتصاراً لعقلية أصحاب المصلحة، لكن المشككين أشاروا بسرعة إلى أن شيئاً لم يتغير فعلياً في ممارسات حوكمة الشركات الـ 181 التي وقع رؤساؤها التنفيذيون على البيان. كما أكدت الدراسات لاحقاً أن أغلبية مجالس إدارة تلك الشركات لم يطلب منها أحد الموافقة على قرار التوقيع، وأن وثائق الحوكمة فيها ما زالت تنص على أن هدف الشركة النهائي هو القيمة السهمية (وكان القليل من وثائق الحوكمة في هذه الشركات يشير مسبّقاً إلى مصالح أصحاب المصلحة الآخرين). علاوة على ذلك، بقيت عوائد المساهمين المقياس الأساسي لمنح الحوافز الطويلة الأجل للرؤساء التنفيذيين للشركات المدرجة في مؤشر إس آند بي 500 (S&P 500)، التي تضم نحو ثلثي الشركات التي وقع رؤساؤها التنفيذيون على البيان.
في المقابل، رأى العديد من المدافعين عن أصحاب المصلحة أن البيان كان الخطوة الأولى في رحلة طويلة لإعادة هيكلة الشركات الأميركية لخلق القيمة لجميع أصحاب المصلحة وليس للمساهمين فحسب، في حين لم يوضح الموقعون على البيان تماماً إذا ما كانوا يصفون كيفية عمل شركاتهم بالفعل أو يعلنون عن تغيير جذري في توجهها.
ما زال الجدل مستمراً بعد 5 أعوام، ولم تتحقق النقلة الجماعية المتوقعة نحو عقلية أصحاب المصلحة بعد على الرغم من أن مصطلح "أصحاب المصلحة" أصبح منتشراً بدرجة كبيرة، ومن النادر أن تجد شركة مدرجة في البورصة لا تدّعي التزامها العام تجاه أصحاب المصلحة جميعهم، وعلى الرغم أيضاً من أن بعض الشركات اتخذت خطوات لمعالجة مخاوف أصحاب المصلحة، وزادت الاهتمام بهم في اجتماعات مجالس إدارتها، ووضعت أهداف أداء وحوافز (متواضعة) لتعزيز مصالح بعض أصحاب المصلحة غير المساهمين.
يبدو أننا لن نتمكن من حسم هذا الجدل بعد، وما تزال أولوية المساهمين متأصلة بعمق في نظام حوكمة الشركات، حتى إن العديد من مؤيدي عقلية أصحاب المصلحة يعتمدون في حججهم على أهمية مصالح المساهمين الطويلة الأجل. كتب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك (BlackRock)، لاري فينك، في رسالته لعام 2021 إلى الرؤساء التنفيذيين الآتي: "حين تثبت شركتك التزامها بغايتها المتمثلة في تحقيق القيمة لعملائها وموظفيها ومجتمعاتها، تزداد قدرتها على المنافسة وتحقيق أرباح مستدامة طويلة الأجل للمساهمين". في الوقت نفسه تزداد قوة المساهمين، حيث تبنت ولاية ديلاوير مؤخراً، وهي المقر القانوني لأكثر من ثلثي الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500 (Fortune 500) وما يقرب من 80% من الطروحات العامة الأولية في الولايات المتحدة، تشريعات توسع قدرة المساهمين المؤثرين على التعاقد مع الشركات التي يستثمرون بها للحصول على صلاحيات كانت تقليدياً محصورة في مجلس الإدارة.
ما هو سبب استمرار قوة رأسمالية المساهمين؟
أحد الأسباب التي منعت مفهوم رأسمالية أصحاب المصلحة من الرسوخ هو عدم التوصل بعد إلى إجماع على ما يتطلبه تبنيّه من الشركات ومسؤولية الشركات تجاه أصحاب المصلحة من غير المساهمين. كتبت في أحد المقالات أنه بالإمكان تفسير عقلية أصحاب المصلحة بأربع طرق مختلفة على الأقل. التفسير الأول هو أن الشركات يجب أن تراعي مصالح أصحاب المصلحة من غير المساهمين، وأن تخدم تلك المصالح في حال كانت تؤدي إلى تعظيم القيمة السهمية فحسب. أما الثاني فيقول إن الشركات لديها التزامات أخلاقية وقانونية تجاه كل من أصحاب المصلحة، ويجب احترامها بغض النظر عن إذا كان ذلك سيعظم القيمة السهمية أو لا. التفسير الثالث يرى أن الشركات يجب أن تحسّن رفاهة أصحاب المصلحة جميعهم على نحو ملموس، من خلال زيادة نصيب الموظفين من المكاسب الناتجة عن تحسين الإنتاجية على سبيل المثال أو توفير السلع والخدمات الأساسية على نحو أفضل للمستهلكين أصحاب الدخل المنخفض. التفسير الرابع يدعو إلى منح أصحاب المصلحة من غير المساهمين صلاحيات رسمية في حوكمة الشركات، إما من خلال حقوق تصويت مشابهة لحقوق المساهمين وإما التمثيل في مجالس الإدارة.
لا نستطيع أن نعرف أياً من هذه التفسيرات كان في أذهان الموقعين على بيان جمعية بزنس راوند تيبل، على الرغم من أن تعليقها يشير إلى أنهم لم يضعوا تصورات لتغيير هيكليات حوكمة الشركات. يصعب تطبيق عقلية أصحاب المصلحة في ظل غموض مسؤولية الشركات تجاه أصحاب المصلحة من غير المساهمين، لذا، ليس من المفاجئ أن تكون الشركات الكبرى قد اتخذت خطوات متواضعة أو ظرفية لتنفيذه.
في المقابل، كان صعود القيمة السهمية وانتشارها باعتبارها هدفاً للشركات في الثمانينيات والتسعينيات مصحوباً بتطوير خطة تنفيذية تستند إلى ما يسميه الأكاديميون نظرية الوكالة (Agency Theory). وعلى الرغم من عيوب نظرية الوكالة، فقد قدمت أساساً واضحاً وسهل الفهم لمجموعة من الإرشادات والممارسات اللازمة لتطبيق مفهوم مصالح المساهمين. والأهم من ذلك أنها وضعت مقياساً محدداً لقياس القيمة السهمية، وهو "إجمالي عائد المساهمين" (TSR)، ونهجاً للتعويضات يهدف إلى تحفيز المسؤولين التنفيذيين على تعظيمها. كما قدّم مؤيدو النظرية إرشادات حول التصميم التنظيمي وممارسات حوكمة الشركات تعتبر مجلس الإدارة آلية رقابة لضمان تعظيم المسؤولين التنفيذيين للقيمة التي يقدمونها للمساهمين. إلى جانب أن النظرية حفزت تغييرات قانونية وتنظيمية وتغييرات في اللوائح الداخلية للشركات لتعزيز حقوق المساهمين وزيادة قدرتهم على التدخل في حال أخفقت الشركة في تعظيم القيمة السهمية. بالمقارنة، تظل النظرية التي تقوم عليها رأسمالية أصحاب المصلحة أقل تطوراً، ولم تظهر بعد خطة تنفيذية لها مقبولة على نطاق واسع.
إحدى العقبات الأخرى أمام الاعتماد الواسع النطاق لنظرية رأسمالية أصحاب المصلحة كانت غياب مجموعة قوية ومؤثرة تعمل على ترويجها. عندما ظهرت نظرية الوكالة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، لاقت قبولاً واسعاً لدى المؤسسات الاستثمارية، وخاصة صناديق التقاعد الكبيرة التي كانت تعمل آنذاك على تركيز ملكية الأسهم في أميركا؛ فبعد التراجع الشديد في أداء سوق الأسهم في السبعينيات، كانت هذه المؤسسات تبحث عن طرق للحفاظ على قدرتها التنافسية والوفاء بالتزاماتها تجاه المستفيدين، وقد أعطت نظرية الوكالة بتركيزها على تعظيم العوائد للمساهمين جهود هذه المؤسسات الاستثمارية شرعية فكرية ومكّنتها من الضغط على الشركات ومجالس الإدارة لتحسين العوائد. وفي المقابل، بدأت المؤسسات الاستثمارية تتحدث عن أولوية المساهمين للضغط على الشركات حتى لا تستخدم أحكام منع الاستحواذ، مثل استراتيجية "الحبوب السامة" (Poison Pills) التي شاع أنها تحرم المساهمين من فرصة كسب علاوة على أسهمهم، وللتملص من القوانين الحكومية التي تسمح للمدراء بمراعاة أصحاب المصلحة الأخرى عند النظر في عرض استحواذ.
في الفترة التي سبقت بيان جمعية بزنس راوند تيبل وتلتها، أعربت عدة مؤسسات استثمارية كبيرة عن دعمها لنظرية رأسمالية أصحاب المصلحة، لكن هذا الدعم تراجع إلى حد ما مع تغير الأوضاع السياسية وظروف السوق الذي رفع تكلفتها على الشركات. على سبيل المثال، عدّلت شركة بلاك روك بياناتها العامة بعد أن سحبت كيانات حكومية مختلفة المليارات من الدولارات من صناديقها عقب اعتماد تشريعات تحد من أخذ العوامل البيئية والاجتماعية في الحسبان عند استثمار الأموال الحكومية. من المرجح أن يستمر دعم المستثمرين المؤسسيين في التذبذب، نظراً لأن مصالح المستثمرين ومصالح أصحاب المصلحة الآخرين لا تتماشى دائماً. ومع ذلك، ليس من المؤكد أن تصبح رأسمالية أصحاب المصلحة راسخة مثل رأسمالية المساهمين دون وجود مجموعة قوية اقتصادياً أو سياسياً تعمل على ترويجها.
ما تعلمناه عن رأسمالية أصحاب المصلحة
على الرغم من أن مشروع عقلية أصحاب المصلحة لم يحل محل أولوية المساهمين، فإن تجربة هذا النهج على مستوى الولايات المتحدة قدمت بعض الدروس المهمة على مدى السنوات الخمس الماضية. من ناحية، أظهرت هذه التجربة الترابط بين مصالح مجموعات أصحاب المصلحة المختلفة وأثبتت أن مراعاة مصالح أصحاب المصلحة الآخرين صراحة يعود بالفائدة على المساهمين. وفي الوقت الذي كان فيه مفهوم الاهتمام بأصحاب المصالح مجرد فكرة هامشية، رأى بعض النقاد أن التركيز على مصالح أصحاب المصلحة الآخرين سيشتت انتباه قادة الشركات عن مهمتهم المتمثلة في تعظيم القيمة السهمية. ورأى آخرون أن المناداة بمصالح أصحاب المصلحة الآخرين ليست ضرورية، بحجة أنه إذا ركّز قادة الشركات بما فيه الكفاية على تعظيم القيمة السهمية، فسيأخذون تلقائياً مصالح أصحاب المصلحة الآخرين في الحسبان إذا كانت ذات صلة.
ولكن ما تبين هو أن حصر التركيز في تعظيم القيمة السهمية يمكن أن يكون مضراً بالشركة، ومثال ذلك فضائح تسعير الأدوية في شركة فاليانت للصناعات الدوائية (Valeant)، أو فضيحة الحسابات المزيفة في شركة ويلز فارغو (Wells Fargo)، أو فضيحة سلامة الطائرات في شركة بوينغ (Boeing). لو أن هذه الشركات اهتمت أكثر بخدمة مصالح أصحاب المصلحة من غير المساهمين، لربما تجنبت هذه الكوارث وضمنت استفادة مساهميها في الوقت نفسه.
وبالمثل، فإن مراعاة مصالح أصحاب المصلحة من غير المساهمين صراحة قد تكشف عن فرص لخلق القيمة لا تنتبه لها الإدارة عادة، مثل الاهتمام بمصالح أصحاب المصلحة في الجانب البيئي، إذ اكتشف العديد من قادة الشركات أن تقليل انبعاثات الكربون في شركاتهم أو تطوير منتجات صديقة للبيئة أكثر لعملائهم يمكن أن يزيد صافي الأرباح. وبالمثل، فإن الاهتمام بما يريده الموظفون ساعد بعض الشركات على تطوير حزم فوائد تعطي الموظفين ما يريدونه وبتكلفة إجمالية أقل على الشركة. في الواقع، وثّقت أنا وشركائي في تأليف كتاب "الرأسمالية في خطر: كيف يمكن للشركات أن تقود" (Capitalism at Risk: How Businesses Can Lead)، وجدَت عدة شركات فرصاً للابتكار والنمو من خلال السعي لتلبية احتياجات أصحاب المصلحة.
باختصار، أدرك الكثير من قادة الشركات بعد الاعتراف بعقلية أصحاب المصلحة على نطاق واسع أن دراسة مصالح أصحاب المصلحة ليس مضيعة للوقت، بل أداة مهمة لتحديد المخاطر والفرص وصياغة استراتيجيات تتماشى مع مصالح أصحاب المصلحة وخلق القيمة للمساهمين في آن معاً.
لقد علمتنا السنوات الخمس الماضية أيضاً أن تحسين رفاهة أصحاب المصلحة جميعهم على نحو مستمر أصعب مما اعتقدنا في البداية. فالتوافق الشديد بين مصالح أصحاب المصلحة المختلفين الذي تصوره رأسمالية أصحاب المصلحة يختل بسهولة بسبب التغيرات في ظروف الشركة الداخلية أو بيئتها الخارجية، ما يصعّب على قادة الشركات الاختيار بين مصالح مجموعات أصحاب المصلحة المختلفة. وجدت شركات بارزة من التي وقع رؤساؤها التنفيذيون على بيان جمعية بزنس راوند تيبل نفسها في مثل هذه المواقف. ومن الأمثلة على ذلك قرار شركة أيه تي آند تي (AT&T) في عام 2021 بخفض مزايا التأمين على الحياة ومزايا الوفاة لنحو 220,000 موظف متقاعد في محاولة "للحفاظ على القدرة التنافسية وجذب رأس المال" وفقاً لما أعلنته الشركة، أو قرارات شركة سيلز فورس (Salesforce) في عامي 2023 و2024 بإجراء جولات متعددة من تسريح العاملين في ظل تغيرات السوق وعدم اليقين الاقتصادي في القطاع. كما حذّر بنك جيه بي مورغان مؤخراً من أن العملاء قد يضطرون إلى دفع رسوم على الحسابات الجارية إذا أصبحت القوانين المقترحة التي تضع سقفاً للسحب على المكشوف ورسوم التأخير قانوناً. قد تكون هذه القرارات ضرورية من وجهة نظر معينة، لكنها بالتأكيد لا تحسّن رفاهة أصحاب المصلحة جميعهم.
في الحقيقة، لم يدّعِ الموقعون على بيان جمعية بزنس راوند تيبل أن مصالح أصحاب المصلحة تتوافق دائماً على المدى القصير، إذ كتبت جمعية بزنس راوند تيبل في تعليقها على البيان: "قد يكون لأصحاب المصلحة المختلفين مصالح متنافسة على المدى القصير، لكن مصالح أصحاب المصلحة جميعهم واحدة على المدى الطويل". سواء كانت هذه الملاحظة صحيحة أو لا، فإنها لا تعالج تضارب المصالح القصير الأجل ولا تعالج الأضرار التي يعانيها أصحاب المصلحة المتضررون على الفور، ولا يمكن افتراض التوافق حتى على المدى الطويل.
في السنوات الأخيرة تعثّر عدد من الشركات التي كانت تمتاز بجهودها الطويلة الأجل لصالح أصحاب المصلحة المتنوعين. وربما المثال الأبرز عن هذه الشركات شركة يونيليفر (Unilever) التي تبنّت في عام 2010، تحت قيادة بول بولمان، استراتيجية تراعي أصحاب المصلحة جميعهم وسمّتها صراحة مبادرة طويلة الأجل. كانت الاستراتيجية ناجحة، وأحرزت الشركة تقدماً في العديد من أهدافها البيئية والاجتماعية، وارتفعت قيمة أسهمها تحت قيادة بولمان التي انتهت في ديسمبر/كانون الأول 2018. لكن في السنوات الأخيرة تراجع سعر سهم شركة يونيليفر، واتهم المستثمرون المستاؤون الإدارة بتقديم الاستدامة على حساب الاعتبارات الأساسية في الأعمال، وقالت الشركة إنها ستقلل أهدافها البيئية والاجتماعية. توضح هذه الحالة أن الظروف المتغيرة باستمرار تجعل من الصعب الوفاء بالأهداف الطويلة الأجل لأصحاب المصلحة المتعددين والحفاظ على توافق مصالحهم المستمر على مدى فترات زمنية طويلة.
في الأعوام الخمس الماضية، اكتسبت عقلية أصحاب المصلحة في إدارة الأعمال قبولاً واسع النطاق وساعدت العديد من قادة الشركات على إدراك قيمة أخذ مصالح أصحاب المصلحة على محمل الجد عند التخطيط ووضع الاستراتيجية وصناعة القرارات وتقييم المخاطر وتخصيص الموارد وما إلى ذلك. لكنها بعيدة كل البعد عن أن تحل محل نظرية "رأسمالية المساهمين" باعتبارها مبدأ تنظيمياً رئيسياً للشركات الأميركية، فهذا يتطلب جهداً كبيراً؛ إذ سيتعين على مؤيدي هذه النظرية أن يحددوا بوضوح أكبر ماهية نهج رأسمالية أصحاب المصلحة وأن يعززوا أسسه النظرية، وأن يضعوا دليلاً لتطبيقه، مثل مقاييس الأداء والمبادئ التوجيهية لإجراء المفاضلات. كما سيتعين عليهم بناء منظومة من المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين والمدراء والمستشارين وغيرهم من المهنيين (المحامين والمصرفيين والمحاسبين والمحللين وغيرهم) الذين يفهمون هذا المفهوم ويدعمونه، ويرسخون مبادئه في القانون والتشريعات ويثقفون قادة المستقبل بمبادئه وممارساته.
وذلك يمثل تحدياً كبيراً نظراً لأن أولوية المساهمين متجذرة بعمق في أسواق رأس المال والنظام القانوني من خلال حقوق المساهمين في شراء الأسهم بحرية وبيعها، وانتخاب المدراء، والتصويت على ترتيبات الحوكمة والعمليات التجارية الأساسية، ورفع الدعاوى ضد المدراء في حال انتهاك الأمانة المهنية. سواء حلّت رأسمالية أصحاب المصلحة محل رأسمالية المساهمين أو لا، فإن دراسة مصالح أصحاب المصلحة وإدارتها سيظلان من الأدوات الأساسية لمجالس الإدارة وقادة الشركات بغض النظر عن أهدافها. ومع أن ما جرى لا يمثل النقلة الكاملة التي كان يرجوها العديد من داعمي إعلان جمعية بزنس راوند تيبل في عام 2019، فإنه يمثل تقدماً مهماً.