ما الذي يجعل أصحاب العلاقات الواسعة اختياراً غير مفضل للمشاركة في المشروعات الإبداعية؟

4 دقائق
أصحاب العلاقات الواسعة

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن أصحاب العلاقات الواسعة تحديداً. تخيل أنك بصدد تكوين فريق عمل لمشروع مهم، وتملك شخصين لشغل آخر مكان في الفريق. أولاً، يوجد لديك لبنى التي تتمتع بقدر هائل من الخبرة ذات الصلة، كما أنّ لديها أيضاً شبكة كبيرة من المعارف في مجال العمل. ويبدو أنّ لبنى تعرف كل شيء عن التوجهات المستجدة في العمل وتتمتع بقدرة إبداعية تجعلها محط أنظار كل زملائها. وثانياً، يوجد لدينا أحمد الذي يتمتع بالكفاءة والمهارات العليا والمعرفة، ولكن ليس لديه تلك الشبكة الكبيرة من المعارف التي تتمتع بها لبنى. ويجب عليك أن تختار أحدهما فقط، فمن تختار؟

اقرأ أيضاً: وسّع دائرة معارفك من خارج قطاع عملك

يبدو الأمر وكأنه لا يستحق عناء التفكير. لقد أوضحت البحوث التي أجريت على مدار عقود من الزمن السبب وراء قدرة أشخاص مثل لبنى على أن تتفتق أذهانهم عن أفكار إبداعية، إذ إنّ شبكة معارفهم تجعلهم منفتحين على أفكار مختلفة من مجموعات متباينة من الأشخاص الذين لا يتحدثون مع بعضهم البعض في العادة. ولبنى ومن هم على شاكلتها يعتبرون "محاور مركزية"، حيث يستقبلون المعلومات من مجموعات مهنية مختلفة، ثم يقومون بإعادة دمجها بطرق إبداعية ومبتكرة ويستفيدون بكل تأكيد من شبكات معارفهم وصلاتهم. ولكن هل هذه العملية التساندية تقوم على تبادل المنفعة في الاتجاهين. فهل يحصل الأشخاص الذين يعملون مع هذه "المحاور المركزية" كما هو الحال مع لبنى على نفس القدر من المنفعة من ذلك التعاون؟

للإجابة عن هذا السؤال، قمنا بدراسة العوامل التي حددت نجاح (نسبة مشاهدة) برامج الترفيه التليفزيونية مثل من سيربح المليون؟ (البرنامج مأخوذ من المملكة المتحدة وخضع للتعريب في العالم العربي). وفي المجمل قمنا بجمع بيانات عن 171 برنامج ترفيهي تم بثها على الهواء في العالم العربي في الفترة ما بين عامي 2000 و2017.

أصحاب العلاقات الواسعة

يقوم العاملون في هذا المجال بتكوين شبكات معارف وعلاقات وهم يعملون في البرامج المختلفة على مدار حياتهم المهنية. ولكن، وهو الأهم في هذا السياق، تميل هذه العلاقات إلى الانقسام إلى "مجموعات" مختلفة بمرور الوقت. على سبيل المثال، كانت إحدى المجموعات مرتبطة بالبرامج الواقعية التي كانت تختبر التحمل البدني لدى المشاركين فيها، بينما كانت مجموعة أخرى تركز على البرامج من نوعية الاختبارات الفكرية عالية المستوى، وهكذا. هناك قلة من الأشخاص يتمكنون من عبور الحدود بين تلك المجموعات والتنقل بينها (مثل لبنى)، بينما نجد آخرين أكثر ارتباطاً وتركيزاً في علاقاتهم، حيث يتركز تعاونهم في المقام الأول مع أعضاء مجموعتهم فقط (مثل أحمد).

غالباً ما يقوم بقيادة فرق عمل البرامج الترفيهية شخصان لكل منهما دور بالغ التحديد والتميز وهما: المخرج الإبداعي والمنتج. يركز المخرجون الإبداعيون على الأوجه الإبداعية للبرنامج، فهم بحاجة إلى ابتكار أفكار إبداعية لجعل البرنامج يبدو فريداً ومتميزاً. يقوم المنتجون بتنسيق العمل وتنفيذه بشكل منظم، وهم يعملون على التأكد من قيام كل شخص بدوره ووظيفته المسندة إليه. وقد قمنا بدراسة مدى تأثير توظيف من يملكون معارف وعلاقات كثيرة (مثل لبنى) للعمل في البرامج التليفزيونية على نجاح تلك البرامج، كما درسنا على وجه الخصوص مدى تأثير هؤلاء الأشخاص ممن لديهم معارف وصلات كثيرة على قدرة التنفيذيين على إنجاز الأعمال المسندة إليهم بشكل جيد.

اقرأ أيضاًكيف تنوع شبكة علاقاتك المهنية؟

وجاءت نتائج البحوث مذهلة، إذ يستفيد المخرجون الإبداعيون من قربهم من الأشخاص ذوي المعارف والعلاقات الكثيرة، فالعمل مع هؤلاء يمنحهم القدرة للتوصل إلى أفكار وأدوات جديدة ليخرجوا في النهاية ببرامج ترفيهية إبداعية ومبتكرة. ولكن الصورة التي أظهرتها البحوث فيما يتصل بالمنتجين جاءت مختلفة للغاية: فلم يقتصر الأمر على عدم الاستفادة من الأشخاص ذوي المعارف والعلاقات الكثيرة، بل إنهم في الواقع عانوا بسبب القرب منهم. فجاءت برامج المنتجين الذين كانوا على صلة بأشخاص لديهم شبكة معارف كثيرة (محاور مركزية) أقل جودة في الأداء، بل وكانت هناك دلائل على حدوث حالات من التأخير في عملهم. وبعبارة أخرى، إذا كنت منتجاً فمن الأفضل لك تجنب لبنى واختيار أحمد.

ما السبب الذي يكمن وراء ذلك؟ أظهرت نتائج البحوث أنّ الأشخاص ذوي المعارف الكثيرة (أو المحاور المركزية) يمثلون مستودعات ضخمة من الأفكار، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعاون فإنهم يفتقرون للتعاون معهم كشركاء عمل. ويرجع ذلك إلى تشتت انتباههم في مشروعات ضمن مجموعات مختلفة؛ كما أنهم يكونون أقل خشية عندما يتعلق الأمر بالإضرار بسمعتهم نظراً لتشعب علاقاتهم المهنية في مجال عملهم. فإذا حدث وتسببت لبنى في حدوث ضرر بالغ للعمل فيمكنها اللجوء إلى مخزونها من الزملاء في المجموعات الأخرى والدخول معهم في شراكات أو البحث عن علاقات عمل جديدة بكل بساطة.

بل والأكثر إثارة وتشويقاً في الأمر هو استفاد المخرجين الإبداعيين عندما عملوا مع أشخاص عملوا هم أنفسهم مع أشخاص من ذوي المعارف والعلاقات الكثيرة (المحاور المركزية). يبدو أنّ أفكار أصحاب المعارف والعلاقات الكثيرة تنتقل عبر شبكة الأشخاص الذين يتعاملون معهم لتصل إلى المخرجين الإبداعيين حتى من دون التعامل معهم بشكل مباشر. وعلى النقيض من ذلك، عانى المنتجون عندما عملوا مع أشخاص عملوا هم أنفسهم مع أصحاب معارف وعلاقات كثيرة في مشاريعهم الخاصة.

وبعبارة أخرى، عندما يقوم أصحاب المعارف الكثيرة بإفساد مشروع ما، يعقب ذلك تأثير متتال على مشروعات أخرى تضم أشخاصاً من المجموعة المهنية التي ينتمي إليها ذوي المعارف الكثيرة. وقد ثبتت صحة كل تلك النتائج عندما قمنا بالتحقق مما إذا كان المنتجون والمخرجون الإبداعيون أنفسهم كمجموعة ضبط يتمتعون بمهارات تشبه مهارات الأشخاص من ذوي المعارف الكثيرة. 

منذ ألفي عام، كتب الشاعر الإغريقي القديم أرخيلوخوس قائلاً: "يعرف الثعلب من الأشياء الكثير؛ بينما يعرف القنفذ شيئاً واحداً فقط لكنه شيء كبير". وقد كان هذا البيت من الشعر مصدر إلهام فيما بعد لمقالة كتبها السياسي والفيلسوف والمؤرخ الروسي البريطاني أشعيا برلين بعنوان "القنفذ والثعلب". ربما يكون هذا البحث حول أصحاب العلاقات الواسعة قد ألقى القليل من الضوء على متى يتوجب علينا اختيار القنفذ على الرغم من كونه أقل إثارة وتفضيله على الثعلب الماكر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي