يبذل الأطباء كثيراً من الجهد لمعرفة كيفية تحسين الرعاية الصحية ولمساعدة المرضى في تغيير سلوكياتهم المتعلقة بصحتهم، وقد يكون المرضى على علم أنهم في حاجة إلى الإقلاع عن التدخين أو فقدان الوزن أو مزيد من ممارسة التمارين الرياضية، ولكن خلق الرغبة لديهم في التغيير ليس بالأمر السهل، ويُعد صعباً على نحو خاص بالنسبة إلى المرضى الذين هم أكثر عرضة للخطر، وهم الذين قد يكون لديهم ظروف صعبة متعلقة بحياتهم الشخصية مثل البطالة أو التشرد، تلك التي تجعل من الصعب عليهم التركيز على صحتهم على المدى الطويل. لكن الجمع بين الاقتصاد السلوكي و"التلعيب" (Gamification)، وهو مصطلح يُطلق على وضع مبادئ اللعب مثل النقاط ومستويات الأداء ضمن سياق غير سياقات اللعب، يحمل بين طياته وعداً بقدرته على تغيير السلوك عندما يقدم الطبيب نصائحه، وعندما تكون نوايا المريض الجيدة بالالتزام ليست أمراً كافياً.
استعانت القطاعات الأخرى بمبادئ اللعب على مدى طويل، تلك التي تسخر علم السلوك للدفع بسلوكيات العملاء المرغوب فيها (على سبيل المثال، برامج ولاء العملاء للخطوط الجوية التي تمنح نقاط وترتيبات للعملاء بحسب الكيلومترات المقطوعة). وبالفعل تُدرَج مبادئ التلعيب على نحو مطرد في برامج تصميم خطط التأمين الصحي وبرامج الرفاهية. مع ذلك، وعلى الرغم من الاستخدام المتزايد لها، فلا يوجد سوى أدلة محدودة لفاعليتها في مجال الرعاية الصحية، وعلى وجه الخصوص تلك الأدلة حول ما إذا كان مفهوم التلعيب الموجود يستفيد من مبادئ الاقتصاد السلوكي إلى أقصى حد. عمل أعضاء من فريقنا مؤخراً على تقييم 50 تطبيقاً من تطبيقات الهواتف الذكية الأكثر شعبية، والمتعلقة بالصحة واللياقة البدنية ووجدوا أنه في حين أن ما يقرب من ثلثي التطبيقات استعمل مبادئ اللعب في تصميمها، فإنه لم يتمكن أي من الأفكار العديدة والأساسية للاقتصاد السلوكي من التأثير بفاعلية في الإجراءات المطلوبة، ومعالجة المعوقات التي يمكن التنبؤ بها لتغيير السلوك.
اقرأ أيضاً: 10 استخدامات واعدة للذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية
تتمثل إحدى الصعوبات الرئيسة لجميع برامج التلعيب المتعلقة بالصحة في تشجيع المشاركة، وخاصة بين المرضى المعرضين لخطر مرتفع. وتوجد عادة عدة مبادئ للتصميم في برامج الصحة والرفاهية التي تطبق مفهوم التلعيب، وهي التي من شأنها أن تكون مشجعة أكثر بإدراج أفكار الاقتصاد السلوكي. على سبيل المثال، تدعو معظم البرامج المرضى للانضمام من خلال تأطير خياراتهم ضمن قرار قبول مطلق فقط، ولكننا وجدنا أن تأطير الخيار ضمن احتمال اتخاذ قرار الانسحاب يحسن المشاركة على نحو ملحوظ. في تجربة عشوائية، اختبر فريقنا كيفية إشراك البالغين الذين يعانون من مرض السكري غير المنضبط في برنامج مراقبة عن بعد. في هذا النهج، أي نهج قرار القبول المطلق، كانت نسبة المسجلين 13% فقط. ولكن عندما صيغت الرسالة الافتتاحية للبرنامج على أنه برنامج للرعاية النموذجية ولكنه يسمح للمرضى بالانسحاب إذا رغبوا في ذلك، فإن معدلات التسجيل تضاعفت ثلاث مرات تقريباً، أي وصلت النسبة إلى 38%. وقد وجدنا نتائج مماثلة عند اختبار طرق لإشراك المرضى في برنامج الالتزام بتناول الأدوية بعد الإصابة بأزمة قلبية.
هناك سمة مشتركة أخرى لبرامج التلعيب وهي تحديد الأهداف، ويعتمد النهج التقليدي على تخصيص الهدف نفسه للجميع (المشي مثلاً بمعدل 10 آلاف خطوة في اليوم)، والطلب من الأشخاص المسجلين في البرنامج السعي من أجل تحقيق ذلك على الفور. إلا أن ذلك المعدل ربما يُعدّ مفرط الطموح بالنسبة إلى الكثيرين وليس طموحاً بدرجة كافية بالنسبة إلى الآخرين. وجدنا أن البرامج تكون أكثر فاعلية عند إنشاء نقطة بداية لكل فرد ومن ثم إشراك ذلك الفرد في إضفاء طابعه الشخصي لتحديد الأهداف، تلك الأهداف التي تصبح تدريجياً أكثر صعوبة، وتلك التي تتكيف مع الأداء المستمر. على سبيل المثال، في تجربة عشوائية على المرضى الذين يعانون من مرض القلب، أدخلنا حوافز مالية بقيمة دولارين اثنين يومياً لكل يوم تُحقَّق فيه أهداف الخطوات المحددة، التي تلاقي الهدف الخاص المحدد في برنامج يستخدم أجهزة يمكن ارتداؤها لقياس النشاط. جرى تعيين نصف المرضى لاستعمال الجهاز المضبوط مسبقاً على هدف 10 آلاف خطوة يومياً، الذي بدأ بتعقب النتائج على الفور. بينما أنشأ النصف الآخر نقطة بداية ذات طابع شخصي لتعداد الخطوات التي ارتفعت خلال الشهرين الأولين، ثم بقيت ثابتة بعد ذلك مدة 4 أشهر. خلال التجربة التي استمرت 6 أشهر، لم يشهد المرضى الذين عُيِّن الهدف لهم مسبقاً، تغييراً شاملاً في النشاط، ولكن أولئك الذين وضعوا أهدافاً خاصة بهم لمعدل الخطوات التي سيحققونها، ازداد نشاطهم على نحو ملحوظ، وساروا لمسافة بلغت حوالي 160 كيلومتراً، أكثر من المرضى الذين ضمن مجموعة الضبط، حتى أنهم ظلوا أكثر نشاطاً من مجموعة الضبط مدة شهرين بعد توقف الحوافز.
في اختبار آخر لمفهوم التلعيب، عقدنا شراكة مع مشروع "دراسة فرامنغهام للقلب" (Framingham Heart Study)، الذي تتبَّع صحة أجيال من الأسر التي لم تشارك من قبل في دراسات تداخلية. انضم 200 مشارك من الذين تجاوز عمرهم 18 عاماً مع أسرهم واستعملوا إما الهاتف الذكي أو جهازاً يمكن ارتداؤه لتتبع نشاطهم البدني مقاساً بعدد الخطوات التي ينجزونها كل يوم. وأنشأنا مستوى مرجعياً للنشاط لكل شخص، واختار كل واحد منهم بعد ذلك هدفاً متزايداً لعدد الخطوات التي يريدون الوصول إليها. تلقت الأسر في مجموعة الضبط تقييمات يومية حول مدى قربهم من هدفهم، ولكن دون أي تدخلات أخرى. من ناحية أخرى، أدرج تصميم برنامج التلعيب الذي اتبعته بقية الأسر عديداً من مبادئ الاقتصاد السلوكي واللعب.
أولاً، وقعوا على تعهد سابق للالتزام، حيث وافقوا على بذل قصارى جهدهم لتحقيق هدفهم، وهو أسلوب بسيط طالما ساعد الناس في الالتزام بأهدافهم. وعند كل دخول لهم على المنصة، ظهر أمامهم العقد وذكّرهم بتعهدهم.
ثانياً، حصلوا على نقاط خُصِّصت مقدماً، وسيفقدونها في حال فشلهم في تحقيق هدفهم، يسخر هذا المبدأ مفهوم تجنب الخسارة، إذ يميل الناس إلى أن يكونوا أكثر حماساً لتجنب فقدان شيء لديهم مسبقاً مقارنة بدرجة حماسهم لكسب فائدة جديدة مماثلة.
ثالثاً، لأننا نعلم احتمال أن يتوقف الناس بين حين وآخر عن ممارسة عادة جديدة في هذه الأنواع من البرامج، عملنا على تجديد نقاط المشاركين كل أسبوع لإعطاء الأسر فرصة انطلاقة جديدة. إنه أسلوب يعزز الميل إلى أن يكون الناس أكثر حماساً لمتابعة سيرهم لتحقيق الهدف، وذلك عندما يجري ربط التشجيع أو القرار بوقت "مرجعي"، مثل بداية الأسبوع. (وتُعد قرارات العام الجديد مثالاً آخر لهذا التأثير).
وأخيراً، عملنا على إدراج حوافز اجتماعية، إذ اخترنا عشوائياً عضواً واحداً من الأسرة في كل يوم ليمثل جميع أفراد تلك الأسرة. فإذا حقق ذلك الشخص هدفه، يحتفظ جميع أفراد الأسرة بنقاطهم، أما خلافاً لذلك، فيفقد الجميع نقاطهم. يشجع هذا النمط على التعاون والخضوع للمساءلة والحصول على دعم الأقران، ويسخّر أيضاً مبدأ "تجنب الندم"، وهو الخوف من التقصير في تحقيق الهدف وخذلان الآخرين.
أثناء الدراسة التي امتدت إلى 3 أشهر، سار أفراد الأسر في برنامج التلعيب ما يقرب من 1.6 كيلومتر إضافي في المتوسط كل يوم (أي 1,661 خطوة)، وذلك عما كان لديهم عند نقطة البداية، أي حوالي 1,000 خطوة أكثر كل يوم مقارنة بأفراد الأسر في مجموعة الضبط. بالإضافة إلى ذلك، وبينما انخفض نشاطهم إلى حد ما بعد انتهاء اللعبة، استمروا في السير أكثر من أعضاء مجموعة الضبط. اختبرنا نهجاً مماثلاً لفقدان الوزن، ووجدنا أن أعضاء الفرق الذين يعيشون معاً يفقدون وزناً أكبر، ما يوضح أيضاً كيف يمكن تسخير الحوافز الاجتماعية لتغيير السلوك.
يُستخدم مفهوم التلعيب على نطاق واسع فعلاً، وذلك لتشجيع السلوكيات الصحية. لكن عديداً من الأنماط الحالية يلبي حاجات "المستخدمين المميزين" الذين يحبون الألعاب بالفعل ولديهم الحافز لتحسين لياقتهم البدنية. ومن غير المرجح أن تُشرك تلك البرامج الأفراد الذين يُعتبرون عرضة للخطر على نحو أكبر، وهم الذين يمكن أن يستفيدوا بشكل أكبر من تغيير سلوكهم، في حين يستعمل فريقنا مفهوم التلعيب لمساعدة المرضى المصابين بداء السكري غير المنضبط وأمراض القلب والسرطان. وجدنا أن دمج مبادئ من الاقتصاد السلوكي ليس صعباً أو باهظ التكلفة، ولكنه يتطلب في المقابل الاهتمام بالتفاصيل. إذ يمكن للتغييرات الطفيفة على تصميم البرامج والتواصل أن تُحدث تأثيراً هائلاً في كيفية تصرف المرضى، وهذا هو السبب الكامن وراء أن تضمين أفكار الاقتصاد السلوكي في التلعيب يمكن أن يمثل فرصة كبيرة لتحسين الصحة والرفاهية، ولمعرفة كيفية تحسين الرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: