أساليب القيادة الستة من أجل اتخاذ القرارات الفعالة

32 دقيقة
أساليب القيادة الستة

اسأل أي مجموعة من رجال الأعمال: "ماذا يفعل القادة المؤثرون؟ و ما هي أساليب القيادة الادارية؟ أو ما هي أساليب القيادة في اتخاذ القرار"، وستسمع سلسلة من الإجابات على شاكلة:

  • القادة يضعون الاستراتيجية
  • يحفزون الموظفين
  • يحددون هدف المؤسسة
  • يخلقون ثقافتها.

ثم اسألهم: "ما الذي ينبغي أن يفعله القادة؟"، لتجد إجابة واحدة على الأغلب، خاصة إذا كانت هذه المجموعة تضم أشخاصاً متمرسين، وهي أنّ المهمة الوحيدة للقائد هي تحقيق النتائج.

وبناءً على ذلك، فإن السؤال الملح هنا هو "ماهي أساليب القادة المؤثرين لتحقيق النتائج؟"، خاصة أن مهام القادة التي يتعيّن عليهم القيام بها من أجل شحذ أفضل أداء لموظفيهم هي سر قديم قِدم الدهر.

وقد أفرز هذا السر في السنوات الأخيرة، مجالاً مهنياً كاملاً، وهو تدريب القادة، إذ يوجد بالفعل الآلاف من خبراء القيادة ممن اتخذوا اختبار المدراء التنفيذيين وتدريبهم مساراً مهنياً لهم، وذلك بهدف صناعة رجال أعمال يمكنهم تحويل الأهداف الجريئة - سواء كانت أهدافاً استراتيجية أو مالية أو تنظيمية أو الثلاثة معاً- إلى حقيقة واقعة.

ومن الواضح أن القيادة المؤثرة ليست أمراً يسهل التحلي به من قبل الكثير من الأشخاص والمؤسسات.

ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنه حتى وقت قريب، لم يوضح بحث كمي واحد أياً من سلوكيات القيادة على وجه التحديد التي تحقق نتائج إيجابية. وإنما يقدم خبراء القيادة المشورة بناءً على الاستدلال والخبرة والحدس.

وفي بعض الأحيان تكون هذه المشورة دقيقة، إلا أنه في أحيان أخرى لا تكون كذلك.

بحث عن أساليب القيادة الستة المؤثرة

بعد بحث جديد أجرته شركة الاستشارات "هاي ماكبير" (Hay McBer)، والذي يعتمد على عينة عشوائية تتكون من 3,871 مدير تنفيذي جرى اختيارهم من قاعدة بيانات تضم أكثر من 20 ألف مدير تنفيذي في جميع أنحاء العالم، أزال الكثير من غموض لغز القيادة المؤثرة.

إذ توصل البحث إلى وجود ستة أساليب مختلفة للقيادة، ينبع كل منها من مكونات مختلفة من الذكاء العاطفي، ويمتلك كل واحد من هذه الأساليب أثراً مباشراً وفريداً على بيئة العمل في أي شركة أو قسم أو فريق، وبالتالي على الأداء المالي.

ولعلّ الأمر الأهم، هو ما يشير إليه البحث في أن القادة الذين يحققون أفضل النتائج لا يعتمدون على أسلوب قيادة واحد فقط، بل يستخدمون معظم أساليب القيادة بسلاسة وبدرجات مختلفة، حسب حالة العمل.

ويمكنك أن تتخيّل هذه الأساليب باعتبارها مجموعة من المَضارب في حقيبة لاعب غولف محترف. إذ يختار اللاعب المضارب بناءً على متطلبات التسديدة، ويتعيّن عليه، في بعض الأحيان، التفكير مليّاً في اختياره، إلا أن هذا الاختيار سرعان ما يصبح تلقائياً.

إذ يستشعر اللاعب التحدي الماثل أمامه ويسحب المضرب الصحيح بسرعة ويستخدمه في ضرب كرة الغولف.

وهذا بالضبط ما يفعله القادة ذوو التأثير البالغ.

وانطلاقاً من العلاقة التي سنتناولها بين أساليب القيادة المؤثرة ومكونات الذكاء العاطفي، لا بد أن تعرف أن الذكاء العاطفي - وهو القدرة على إدارة أنفسنا وعلاقاتنا بفعالية – يتكون من أربع قدرات أساسية، وهي:

  1. الوعي بالذات
  2. إدارة الذات
  3. الوعي الاجتماعي
  4. المهارات الاجتماعية

وكل قدرة بدورها تتكون من مجموعات محددة من الكفاءات. وفيما يلي قائمة بالقدرات والسمات التي تقابلها:

العلاقة بين أساليب القيادة ومكونات الذكاء العاطفي

وستجد أن أساليب القيادة الستة مألوفة لدى الأشخاص المخضرمين في الإدارة، إذ لن يمثل أي منهم مفاجأة أو أمراً جديداً لأولئك المتمرسين.

وفي الواقع، من المرجح أن يتناسب كل أسلوب، بالاسم والوصف الموجز وحدهما، مع أي شخص سواء كان رئيساً أو مرؤوساً، أو كما الحال مع معظمنا يفعل الأمرين معاً.فتجد أن:

  • القادة المتسلطين يطلبون الطاعة الفورية
  • القادة المتبصّرون يحركون الأشخاص نحو الرؤية
  • القادة المتناغمون يخلقون الروابط العاطفية والانسجام
  • القادة الديمقراطيون يسعون إلى بناء التوافق في الآراء من خلال المشاركة
  • القادة المحدِّدون يتوقعون لوتيرة العمل التميز والتوجيه الذاتي
  • القادة الموجهون يطورون الأشخاص من أجل المستقبل

أغمِض عينيك، وبالتأكيد سيتجلى لك زميل تعرفه يستخدم أحد هذه الأساليب في القيادة.

بل ومن المرجح أنك أيضاً تستخدم واحداً منها على الأقل بنفسك. إذاً ما الجديد الذي يقدمه هذا البحث؟ إنها تداعيات هذه الأساليب على العمل.

أولاً، يقدم هذا البحث فهماً دقيقاً لكيفية تأثير أساليب القيادة المختلفة على الأداء والنتائج.

ثانياً، يقدم البحث إرشادات واضحة بشأن متى ينبغي للمدير الانتقال من استخدام أحد الأساليب إلى أسلوب آخر، إذ يرجح البحث ضرورة التنقّل بمرونة بين أساليب القيادة المختلفة. والجديد في هذا البحث أيضاً هو إحدى نتائجه التي توصل إليها، والتي مفادها أن لكل أسلوب قيادة ينبع من مكونات مختلفة من الذكاء العاطفي.

قياس الأثر الذي تُحدثه القيادة

مرّ أكثر من عقد من الزمن منذ أن ربطت الأبحاث، لأول مرة، بين جوانب الذكاء العاطفي من ناحية، ونتائج الأعمال من ناحية أخرى.

إذ توصل العالم النفسي بجامعة هارفارد، الراحل ديفيد ماكليلاند، إلى أن القادة الذين يتمتعون بنقاط قوة في كتلة كبيرة من ست كفاءات من مكونات الذكاء العاطفي كانوا أكثر فاعلية بكثير من زملائهم الذين يفتقرون إلى نقاط القوة هذه.

على سبيل المثال، عندما قام ماكليلاند بتحليل أداء رؤساء الأقسام في شركة عالمية للأغذية والمشروبات، تبيّن له أن 87% من بين القادة الذين يتمتعون بنقاط القوة تلك من الكفاءات، احتلوا المرتبة الثالثة في الحصول على مكافآت الرواتب السنوية بناءً على أداء أقسامهم.

بل أنّ متوسط أداء أقسامهم تجاوز أهداف الإيرادات السنوية بنسبة 15% إلى 20%. وعلى العكس، نادراً ما جرى تصنيف أولئك المدراء التنفيذيين الذين يفتقرون إلى الذكاء العاطفي على أنهم متميزون في تقييمات أدائهم السنوية، وكان أداء أقسامهم أقل من المتوسط بنسبة 20% تقريباً.

ويصبو البحث الذي أجريناه إلى تكوين نظرة أكثر قرباً على الروابط بين القيادة، والذكاء العاطفي، ومناخ العمل، والأداء.

إذ قام فريق من زملاء ماكليلاند، برئاسة ماري فونتين وروث جاكوبس من شركة الاستشارات "هاي ماكبير"، بدراسة بيانات الآلاف من المدراء التنفيذيين، وملاحظتهم، وأشاروا إلى سلوكيات محددة وإلى الأثر الذي تُحدثه هذه السلوكيات على مناخ العمل.

مثل: كيف كان كل قائد منهم يحفز مرؤوسيه المباشرين؟ وكيف كان يدير المبادرات الرامية إلى التغيير؟ وكيف كان يتعامل مع الأزمات؟ وقد حددنا، في مرحلة لاحقة من البحث، قدرات الذكاء العاطفي التي تؤثر في أساليب القيادة الستة. وما تقييم القائد من حيث ضبط النفس والمهارات الاجتماعية؟ وهل يُبدي القائد مستويات عالية أم منخفضة من التعاطف؟

واختبر الفريق نطاق التأثير المباشر لكل مدير تنفيذي على مناخ العمل في قسمه.

و"مناخ العمل" ليس مصطلحاً غير محدد المعالم.

إذ عرّفه أول مرة عالِما النفس، جورج ليتوين وريتشارد سترينغر، ونقّحه لاحقاً ماكليلاند وزملاؤه.

وهو يشير المصطلح إلى ستة عوامل رئيسة تؤثر على بيئة العمل في المؤسسة، وهذه العوامل هي:

  1. المرونة، أي مدى شعور الموظفين بالحرية في الابتكار دون أن يعوّقهم روتين الإجراءات
  2. شعورهم بالمسؤولية تجاه المؤسسة
  3. مستوى المعايير التي يضعها الأشخاص في المؤسسة
  4. مفهوم الدقة حول التعليقات بشأن الأداء ومدى ملاءمة المكافآت
  5. وضوح رسالة المؤسسة وقيمها للأشخاص العاملين فيها
  6. أخيراً، مستوى الالتزام في المؤسسة بغرض مشترك

وقد تبيّن لنا أن أساليب القيادة الستة جميعها لها أثر يمكن قياسه على كل جانب من جوانب مناخ العمل. (ولمزيد من التفاصيل، راجع الجدول: "تكوين نظرة جزيئية: أثر أساليب القيادة على القوى الدافعة لمناخ العمل").

وعلاوة على ذلك، عندما اطّلعنا على الأثر الذي يُحدثه مناخ العمل على النتائج المالية - مثل العائد على المبيعات ونمو الإيرادات والكفاءة والربحية – تبيّن لنا وجود علاقة مباشرة بين الاثنين، إذ حقق القادة الذين استخدموا أساليب القيادة التي أحدثت أثراً إيجابياً على مناخ العمل نتائج مالية أفضل من أولئك الذين لم يستخدموا هذه الأساليب.

وهذا لا يعني أن مناخ العمل في المؤسسة هو القوة الدافعة الوحيدة للأداء. إذ تحظى الظروف الاقتصادية وديناميكيات المنافسة أيضاً بأهمية بالغة. بيد أن تحليلنا يشير بشكل واضح إلى أن مناخ العمل يمثل حوالي ثلث النتائج. وهذا، ببساطة، أثر لا يمكن تجاهله.

القائد المتسلطالقائد المتبصّرالقائد المتناغمالقائد الديمقراطيالقائد المحدِّد لوتيرة العملالقائد الموجّه
المرونة0.28-0.320.270.280.07-0.17
المسؤولية0.37-0.210.160.230.040.08
المعايير0.20.380.310.220.27-0.39
المكافآت0.18-0.540.480.420.29-0.43
الوضوح0.11-0.440.370.350.28-0.38
الالتزام0.13-0.350.340.260.20-0.27
الأثر العام على مناخ العمل0.26-0.540.460.430.25-0.42

أثر أساليب القيادة على القوى الدافعة لمناخ العمل

أساليب القيادة الستة بشكل مفصل

يستخدم المدراء التنفيذيون ستة أساليب للقيادة، لكن أربعة فحسب من هذه الأساليب الستة تُحدث باستمرار أثراً إيجابياً على مناخ العمل والنتائج. ومن ثم لننظر إلى كل أسلوب من أساليب القيادة بشكل مفصل. (وللحصول على ملخص للمواد اللاحقة، راجع المخطط: "لمحة سريعة عن أساليب القيادة الستة").

توصل البحث الذي أجريناه إلى وجود ستة أساليب مختلفة للقيادة، ينبع كل منها من مكونات مختلفة من الذكاء العاطفي. وفيما يلي ملخص لهذه الأساليب وجذورها وبيان متى تعمل على الوجه الأفضل والأثر الذي تُحدثه على مناخ العمل في المؤسسة وبالتالي على أدائها.

القائد المتسلطالقائد المتبصرالقائد المتناغمالقائد الديمقراطيالقائد المحدد لوتيرة العملالقائد الموجّه
أسلوب القيادة الذي يتّبعهيطلب الطاعة الفوريةيحرك الأشخاص صوب رؤيةيخلق الانسجام والروابط العاطفيةيسعى لبناء التوافق في الآراء من خلال المشاركةيضع معايير عالية للأداءيطوّر الأشخاص من أجل المستقبل
أسلوب القيادة في جملة"افعل ما أطلبه منك""رافِقني""الأولوية للأشخاص""ما رأيك؟""افعل كما أفعل""جرّب هذا الأمر"
أبرز كفاءات الذكاء العاطفي التي يتحلى بهاالسعي إلى الإنجاز والمبادرة وضبط النفسالثقة بالنفس والتعاطف والحافز على التغييرالتعاطف وإقامة العلاقات والتواصل
التعاون وقيادة الفريق والتواصل 
الوعي والسعي إلى الإنجاز والمبادرةتطوير الآخرين والتعاطف والوعي بالذات
متى يعمل أسلوب القيادة هذا على الوجه الأفضلعند نشوب أزمة أو استهلال تحوّل أو التعامل مع موظفين يثيرون المشاكلعندما يتطلب التغيير رؤية جديدة، أو عندما أو عند الحاجة إلى اتجاه واضحرأب الصدع في الفريق أو تحفيز الأشخاص في الظروف المجهدةتحقيق المشاركة والتوافق أو الحصول على مساهمات من الموظفين الأكفاءالحصول على نتائج سريعة من فريق كفؤ تحركه دوافع قويةمساعدة الموظفين على تحسين أدائهم وتطوير نقاط قوة على المدى الطويل
الأثر العام على مناخ العملسلبيإيجابي بشدةإيجابيإيجابيسلبي إيجابي

1. أسلوب القيادة المتسلط

التسلط هو من من أساليب القيادة

دخلت إحدى شركات الحواسيب في خضم أزمة، إذ انخفضت مبيعاتها وأرباحها، وفقدت أسهمها قيمتها بصورة حادة، وبات مساهموها في حالة استياء.

فاستقدم مجلس الإدارة رئيساً تنفيذياً جديداً يتمتع بسمعة طيبة بصفته خبيراً في تحويل مسار الشركات.

وشرع الرئيس التنفيذي الجديد في تقليص الوظائف، وبيع بعض أقسام الشركة، واتخاذ القرارات الصعبة التي كان ينبغي تنفيذها قبل سنوات. وبالفعل أنقذت هذه الإجراءات الشركة، على الأقل، على المدى القصير.

ورغم هذا الانتعاش، أشاع الرئيس التنفيذي الجديد منذ البداية حالة من الرعب في الشركة، بتسلّطه على المدراء التنفيذيين، وإهانته لهم، وإبدائه الامتعاض عند حدوث أدنى زلة من أحدهم.

وتناقص عدد الأفراد في المناصب العليا بالشركة ليس فقط بسبب عمليات الفصل الفوضوية التي كان يقوم بها، بل أيضاً بسبب الاستقالات.

وتوقف المرؤوسون المباشرون للرئيس التنفيذي تماماً عن إبلاغه بالأخبار السيئة، لتخوّفهم من إلقائه اللوم على الشخص الذي يُبلغه بالأخبار السيئة. وأضحت المعنويات في أدنى مستوياتها على الإطلاق، مما أدى إلى تراجع أداء الشركة مرة أخرى بعد انتعاشه لأمد قصير. وفي نهاية المطاف، أعفى مجلس الإدارة هذا الرئيس التنفيذي من منصبه.

من السهل فهم سبب استخدام كل أسلوب من أساليب القيادة، لكن الأسلوب المتسلط هو الأقل فعالية في معظم المواقف.

فكّر في الضرر الذي يُلحقه هذا الأسلوب بمناخ العمل في المؤسسة.

إذ ستكون أكثر الجوانب تضرراً منه هي المرونة. حيث إن اتخاذ القائد القرارات بشكل مستحكم يقتل الأفكار الجديدة في مهدها. إذ سيشعر الأشخاص بعدم الاحترام والتقدير، لدرجة أنهم سيُحجمون عن طرح أفكارهم للمستويات القيادية العليا لاعتقادهم أنها لن تجد آذاناً صاغية.

كما سيتلاشى شعور الأشخاص بالمسؤولية، إذ إنهم سيفقدون الإحساس بتولي زمام الأمور، نظراً لعدم قدرتهم على التصرف من تلقاء أنفسهم، وسيشعرون بقدْر أقل من تحمّل المسؤولية عن أدائهم.

بل إن البعض سيبلغ به الامتعاض من قائده المتسلط مبلغ أن يضمر في نفسه: "لن أساعد هذا الشخص البغيض".

لا يتوقف ضرر القيادة المتسلطة على ذلك فقط، وإنما تُلحق أيضاً ضرراً بالغاً بنظام المكافآت.

إذ إن الدافع الذي يحفز معظم الموظفين ذوي الأداء الرفيع ليس المكافآت المادية، وإنما يسعى أولئك الموظفون إلى الشعور بالرضا عن إنجاز العمل بكفاءة. ولكن أسلوب القيادة المتسلط يُضعف مثل هذا الفخر.

وأخيراً، يقوّض هذا الأسلوب إحدى الوسائل الرئيسة للقائد، والمتمثلة في تحفيز الموظفين عبر إظهار كيفية انسجام عملهم مع رسالة كبرى مشتركة. ومن شأن هذه الخسارة، التي تقاس على أساس تناقص الوضوح والالتزام، أن تنفّر الأشخاص من وظائفهم وتجعلهم يتساءلون: "ما أهمية كل ذلك؟"

وبعد سرد هذه الأضرار التي يحدثها أسلوب القيادة المتسلط، ربما تفترض أنه ينبغي عدم استخدام هذا الأسلوب على الإطلاق.

ولكن بيد أن بحثنا كشف النقاب عن عدة حالات نجح فيها هذا الأسلوب بشكل لافت. فعلى سبيل المثال، هناك حالة رئيس القسم الذي أُستقدِم لتغيير مسار شركة تعمل في إنتاج المواد الغذائية، والتي كانت تتعرض لخسائر مالية.

إذ كان أول عمل قام به هو هدم قاعة اجتماعات الإدارة العليا. وكانت الغرفة بطاولتها الرخامية الطويلة التي تشبه سطح المركبة الفضائية إنتربرايز تجسد بالنسبة إليه، الصبغة الرسمية التقليدية التي كانت تشل حركة الشركة.

وبالتالي، شكّل هدم غرفة الاجتماعات والانتقال إلى مكان أصغر يغلب عليه الطابع غير الرسمي رسالة لا يمكن أن يغيب مغزاها عن أي شخص. وعلى الفور تغيرت ثقافة القسم في أعقاب ذلك.

وفي ضوء ما سبق، ينبغي ألا تستخدم أسلوب القيادة المتسلط إلا بحذر شديد، وفي الحالات القليلة التي يكون استخدامه فيها ضرورة حتمية، كما هو الحال أثناء حدوث تحول، أو عندما يكون هناك استحواذ عدائي وشيك على الشركة.

إذ يمكن للأسلوب المتسلط، في هذه الحالات، وقف عادات الشركة الفاشلة، والتسبّب في صدمة للأشخاص تدفعهم إلى تبنّي طرق جديدة للعمل.

ودائماً ما يكون هذا الأسلوب مناسباً خلال حالات الطوارئ الحقيقية، كما هو الحال في أعقاب حدوث زلزال أو نشوب حريق. كما يمكن أن ينجح هذا الأسلوب مع الموظفين المثيرين للمشاكل، الذين لم يُجدِ استخدام أساليب القيادة الأخرى معهم.

ولكن إنْ كان القائد يعتمد فقط على هذا الأسلوب، أو استمرّ في استخدامه بعد انتهاء الحالة الطارئة، فإن الأثر طويل الأجل لحساسيته تجاه معنويات أولئك الذين يقودهم وتجاه مشاعرهم سيكون مدمراً.

2. أسلوب القيادة المتبصّر

أسلوب القيادة المتبصر

الأسلوب الثاني من أساليب القيادة هو الأسلوب المتبصر.

واتبعه هنا، شاكر، نائب الرئيس، والمسؤول عن التسويق في سلسلة مطاعم وطنية متعثرة متخصصة في البيتزا.

وأثار أداء الشركة المتعثر قلق كبار المدراء بها، لكنهم كانوا في حيرة من أمرهم بشأن ما يتعين عليهم فعله.

إذ كانوا يجتمعون في اليوم الأول من كل أسبوع لمراجعة المبيعات التي تمت مؤخراً، وكانوا يبذلون ما في وسعهم من أجل التوصل إلى معالجات. ولكن بيد أن هذا النهج، بالنسبة إلى شاكر، لم يكن ذا معنى، حيث يقول: "كنا نحاول دائماً معرفة سبب انخفاض مبيعاتنا في الأسبوع الماضي. وكنا نجعل الشركة بأكملها تنظر إلى ما قمنا به بالفعل بدلاً من معرفة ما يتعين علينا القيام به غداً".

وفي اجتماع خاص بالاستراتيجية عُقد خارج مقر العمل، وجد شاكر فرصته لتغيير طريقة تفكير الأشخاص.

حيث بدأت المناقشات في ذلك الاجتماع بالبديهيات المبتذلة التي مفادها أنه كان يتعين على الشركة تعظيم ثروة المساهمين وزيادة العائد على الأصول.

وكان شاكر يعتقد أن هذه المفاهيم لن تلهم مدير المطعم ليكون مبتكِراً أو ليقوم بعمل أفضل من مجرد عمل يفِي بالغرض.

لذا، اتخذ شاكر خطوة جريئة.

إذ ألقى، في منتصف الاجتماع، خطاباً حماسياً لزملائه يدعوهم للتفكير من وجهة نظر العميل، قائلاً إنّ العملاء يريدون وسائل الراحة، وإنّ الشركة لم تكن تعمل في مجال المطاعم، بل كانت تعمل في مجال توزيع بيتزا عالية الجودة ويسهل الحصول عليها. وهذه الفكرة فقط ولا شيء سواها ينبغي أن تكون هي القوة المحركة لما تقوم به الشركة.

ملأ شاكر فراغاً قيادياً في الشركة بحماسه النابض بالحياة ورؤيته الواضحة، وهما السمتان المميزتان لأسلوب القيادة المتبصّر.

وفي الواقع، أصبح مفهومه يمثل جوهر بيان الرسالة الجديد للشركة.

لكن هذا الاختراق المفاهيمي لم يكن سوى البداية. إذ حرص شاكر بعد ذلك على إدراج بيان الرسالة في عملية التخطيط الاستراتيجي للشركة بصفته المرشد لتحقيق النمو. كما حرص على صياغة الرؤية بحيث يفهم مدراء الفروع المحلية أنهم مفتاح نجاح الشركة، وأنّ لهم مطلق الحرية في إيجاد طرق جديدة لتوزيع البيتزا.

وبالفعل جاءت التغييرات بسرعة.

إذ بدأ العديد من المدراء المحليين، في غضون أسابيع، في ضمان مواعيد توصيل سريعة وجديدة.

والأفضل من ذلك أنهم شرعوا في التصرف مثل رواد الأعمال بالعثور على مواقع مبتكرة لفتح فروع جديدة، وهي الأكشاك في زوايا الشوارع المزدحمة، ومحطات الحافلات والقطارات، وحتى العربات في المطارات وردهات الفنادق.

لم يكن نجاح شاكر صدفة. إذ يشير بحثنا إلى أن أسلوب القيادة المتبصر هو الأكثر فاعلية من بين أساليب القيادة الستة، إذ يعمل على تعزيز كل جانب من جوانب مناخ العمل.

فعندما يتعلق الأمر بالوضوح، تجد أن القائد المتبصر ذو رؤية بعيدة النظر. حيث يحفز الأشخاص من خلال التوضيح لهم كيف ينسجم عملهم مع الرؤية الأكبر للمؤسسة.

ويفهم الأشخاص الذين يعملون لصالح هؤلاء القادة أهمية ما يفعلونه وسبب أهميته.

كما تُضاعف القيادة المتبصرة الالتزام بأهداف المؤسسة وباستراتيجيتها. ويحدد القائد المتبصر المعايير التي تدور حول رؤية واسعة الآفاق من خلال وضع كل مهمة من المهام داخل إطار هذه الرؤية.

وعندما يقدم ملاحظات بشأن الأداء - سواء أكانت إيجابية أو سلبية - فالمعيار الوحيد هو ما إذا كان هذا الأداء يعزز الرؤية أم لا.

إذ إن معايير النجاح، وكذلك المكافآت، واضحة للجميع. وأخيراً، فكِّر في أثر هذا الأسلوب على المرونة، إذ يوضح القائد المتبصر الغاية، ولكنه يمنح الأشخاص، بشكل عام، متسعاً من الحرية لاستنباط وسائلهم الخاصة.

حيث يمنح القادة المتبصرون الأشخاص حرية الابتكار والتجربة والإقدام على المخاطر المحسوبة.

يوضح القائد المتبصر الغاية لكنه يمنح الأشخاص حرية اختيار وسائلهم الخاصة.

ويحصد الأسلوب المتبصر، بسبب أثره الإيجابي، نجاحات في أي موقف تقريباً في عالم الأعمال. ولكنه فعال بشكل خاص عندما تكون الشركة على غير هدى. فالقائد المتبصر يرسم مساراً جديداً للشركة، ويروّج للأشخاص العاملين معه رؤية جديدة طويلة الأجل.

وربما تتعجب حينما تعرف أنه على الرغم من قوة أسلوب القيادة المتبصر، فهو لن ينجح في كل موقف. حيث يفشل هذا الأسلوب، على سبيل المثال، عندما يعمل القائد مع فريق من الخبراء أو الزملاء الذين يتمتعون بخبرة أكبر منه، إذ ربما يرون القائد مغروراً أو منعزلاً. ومن أوجه القصور الأخرى أنه في حال أضحى المدير الذي يحاول أن يكون متبصراً، متعجرفاً، فمن شأنه تقويض روح المساواة في فريق فعال.

بيد أنه حتى مع هذه التحفظات على أسلوب القيادة المتبصر، سيكون من الحكمة أن يكون استخدام القادة له أكثر من عدم استخدامهم له. ففي حين أنه من الممكن ألا يكون استخدام هذا الأسلوب مُصيباً في إحدى المرات، إلا أنه بالتأكيد يساعد على المدى البعيد.

3. أسلوب القيادة المتناغم

القيادة التناغمة من أكثر من أنواع القيادة فعالية

إنْ كان القائد المتسلط يطلب من موظفيه الانصياع لأوامره، والقائد المتبصر يحثهم على مرافقته، فالقائد المتناغم يتبع سياسة الأولوية للأشخاص.

إذ يدور أسلوب القيادة المتناغم حول الأشخاص، ويقدّر أنصاره الأفراد ومشاعرهم أكثر من تقديرهم للمهام والأهداف. فنجد القائد المتناغم يسعى إلى إسعاد الموظفين وخلق الانسجام فيما بينهم.

ويقوم نهجه في الإدارة على بناء روابط عاطفية قوية، ومن ثم جني ثمار مثل هذا النهج، وهي تحديداً الولاء الشديد. ويمتلك هذا الأسلوب أيضاً أثراً إيجابياً ملحوظاً على التواصل، إذ إن الأشخاص الذين يعجبون ببعضهم البعض كثيراً يتبادلون الحديث كثيراً، ويتشاركون الأفكار والإلهام.

كما يزيد هذا الأسلوب المرونة في الشركة، إذ يثق الموظفون ببعضهم البعض، مما يسمح بالابتكار المعتاد، والإقدام على المخاطرة. وتزداد المرونة أيضاً لأنّ القائد المتناغم، مثل الوالد الذي يعدّل القواعد الأسرية للمراهق الناضج، لا يفرض قيوداً غير ضرورية على كيفية قيام الموظفين بعملهم.

وإنما يمنحهم حرية القيام بعملهم بالطريقة التي يعتقدون أنها أكثر فعالية.

ويقدم القائد المتناغم تعليقات إيجابية تعزز الشعور بالتقدير، والمكافأة على إنجاز العمل بشكل جيد. وتتمتع هذه التعليقات بفاعلية خاصة في مكان العمل لأنها نادرة للغاية، إذ إنه من خلال المراجعة السنوية، لا يتلقى معظم الأشخاص عادة أية تعليقات على جهودهم اليومية، بل يتلقون تعليقات سلبية فحسب.

وهذا يجعل الكلمات الإيجابية للقائد المتناغم أكثر تحفيزاً. وأخيراً، يبرع القائد المتناغم في خلق الشعور بالانتماء. إذ من المرجح، على سبيل المثال، أن يأخذ مرؤوسيه المباشرين لتناول وجبة أو لاحتساء مشروب في دعوة بصورة فردية، لمعرفة كيف تسير أمورهم.

ويعتاد هؤلاء القادة إحضار قالب حلوى للاحتفال بإنجاز حققته المجموعة. فهُم صانعو علاقات بالفطرة.

جو توري، قلب فريق نيويورك يانكيز لكرة القاعدة وروحه، هو قائد متناغم كلاسيكي. فكان توري، خلال بطولة العالم للبيسبول في 1999، يهتم ببراعة بنفسيات لاعبيه الذين كانوا يتحملون قدراً كبيراً من الضغط العاطفي المتعلق بالسباق من أجل لقب البطولة. وكان توري يحرص بشكل خاص، طوال الموسم، على الثناء على لاعبه سكوت بروسيوس، الذي توفي والده خلال ذلك الموسم، نظراً لبقائه ملتزماً تجاه الفريق رغم حزنه. وخلال الاحتفال الذي أقيم بعد خوض الفريق المباراة النهائية في البطولة، بحث توري عن لاعب الجناح الأيمن، بول أونيل، على وجه التحديد. إذ إن أونيل اختار المشاركة في المباراة الحاسمة للفريق على الرغم من أنه تلقى نبأ وفاة والده في صباح يوم المباراة، وانفجر في البكاء بمجرد انتهائها. وحرص توري على إبداء التفهّم لمعاناة أونيل الشخصية، واصفاً إياه بأنه "محارب".

كما اغتنم توري فرصة الاحتفال بالانتصار للإشادة باثنين من اللاعبين كانت النزاعات بشأن عقديهما تهدد استمرارهما مع الفريق في العام التالي. إذ بعث بذلك رسالة واضحة إلى الفريق وإلى مالك النادي بأنه يقدّر اللاعبيّن بشكل كبير بحيث لا يمكنه تحمّل فقدانهم.

ولا يكتفي القائد المتناغم باهتمامه بمشاعر الأشخاص العاملين معه، وإنما قد يبدي مشاعره بشكل علني.

إذ قام توري، في العام الذي كان فيه شقيقه على وشك الموت بانتظار إجراء عملية زرع قلب، بمشاركة همومه مع لاعبيه.

كما تحدث بصراحة مع الفريق عن العلاج الذي يتلقاه جرّاء إصابته بمرض سرطان البروستات.

وبشكل عام، فإن الأثر الإيجابي لأسلوب القيادة المتناغم يجعله نهجاً ملائماً لكل الظروف والأحوال.

ولكن بيد أنه ينبغي للقادة استخدامه بصفة خاصة عند محاولة تحقيق الانسجام في الفريق، أو رفع الروح المعنوية، أو تحسين التواصل، أو استعادة الثقة المهزوزة.

فعلى سبيل المثال، عُيّنت إحدى المديرات التنفيذيات، في الدراسة التي أجريناها، لتحل محل قائد فريق قاسي القلب. إذ كان هذا القائد السابق يستأثر بالثناء على العمل الذي يُنجزه موظفوه، وكان يحاول تحريضهم ضد بعضهم البعض.

ورغم أن مساعيه باءت بالفشل، إلا أنّه ترك الفريق وراءه في حالة ارتياب وضجر.

ولكن نجحت المديرة الجديدة في إصلاح الأوضاع عبر إبداء المشاعر الصادقة وإعادة بناء العلاقات. بعد عدة أشهر، خلق أسلوبها في القيادة شعوراً متجدداً بالالتزام والحيوية.

وعلى الرغم من هذه المزايا المغرية لأسلوب القيادة المتناغم، إلا أنه ينبغي عدم استخدامه بمفرده. حيث إن تركيزه الذي يقتصر على الثناء لن يكفي لتقويم الأداء الضعيف، إذ ربما يتصور الموظفون أن ضعف الأداء أمر يمكن التسامح معه.

ونظراً لأن القادة المتناغمين نادراً ما يقدمون نصائح بنّاءة بشأن كيفية التحسّن، يجب على الموظفين معرفة كيفية القيام بذلك بأنفسهم.

وعندما يحتاج الأشخاص إلى توجيهات واضحة لخوض تحديات معقدة، فإن أسلوب القيادة المتناغم يتركهم هائمين على وجوههم بلا اتجاه. وفي الواقع، من شأن هذا الأسلوب، عند الاعتماد عليه بشكل مفرط، توجيه الفريق نحو الفشل.

ولعل هذا هو السبب في أنّ العديد من القادة المتناغمين، بما في ذلك توري، يستخدمون هذا الأسلوب جنباً إلى جنب مع أسلوب القيادة المتبصر. حيث يحدد القادة المتبصرون الرؤية، ويضعون المعايير، ويخبرون الأشخاص كيف يساهم عملهم في تعزيز أهداف المجموعة. وباستخدامك هذا النهج المتبصر بالتناوب مع نهج الاهتمام والرعاية الذي يتّبعه القائد المتناغم، ستحظى بتوليفة فعالة.

4. أسلوب القيادة الديمقراطي

أساليب القيادة الديمقراطية

تدير الأخت ماري منظومة مدارس كاثوليكية في منطقة حضرية كبيرة. وكانت إحدى هذه المدارس - وهي المدرسة الخاصة الوحيدة في حي فقير – تتعرض لخسائر مالية لسنوات، إذ لم يعد بإمكان رئيس الأساقفة تحمل تكلفة إبقاؤها مفتوحة. وعندما تلقّت الأخت ماري في نهاية المطاف الأمر بإغلاقها، لم توصد أبواب المدرسة مباشرة، بل إنها دعت إلى اجتماع لجميع المعلمين والموظفين في المدرسة، وشرحت لهم تفاصيل الأزمة المالية التي تمر بها المدرسة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها إشراك أي شخص يعمل في المدرسة في الجانب التجاري للمؤسسة. وطلبت منهم أن يقدموا أفكاراً بشأن السبل الكفيلة بإبقاء المدرسة مفتوحة، وبشأن كيفية التعامل مع إغلاقها، إنْ كان إغلاقها أمراً لا مفر منه. وهكذا قضت الأخت ماري الكثير من وقتها في الاجتماع تصغي إليهم فحسب.

وفعلت الشيء نفسه في اجتماعات لاحقة مع أولياء أمور التلاميذ في المدرسة ومع المجتمع المحلي. وبالتزامن عقدت سلسلة متتالية من الاجتماعات مع معلمي المدرسة والعاملين فيها. وبعد شهرين من الاجتماعات، كان الإجماع واضحاً على أن إغلاق المدرسة أمر حتمي. ووُضعت خطة لنقل الطلاب إلى مدارس أخرى في منظومة المدارس الكاثوليكية.

وفي الواقع، لم تكن النتيجة النهائية لتختلف لو أن الأخت ماري مضت قُدماً، وأغلقت المدرسة في اليوم الذي طُلب منها أن تفعل ذلك. ولكن هذا النهج الذي اتبعته جنبها ردود الفعل العنيفة التي كانت ستصاحب هذه الخطوة، لأنها أتاحت للأطراف المعنية بالمدرسة التوصل إلى هذا القرار بشكل جماعي. وأعرب الأشخاص عن حزنهم لفقدان المدرسة، لكنهم تفهموا حتمية الأمر، ولم يعترض أحد تقريباً على قرار إغلاقها.

ويمكنك أن تقارن نهج الأخت ماري، بتجربة كاهن في بحثنا الذي أجريناه، إذ كان مديراً لمدرسة كاثوليكية أخرى، وقد طُلب منه هو الآخر إغلاق المدرسة. ولكنه فعل ذلك دون استشارة أحد. وكانت النتيجة كارثية، إذ رفع أولياء الأمور دعاوى قضائية، ونظّم معلمو المدرسة وأولياء أمور التلاميذ تظاهرات رافضة للقرار، ونشرت الصحف المحلية مقالات افتتاحية تهاجم قرار إغلاق المدرسة. واستغرق الأمر نحو سنة لحل النزاعات قبل أن يتمكن من المضي قدماً وإغلاق المدرسة في نهاية المطاف.

ما فعلته الأخت ماري يجسد التطبيق العملي لأسلوب القيادة الديمقراطي في العمل والمزايا التي يتمتع بها هذا الأسلوب. حيث يبني القائد الثقة والاحترام والالتزام بينه والآخرين من خلال قضاء وقت في مشاركة الأمر معهم والحصول على أفكارهم. كما يعزز القائد الديمقراطي المرونة وروح المسؤولية من خلال السماح للعاملين بإبداء آرائهم في القرارات التي تؤثر على أهدافهم، وعلى الكيفية التي يؤدون بها عملهم. ويدرك القائد الديمقراطي ما يتعين عليه القيام به لرفع معنويات الموظفين من خلال الاستماع إلى مخاوفهم. وأخيراً، نظراً لأن الأشخاص العاملين في نظام ديمقراطي يُبدون آرائهم في تحديد أهدافهم وتحديد معايير تقييم النجاح، فإنهم غالباً ما يكونون واقعيين للغاية بشأن ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه.

ورغم ذلك، فإن أسلوب القيادة الديمقراطي له أيضاً مساوئه، ولهذا فإن أثره على مناخ العمل ليس كبيراً مثل بعض أساليب القيادة الأخرى. ويمكن أن تكون إحدى أكثر نتائجه إثارة للسخط هي الاجتماعات المستمرة التي تخضع فيها الأفكار للنقاش، ويظل الإجماع أمراً بعيد المنال، والنتيجة الملموسة الوحيدة هي تحديد مواعيد للمزيد من الاجتماعات. ويستخدم بعض القادة الديمقراطيين هذا الأسلوب لتأجيل اتخاذ القرارات الحاسمة على أمل أن تُسفر دراسة الأشياء عن رؤية باهرة في نهاية المطاف. وفي الواقع، ينتهي الأمر بشعور موظفيهم بالحيرة وأنهم بلا قائد. بل إنّ من شأن مثل هذا النهج تصعيد حدة النزاعات.

إذاً السؤال هنا هو "متى يحقق هذا الأسلوب أفضل النتائج؟" يُعد هذا النهج مثالياً عندما يكون القائد نفسه غير متأكد بشأن أفضل اتجاه للسير فيه، ويحتاج إلى أفكار وإرشادات من الموظفين الأكفاء. وحتى إن كان لدى القائد رؤية قوية، فإن الأسلوب الديمقراطي يساعد بنجاح في التوصل إلى أفكار جديدة لتنفيذ تلك الرؤية.

وبطبيعة الحال، يكون استخدام أسلوب القيادة الديمقراطي مخالفاً للمنطق عندما لا يكون لدى الموظفين الكفاءة أو الدراية اللازمة لتقديم المشورة السليمة. ومن نافلة القول، إن بناء توافق في الآراء يُعد فكرة خاطئة في أوقات الأزمات. لنأخذ مثالاً على ذلك حالة الرئيس التنفيذي الذي كانت شركته المتخصصة في مجال الحواسيب تتعرض لتهديد خطير بسبب التغيرات في السوق. وكان بدوره دائماً يسعى إلى الحصول على توافق بشأن ما يجب القيام به. وفي الوقت الذي كان فيه هو مشغولاً بتعيين لجان لدراسة الموقف، كان المنافسون يستولون على عملاء شركته وكانت احتياجات العملاء تتغير. وعندما تغيّر السوق بشكل مفاجئ بسبب ظهور تقنية جديدة، تجمد الرئيس التنفيذي في مكانه، واستبدله مجلس الإدارة برئيس تنفيذي آخر، قبل أن يقوم بتعيين فريق عمل آخر لدراسة الموقف. ورغم أن الرئيس التنفيذي الجديد استخدم أسلوبي القيادة الديمقراطي والمتناغم، في بعض الأحيان، إلا أنه اعتمد بشكل كبير على أسلوب القيادة المتبصر، لا سيما في أشهره الأولى.

5. أسلوب القيادة المحدّد لوتيرة العمل

أساليب القيادة الفعالة

يتبوأ أسلوب القيادة المحدِّد لوتيرة العمل مكانه في مرجع ممارسات القائد، شأنه شأن أسلوب القيادة المتسلط، لكن لا ينبغي استخدامه إلا لماماً. ولنكن صريحين، لم تكن هذه هي النتيجة التي توقعنا أن نخلُص إليها. إذ أن السمات المميزة لأسلوب القيادة المحدِّد لوتيرة العمل جديرة بالإعجاب. حيث يحدد القائد مستويات أداء مرتفعة للغاية، ويجسدها بنفسه. ويُصر على إنجاز المهام بشكل أفضل وأسرع، ويطلب الأمر نفسه من الجميع. وسرعان ما يحدد القائد الأشخاص ذوي الأداء الضعيف ويطلب منهم المزيد من الجهد. وإن لم يرتقوا إلى مستوى التوقعات، فإنه يستبدلهم بأشخاص يمكنهم ذلك. وربما يجول بخاطرك أن هذا النهج من شأنه أن يحسّن النتائج، لكنه لا يفعل ذلك.

وإنما في الواقع، يُفسد أسلوب القيادة المحدِّد لوتيرة العمل مناخ العمل. إذ يجد الكثير من الموظفين أنفسهم فريسة لمتطلبات التميز في العمل، وتنخفض معنوياتهم. ويمكن أن تكون إرشادات العمل واضحة في مخيلة القائد، ولكن قد لا يقولها بوضوح، ورغم ذلك سيتوقع من الأشخاص أن يعرفوا ما يتعيّن عليهم القيام به، بل أحياناً يفكر كالتالي: "إن كان يتحتم علي إخبارك بما يجدر بك فعله، فأنت لست الشخص المناسب لهذه الوظيفة".

ولا يكون العمل هنا متعلقاً ببذل المرء قصارى جهده وفق نهج واضح بقدْر ما يتعلق بإعادة التفكير أو تخمين ما يريده القائد. وفي الوقت نفسه، غالباً ما يشعر الأشخاص أن القائد المحدِّد لوتيرة العمل لا يثق بهم للعمل بطريقتهم الخاصة أو لأخذ زمام المبادرة. وبالتالي تتلاشى المرونة والمسؤولية، ويصبح العمل مركَّزاً للغاية على مهام محددة ويغدو مملاً بشكل روتيني.

أما فيما يتعلق بالمكافآت، فلا يقدم القائد المحدِّد لوتيرة العمل أية ملاحظات بشأن كيفية قيام الأشخاص بمهامهم، ولا يتدخل لتولي المسؤولية عندما يعتقد أنّ أدائهم دون المستوى. وإذا اضطر القائد للمغادرة، سيشعر الأشخاص بالتيه وسيفقدون بوصلتهم نظراً لأنهم معتادون على وجود "الخبير" الذي يضع القواعد. وأخيراً، يتضاءل الالتزام في ظل نظام القائد المحدِّد لوتيرة العمل، لأن الأشخاص ليس لديهم فكرة بشأن كيفية انسجام جهودهم الشخصية مع الغرض الأسمى للشركة.

وإذا أردت مثالاً على أسلوب القيادة المحدِّد لوتيرة العمل، خذ حالة سامي، خبير الكيمياء الحيوية في قسم البحوث والتطوير في شركة أدوية كبيرة. إذ أضحى سامي بفضل خبرته التقنية نجماً منذ وقت مبكر، حيث كان هو الشخص الذي يلجأ إليه الجميع كلما احتاجوا إلى المساعدة. وسرعان ما نال الترقية ليصبح رئيس فريق يعمل على تطوير منتج جديد. وكان العلماء الآخرون في الفريق يتحلون بالقدْر نفسه من الكفاءة والدافع الذاتي الذي يتحلى به سامي، ما جعل عمله كقائد للفريق يتمحور حول تقديم نفسه كنموذج لكيفية القيام بعمل علمي ممتاز تحت ضغط هائل بشأن الالتزام بالموعد النهائي، والمساهمة في هذا العمل عند الحاجة. وبالفعل أنجز فريقه مهمته في وقت قياسي.

ولكن كُلّف سامي بمهمة جديدة، إذ أوكِلت إليه مسؤولية البحوث والتطوير لقسمه بكامله. وبدأ أداء سامي في التدني مع توسّع نطاق مهامه، واضطراره إلى بلورة الرؤية، وتنسيق المشاريع، وتفويض المسؤولية، والمساعدة في تطوير الآخرين. ولأنه لم يكن واثقاً من أنّ مرؤوسيه يتحلون بمستوى البراعة ذاته الذي يتحلى به، فقد أصبح مديراً تفصيلياً مهووساً بالتفاصيل، ويتولى المسؤولية عن الآخرين عندما يتباطأ أداؤهم. وبدلاً من الوثوق بقدرة أعضاء فريقه على التحسّن بالتوجيه والتطوير، وجد سامي نفسه يعمل ليلاً وفي عطلات نهاية أسبوع بعد أن تولى منصبه كرئيس لفريق البحوث المتخبط. وأخيراً، اقترح مديره، للتخفيف عليه، أن يعود إلى وظيفته القديمة كرئيس لفريق تطوير المنتجات.

وعلى الرغم من تعثر سامي، إلا أن أسلوب القيادة المحدد لوتيرة العمل ليس كارثياً في جميع الأحوال. إذ يحقق هذا النهج نتائج جيدة عندما يكون لدى جميع الموظفين دوافع ذاتية ويتحلون بكفاءة عالية ويحتاجون إلى القليل من التوجيه أو التنسيق. إذ يمكن، على سبيل المثال، أن ينجح هذا الأسلوب للقادة الذين يرأسون أشخاصاً ذوي مهارات عالية ويمتلكون دوافع ذاتية، مثل مجموعات البحوث والتطوير أو الفِرق القانونية. وبالنظر إلى وجود فريق موهوب لقيادته، فإن تحديد وتيرة العمل يحقق هذا النجاح بالضبط، إذ ينجز العمل في الوقت المحدد أو حتى قبل الموعد المحدد. بيد أن هذا الأسلوب، شأنه شأن أي أسلوب قيادة، ينبغي ألا يُستخدم بمفرده مطلقاً.

6. أسلوب القيادة الموجّه

شهدت وحدة المنتجات في أحد الشركات العالمية في مجال الحواسيب انخفاضاً في مبيعاتها بشكل واضح، فبعدما كانت تحقق ضعف مبيعات منافسيها، انخفضت إلى نصف مبيعاتهم فقط. لذا قرر لورانس، رئيس قسم التصنيع، إغلاق الوحدة نهائياً، وإعادة تخصيص موظفيها وتوزيعهم على وحدات وأقسام أخرى. وفور سماعه الخبر، قرر جيمس، رئيس الوحدة المقرر إغلاقها، أن يتجاوز مديره المباشر، وأن يدافع عن الوحدة لدى الرئيس التنفيذي مباشرة.

قد تتوقع أن لورانس انفجر غاضباً في وجه مرؤوسه المتمرد، إلا أنه بدلاً من ذلك، جلس معه، متحدثاً ليس فقط عن قرار إغلاق الوحدة، بل أيضاً عن مستقبل جيمس. وأوضح له كيف أن الانتقال إلى قسم آخر سيساعده على تطوير مهارات جديدة، وسيجعله قائداً أفضل، ويعلمه المزيد عن أعمال الشركة.

في هذا الموقف، تصرّفَ لورانس كمستشار أكثر منه مديراً تقليدياً. إذ استمع إلى مخاوف مرؤوسه وآماله، وشاركه مخاوفه وآماله الشخصية أيضاً. وقال إنه يعتقد أن جيمس قد أصبح قليل الهمة في وظيفته الحالية، فهي في نهاية المطاف، المكان الوحيد الذي عمل فيه في الشركة. وتنبأ بأن أداء جيمس سيزدهر عند توليه دوراً جديداً.

ومن ثم أخذت المناقشة منعطفاً عملياً. إذ إن جيمس لم يعقد بعد اجتماعه مع الرئيس التنفيذي، وهو الاجتماع الذي طالب به بشكل متهور عندما سمع بقرار إغلاق وحدته. وبمعرفة ذلك، وكذلك معرفة أن الرئيس التنفيذي كان يؤيد بشدة قرار إغلاق الوحدة، فقد استغرق لورانس وقتاً لتوجيه جيمس بشأن كيفية عرض قضيته في هذا الاجتماع.

حيث أوضح له: "إنك لا تحصل على مقابلة مع الرئيس التنفيذي كثيراً، لذا، دعنا نتأكد من إثارة إعجابه بتفكيرك". كما نصحه بعدم عرض قضيته الشخصية، بل التركيز على وحدة العمل، قائلاً: "إن اعتقد الرئيس التنفيذي أنك تجتمع به من أجل تطلعاتك الشخصية، فسيُنهي الاجتماع في أقل وقت ممكن". وحثه على تقديم أفكاره كتابةً، إذ إن الرئيس التنفيذي دائماً ما يقدّر ذلك.

وأوضح لنا لورانس سبب توجيهه لمرؤوسه بدلاً من توبيخه، قائلاً: "إن جيمس شخص طيب وموهوب وواعد للغاية، ولا أريد أن أعرقل حياته المهنية. بل أريده أن يبقى في الشركة وأن ينجح ويتعلم ويستفيد وينمو. ولا يعني الخطأ الذي اقترفه أنه شخص سيء".

وهنا يجسد لورانس أسلوب القيادة الموجّه بامتياز. إذ يساعد القادة الموجّهون الموظفين على تحديد نقاط القوة والضعف الخاصة بهم، وربطها بطموحاتهم الشخصية والمهنية. ويشجعون الموظفين على وضع أهداف تطويرية طويلة الأجل، ويساعدونهم على وضع خطة لتحقيق هذه الأهداف. كما يبرمون اتفاقات مع موظفيهم بشأن أدوارهم ومسؤولياتهم في وضع خطط التطوير، ويقدمون توجيهات وتعليقات وفيرة. ويبرع القادة الموجّهون في التفويض، فهم يوكلون إلى الموظفين مهاماً صعبة، حتى إن كان ذلك يعني عدم تنفيذ هذه المهام بسرعة. وبمعنى آخر، فهؤلاء القادة مستعدون لتحمّل الفشل على المدى القصير إن كان من شأن ذلك تعزيز التعلّم على المدى الطويل.

ومع ذلك، أظهر البحث الذي أجريناه أنّ أسلوب القيادة الموجّه هو أقل أساليب القيادة الستة استخداماً. إذ أخبرنا العديد من القادة أنهم لا يمتلكون الوقت، خاصة مع الضغط الكبير للاقتصاد، للعمل البطيء والشاق الذي يرتبط بتعليم الأشخاص ومساعدتهم على النمو. ولكن من خلال بحثنا، تبيّن أنه بعد الجلسة الأولى في هذا العمل، لا يستغرق الأمر فعلاً سوى القليل من الوقت الإضافي أو أنه لا يستغرق وقتاً إضافياً في الأساس. والقادة الذين يتجاهلون هذا الأسلوب يهدرون أداة قوية ذات أثر إيجابي بشكل ملحوظ على مناخ العمل والأداء.

ومن المسلّم به وجود مفارقة في الأثر الإيجابي لذلك الأسلوب على الأداء المهني، إذ أن التوجيه يركز بشكل أساسي على التطوير الشخصي وليس على المهام الفورية المتعلقة بالعمل. وحتى في هذه الحالة، فمن شأن التوجيه تحسين النتائج. وذلك لأن التوجيه يتطلب حواراً مستمراً، وهذا الحوار لديه طريقته في زيادة كل قوة من القوى الدافعة لمناخ العمل. ففيما يتعلق بالمرونة مثلاً، عندما يعرف الموظف أن مديره يراقبه ويُبدي اهتماماً بما يفعله، فإنه لن يتردد في تجربة طرق جديدة في العمل. إذ من المؤكد، في نهاية المطاف، أنه سيحصل على تعليقات سريعة وبناءة.

وبالمثل، يضمن الحوار المستمر عند التوجيه أن يعرف الأشخاص ما هو متوقع منهم، وكيف ينسجم عملهم مع رؤية أو استراتيجية أكبر. وهذا يؤثر على المسؤولية والوضوح. كما يساعد التوجيه فيما يتعلق بالالتزام أيضاً، لأنّ الرسالة التي ينطوي عليها هذا الأسلوب هي: "أنا أؤمن بك وأستثمر فيك وأتوقع منك بذل قصارى جهدك". وغالباً ما يرتقي الموظفون إلى هذا التحدي بكل ما أوتوا من عزم وشغف وتركيز.

وينجح أسلوب القيادة الموجّه في العديد من المواقف في عالم الأعمال، ولكن لعله يكون أكثر فاعلية عندما يكون الأشخاص المتلقّون للتوجيه "على أهبة الاستعداد". على سبيل المثال، ينجح أسلوب القيادة الموجّه بشكل خاص عندما يكون الموظفون على دراية بنقاط ضعفهم ويرغبون في تحسين أدائهم. كما ينجح هذا الأسلوب عندما يدرك الموظفون كيف يمكن أن تساعدهم تنمية قدراتهم الجديدة على التقدم المهني. وباختصار، يحقق أسلوب القيادة الموجّه أفضل النتائج مع الموظفين الذين يرغبون في تلقّي التوجيه.

وعلى النقيض من ذلك، فما من مغزى لاستخدام أسلوب القيادة الموجّه عندما يقاوم الموظفون التعلّم، أو تغيير طرقهم في العمل. وكذلك يفشل هذا الأسلوب إذا كان القائد يفتقر إلى الخبرة اللازمة لمساعدة الموظف طوال الوقت. والحقيقة هي أن العديد من المدراء ليسوا على دراية بالتوجيه أو غير مؤهلين له، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتقديم ملاحظات مستمرة بشأن الأداء من شأنها تحفيز الموظفين بدلاً من أن تخلق الخوف أو اللامبالاة لديهم.

وقد أدركت بعض الشركات الأثر الإيجابي لهذا الأسلوب، وتحاول أن تجعله إحدى الكفاءات الأساسية لها. لدرجة أن جزءاً كبيراً من المكافآت السنوية، في بعض الشركات، بات يرتبط بتطوير المدير لمرؤوسيه المباشرين. ولكن على الجانب الآخر، فإن العديد من المؤسسات لم تستغل بعد أسلوب القيادة هذا. وعلى الرغم من أن أسلوب القيادة الموجّه ربما لا يؤثر في نتائج المحصلة النهائية، إلا أن من شأنه تحقيق هذه النتائج.

القادة بحاجة إلى استخدام الكثير من الأساليب.

أظهرت العديد من الدراسات، بما في ذلك هذه الدراسة، أنه كلما زادت الأساليب التي يستخدمها القائد، كان ذلك أفضل. إذ يتمتع القادة الذين يتقنون أربعة أو أكثر من أساليب القيادة - ولا سيما أساليب القيادة المتبصرة والديمقراطية والمتناغمة والموجهة - بمناخ عمل وأداء تجاري أفضل. ونجد أن أكثر القادة فعالية هم من ينتقلون بمرونة بين استخدام أساليب القيادة حسب الحاجة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر ربما يبدو شاقاً، فقد شاهدناه أكثر مما تتصور، في الشركات الكبيرة والشركات الناشئة الصغيرة، إذ يستخدمه القادة المتمرسون الذين يمكنهم تفسير الكيفية التي يتولون بها القيادة، وسبب اختيارهم أسلوب قيادة بعينه، وكذلك يستخدمه رواد الأعمال الذين يدّعون أنهم يقودون بالغريزة وحدها.

يحظى القادة الذين أتقنوا أربعة أو أكثر من أساليب القيادة - ولاسيما أساليب القيادة المتبصرة والديمقراطية والمتناغمة والموجهة- بمناخ العمل والأداء التجاري الأفضل

وقد يعتقد البعض أن هؤلاء القادة يُطابقون، بطريقة آلية، أسلوب القيادة الذي يستخدمونه مع قائمة مرجعية بالمواقف، إلا أنهم لا يفعلون ذلك، وإنما يتحلون بمرونة أكبر، ولديهم حساسية بشكل رائع تجاه الأثر الذي يُحدثونه على الآخرين، إذ تجدهم يُعدلون أسلبهم بسلاسة وينتقلون من أسلوب لآخر لتحقيق أفضل النتائج. وعلى سبيل المثال، يمكن لهؤلاء القادة أن يدركوا في الدقائق الأولى من المحادثة أن الموظف موهوب، ولكن أدائه الضعيف يعود إلى الروح المعنوية المنخفضة له، وسببها مدير متسلط وغير متعاطف، وأن هذا الموظف بحاجة إلى الإلهام عبر تذكيره بأهمية العمل الذي يؤديه.

أو ربما يختار ذلك القائد إعادة الحيوية إلى الموظف عبر سؤاله عن أحلامه وتطلعاته وإيجاد سبل لجعل وظيفته مليئة بالتحديات. أو ربما تشير تلك المحادثة الأولية إلى أن الموظف بحاجة إلى إنذار نهائي بتحسين أدائه أو مغادرة الشركة.

وللاطلاع على مثال للقيادة السلسة في العمل، لنأخذ حالة جوان، وهي المدير العام لقسم رئيس في شركة عالمية للأغذية والمشروبات. إذ عُيّنت جوان في وظيفتها بينما كان القسم في خضم أزمة عميقة، حيث لم يحقق الأرباح المستهدفة منذ ست سنوات؛ ففي السنة الأخيرة، كانت الأرباح التي حققها أقل من المستوى بـ 50 مليون دولار. وكانت الروح المعنوية بين فريق الإدارة العليا في حالة بائسة، وتفشّت في القسم حالة من سوء الظن والضغائن. وكان التوجيه الذي أصدرته جوان من الأعلى واضحاً، وهو تغيير القسم رأساً على عقب.

وفعلت جوان ذلك بسلاسة نادرة، من خلال التنقل بين أساليب القيادة. إذ أدركت، منذ البداية، أن لديها بصيص أمل لإظهار القيادة الفعالة، وإقامة العلاقات، وبناء الثِقة. وكانت تعرف أيضاً أنها بحاجة ماسة إلى الاطلاع على أساليب القيادة التي لم تنجح، لذا كانت مهمتها الأولى هي الإصغاء إلى الأشخاص الرئيسين في الشركة.

وفي أسبوعها الأول في العمل، عقدت اجتماعات غداء وعشاء مع كل عضو من أعضاء فريق الإدارة. إذ كانت تسعى إلى فهم تقدير كل شخص للموقف الحالي. لكن تركيزها لم يكن يتعلق كثيراً بمعرفة كيفية تشخيص كل شخص للمشكلة، بقدْر ما كان يتعلق بالتعرف على كل مدير كشخص. وفي هذه الحالة، كانت تستخدم أسلوب القيادة المتناغم، إذ إنها كانت تستكشف حياة أعضاء فريق الإدارة وأحلامهم وتطلعاتهم. كما استخدمت أيضاً أسلوب القيادة الموجّه في إطار بحثها عن سبل تمكّنها من مساعدة أعضاء الفريق على تحقيق ما يريدونه في حياتهم المهنية. على سبيل المثال، أفضى إليها أحد المدراء الذي كان يتلقى تعليقات مفادها أنه لا يتمتع بروح الفريق، بانزعاجه من هذه التعليقات. إذ إنه يعتقد أنه كان عضواً فعالاً في الفريق، لكنه كان يعاني من الشكاوى المستمرة. وإدراكاً منها بأنه كان مديراً موهوباً وشخصاً قيّماً في الشركة، توصلت جوان إلى اتفاق معه بأن توضح له (على انفراد) عندما ترى أن أفعاله تقوّض هدفه المتمثل في أن يُنظر إليه كشخص يتمتع بروح الفريق.

وبعد هذه المناقشات الفردية، بادرت بعقد اجتماع خارج مكان العمل استمر لمدة ثلاثة أيام. وكان هدفها من ذلك هو بناء الفريق بحيث يمتلك الجميع أي حل للمشاكل التي تظهر في الشركة. وكان موقفها المبدئي في هذا الاجتماع هو الموقف الذي يُبديه القائد الديمقراطي، إذ شجعت الجميع على التعبير بحرية عن إحباطهم وشكاواهم.

وفي اليوم التالي، جعلت جوان الفريق يركز على الحلول، إذ قدم كل شخص ثلاثة مقترحات محددة بشأن ما يلزم القيام به. وبعد أن جمعت جوان المقترحات، ظهر توافق طبيعي في الآراء بشأن أولويات الشركة، مثل خفض التكاليف. ومع توصّل الفريق إلى خطط عمل محددة، حصلت جوان على الالتزام والمشاركة اللذين كانت تبتغيهما.

وبوجود هذه الرؤية، انتقلت جوان إلى استخدام أسلوب القيادة المتبصر، حيث أسندت المسؤولية عن كل خطوة إلى مدراء تنفيذيين محددين، وأوكلت إليهم مسؤولية تحقيقها. على سبيل المثال، كان القسم يخفّض أسعار المنتجات دون زيادة كميتها. وكان أحد الحلول الواضحة هو رفع الأسعار، لكن نائب الرئيس السابق للمبيعات في الشركة تردد في ذلك وترك المشكلة تتفاقم. بيد أن نائب الرئيس الجديد للمبيعات أصبح الآن مسؤولاً عن مواءمة الشرائح السعرية لإصلاح المشكلة.

وكان الموقف الرئيس لجوان، خلال الأشهر التالية، هو الأسلوب المتبصر. إذ دأبت على صياغة الرؤية الجديدة للمجموعة على نحو يذكّر كل عضو بمدى أهمية دوره في تحقيق هذه الأهداف. وشعرت جوان، بصفة خاصة خلال الأسابيع القليلة الأولى من تنفيذ الخطة، بأن الطابع المُلح لأزمة الشركة يبرر الانتقال من حين لآخر إلى استخدام أسلوب القيادة المتسلط في حالة إخفاق شخص ما في الاضطلاع بمسؤوليته. وكان الأمر كما أوضحته بقولها: "كان عليّ أن أكون قاسية بشأن هذه المتابعة وأن أتأكد من إنجاز هذه الأمور. إذ كان الأمر يتطلب الانضباط والتركيز".

وفيما يتعلق بالنتائج، فقد تحسّن كل جانب من جوانب مناخ العمل. إذ عكفَ الأشخاص على الابتكار. وكانوا يتحدثون عن رؤية القسم ويتفاخرون بالتزامهم حيال أهداف جديدة وواضحة. ويتجسد الدليل القاطع على أسلوب القيادة السلس لجوان في الأرباح التي حققتها الشركة، فبعد سبعة أشهر فقط، تجاوز الربح الذي حققه قسمها الربح السنوي المستهدف بمقدار 5 ملايين دولار.

توسيع نطاق مرجع ممارساتك القيادية.

بطبيعة الحال، لا يمتلك سوى عدد قليل من القادة جميع أساليب القيادة الستة في مرجع ممارساتهم، بل إن عدداً أقل منهم يعرف وقت استخدامها وكيفية استخدامها. وفي الواقع، عندما أطلعنا العديد من المؤسسات على النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا، كانت الردود الأكثر شيوعاً هي: "لكني لا أستخدم سوى اثنين فقط من هذه الأساليب!"، و"لا يمكنني استخدام كل هذه الأساليب. لن يكون الأمر طبيعياً".

ويمكن للمرء تفهّم هذه المشاعر، وفي بعض الحالات يكون العلاج بسيطاً نسبياً. إذ يمكن للقائد بناء فريق بأعضاء يستخدمون أساليب القيادة التي يفتقر هو إليها. خذ حالة نائبة الرئيس للتصنيع التي نجحت في إدارة منظومة مصانع عالمية عن طريق استخدام أسلوب القيادة المتناغم إلى حد كبير. حيث كانت تمضي قُدماً باستمرار، وتلتقي بمديري المصانع، وتهتم بمشكلاتهم المُلحة وتخبرهم بمدى اهتمامها بهم بصفة شخصية. وتركت استراتيجية القِسم – المتمثلة في الكفاءة القصوى - إلى مساعد موثوق ويتحلى بفهم دقيق للتقنية، وفوّضت معايير الأداء الخاصة بالاستراتيجية لزميل آخر له خبرة في أسلوب القيادة المتبصر. كما كانت أيضاً تستخدم أسلوب القيادة المحدد لوتيرة العمل مع فريقها الذي كان دائماً ما يزور المصانع معها.

وثمة نهج بديل، وأوصي به أكثر من غيره، وهو أن يوسّع القادة نطاق مراجع ممارساتهم. وإذا أرادوا القيام بذلك، يتعيّن عليهم أولاً فهم كفاءات الذكاء العاطفي التي ترتكز عليها أساليب القيادة التي يفتقرون إليها. ومن ثم يمكنهم العمل بجد لزيادة حصيلتهم منها.

اقرأ أيضاً: درس في القيادة مستمد من أزمة "كوفيد-19"

على سبيل المثال، يتمتع القائد المتناغم بنقاط قوة في ثلاث كفاءات في مجال الذكاء العاطفي، وهي التعاطف، وبناء العلاقات، والتواصل. إذ يتيح التعاطف، وهو الإحساس بما يشعر به الأشخاص في الوقت الحالي، للقائد المتناغم الرد على الموظف بطريقة تنسجم تماماً مع مشاعره، بما يؤدي إلى إقامة علاقة معه.

ويُبدي القائد المتناغم أيضاً سهولة طبيعية في تكوين علاقات جديدة والتعرف على شخص ما بصفته إنساناً ومن ثم تنمية الروابط بينهما. وأخيراً، يتقن القائد المتناغم المتميز فن التواصل مع الأشخاص، خاصة في قول الشيء الصحيح أو القيام بالإيماءة الرمزية الملائمة في اللحظة المناسبة.

لذا، إن كنت كقائد تستخدم أسلوب تحديد وتيرة العمل بشكل أساسي، وترغب أن تتحلى بالقدرة على استخدام الأسلوب المتناغم أكثر، فسيلزمك تحسين مستوى التعاطف لديك، وربما تحسين مهاراتك في بناء العلاقات، أو التواصل بفعالية. وبالمثل، إذا كنت كقائد تستخدم أسلوب القيادة المتبصر، وتريد إضافة أسلوب القيادة الديمقراطي إلى مرجع ممارساتك، فيتعيّن عليك العمل على تحسين قدراتك في التعاون والتواصل.

وربما تبدو مثل هذه النصائح بشأن إضافة القدرات أمراً بسيطاً، فأنت تحث الأشخاص على تغيير أنفسهم، وكذلك يمكنك تعزيز الذكاء العاطفي من خلال الممارسة. (ولمعرفة المزيد حول كيفية تحسين الذكاء العاطفي، راجع الفقرة الجانبية "تنمية ذكائك العاطفي").

القيادة علم أكثر من اعتبارها فناً.

هل يمثل شعور الأبوة علماً؟ بالتأكيد لا. كذلك القيادة، شأنها في شأن الأبوّة، فلن تكون القيادة علماً مطلقاً. وفي الوقت ذاته، لا ينبغي أن تكون لغزاً كبيراً لأولئك الذين يمارسونها. إذ ساعدت الأبحاث، في السنوات الأخيرة، الآباء على فهم المكونات الوراثية والنفسية والسلوكية التي تؤثر على "أدائهم الأبوي". ويمكن للقادة أيضاً، من خلال بحثنا الجديد، الحصول على صورة أوضح لما يتطلبه الأمر للقيادة بفعالية. وربما يمكنهم، بنفس القدر من الأهمية، فهم كيف يمكنهم تحقيق ذلك.

وحيث إن بيئة الأعمال تتغير باستمرار، يجب أن يستجيب القائد بالمثل لهذه التغييرات. إذ يتعين على المدراء التنفيذيين، من ساعة إلى ساعة ومن يوم إلى يوم ومن أسبوع إلى أسبوع، أن يستخدموا أساليبهم القيادية باحترافية، وذلك باستخدام الأسلوب المناسب في الوقت المناسب وبالإجراءات المناسبة. وسيحصدون مكافآتهم حينما يحققون النتائج المرجوة.

تنمية ذكائك العاطفي.

على عكس معدل الذكاء، الذي يعتبر أمراً وراثياً إلى حد كبير – ولا يطرأ عليه تغيير كبير منذ مرحلة الطفولة – فإنه بالإمكان تعلّم مهارات الذكاء العاطفي في أي مرحلة عمرية. بيد أن الأمر ليس سهلاً، إذ تتطلب تنمية ذكائك العاطفي تدريباً والتزاماً. لكن العائد المترتب عليها يستحق الجهد الذي تبذله فيها.

ولنأخذ، على سبيل المثال، حالة مدير التسويق في قسم يتبع لإحدى شركات الأغذية العالمية، حيث كان أيمن، كما سأطلق عليه، قائداً يتبع نهج تحديد وتيرة العمل، فهو يتمتع بحيوية متدفقة ودائم السعي إلى إيجاد سبل أفضل تكفل له إنجاز المهام وحريص للغاية على التدخل وتولي زمام الأمور عندما يبدو أحد الأشخاص، مثلاً، مهدداً بالتأخر عن موعد التسليم المقرر. والأمر الأسوأ من ذلك أن أيمن كان يميل إلى مهاجمة أي شخص لا يبدو أنه يستوفي معاييره، ويفقد صوابه إذا ما حاد أحد الأشخاص فحسب عن إكمال مهمة حسب الترتيب الذي كان أيمن يرى أنه الأفضل.

وكما هو متوقع، فإن أسلوب القيادة الذي يتبعه أيمن تترتب عليه آثار وخيمة على مناخ العمل ونتائج الشركة. وبعد عامين من الركود في الأداء، اقترح مدير أيمن عليه التماس المساعدة من موجّه، ولم يكن أيمن راضياً عن ذلك، لكنه امتثل إلى الأمر لإدراكه أنًّ وظيفته قد أضحت على المحك.

وبدأ موجّه أيمن، الذي كان خبيراً في تعليم الأشخاص السبل الكفيلة بزيادة ذكائهم العاطفي بتقييم أيمن بطريقة 360 درجة. إذ إن إجراء تحليل من وجهات نظر متعددة يُعد أمراً ضرورياً في تحسين الذكاء العاطفي نظراً لأن الأشخاص الأكثر حاجة إلى المساعدة عادة ما تكون لديهم غشاوة تمنع عنهم رؤية بعض الجوانب. وفي واقع الأمر، فقد وجد بحثنا أن القادة ذوي الأداء الرفيع يغالون في تقدير مواطن القوة لديهم في إحدى قدرات الذكاء العاطفي على الأكثر، بينما يبالغ القادة ذوو الأداء الضعيف في تقدير أنفسهم في أربع قدرات أو أكثر من قدرات الذكاء العاطفي. ولم يكن أيمن بعيداً عن هذا، لكنّ تقديره لنفسه كان أكثر حماسة من تقدير مرؤوسيه المباشرين الذين قيّموه بدرجات منخفضة بصفة خاصة فيما يتعلق بضبط النفس في الانفعالات وبالتقمص العاطفي.

وقد وجد أيمن، في بادئ الأمر، صعوبة في تقبل الملاحظات. لكنه أدرك، عندما أوضح له موجهه أن نقاط الضعف هذه ذات صلة بعجزه في التحلي بأساليب القيادة التي تعتمد على هذه الكفاءات – لا سيما أساليب القيادة المتبصرة والمتناغمة والموجّهة – أنه يتعين عليه التحسّن إذا ما أراد التقدم وظيفياً في الشركة، ويعتبر إيجاد هذه الصلة من الأمور الأساسية. ويعود السبب في ذلك إلى أن تحسين الذكاء العاطفي لا يتم في غضون عطلة نهاية الأسبوع أو خلال المشاركة في حلقة دراسية، بل إنه يتطلب تدريباً حثيثاً على المهمة على مدار أشهر عديدة. وإذا لم ير الأشخاص قيمة هذا التغيير، فلن يبذلوا ذلك الجهد.

وبعد أن ركز أيمن على المجالات التي تتطلب منه تحسينها والتزم ببذل الجهد اللازم، وضع هو وموجهه خطة لتحويل وظيفته اليومية إلى مختبر للتعلم. على سبيل المثال، اكتشف أيمن أنه كان يُبدي التعاطف عندما تكون الأحوال مستقرة، لكن عند نشوب أزمة، فإنه لا يكترث بالآخرين. وقد أعاقت هذه النزعة قدرته على الإصغاء إلى ما يخبره به الأشخاص في اللحظات التي يكون فيها في أمسّ الحاجة إلى الإصغاء إليهم. وتطلبت خطة أيمن منه التركيز على سلوكه خلال المواقف الصعبة. فحالما يشعر بأنه متوتر، كانت مهمته تقتضي منه التراجع في الحال وإتاحة الفرصة للشخص الآخر للتحدث ومن ثم طرح أسئلة لتوضيح المسائل. وكان الهدف من ذلك هو عدم التصرف تحت الضغط على نحو ينطوي على إصدار أحكام على الآخرين أو على نحو عدواني.

ولم يتحقق التغيير بسهولة، لكن أيمن تعلم، بكثرة التدرّب، وتهدئة حدة غضبه عن طريق الدخول في حوار بدلاً من الشروع في جدال. وعلى الرغم من أنه لم يكن يتفق دائماً مع الموظفين في آرائهم، إلا أنه كان – على الأقل – يعطيهم الفرصة لإيضاح وجهة نظرهم. وفي الوقت نفسه، تدرب أيمن أيضاً على إعطاء مرؤوسيه المباشرين تعليقات إيجابية بقدر أكبر وتذكيرهم بمدى مساهمة العمل الذي يؤدونه في تحقيق مهمة الفريق. كما أنه منع نفسه من التدخل في أمور عملهم الصغيرة.

وكان أيمن يلتقي بموجهّه كل أسبوع أو كل أسبوعين لمراجعة التقدم المحرز والحصول على مشورة بشأن بعض المشكلات. على سبيل المثال، كان أيمن، من حين إلى آخر، يعود إلى استخدام أساليبه القيادية القائمة على تحديد وتيرة العمل، بعزل الأشخاص والتدخل لتولي زمام الأمور والانفجار في غضب عارم. لكنه كان يأسف على تصرفاته هذه في الحال. لذا، قام هو وموجهه بتحليل حالات الانتكاس هذه لمعرفة الأمور التي استدعت لجوءه إلى أساليبه القديمة ومعرفة ما يتعين القيام به في المرة المقبلة التي يحدث فيها ذلك. ومن شأن تدابير "الحيلولة دون حدوث انتكاس" هذه تحصين الأشخاص ضد الهفوات أو الاستسلام في المستقبل. وطرأ على أيمن، على مدى فترة ستة أشهر، تحسّن حقيقي. حيث تُظهر سجلاته أنه قلل نوبات غضبه من معدل نوبة واحدة أو أكثر من نوبة في اليوم في البداية إلى نوبة واحدة أو نوبتين فحسب في الشهر. كما أن مناخ العمل تحسّن تحسناً هائلاً وبدأت الأرقام التي يحققها القسم في الازدياد.

وعند السؤال عن أنه لماذا يستغرق تحسين كفاءة من كفاءات الذكاء العاطفي شهوراً وليس أياماً؟ فالإجابة هي لأن مراكز العاطفة في الدماغ، وليس القشرة المخية الحديثة، مشتركة في هذه العملية. إذ إن القشرة المخية الحديثة، وهي الجزء المسؤول عن التفكير في الدماغ الذي يتعلم المهارات الفنية والقدرات المعرفية البحتة، تكتسب المعرفة بسرعة كبيرة، لكن الجزء المسؤول عن العواطف في الدماغ لا يكتسبها بسرعة. حيث يلزم مراكز العاطفة في الدماغ، لإتقان سلوك جديد، التكرار والتدريب. وبالتالي فإن تحسين ذكائك العاطفي شبيه بتغييرك لعاداتك، حيث إنه يتعين على دوائر الدماغ التي تحمل عادات القيادة نسيان العادات القديمة واستبدالها بالعادات الجديدة. وكلما ازدادت وتيرة تتابع السلوك الذي تقوم به، أصبحت دوائر الدماغ المسببة له أكثر قوة. وتصبح المسارات العصبية الجديدة، في مرحلة معينة، هي الخيار التلقائي للدماغ. وعندما حدث ذلك، أصبح بمقدور أيمن اجتياز خطوات القيادة بشكل سلس، باستخدام الوسائل التي أثبتت نجاعتها معه ومع الشركة برمتها المتعلقة بأساليب القيادة في اتخاذ القرار.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي