"هل لديك أي عروض أخرى خلاف هذا؟".
سواء كان الأمر في مقابلة شخصية أو خلال مفاوضات تجريها، فإنه كثيراً ما تُطرح علينا أسئلة نفضّل ألا نجيب عنها. إذ إن من شأن تقديم إجابة صادقة أن يُضعف موقفنا أو يكشف خصوصياتنا أو يفصح عن معلومات حساسة تخص المؤسسة. لكن الكيفية التي نرد بها على السؤال، ومعرفة أساليب التفاوض عند الإجابة، يمكن أن تؤثر على نتائجنا الاقتصادية المتوخاة وعلاقاتنا مع الشخص الذي يوجه هذا السؤال على حد سواء.
ثلاث استراتيجيات للإجابة عن الأسئلة الصعبة
وقد أخذت الأبحاث السابقة في الاعتبار ثلاث استراتيجيات شائعة للإجابة عن الأسئلة المباشرة والصعبة. وهذه الاستراتيجيات هي كما يلي:
1) تقديم إجابة صريحة. غالباً ما ننظر إلى الأشخاص الذين يفصحون عن المعلومات (لاسيما المعلومات الثمينة) بصفتهم جديرين بالثقة ومحبوبين، لكن هذا النهج يمكن أن يكون مكلفاً من الناحية الاقتصادية. حيث إن الرد على السؤال في صدر هذا المقال بالقول: "لا، ليس لديّ عروض أخرى" من الممكن أن يؤدي إلى طرح عرض أقل عليك.
2) رفض الإجابة عن السؤال، بأن تقول شيئاً على شاكلة: "أفضّل ألا أجيب عن هذا السؤال". لكن هذا الأسلوب يتسبب في ضرر بعلاقتك مع الطرف الآخر، وغالباً ما يكون ضرراً من الناحية الاقتصادية، نظراً لأن الأشخاص، في الغالب، لا يحبون ولا يثقون في الأفراد الذين يرفضون الإفصاح عن المعلومات أكثر حتى من الأفراد الذين يكشفون عن معلومات سلبية عن أنفسهم.
3) الخداع بشأن الأمر، لكن التضليل ينطوي على مخاطر، حيث إن البشر بطبعهم لا يحبون الأشخاص الذين يخدعونهم ولا يثقون بهم وفي الغالب ينتقمون منهم.
وقد كان يراودنا الفضول حيال نهج آخر من شأنه تقليل التكاليف الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الأساليب الثلاثة السابقة، حيث درسنا، في بحثنا الذي أجريناه، استخدام نهج تحويل مسار الحديث، الذي يتمثل في الإجابة عن السؤال المباشر الذي يُطرح عليك بتوجيه سؤال آخر يعيد دفة الحديث إلى الشخص الآخر.
على سبيل المثال، عندما يُطرح عليك سؤال فحواه: "هل لديك أي عروض أخرى خلاف هذا؟"، يمكنك تحويل مسار الحديث بتوجيه سؤال يقول: "هل تعتزم تقديم عرض لي؟". وقد تبيّن لنا أن تحويل مسار الحديث يمكّن الأشخاص من تفادي الإفصاح عن معلومات ثمينة على نحو يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل مقارنة باستخدام نهج رفض الإجابة عن السؤال المطروح ببساطة، وينطوي على مخاطر أقل فيما يتعلق بالسمعة مقارنة باستخدام أسلوب التضليل.
الفوائد المترتبة على تحويل مسار الأسئلة المباشرة
كان لدينا أكثر من 2,000 مشارك، في خمس دراسات تجريبية أجريناها، يؤدون دور تجار أعمال فنية كُلّفوا بمهمة بيع لوحة كانت تمثل جزءاً من مجموعة فنية. وشكّل المشاركون ثنائيات مع مشتري الأعمال الفنية الذين كانوا، في واقع الأمر، مساعدي بحوث يتّبعون سيناريو معداً سلفاً، حيث أبلغنا البائعين أن بوسعهم طلب سعر أعلى على اللوحة إذا كان المشتري يمتلك قطعاً أخرى من المجموعة الفنية. وعلى إثر ذلك، كان المشاركون في الدراسة يسألون المشترين، في جميع الحالات تقريباً، بشأن ما إذا كانوا يمتلكون قطعاً أخرى من المجموعة الفنية. وفي المفاوضات اللاحقة بشأن سعر القطعة الفنية، جعلنا المشترين يجيبون عن هذا السؤال بطرق مختلفة وقمنا بتقييم ما جرى.
ففي الدراستين الأوليين (اللتين كان عدد المشاركين فيهما 1,126 مشاركاً)، قارنّا أسلوب تحويل مسار الحديث (مثلاً، أن يجيب المشتري، رداً على السؤال الذي يطرحه البائع بشأن ما إذا كان المشتري يمتلك قطعاً فنية أخرى أم لا، بالقول: "ما المبلغ الذي تطلبه مقابل هذه القطعة؟") بأسلوب الإفصاح الصادق عن المعلومات (مثلاً، أن يجيب المشتري بالقول: "لقد اشتريت بالفعل القطع الأخرى في هذه المجموعة الفنية")، وكذلك بأسلوب رفض الإفصاح عن المعلومات (مثلاً، أن يجيب المشتري بالقول: "لستُ مستعداً للنقاش بشأن مجموعتي الفنية الآن"). واكتشفنا أن نهج تحويل مسار الحديث كان فعالاً للغاية في إعادة توجيه مسار المناقشة، حيث أجاب 76.9% من البائعين عن سؤال تحويل مسار الحديث الذي طرحه المشتري (مثلاً بالقول: "ما رأيك أن تدفع عشرة آلاف سعراً للوحة؟").
وتبيّن لنا أن المشترين الذين أفصحوا بصدق عن المعلومات بشأن مجموعاتهم الفنية كانوا موضع إعجاب المشاركين وثقتهم بدرجة أكبر، لكنهم أيضاً دفعوا أعلى الأسعار. وفي المقابل، أدى أسلوب رفض الإفصاح عن المعلومات إلى نتائج أفضل من الناحية الاقتصادية (دفع سعر أقل) بالنسبة إلى المشترين مقارنة بأسلوب الإفصاح الصادق عن المعلومات، لكنه أثّر سلباً على مدى إعجاب البائعين بالمشترين وثقتهم بهم. وقد حقق المشترون الذين استخدموا أسلوب تحويل مسار الحديث توازناً في النتائج التي حصلوا عليها. إذ إنهم حصلوا على أسعار أقل من المشترين الذين استخدموا أسلوب الإفصاح الصادق عن المعلومات، وكانوا مثار إعجاب البائعين وموضع ثقتهم بدرجة أكبر من المشترين الذين رفضوا الإفصاح عن المعلومات بشأن مجموعاتهم الفنية.
وفي الدراستين التاليتين (اللتين كان عدد المشاركين فيهما 480 مشاركاً)، قارنّا الآثار الاقتصادية والآثار على العلاقة بين الأشخاص عند استخدام أسلوبَي تحويل مسار الحديث والتضليل، حيث استخدمنا نموذجاً تجريبياً مماثلاً واستخدمنا التضليل بجعل المشترين يجيبون بالقول: "ليس لديّ أي قطع أخرى في المجموعة الفنية". وأتاح استخدام أسلوب التضليل، في هاتين الدراستين، للمشترين تحقيق نتائج أفضل من أسلوب تحويل مسار الحديث، لكن في الأمد القريب فحسب، حيث طلبنا من البائعين تقديم تقييمات أولية فيما يتعلق بالثقة والإعجاب بنظرائهم المشترين، ومن ثم كشفنا لهم أن المشترين منهم كانوا بالفعل يمتلكون قطعاً أخرى في المجموعة الفنية، على عكس ما أخبروهم به.
ومن ثم طلبنا من البائعين تقييم نظرائهم من المشترين مرة أخرى. وكانت النتيجة أن مدى أعجاب المشاركين بالمشترين وثقتهم بهم قد انخفض بدرجة كبيرة بعد أن عرفوا أنهم قد خُدعوا، بالمقارنة مع تقييمهم للمشترين بعد أن خاضوا معهم مفاوضات أستُخدم فيها أسلوب تحويل مسار الحديث. كما أن احتمال أن يرغب المشاركون في إجراء مفاوضات مجدداً مع المشترين الذين استخدموا أسلوب التضليل قد قل بدرجة كبيرة.
لكن ما سر النجاح الواضح لأسلوب تحويل مسار الحديث في الإجابة عن الأسئلة الصعبة؟ طلبنا من المشاركين، في الدراسة التالية (التي بلغ عدد المشاركين فيها 600 مشارك)، تقييم إلى أي مدى شعروا بأن المشترين منهم كانوا يحاولون: أ) إخفاء المعلومات، وب) معرفة المعلومات. وتبيّن لنا أن أسلوب تحويل مسار الحديث، بالمقارنة مع أسلوبَي رفض الإفصاح عن المعلومات أو التضليل، جعل البائعين يعتقدون أن المشترين كانوا يلتمسون معرفة المعلومات بدلاً عن محاولة إخفاء المعلومات.
ويبدو أنه بسبب أننا، عموماً، نعجب بالأشخاص الفضوليين والصريحين، فإن من شأن أسلوب تحويل مسار الحديث تعزيز الثقة والإعجاب بالمقارنة مع أسلوبَي رفض الإفصاح عن المعلومات أو التضليل.
وقد تبيّن لنا، في حالات المفاوضات التي قمنا بها في سياق هذه الدراسات، أن أسلوب تحويل مسار الحديث فعال للغاية. لكننا نظن أن طبيعة التفاوض المكونة من شخصين في الدراسات التي أجريناها يمكن أن تكون ذات أهمية. إذ إنه عندما يُطرح علينا سؤال مباشر، فإننا نجد لزاماً علينا الإجابة عنه، حتى إذا كانت إجابتنا هذه ستتسبب في ابتعادنا عن مسار السؤال الأوّلي.
بيد أنه في بعض الحالات، يمكن أن يكون ثمة أشخاص آخرون يراقبون الحوار الجاري. وقد ينطبق ذلك خلال المقابلات الشخصية أو المفاوضات التي يوجد فيها عدد أكبر من المشاركين. ويمكن أن يكتشف هؤلاء المراقبون أسلوب تحويل مسار الحديث بصورة مرجحة أكثر من المشاركين في الدراسات التي أجريناها، ويمكن أن تتضاءل - على الأرجح - الفوائد المترتبة على أسلوب تحويل مسار الحديث عند استخدامه في مفاوضات أو مقابلات تتسم بوجود عدد كبير من المشاركين.
اقرأ أيضا
كيف تحوّل مسار الحديث؟
من الواضح أن تحويل مسار الحديث يمكن أن يكون وسيلة مفيدة في حالات التفاوض وإجراء المقابلات الشخصية. إذ إنها تساعدك، عندما يُطرح عليك سؤال صعب، في تفادي تكبّد العواقب الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تصاحب استخدامك لأسلوب الصراحة في الإجابة أو رفض الإجابة أو التضليل في الإجابة. بيد أن أسلوب تحويل مسار الحديث ليس مهارة فطرية للكثير من الأشخاص. لذا، فيما يلي بعض الاقتراحات التي تساعد في تحويل مسار الحديث بفعالية عند الإجابة عن الأسئلة الصعبة:
توقّع الأسئلة الصعبة والمباشرة التي من المرجح أن تُطرح عليك.
ثمة أوقات تُطرح علينا فيها أسئلة لا نرغب بها أو لا نستطيع الإجابة عنها أو ينبغي ألا نجيب عنها. على سبيل المثال، يمكن أن تُطرح علينا في مقابلة شخصية أسئلة عن علاقاتنا أو حالتنا الاجتماعية وعمرنا وانتمائنا السياسي. لذا، يمكنك التفكير بشأن الأسئلة التي لا تود الإجابة عنها لكي يتسنى لك إعداد أجوبة لها.
وضع أسئلة تحويل مسار الحديث.
تلتزم أفضل الأسئلة المحولة لمسار الحديث بموضوع السؤال نفسه الذي طُرح في البداية (يساعد هذا الأمر في الحفاظ على انسياب الحوار)، وتركز على نظرائك (غالباً ما يتوق الأشخاص إلى الحديث عن أنفسهم).
ويمكن أن تكون أسئلة تحويل مسار الحديث ذات الطابع الفكاهي أيضاً ودودة. على سبيل المثال، عند الإجابة عن سؤال مفاده: "متى تخطط لإنجاب أطفال؟"، وهو بالمناسبة سؤال يحظر القانون في الولايات المتحدة على أرباب العمل طرحه، يمكن أن يكون أسلوب تحويل مسار الحديث بطرح السؤال: "هل لديك أي أطفال؟"، أو يمكن أن تكون الإجابة الفكاهية عن هذا السؤال: "في غضون تسعة أشهر. هل القاعدة السائدة في هذه الشركة مختلفة عن ذلك؟". ويمكن للقليل من الفكاهة تغيير دفة الحوار إلى موضوع مختلف وإرسال إشارة مفادها أنك تود إقامة تواصل لطيف.
التدرب على أسئلة تحويل مسار الحديث.
يمكن أن يكون من الصعب اختراع أسئلة تحويل مسار الحديث في الحال. وأنت تضع نفسك، بتوقع الأسئلة التي من المرجح أن تُطرح عليك وتحضير إجابات مختلفة لتحويل مسار الحديث، في موقف يسمح لك بإعادة توجيه الحوار. ويمكنك، بالنسبة إلى المناقشات المهمة، التدرب على الحوار مع زميل أو صديق لك.
على سبيل المثال، بوسعك منح زميلك قائمة بالأسئلة التي من المرجح أن تُطرح عليك تتضمن سؤالاً أو سؤالين من الأسئلة الصعبة التي تود تفادي الإجابة عنها. ومن ثم، دون أن تدع زميلك يعلم أنك تعتزم استخدام أسلوب تحويل مسار الحديث، حاول تحويل مسار الحديث عند طرح السؤال المستهدف لإعادة توجيه الحوار.
توقع الإجابات عن أسئلة تحويل مسار الحديث التي تطرحها.
تبيّن لنا أن قاعدة الحوار التي تتمثل في الإجابة عن السؤال المباشر قوية بشكل مدهش. ويعني هذا أنه قد يلزمك بذل الجهد لتفادي الإجابة عن سؤال مباشر، لكنه يعني أيضاً أن شريكك في الحوار أيضاً من المرجح أن يجد نفسه ملزماً بالإجابة عن سؤالك. فإذا أجبت عن سؤال مباشر مثل "ما خياراتك الخارجية؟" بالقول "ما العرض الأوّلي الذي تطرحه لي؟"، ينبغي أن تدرك أن الطرف الآخر سيشعر بالتوق النفسي إلى الإجابة عن سؤالك. وربما يجدر بك التفكير في سبل استخدام أسئلة أو تعليقات إضافية لتطوير الحوار وتوجيهه من تلك النقطة.
الاستعداد للدفاع ضد تحويل مسار الحديث.
إذا كنت أنت الشخص الذي يحرص على جمع المعلومات المهمة، ينبغي لك توقع أنه من الصعب الكشف عن تحويل مسار الحديث، وأنك من المرجح أن تجد نفسك ملزماً بالإجابة عن أسئلة تحويل مسار الحديث. وعند الاستعداد لإجراء مفاوضات أو اجتماع، حضّر قائمة بالأسئلة الرئيسة التي تخطط لطرحها وضَع علامة على الأسئلة ذات الأهمية البالغة. ودوّن، خلال الاجتماع، ملاحظات بشأن الأجوبة التي تتلقاها مع إيلاء اهتمام خاص لأسئلتك الرئيسة.
وفي الدراسات التي أجريناها، فإن معظم الأشخاص لا يجيبون فحسب عن أسئلة تحويل مسار الحديث، بل إنهم أيضاً لا يعودون مطلقاً إلى سؤالهم الأول.
غالباً ما تُطرح علينا أسئلة مباشرة وصعبة. ونظراً لأن تأنيب الضمير للإجابة عن سؤال مباشر قوي للغاية، فإن معظم الأشخاص يقدمون إجابات في اللحظة الحالية يندمون عليها فيما بعد، من الكشف عن معلومات ثمينة إلى تضليل الطرف الآخر. ويمكننا، بالتركيز على السبل التي تكفل لنا تحويل مسار الحديث في الأسئلة الصعبة، توجيه الحوار وحماية مصالحنا. وفي المرة التالية التي يُطرح فيها عليك سؤال صعب، فكّر في طرح سؤال جديد، واغتنم أساليب التفاوض الناحجة لتحقيق أفضل النتائج.