كيف تستغل شركة “آتش بي” الكوارث التي تحدث في العمل لصالحها؟

5 دقائق
أساسيات العمل المرن

ملخص: في علم المحيطات، الموجة المارقة هي موجة ضخمة تنبثق، على ما يبدو من العدم، عندما تتصادم عدة ظواهر طبيعية غير محتملة بعضها ببعض. في أعماق المحيط، عادة ما تتسبب الأمواج المارقة في غرق السفن الكبيرة. وفي مجال الأعمال التجارية، فإنها تقضي على خطط النمو وتخفيف المخاطر. إذاً، ما المطلوب لكي تظل مؤسستك صامدة عندما تضربها موجة مارقة، وأن تستغلها لصالحك أيضاً؟ في هذه المقالة، يوضح المؤلف إطاراً يتكون من 3 أجزاء للنمو المرن الذي ساعد شركة "هيوليت-باكارد" (آتش بي) على النجاح بعد عام شهد تحديات كثيرة كان من الممكن أن تؤدي إلى إنهاء عملها. ويتضمن هذا النهج، الذي يمكن تكييفه مع أي مؤسسة، بناء الوعي بالتهديدات والفرص المحتملة التي تلوح في الأفق، وتكييف السلوكيات وفقاً لهذه التوجهات، وضمان إرساء ثقافة التواصل المفتوح والعمليات الواضحة والتوازن السليم بين التسلسل الهرمي والاستقلالية.

ماذا ستفعل إذا حاول أحد أكبر منافسيك الاستحواذ على شركتك، ودُمرت سلسلة التوريد الخاصة بك، وانهار عملك التجاري المربح بين عشية وضحاها؟

هذا هو بالضبط ما حدث لشركة "آتش بي" (HP) في أوائل عام 2020. كانت الشركة ستعلن إفلاسها بكل تأكيد. ومع ذلك، بعد مرور عام، ظلت إيراداتها وأرباحها ثابتة، في حين انكمش قطاع الطباعة بنسبة 9.4% وبشكل عام، شهدت شركة "زيروكس" (Xerox)، التي كان من المنتظر أن تستحوذ على "آتش بي" انخفاضاً بنسبة تزيد على 60% في أرباح أسهمها. لماذا ازدهرت "آتش بي" بينما غرق الآخرون؟

تكمن الإجابة في كيفية استعداد "آتش بي" للأمواج المارقة. في علم المحيطات، الموجة المارقة هي موجة ضخمة تنبثق، على ما يبدو من العدم، عندما تتصادم عدة ظواهر طبيعية غير محتملة بعضها ببعض. في أعماق المحيط، عادة ما تتسبب الأمواج المارقة في غرق السفن الكبيرة. وفي مجال الأعمال التجارية، فإنها تقضي على خطط النمو وتخفيف المخاطر.

غالباً ما يتجاهل القادة الأمواج المارقة باعتبارها غير محتملة. لكن في الواقع، الاحتمال التراكمي لوقوع الأحداث غير المحتملة مرتفع للغاية. وفي ظل الصراعات الجغرافية السياسية، والأزمات الصحية، والحركات الاجتماعية، والتغيرات التكنولوجية، وعوامل أخرى لا حصر لها، تصبح الصدمات والأزمات الكبيرة أمراً شائعاً إلى حد كبير. في الواقع، على مدار القرن العشرين، كانت الشركات الأميركية تتعرض إلى 4 أزمات في المتوسط كل عام. وعندما تتصادم هذه الأزمات بعضها ببعض، فإنها تتسبب في حدوث أمواج مارقة، وسيصبح هذا الأمر أكثر انتشاراً لأن العالم يزداد تعقيداً وترابطاً.

يرجع جزء كبير من نجاح "آتش بي" في عام 2020 إلى اعترافها منذ أمد طويل بالمخاطر (والفرص) التي تشكلها الأمواج المارقة، ونهجها المتعمد والاستباقي الذي تتبعه لاستغلالها. بما أنني كنت عالم المستقبليات السابق على الصعيد العالمي في شركة "آتش بي" ومدير البحوث طويلة الأجل فيها، فقد شاركت بشكل مباشر في نهج الشركة للنمو المرن، ومنذ أن غادرت الشركة، أجريت أيضاً مراجعة مستفيضة للأدبيات حول هذا الموضوع وقد استرشدت بها في كتابي حول أفضل الممارسات لتحديد التغيير الجذري والنجاة منه واستغلاله. وبناءً على هذا العمل، وضعت إطاراً من 3 خطوات لتوضيح كيف يمكن لأي مؤسسة أن تظل صامدة عندما تضربها موجة مارقة وأن تستغلها لصالحها أيضاً.

أساسيات النمو المرن

الوعي

الخطوة الأولى في الاستعداد للأمواج المارقة، هي إقناع الناس بأنها حقيقية. فإذا كانت الشركة لا تعرف لماذا يجب أن تجري تغييراً، فإنها لن تجريه.

في "آتش بي"، عملنا على بناء الوعي بالمخاطر والفرص المحتملة من خلال تأسيس فريق صغير يسمى "وحدة المستقبل" لرصد التوجهات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي يُحتمل أن تجتمع معاً مكونة أمواجاً مارقة. اشتمل هذا الفريق الأساسي على أشخاص لديهم خبرة في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك العلوم الاجتماعية والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها، وتم تشجيعهم على توسيع نطاق بحوثهم قدر الإمكان.

من بين المخاطر المحتملة التي حددها هذا الفريق هو الاحتمال المتزايد لحدوث جائحة. فقد كان المزيج المكون من زيادة الكثافة الحضرية والرحلات الدولية وشيخوخة السكان يدل على أن الخطر كان يتزايد قبل وقت طويل من اكتشاف أولى حالات مرض "كوفيد-19".

بالطبع هذا النوع من التقييم واسع النطاق للمخاطر لا يهتم بالتخطيط بدقة للأهداف أو الأولويات العاجلة لأي فريق. لمعالجة هذا الأمر، وسعنا نطاق العمليات للتأكد من مشاركة هذه الرؤى على صعيد المؤسسة، حتى يفهم الجميع التحديات التي قد تلوح في الأفق. كانت "وحدة المستقبل" تُعلِم أصحاب المناصب التنفيذية العليا ومجلس الإدارة بالمستجدات بانتظام لضمان أن تسترشد القرارات الاستراتيجية طويلة الأجل بتحليل شامل وحديث للتهديدات والفرص. أسسنا أيضاً فريقاً عالمياً متعدد الوظائف وأكبر حجماً ويضم ممثلين من أقسام الموارد البشرية والمالية والقانونية والمرافق والمبيعات ودعم العملاء والعمليات والتسويق ومدراء إقليميين. وقد أضاف هذا الفريق منظوراً محلياً واقعياً للبحوث رفيعة المستوى التي تجريها "وحدة المستقبل" وساعدها على نشر المعلومات الأساسية بشكل أكثر فعالية في جميع أنحاء المؤسسة.

السلوك

بمجرد وضع نظام للحفاظ على مستوى الوعي، كانت الخطوة التالية التي اتخذتها "آتش بي"، هي التأكد من تمكين جميع مستويات المؤسسة من استغلال الموجة المارقة في حالة حدوثها، وهذا يعني تغيير السلوكيات الرئيسية لتكون أكثر استجابة للتوجهات التي حددناها.

ولتحقيق هذه الغاية، دربت "وحدة المستقبل" صانعي القرار الرئيسيين بفاعلية على مراعاة هذه العوامل عند التخطيط لقنوات البيع، واستراتيجيات التجارة العالمية، والاستثمارات في التكنولوجيات والكفاءات والأصول. على سبيل المثال، قبل سنوات من بدء جائحة فيروس كورونا، أدى نتاج عمل "وحدة المستقبل" إلى استثمار "آتش بي" في تكييف تكنولوجيا الطابعة النافثة للحبر لتلائم التطبيقات الطبية، مثل تطوير الأدوية، والبحوث المتعلقة باللقاحات، والاختبارات التشخيصية السريعة.

لم يكن لدى "آتش بي" بلورة سحرية، ولكن لأنها حددت الجوائح كأحد التهديدات المحتملة، كانت مستعدة لتحويل هذا التهديد إلى فرصة. فعندما تضررت سوق "آتش بي" الأساسية للمعدات المكتبية بسبب جائحة فيروس كورونا، حولت الشركة مواردها بسرعة للتركيز على المنتجات اللازمة للعمل من المنزل بالإضافة إلى تكنولوجيات الرعاية الصحية التي كانت قيد التنفيذ بالفعل.

الثقافة

بالطبع يعتمد تغيير السلوك على تغيير القلوب والعقول. ويتطلب التنفيذ الفعال للاستراتيجيات الموضحة أعلاه ثقافة التواصل المفتوح، والعمليات الواضحة، والتوازن السليم بين التسلسل الهرمي والاستقلالية. أعطى فريقنا الأولوية للسياسات التي مكّنت فِرقاً متعددة من تنسيق عملها لتحقيق الأهداف عالية المستوى مع الاستمرار في العمل بشكل مستقل لتحقيق الأهداف ذات المستوى الأدنى. كما أتحنا للموظفين المبتدئين مشاركة وجهات نظرهم وتوصياتهم مع القيادة العليا.

وكل هذا يتلخص في توفير بيئة يسودها الأمان النفسي لفِرقنا، وتشمل بعض الاستراتيجيات التكتيكية التي استخدمتها "آتش بي" ما يلي:

  • التعاون مع قسم الموارد البشرية والمدراء لضمان أن تكون الفِرق منظمة ويمكن الاعتماد عليها وتضطلع بأدوار ومسؤوليات واضحة لجميع الموظفين.
  • تسطيح الهياكل الإدارية لتقليل الوقت والنفقات العامة المرتبطة بتنفيذ الأفكار الجديدة.
  • تحديد "نطاقات المخاطر" والإبلاغ عنها، وهذه النطاقات تعني الحد الأقصى والحد الأدنى لمستويات المخاطر التي كان من المتوقع أن يتعرض لها الموظفون.
  • تشجيع الموظفين المبتدئين على حضور الاجتماعات وقيادتها مع المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى، وتدريبهم على مهارات التواصل، والحرص على دعمهم حتى عندما يرتكبون أخطاء.
  • منح حوافز مثل العلاوات الإضافية الرسمية والإشادة بالموظفين أمام أقرانهم لتشجيع الفِرق على التركيز على الأولويات طويلة الأجل.

بدلاً من الدخول في دوامة الأهداف قصيرة المدى والمكاسب السريعة، غرست "آتش بي" ثقافة يتمتع فيها جميع الموظفين بحرية الابتكار، وتستمع القيادة العليا إلى هذه الأفكار المبتكرة وتتخذ إجراءات بشأنها.

شركة "آتش بي" ليست مثالية، لكنها تغلبت على عقبات لا حصر لها على مدار 80 عاماً لأن قادتها يدركون أن المستقبل سيظل مليئاً بالمفاجآت، بغض النظر عما تفعله للاستعداد. لم تستعد الشركة لـ "كوفيد-19" أو محاولة الاستحواذ عليها أو انهيار سلسلة التوريد أو حدوث تدهور بالسوق، على وجه التحديد. ولكن ثقافة الاستعداد المتأصلة بعمق (وتحسين الوعي والسلوكيات الذي مكّنته تلك الثقافة) جعلتها قادرة على التكيف مع مجموعة من السيناريوهات المستقبلية الممكنة. لا يمكن تجنب الأمواج المارقة، ولكن الاستراتيجية التي تتبعها شركتك في تحقيق أساسيات النمو المرن ستحدد ما إذا كانت ستغرق أم تسبح أم تفوز في سباق القوارب عندما تضرب الموجة التالية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي