أزمة طائرات شركة بوينغ وكيفية التعامل الصحيح معها

4 دقائق
أزمة طائرات شركة بوينغ

من الصعب أن لا نتساءل لماذا وقفت شركة بوينغ (Boeing) ضد محاولات حظر تحليق طائراتها في ظل الآثار الإنسانية المؤلمة التي خلفتها حادثتان لتحطم طائراتها من طراز "بوينغ 737 ماكس" خلال 5 أشهر في بداية العام 2019. وعلى الرغم من أن شركات النقل الجوي الأميركية، مثل شركة "ساوث ويست أيرلاينز" (Southwest Airlines)، وشركة "أميركان إيرلاينز" (American Airlines)، واصلت تشغيل هذه الطائرات حتى أعلن الرئيس ترامب حظر تحليقها، فإن ذلك ألغى قراراً سابقاً أصدرته إدارة الطيران الاتحادية الأميركية بهذا الخصوص، وفتح الباب للتساؤل عن سبب صمت القادة في شركة "بوينغ" عن التصريح. فماذا عن أزمة طائرات شركة بوينغ والدروس المستفادة منها؟

تعتبر هذه اللحظات بمثابة امتحان عسير بالنسبة للقادة. من غير الواضح حتى الآن سبب تحطم الطائرة الثانية في إحدى رحلات شركة "الخطوط الجوية الإثيوبية" (Ethiopian Airlines) في يوم الأحد، الموافق 10 مارس/آذار. إذ انقسمت الهيئات الرقابية فيما بينها، حيث توجّهت الهيئات في آسيا وأوروبا سريعاً إلى حظر الطائرات من طراز "737 ماكس 8"، بينما استمرت إدارة الطيران الاتحادية في الولايات المتحدة بالقول: "تظهر المراجعة عدم وجود مشاكل منهجية على صعيد الأداء، ولا توفر أساساً يمكن الاستناد إليه لحظر تحليق هذه الطائرات". وأبدى السياسيون وجهات نظرهم حول هذا الأمر. كما أجرى دينيس مولينبرغ، الرئيس التنفيذي لبوينغ اتصالاً بالرئيس ترامب لإعادة طمأنته حول أمن طائرات الشركة بعد تغريدة رئاسية تتذمر من تحول موضوع الطائرات إلى أمر معقد جداً، حيث كتب ترامب: "لا أريد أن يكون ألبرت أينشتاين قائد طائرتي". وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن أكثر من 40 دولة حظرت هذه الطائرات حتى يوم الأربعاء 13 مارس/آذار.

كل هذه الفوضى لا تفيد أحداً، لا المستثمرين في الشركات المتورطة، ولا الموظفين، ولا المسافرين.

أزمة طائرات شركة بوينغ

لقد كان بإمكاننا تجنب الكثير من الاضطراب لو قام قادة الشركة بأداء عملهم بشكل أفضل لاحتواء الموقف. يترتب على القادة القيام بمهمة أساسية عند بدء تطور كارثة ما، وتتمثل في استخدام "فن التأطير" لوصف طبيعة المشكلة التي تواجهها المؤسسة. تشكل الإطارات الطريقة التي نفكر من خلالها بالمشاكل (والفرص أيضاً). فهي تخبرنا عن تصنيف المشكلة التي نتعامل معها، وتتضمن بذور الخطوات العملية والاستجابة نظراً لأنها تحدد نوع المشكلة.

خلال أزمة تسمم عقار تايلينول (Tylenol) في عام 1982، خرج جيمس بيرك، الرئيس التنفيذي لشركة "جونسون آند جونسون" آنذاك، ليعلن في خطابه الشهير أنها كانت مشكلة صحية عامة. أدى ذلك التأطير إلى وضع جميع الأنشطة التي نربطها الآن بالتعامل النموذجي لشركة "جونسون آند جونسون" مع أزمة تتعرض فيها حياة الناس للخطر: استدعاء جميع زجاجات كبسولات عقار "تايلينول" خلافاً لإرشادات إدارة الدواء والغذاء الأميركية، وتصميم غلاف جديد لا يمكن العبث به، وتوفير الكبسولات المعبأة حديثاً خلال فترة 6 أسابيع. وعندما وقعت حالات تسمم ثانية بعد 4 سنوات من تلك، خرج جيمس بيرك عبر التلفزيون الوطني ليعلن أن شركته ستقدم عقار "تايلينول" في كبسولات فقط، بحيث لا يمكن فتحها وإعادة إغلاقها دون علم المستهلكين. وقد اعترف علانية أنه تمنى لو اتخذ ذلك القرار في المقام الأول.

كان بإمكان بيرك أن يصف طبيعة تسمم عقار "تايلينول" بطرق كثيرة مختلفة: مثل اعتداء على الشركة، ومثل مشكلة في أثناء نقل العقار من مصانع "جونسون آند جونسون" إلى متاجر التجزئة، ومثل عمل من تدبير شخص مجرم لا يمثل إلا نفسه.

وكان من شأن كل تأطير منها أن يؤدي إلى مجموعة مختلفة من الإجراءات. فإذا دعا بيرك التسمم بمثابة اعتداء على الشركة، كان ذلك سيكلفه ثمناً باهظاً وحرباً يصعب الفوز فيها ضد غرباء مجهولين يحاولون إسقاط شركة "جونسون آند جونسون". وإن كانت مشكلة في عملية النقل، لتلت ذلك الأمر مراجعة مضنية لسلسلة الإمداد الخاصة بعقار "تايلينول"، والمشاكل المحتملة في النظام. وإن كان ذلك عملاً فردياً؟ حسناً، نعلم أن التعميم بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى عدم اتخاذ إجراءات ملموسة، وتوجيه الاتهام لأنظمة بعيدة كل البعد عن الشركة ومسؤولياتها.

وبحسب ما ورد، أكد دينيس مولينبرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "بوينغ" للرئيس ولآخرين سلامة الطائرة. نحن على علم بالتدريب المصمم لمساعدة الطيارين على تحديد واستبدال التحكم التلقائي بالطائرة إذا أدت هذه المتحكمات إلى توجه الطائرة إلى الأسفل. وبناء عليه يبدو أن تأطير مويلنبيرغ للمشكلة هو: هذه مشكلة فنية نستطيع تصحيحها من خلال تدريب الطيارين.

يعتبر ذلك تأطيراً شائعاً بما فيه الكفاية للأعطال في المنتجات، ولكننا ما زلنا نجهل فيما إذا كان التشابه بين الحادثتين هو محض صدفة أم أنه إشارة إلى مشكلة منهجية لا بدّ من تصحيحها. وعلاوة على ذلك، يبدو أن هذا الإطار يغفل أموراً بالغة الأهمية تتمثل في خسارة مئات الأرواح، ووجود عدد أكبر من المسافرين يواجهون المصير ذاته، وبأن الهيئات الرقابية في الكثير من الدول حظرت تحليق هذه الطائرات. وتعكس إجراءات الهيئات الرقابية إطار "إعطاء الأولوية لسلامة البشر"، وهو ما يبدو أنه يعبر بشكل أفضل عن ارتفاع مستوى الشك والخطر الذي تطلب منا شركة "بوينغ" القبول به.

إذاً ما الذي كان بوسع شركة "بوينغ" أن تقوله؟ لربما كان الإطار الأفضل هو قول: هذه مشكلة فنية لا يمكننا فهمها بالكامل. وفي ضوء ما يوجد لدينا من شكوك، نوصي بحظر تحليق الطائرات من طراز 737 ماكس 8 وماكس 9 حتى يمكننا التأكد من أسباب وقوع حوادث التحطم تلك، ونستطيع إقناع أنفسنا والهيئات الرقابية العالمية بأن الطائرة آمنة بها مجدداً.

يؤدي ذلك التأطير إلى مسار عمل أوضح بكثير، كما يقر بشراكة مع الهيئات الرقابية المكلفة بحماية أرواح الناس. وكان من الأفضل لجميع الأطراف المعنية لو توصلت شركة "بوينغ" إلى ذلك الاستنتاج قبل أن يصل الرئيس إليه.

وبيت القصيد هنا بالنسبة أزمة طائرات شركة بوينغ وللقادة تحديداً، هو أنه عليك التفكير ملياً قبل أي طرف آخر. عليك أن تقرر ما نوع المشكلة التي تواجهها، وتقوم بوصفها بلغة واضحة من شأنها أن تساعد الموظفين الذين يترتب عليهم تنفيذها داخل الشركة، والأشخاص الذين يحكمون عليها من الخارج، في فهم طريقة تفكير الشركة بهذا النوع من المشاكل التي تواجهها. التأطير هو أداة يجب استخدامها عن وعي ودراية. فإذا أحسنت استخدامه، يمكن أن يحدث ذلك فارقاً كبيراً على صعيد تحفيز اتخاذ إجراءات عملية مسؤولة وتعزيز الثقة في قرارات الشركة وقيمها، حتى لو اتضح أن المشكلة لم تُحل بشكل كامل وتحتاج إلى التعامل معها مرة أخرى كما هو الحال مع شركة "جونسون آند جونسون".

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .