هناك حملة مستمرة منذ عقود لاحتضان التقنيات الرقمية، لكن يبدو أنّ الدروس المستفادة من المحاولات السابقة لتطبيق تقنية المعلومات (التقنية الرقمية) قد طواها النسيان. أظهرت البحوث على مدار السنين أنّ المعدل الكلي للإخفاق في مشاريع تقنية المعلومات هو حوالي 70%، ونعلم أنه عندما تفشل مشاريع تقنيات المعلومات، لا تكون هذه دلالة على فشل التقنية (بالرغم من إمكانية ذلك)، لكن بسبب عدم إدارة التغيرات المطلوبة على مستوى المؤسسة والموظفين بطريقة فعالة، وبكل بساطة، لا يعني إضافة التقنية الحصول على مزايا تلقائية، بل يتوجب الكشف عن هذه المزايا، ولن يتحقق هذا إلا من خلال إجراء تغييرات هيكلية في المؤسسة.
نتيجة لذلك، يكون من المفيد النظر في الاستثمارات الرقمية على أنها أساساً استثمارات في التغيير، وتتضمن تغييرات في كيفية تفاعل المؤسسة مع العملاء أو المواطنين، أو المرضى، وإجراءات التشغيل، ونموذج الأعمال، وعلاقات سلسلة التوريد، وفي كيفية استخدام الموظفين للمعلومات.
هناك أداة كان لاستخدامها الأثر الكبير في تعزيز احتمالية نجاح الاستثمار الرقمي وهي أداة شبكة تحديد المزايا (BDN). إذ تسعى هذه الأداة لتحفيز المدراء على تحديد جميع التغيرات المطلوب إجراؤها لتحقيق المزايا والنتائج المتوقعة، وتوضح لهم طرق تمكين وتشكيل هذا التغيير من خلال التقنيات الرقمية. وتُظهر هذه الشبكة الكيفية التي سيتم تسليم كل واحدة من المزايا المتوقعة من خلال مزيج من التغيرات في التقنيات وإجراءات الأعمال وارتباطها ببعضها البعض.
لتطوير هذه الأداة، يمكن العمل من الخلف إلى الأمام، أو من اليمين إلى اليسار، إنطلاقاً من أهداف الاستثمار المتفق عليها والمزايا المتوقعة، ومن ثم رسم التغيرات المطلوبة في البنى التنظيمية، والإجراءات والممارسات، وفي الكيفية التي ينبغي فيها تثقيف العاملين حول هذه التقنيات الجديدة لتمكين وإدامة هذه التغييرات، ويتوجب موائمة أهداف الاستثمار بشكل وثيق مع محفزات الأعمال الأساسية، لضمان الحفاظ على زخم مبادرة التحول الرقمي.
يضمن هذا أن تكون الاستثمارات الرقمية مدفوعة بالطلب، الظاهر على الجانب الأيمن من الشبكة، بدلاً من التقنيات على الجانب الأيسر، والتي تقوم تقليدياً بتوجيه العديد من المشاريع. تُظهر رؤوس الأسهم بين عناصر الشبكة اتجاه العلاقات. على سبيل المثال، تعمل التقنية على تمكين التغييرات الواجب حصولها قبل غيرها، أو توجيه التغييرات بحيث تؤدي إلى تحقيق المزايا المتوقعة مباشرة، وفي حال لم يكن بالإمكان تطوير هذه العلاقات، فيجب عدم الاستمرار في هذه الاستثمارات.
يمكن تصنيف التغييرات إلى فئتين: التغييرات المستدامة، والتغييرات التمكينية.
التغييرات المستدامة: هي تلك التغييرات الدائمة في ممارسات وإجراءات وعلاقات العمل التي ستؤدي إلى توفير المزايا المطلوبة، ولا يمكن تطبيقها في العادة إلا بعد توافر نظام تقنية المعلومات الجديد (الأجهزة، البرمجيات، البنية التحتية) وغيره من التغييرات التمكينية اللازمة.
التغييرات التمكينية: هي تغييرات تحدث لمرة واحدة وتعتبر متطلبات سابقة لعمل التغييرات المستدامة أو إدخال النظام الجديد حيز التنفيذ الفعال، وغالباً ما يتعين القيام بها قبل تطبيق النظام الرقمي الجديد. من الأمثلة على ذلك التحديد والاتفاق على ممارسات العمل الجديدة، ووضع مخطط تمهيدي لإجراءات الأعمال، واعتماد التغييرات في الأدوار والمسؤوليات، ووضع نظم جديدة لإدارة الأداء، والتدريب على مهارات العمل الجديدة واستخدام النظام الجديد.
وفور بناء أداة شبكة تحديد المزايا (BDN)، يتوجب تحديد الإجراءات الخاصة بكل ميزة على حدة، والمسؤوليات عن جميع المزايا والتغييرات ووضع الجداول الزمنية للتنفيذ. ويعمل تحديد المسؤوليات على تعزيز المسائلة عن النتائج المرجوة والأنشطة المطلوبة لتحقيقها. على سبيل المثال: في أحد البنوك الكبرى في المملكة المتحدة، كان على المدراء التوقيع شخصياً على تقرير عن حالة العمل لكل فائدة كانوا يزعمون أنّ نظام إدارة علاقات العملاء الجديد من شأنه أن يوفرها من أجل إظهار التزامهم بتحقيقها، ثم تضمين هذه المزايا في أهداف الأداء الخاصة بهم.
لقد استخدمت هذه الأداة بنجاح مع العديد من المؤسسات وفي مختلف القطاعات، ومنها: تنفيذ نظام إدارة المرضى في أحد المستشفيات، وتطبيق نظام إدارة علاقات العملاء (CRM) في مؤسسة للخدمات المالية، وتفعيل نظام تخطيط موارد المؤسسات (ERP) لأحد شركات الأدوية، وتعزيز التعاون في شركة للتقنيات.
لننظر في استثمار تقني كان يفكر به أحد متاجر التجزئة في أوروبا.
في صناعة الملابس، تتراوح دقة معيار حساب المخزون بين 60% و70%. ومع ذلك، فإنّ الآثار السلبية المترتبة على عدم الدقة كبيرة للغاية، حيث تقوم بيانات المخزون بتوجيه عملية إعادة التوريد. ينجم عن عدم دقة بيانات المخزون تكديس في بعض البضائع وقلة في المخزون في بضائع أخرى، كما أنه يؤدي إلى خيبة أمل العملاء عندما يُظن بأنّ المادة موجودة في المخزون ثم يكتشف بأنها غير متوفرة، ويؤدي إلى زيادة عمليات الشطب من المواد التي وصلت إلى نهاية فترة الاستخدام. للتغلب على هذه المشكلة قرر المتجر وضع رقاقات (tags) على المنتجات على مستوى كل قطعة على حدة، وسيسمح هذا بالتعرف على كل منتج وتحديد اللون والحجم من كل قطعة وتوفير معلومات عن موقعها.
كانت التقنية المقترحة للتعرف على المنتجات بشكل فريد هي تقنية التحديد باستخدام الترددات الراديوية (RFID)، حيث سيكون لكل قطعة رقاقة تقوم بتخزين الكود الإلكتروني للمنتج (EPC). لهذا النظام (RFID) مزايا تزيد على استخدام نظام الباركود الليزري، وذلك لإمكانية التعرف على عدد من الرقاقات خلال ثوان، وبدون الحاجة للرؤية المباشرة، وإمكانية تمييز القطع حتى إن كانت داخل أكياس بلاستيكية أو داخل حاويات التخزين، وبما أنّ التقنية قادرة على التعرف على المنتجات بهذه الطريقة الفعالة، يمكن تحديث المخزون في الوقت الحقيقي، واستخدام المعطيات بهدف إعادة تجديد المخزون واتخاذ القرارات بشأن المشتريات.
لكن، مجرد وضع رقاقة على كل منتج، وتركيب هوائيات الترددات الراديوية، وتفعيل البرمجيات الجديدة لن يحقق العائد على النفقات بشكل تلقائي. ولتحديد ما الذي تحتاج الشركة إلى القيام به، إذا أُريد للاستثمار تحقيق النجاح، قامت الشركة باستخدام أداة شبكة تحديد المزايا (BDN)، وقام فريق يتألف من موظفين من المخازن والمستودعات وكذلك من المشترين والباعة والمتخصصين في سلسلة التوريد والإمداد اللوجستي بالاجتماع معاً وقاموا، على مدى أسابيع، ببناء شبكة كاملة.
كانت المحفزات الرئيسية للاستثمار هي تلبية وعود متجر التجزئة لعملائه بأن ما يرغبون به "متاح دائماً"، وتمكين المشاركة متعددة القنوات مع العملاء، وكانت أهداف الاستثمار هي تعزيز دقة بيانات المخزون، وتقليص نسبة المخزون، وتخفيض عمليات الشطب، وتقليص السرقة، والتخطيط الأفضل، وتشمل الفوائد المتوقعة تحسين رأس المال العامل، وزيادة المبيعات، وتخفيض حجم المشتريات، وتقليص المخزون في كل متجر.
تضمنت الأنشطة التمكينية التي تم تحديدها مشاركة الموردين، والتدريب (كان يتوجب على العاملين تثبيت الرقاقات)، وتحديث اتفاقيات التوريد، واعتماد مجموعة تصاميم جديدة، وشملت التغييرات المستدامة تنفيذ عمليات جديدة لإعادة الطلب، وإجراءات جديدة لطلب المخزون على مستوى المتجر، وإدارة المخزون في مراكز التوزيع الإقليمية والتوزيع إلى المتاجر، والتوقف عن إجراء التدقيق المادي على المخزون في المتاجر، وسيتم عندئذ دعم هذه التغييرات من قبل التقنيات الواجب تطبيقها.
في مثال آخر، قامت إحدى الشركات التقنية بتفعيل مجموعة من التطبيقات التعاونية على أجهزة كمبيوتر الموظفين، وافترض مدراء الشركة أنّ التعاون ما بين الموظفين سيتحسن مباشرة بفضل هذه التطبيقات. بعد مضي 6 أشهر وبدون أي تحسن ملحوظ، قاموا باستخدام أداة شبكة تحديد المزايا (BDN) وأدركوا أنّ هناك حاجة لإجراء تغييرات مهمة لرفع نسبة التعاون ما بين الموظفين. على سبيل المثال، يجب إعادة تصميم العديد من العمليات الإدارية، خصوصاً تسهيل تفويض إجراءات الموافقة والخدمة الذاتية للموظفين. كان هناك حاجة لتغيير ثقافي أيضاً، وخصوصاً حول تقاسم المعلومات والعمل المشترك. وأدت الشبكة الناتجة من التغييرات اللازمة إلى برنامج استغرق 36 شهراً من العمل.
تتمثل قوة أداة شبكة تحديد المزايا (BDN) بأنها تدفع المدراء إلى فهم التغييرات المطلوبة للتحول وتحديد المسؤوليات، ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في الوعي والمشاركة، وهي كذلك أداة بصرية قوية تبين أنّ تحقيق التحول الرقمي يتطلب أكثر من مجرد نشر التقنيات مثل الحوسبة السحابية، والمنصات الاجتماعية أو النقالة. عند تقديم الأداة قم بقلبها بحيث يقرأها الآخرون من اليسار إلى اليمين ليروا أنّ المبادرة مدفوعة بمحفزات واضحة للأعمال، لا التقنيات.