لماذا تحتاج النساء إلى اليقظة الذهنية أكثر من الرجال؟

4 دقائق
أداء المهام المتعددة

كم عدد النساء اللائي تعرفهن واللائي يقُلن باعتزاز إنهن أفضل من الرجال في أداء المهام المتعددة؟ حتى وسائل الإعلام يبدو أنها تريد "إثبات" أن النساء أفضل في أداء المهام المتعددة. على سبيل المثال، عندما وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة بنسلفانيا أن هناك روابط عصبية بين الجانبين الأيسر والأيمن من أدمغة النساء أكثر من الموجودة لدى الرجال، أشارت قصة إخبارية إلى ذلك بصفته دليلاً على أن أدمغة النساء مصممة للقيام بمهام متعددة، على الرغم من أن الباحثين لم يذكروا قط أداء المهام المتعددة في مقالهم العلمي.

وقد كانت نتائج الدراسات متفاوتة، لذلك لم تُجب الأبحاث بعد عن سؤال ما إذا كانت النساء أفضل في تنفيذ مهام متعددة من الرجال. لكننا نعلم أن النساء يؤدين مهاماً متعددة بقدر أكبر في كثير من الأحيان. والسؤال الأفضل هو ما إذا كان ينبغي للنساء أن يفخرن بأداء مهام متعددة. الأبحاث لديها بالفعل إجابة عن هذا السؤال. والإجابة هي لا.

تُظهر الأبحاث أن القيام بمهام متعددة يؤثر سلباً في الأداء. حيث تقل كفاءتنا وفاعليتنا ونصبح أكثر عرضة للخطأ عندما نقوم بمهام متعددة. وعندما نقوم بمهام متعددة، يتنقل ذهننا جيئة وذهاباً بين المهام المختلفة، وهو ما يضر بإنتاجيتنا وإبداعنا ودقة عملنا من خلال زيادة العبء المعرفي وإضعاف الذاكرة.

ودعمت إحدى الدراسات بالفعل الادعاء بأن النساء أفضل من الرجال في أداء المهام المتعددة، ووجدت أن وتيرة استجابة النساء عند أداء مهمتين في وقت واحد كانت أبطأ بنسبة 69% مما كانت عليه عند أداء المهام بشكل منفصل، بينما كانت وتيرة استجابة الرجال أبطأ بنسبة 77%. لذا، في حين أن النساء يمكن أن يكنّ أفضل نسبياً من الرجال في القيام بالمهام المتعددة، فإن هذا بالتأكيد ليس شيئاً ينبغي أن يرحبن به.

وفي الواقع، إن أداء الأشخاص الذين يؤدون مهاماً متعددة بقدر أكبر في كثير من الأحيان يكون أسوأ في هذه المهام. إذ تستغرق أدمغتهم وقتاً أطول للانتقال بين المهام مقارنة بأدمغة الأشخاص الذين يميلون إلى القيام بمهمة واحدة في كل مرة. ويواجه الأشخاص الذين يؤدون مهاماً متعددة شاقة الكثير من المتاعب في تصفية المعلومات غير المهمة، ويتشتت انتباههم بالأمور جميعها. لذا، كلما كثر أداؤك لمهام متعددة بشكل عام، كان من الصعب عليك الحفاظ على تركيز الانتباه عند الضرورة.

وتركيز الانتباه مهم ليس للأداء فقط، بل لسلامتنا النفسية أيضاً. إذ يجعلنا أداء مهام متعددة نشعر بالتشتت والإرهاق. وهو مرتبط بزيادة مستويات هرمون الإجهاد "الكورتيزول" في أجسادنا. وينجم الإجهاد عن المهام التي لم تستكمل أو لم تُنجز على النحو المطلوب. ويمكن أن يصبح ذلك حلقة مفرغة، حيث إن المستويات المتزايدة من هرمون "الكورتيزول" تضعف من وظائفنا الإدراكية، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الإجهاد. ويستخدم بعض الباحثين أداء المهام المتعددة، في الواقع، لاستثارة الاستجابة للإجهاد في التجارب المعملية.

وبحسب ميهاي تشيكسنتميهاي، عالم النفس الذي ابتكر مفهوم التدفق، يفعل الرجال عادة شيئاً ونصف الشيء في المرة الواحدة، لكن النساء، خاصة الأمهات، يفعلن حوالي خمسة أشياء في المرة الواحدة. ووجدت دراسة أجريت في جامعة ولاية "ميشيغان" أن النساء يؤدين مهاماً متعددة بزيادة 10 ساعات أسبوعياً أكثر من الرجال، وأن الانخراط في أداء مهام متعددة يزيد من الإجهاد والمشاعر السلبية ومشكلات الموازنة بين الحياة المهنية والحياة الشخصية. ويمكن أن يكون هذا أحد أسباب تعرّض النساء لإجهاد أكثر من الرجال حتى عندما تتشابه أعباء العمل.

وثمة سبب آخر يتمثل في أن النساء يساورهن القلق عادة أكثر من الرجال. ووفق "جمعية اضطرابات القلق الأميركية" (Anxiety Disorders Association)، تزيد احتمالات تعرّض النساء للقلق بمعدل الضِعف عن الرجال. وترجع الأبحاث ذلك إلى الاختلافات البنوية والكيميائية في أدمغتهن. ويمكن للافتقار إلى تركيز الانتباه أن يؤدي، في الغالب، إلى مزيد من القلق لأن أفكارنا تثير القلق بشأن المستقبل. حيث وجدت دراسة أجريت في جامعة "هارفارد" أن الأشخاص يقضون 47% من وقتهم في التفكير في شيء آخر غير ما يفعلونه حالياً. ووجدت الدراسة أيضاً أننا أقل سعادة عندما تكون أذهاننا شاردة.

الخبر السار هو أن النساء بتمتّعهن بقدر أكبر من اليقظة الذهنية - عن طريق إيلاء الانتباه بشكل إرادي للحظة الحالية - يمكنهن أن يؤدين المهام على نحو أفضل ويقل شعورهن بالإجهاد. ومن حسن الحظ، فإن اليقظة الذهنية مهارة يمكن تعلمها وممارستها. ويعد التأمل باليقظة الذهنية من أفضل الطرق لتحسين قدرتك على التركيز. حيث إن ممارسة تركيز انتباهك على شيء مثل أنفاسك، وإعادة التركيز في كل مرة يشرد فيها ذهنك، هي طريقة ممتازة لتعزيز قوة الانتباه. إذ يعلمك التأمل أن تكون على دراية بالوقت الذي يتشتت فيه انتباهك، بحيث يتسنى لك إعادة انتباهك إلى المهمة التي بين يديك. وتتعلم أن تنتبه إلى أفكارك ومشاعرك دون أن تسترسل بك بعيداً.

وبحثت إحدى الدراسات على وجه التحديد أثر التأمل على أداء مهام متعددة. إذ طُلب من موظفين يعملون في قسم الموارد البشرية إكمال مهام متعددة في فترة زمنية قصيرة. وأظهرت النتائج أن أولئك الذين شاركوا في تدريب للتأمل باليقظة الذهنية استمر لمدة ثمانية أسابيع استطاعوا التركيز على المهمة لفترة أطول، وانتقلوا بين المهام مرات أقل، وبدرت منهم مشاعر سلبية أقل عند الانتهاء.

يمكن لممارسة اليقظة الذهنية بشكل إرادي طوال اليوم أن تعزز تركيزك. وللتخطيط أهميته: خصص قدراً محدداً من الوقت للمهام المختلفة، مثل تفقّد بريدك الإلكتروني أو إجراء مكالمات هاتفية أو إعداد تقرير. وقاوم الرغبة في القيام بأي شيء بخلاف المهمة المجدولة بتذكير نفسك بأن أداء مهام متعددة يمكن أن يقلل الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40%. ولا تدع التكنولوجيا تتحكم في انتباهك من خلال التشتيت المستمر. أوقِف تشغيل الإشعارات لكي يتسنى لك التحكم وتحدد أنت الوقت الذي تختاره للتحقق من رسائلك.

يمكنك ممارسة اليقظة الذهنية عندما تتمشى أو في أثناء قيادة السيارة أو عند إجراء محادثة. وعندما يبدأ ذهنك في الشرود، أعِد تركيز انتباهك برفق. وعندما تكون في اجتماع، انتبه لما يقال. وعندما تكون مع أطفالك، كن معهم بكل جوارحك. وعندما تطبخ وجبة العشاء، ركز على الطبخ. مهما يكن ما تفعله، افعله بتركيز كامل.

يمكن للتركيز الذي تجلبه اليقظة الذهنية أن يُحدث فرقاً إيجابياً في حياة الرجال والنساء على حد سواء. ولكن إذا حكمنا استناداً إلى مقدار المهام المتعددة الذي تؤديه النساء ومقدار القلق الذي يشعرن به، فإن النساء يستفدن منها أكثر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي