هل يتراجع أداء الأطباء مع تقدمهم بالعمر؟

5 دقائق

اندلع النقاش ضمن القطاع الطبي بشأن ضمان حفاظ الأطباء على مهاراتهم الطبية على مدى مسيراتهم المهنية. ومنذ زمن طويل، يطالب المجلس (البورد) الأميركي للطب الباطني (ABIM) الأطباء المقيمين بالخضوع لاختبارات إعادة تجديد الشهادات كل 10 أعوام من أجل الحفاظ على ترخيص المجلس لهم كأطباء ممارسين. ولكن أصبحت هذه السياسة مؤخراً موضع انتقاد نظراً لأعبائها الشديدة التي تثقل كاهل الأطباء وافتقاد الدليل الواضح بأن عملية تجديد الترخيص هذه تحسن جودة الرعاية التي يقدمها الطبيب. واستجاب المجلس الأميركي بإعلان تقديم خيار الخضوع لتقييم جديد منذ يناير/كانون الثاني 2018، يتيح تجديد رخصة الطبيب عن طريق اختبارات تقييم أقصر ولكن بتواتر أكبر. ولكن ليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه الاختبارات ستغير من الأمر شيئاً. وفي الحقيقة، برز سؤالان على قدر من الأهمية، وهما: هل هذه الاختبارات هي أفضل طريقة لتحفيز الأطباء على متابعة أحدث المعارف والتقنيات الطبية؟ ولم لا نجري قياساً مباشراً لجودة الرعاية التي يقدمها الطبيب ونتائج مرضاه مع تقدمه بالعمر؟  

وفي حين أنّ هناك بعض الأدلة التي تشير إلى احتمال تضاؤل معارف الطبيب السريرية وتراخيه في التقيد بمعايير الرعاية الطبية الحديثة وتراجع أدائه وفق مقاييس الإجراءات مع تقدمه بالعمر، إلا أننا لا نعرف الكثير عما إذا كان التقدم بالعمر يؤثر على ممارسة الطبيب ونتائج مرضاه وكيفية ذلك. فالمهارات والمعارف تتراكم من خلال الخبرة وبإمكانها تحسين جودة الرعاية التي يقدمها الطبيب، ولكن نجد في المقابل أن المعارف العلمية والتقنيات والقواعد السريرية تتغير كثيراً لدرجة قد تجعل متابعتها وتطبيقها في الممارسة الطبية أمراً صعباً.

ومع تقدم أعمار القوى العاملة من الأطباء الأميركيين (حيث تجاوزت أعمار قرابة خمس الأطباء الأميركيين 65 عاماً، وازداد حجم هذه الفئة بنسبة 27% منذ عام 2005)، تزداد ضرورة فهم كيف يمكن أن يرتبط تقدم عمر الطبيب بنتائج المرضى. ويمكن أن يساعد ذلك في تزويد الجهود الجديدة بالمعلومات من أجل تثقيف الأطباء الأكبر سناً وتحسين النتائج الطبية.

ما تقوله البيانات؟

لم تجر دراسة عملية على العلاقة بين عمر الطبيب ونتائج المرضى على نطاق واسع. ولذلك قررنا التحقق من هذا الموضوع عن طريق تحليل نتائج المرضى الذين دخلوا المستشفيات تحت رعاية نظام ميديكير (Medicare) وأعمار الأطباء المعالجين لهم. وفي بحثنا الذي نشر في المجلة الطبية البريطانية وجدنا أن مرضى نظام ميديكير الأميركي الذين تلقوا العلاج على يد طبيب متقدم بالعمر تكون احتمالات وفاتهم خلال 30 يوماً من دخولهم المستشفى أكبر منها لدى المرضى الذين تلقوا العلاج على يد طبيب أصغر سناً. إلا إذا كان الطبيب الأكبر يعالج عدداً كبيراً من المرضى سنوياً.

لقد بحثنا في بيانات تمثل الواقع على الصعيد الوطني لمرضى برنامج ميديكير الذين دخلوا المستشفيات بين عامي 2011 و2014 وكانوا يعانون من مشاكل صحية عامة وتلقوا العلاج على يد طبيب المستشفى، وهو طبيب باطني عام يختص في رعاية المرضى في المستشفى. وتألفت عينتنا النهائية من حوالي 700,000 مريض تلقوا العلاج على أيدي 19,000 من أطباء المستشفيات في 3,000 مستشفى في الولايات المتحدة.

ووجدنا أنّ نسبة الوفيات بين المرضى الذين عالجهم الأطباء الأكبر سناً كانت أكبر بكثير من الناحية الإحصائية منها بين المرضى الذين عالجهم أطباء أصغر سناً. إذ كانت نسب وفيات المرضى على مدى 30 يوماً كما يلي: 10.8% للأطباء بعمر أقل من 40، و11.1% للأطباء بعمر بين 40 و49، و11.3% للأطباء بعمر بين 50 و59، و12.1% للأطباء بعمر 60 فما فوق. (ولأننا ركزنا على المستشفيات، كانت أعمار معظم الأطباء ضمن عينتنا أقل من 50 عاماً).

يعمل أطباء المستشفى عادة وفق جدول مناوبات، على نحو شبيه بعمل أطباء غرفة الطوارئ. ولذلك لا يمكن للمريض اختيار الطبيب الذي يعالجه. وفي الواقع، فإن طبيعة عملية قبول المرضى في المستشفى تضمن أن يكون اختيار الأطباء المعالجين لهم عشوائياً، على نحو مماثل لاختيار المرضى للخضوع للعلاج أو العلاج الوهمي ضمن برامج التجارب السريرية. وهذا الأسلوب يحد من احتمال وجود تحيز في الاختيار إذا كان الأطباء الأكبر سناً يفضلون معالجة من يعانون من أمراض أشد.  

وقمنا بضبط السمات التي قد تؤثر في نسب الوفيات على مدى 30 يوماً لدى الأطباء والمرضى. وتضمنت سمات المرضى العمر والنوع والتشخيص الأولي والحالات المزمنة المرافقة ومتوسط دخل الأسرة والوضع ضمن برنامج ميديك إيد (Medicaid). وتضمنت سمات الأطباء العمر والنوع والجامعة التي تخرجوا منها، والأهم هو المستشفيات التي تدربوا فيها. ومع أخذ الاختلافات بين المستشفيات بعين الاعتبار تمكنا من إجراء مقارنة فعالة بين نتائج المرضى الذين عالجهم أطباء متقدمون بالعمر والذين عالجهم أطباء أصغر سناً ضمن المستشفى ذاته.

وعندما طابقنا تحليلاتنا وفقاً لعدد المرضى الذين عالجهم كل طبيب سنوياً، وجدنا أن نسب الوفيات لدى الأطباء الأكبر سناً، الذين عالجوا أقل من 200 مريض في المستشفى سنوياً، كانت أكبر منها لدى الأطباء الأصغر سناً الذين عالجوا العدد ذاته من المرضى سنوياً. ولم نجد علاقة منتظمة بين عمر الطبيب ونسب الوفيات على مدى 30 يوماً بين الأطباء الذين عالجوا أكثر من 200 مريض سنوياً. ولذلك، بين الأطباء الذين عالجوا عدداً كبيراً من المرضى، بدا لنا أن جودة الرعاية الطبية متساوية لدى الأطباء المتقدمين بالعمر وزملائهم الأصغر سناً.

وبقيت نتائجنا على حالها عندما وسعنا عينة بحثنا لتشمل لأطباء الباطنيين العموم بمن فيهم غير المختصين بمعالجة مرضى المستشفيات، حيث كانت نسبة الوفيات لدى الأطباء الأكبر سناً أكبر منها لدى الأطباء الأصغر.

ماذا تعني هذه النتائج؟

لم نتمكن من تقييم سبب تراجع نتائج المرضى لدى الأطباء الأكبر سناً. وقد يكون أحد التفسيرات المحتملة هو أنه يصبح من الصعب على الطبيب متابعة التقدم العلمي والتقني مع مرور الوقت. والتفسير الآخر المحتمل هو أن مهارات الأطباء تكون في أوجها في السنوات التي تلي سنوات تدريب الإقامة. إذ تعتبر فترة تدريب الإقامة أكثر فترات عمل الطبيب كثافة في مسيرته المهنية كافة، حيث يعاين الأطباء صغار السن أثناء ذلك عدداً كبيراً من مختلف المرضى، ولذلك فهم يألفون التعامل مع مجموعة كبيرة من الأمراض بناء على الأدلة. وليس غريباً على متدرب الطب الباطني الذي على وشك إنهاء فترة تدريبه كمقيم أن يقال له أنه لن يعرف عن ممارسة الطب الباطني أكثر مما تعلمه خلال هذه الفترة. وما أن يصبح طبيباً معالجاً يصبح عدد المرضى الذين يعاينهم أقل عموماً. وإذا استلم فيما بعد دوراً إدارياً أو قسّم وقته بين العمل الطبي والأبحاث سيقل عدد مرضاه أكثر. وهناك سبب يدعونا للاعتقاد بأن هذا قد يؤثر على معارفه الطبية ونتائج مرضاه. وتبين بعض الأدلة أنه في الاختصاصات الجراحية يكون الجراحون أصحاب حجم العمل الأقل هم أصحاب النتائج الأسوأ.

وإذا كانت هذه النظرية بشأن حجم المرضى صحيحة، لن يكون الاستمرار بالتعليم الطبي والخضوع لشروط تجديد الترخيص كافيين للحد من ظاهرة ارتباط جودة الرعاية التي يقدمها الطبيب بتقدمه بالعمر. ومع ذلك لا يمكننا صرف النظر عن احتمال أن يكون الطبيب الذي يعالج عدداً أكبر من المرضى مختلفاً على نحو منتظم بعض الشيء عن غيره من الأطباء. لربما كان الطبيب الأكبر عمراً الذي يعالج العدد الأكبر من المرضى يقوم بذلك لأنه طبيب جيد فعلاً مثلاً، ويحب معاينة المرضى.

وهناك تفسير محتمل آخر لنتائجنا يتمثل في أنها تعكس الاختلافات في طرق التدريب بين الأطباء المتقدمين بالعمر والأطباء الأصغر منهم. ونظراً لاعتماد اختصاص طبيب المستشفى في تسعينيات القرن الماضي، يكون أطباء المستشفيات الأكبر سناً المشمولين في بياناتنا قد انتقلوا إليه بعد البدء بمسيراتهم المهنية كأطباء رئيسيين مختصين بعلاج المرضى خارج المستشفيات ويركز اختصاصهم بصورة أساسية على معالجة الحالات غير الحرجة، بما في ذلك علاج الأمراض المزمنة والوقاية منها.

وإذا لم يتدرب الطبيب الرئيسي على خدمة المرضى المقيمين في المستشفى فعلى الأرجح أنه سيفتقد كثيراً من الخبرات العملية المترافقة مع معاينة الأمراض الحرجة ومعالجتها التي يكتسبها طبيب المستشفى. وبالمقابل، يخضع طبيب المستشفى الأصغر للتدريب على اختصاصه مباشرة بعد فترة تدريبه كمقيم ولذلك يكون أكثر راحة في التعامل مع معالجة الأمراض الحرجة لدى المرضى المقيمين في المستشفى.

وعلى كل الأحوال، نحتاج للبحث أكثر واستكشاف ما إذا كان نمط ممارسة الطبيب لعمله يتغير على مدى مسيرته المهنية وكيفية تأثير حجم العمل الطبي على أنماط الممارسة والمهارات الطبية لدى الأطباء الأكبر عمراً. وهناك دليل على أن التعليم الطبي المستمر يترافق مع تحسين المعارف الطبية، ولكننا لا نعرف الكثير عما إذا كانت هذه النشاطات تدفع الأطباء فعلاً لتقديم مستويات أعلى من جودة الرعاية الطبية التي يقدمونها لمرضاهم. وسيكون من الضروري إجراء أبحاث إضافية من أجل مساعدة الأطباء على الاستمرار في تقديم رعاية طبية عالية الجودة على مدى مسيراتهم المهنية ومن أجل ضمان أن يحظى جميع المرضى على أفضل رعاية ممكنة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي