إن نسبة 88% من الشركات المدرجة على "قائمة فورتشن 500" لعام 1955 لم تعد موجودة في القائمة نفسها اليوم. إما أنها أفلست أو اندمجت أو خرجت ببساطة من القائمة لانخفاض تصنيفها. منذ نصف قرن، كان متوسط العمر المتوقع لشركة ما للبقاء في "قائمة فورتشن 500" حوالي 75 عاماً. أما الآن فأقل من 15 عاماً.
إذا كنا نريد لشركاتنا أن تستمر، فيجب أن تتخلص الشركات من أخطائها القديمة، ويجب أن نتفوق وفق كتاب "حل الصناديق الثلاثة" (Three Box Solution). وهذا الكتاب هو بمثابة إطار عمل طوّرتُه على مدار 35 عاماً من العمل مع الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم وإجراء الأبحاث فيها. وجدت أن الشركات التي تنجو وتزدهر تتميز في التوفيق بين مؤسساتها حول ثلاثة أنشطة حرجة ولكن متنافسة:
* الصندوق الأول: إدارة الحاضر بأعلى كفاءة وربحية.
* الصندوق الثاني: الهروب من مصائد الماضي عن طريق تحديد الأعمال التجارية وتجريدها والتخلي عن الممارسات والأفكار والمواقف التي فقدت أهميتها في بيئة متغيرة.
* الصندوق الثالث: إنتاج أفكار ابتكارية وتحويلها إلى منتجات وشركات جديدة.
ولكي تستمر، يتعين على الشركات أن تتفوق في الصناديق الثلاثة جميعها، أو ربما يكون نجاحها قصير الأجل للغاية. أما في مجال عملنا، فيخبرنا العديد من القادة أن الصندوق الثاني -وهو تدمير النظم المتقادمة- هو الأكثر تحدياً لأنهم يجدون صعوبة في التخلي عن الماضي. ولكن في غياب الصندوق الثاني، لا تتحول المؤسسات فعلياً؛ بل إنها تستمر في الحد من سبل العمل وتقييده.
إذاً، كيف تبني قدرات الصندوق الثاني؟ كيف يمكنك بناء شركة قادرة على التخلص بشكل سلس مما لم يعد ينفع؟ من بين الطرق الفاعلة في هذا المجال: العمل على نشر الثقافة. تتطلب قدرات الصندوق الثاني ثقافة يشجع فيها طرح الأسئلة الصادقة المتعلقة بالصندوق الثاني. فيما يلي ثلاثة أشياء يمكن للقادة القيام بها لإنشاء ثقافة جديدة للإفلات من مصائد الماضي:
إنشاء رواية جماعية
تساعد الناس على فهم سبب اعتبار التخلص من الماضي (الصندوق الثاني) جزءاً من ممارسة الأعمال التجارية وكيفية القيام بذلك.
في اليوم الأول من وظيفته الجديدة كرئيس تنفيذي لشركة مايكروسوفت، أرسل ساتيا ناديلا رسالة قوية إلى موظفيه. كان الهدف من الرسالة بث طاقة جديدة في الشركة في وقت محوري وحاسم:
"على الرغم من أننا شهدنا نجاحاً كبيراً، إلا أننا متعطشون لفعل المزيد. إن صناعتنا لا تحترم التقليد، بل تحترم الابتكار فقط".
وكان ناديلا يبعث برسالة واضحة لتجاوز "المعتقدات المقدسة" للمؤسسة ومتابعة برنامج للابتكار. في وقت لاحق من ذلك العام عزز الرسالة:
"يجب أن يكون لدى كل منا الشجاعة للتحول كأفراد. يجب أن نسأل أنفسنا، ما هي الفكرة التي يمكن أن أحققها في الحياة؟ ما الرؤية التي يمكنني إلقاء الضوء عليها؟ ما هي الحياة الشخصية التي يمكنني تغييرها؟ من هو الزبون الذي يمكن أن أفرحه؟ ما هي المهارة الجديدة التي يمكن أن أتعلمها؟ ما هو الفريق الذي يمكنني المساعدة في بنائه؟ ما هي الأفكار التي أعتنقها وينبغي أن أخالفها؟".
في هاتين الرسالتين الإلكترونيتين، قدم ناديلا سرداً جديداً للصندوق الثاني في ثقافة "مايكروسوفت" من خلال التشكيك علناً في الوضع الراهن.
بالنظر إلى مراسلات ناديلا، يمكنك التفكير في القصص الجديدة التي يمكنك تقديمها لإنشاء ثقافة الصندوق الثاني في شركتك؟
قرارات الصندوق الثاني النموذجية
التي تمنح الإذن ضمنياً للآخرين بالقيام بنفس الشيء.
الرئيس التنفيذي لشركة بارزة في وادي السيليكون، دعنا نسميه سامي، قد تصرف بشكل غير متوقع كنموذج يحتذى به في صناعة القرار ضمن إطار الصندوق الثاني في موقع خارجي جديد. في خضم دعوته الحماسية لتطوير خط إنتاج لمنتَج حالي، سوف نسميه المنتَج "س"، تمت مقاطعة سامي من قبل أحد الزملاء: "نظراً لأننا نتخلص تدريجياً من المنتج س ونطلق منتجاً أفضل بكثير، المنتج ص، هل من المنطقي بالنسبة لنا الآن تطوير الإصدار الثاني للمنتج س؟" تصاعدَ التوتّر في غرفة الاجتماعات.
توقف سامي ونظر إلى الأسفل على الطاولة. ساد السكون في قاعة الاجتماعات إلى حد كبير. وبعد لحظات نظر سامي إلى الأعلى وابتسم. "نعم، أنت محق، هذا ليس له أي معنى. وتابع، "دعونا لا نطلق الإصدار الثاني من المنتج س ونركز كل جهودنا على المنتج ص".
تنفس الجميع الصعداء مع إدراكهم أنه لن يوجَّه أي جهد إضافي نحو منتج كان يعتبر قديماً. بعد الاجتماع، أشار أحد الزملاء إلى قرار سامي باعتباره نقطة تحول رئيسية: "إن استعداد سامي لتغيير رأيه على الملأ كان بمثابة تقدم كبير لنا في تأسيس ثقافة قوية للصندوق الثاني".
ما القرارات التي يمكنك اتخاذها لتوظيف نهج الصندوق الثاني في مؤسستك؟
اتخذ رهانات رمزية
لتذكير الأشخاص أن ثقافة الصندوق الثاني موجودة هنا لتطبق وتستمر.
يصنع بعض قادة الابتكار الرهانات الرمزية في الصندوق الثاني التي تؤثر بقوة على مؤسساتهم. إذاً، الرهانات الرمزية هي أعمال ذات مغذى ومرئية بدقة عالية تمس قلوب الناس، وتجعلهم يعرفون أن الطريقة الجديدة لممارسة الأعمال التجارية هي البقاء وامتلاك تأثير الأعمال التجارية الحقيقي.
كان جاك ويلش مدير شركة "جنرال إلكتريك" سابقاً، خبيراً في استخدام الرهانات الرمزية لتدريب شركة "جنرال إلكتريك" لاكتساب الثقافة التي أراد تحقيقها لأهدافه الاستراتيجية، وهي أن تكون الشركة رقم #1 أو 2 في كل سوق كانوا متواجدين فيها. يروي مثالاً واحداً من هذا القبيل في كتاب سيرته الذاتية حيث يقول جاك: البدء من الداخل" (Jack: Straight from the Gut):
"في تلك الأيام كنت... أحاول نسف التقاليد التي شعرت أنها أعاقتنا. وفي خريف عام 1981، [تحديتُ] "جمعية إلفِن" (Elfun Society)، وهي نادي للإدارة الداخلية في جنرال إلكتريك.... لقد كانت مجموعة تعارف بين مختلف الموظفين رفيعي المستوى".
وبأسلوبه المتميز، انتقد ويلش "جمعية إلفِن" ضمن أحداث مؤتمر القيادة الخاص بهم، حيث كان ينظر للنادي كرمز لـ "التماسك الظاهري". وفي خطابه وصفهم بأنهم "مؤسسة تسعى لإعادة جدولة أعمال الأمس" وقال لهم: أنه "لا يمكنه أن يتعاطف مع أنشطتهم الأخيرة". وكان لخطابه ضمن ثقافة الصندوق الثاني تأثير داخل "جمعية إلفِن" وأصبح دوران موظفيها رمزاً للتحول لشركة "جنرال إلكتريك" ككل:
"...في العام 2001 ضمت جمعية إلفِن أكثر من 42,000 عضو، بما في ذلك المتقاعدين الذين يتطوعون بوقتهم وطاقتهم في التجمعات التي تمتلك جنرال إلكتريك مصانع ومكاتب فيها. ولديها برامج توجيهية لطلاب المدارس الثانوية... أصبح الدور الذي تمت به هندسة ذاتية في إلفِن رمزاً مهماً للغاية [للحد من البيروقراطية]. وذلك ما كنت أبحث عنه تماماً".
نحن البشر، نتذكر الرموز -وكان جاك ويلش خبيراً في ابتكارها مما ألهم الكثيرين للتفكير في تطوير مهاراتهم. فلتتخيل أن جاك ينظر إلى مؤسستك. ما هي الرهانات الرمزية التي سيقوم بها لإزالة الآثار غير المنتجة من الزمن الماضي وخلق ثقافة قوية ضمن إطار الصندوق الثاني في مؤسستك؟
ومن المهم أن تتذكر أن الصندوق الثاني جزء من طريق لا ينتهي. قادة الابتكار مفتونون بهذا الطريق. وبوسعنا أن نطلق عليه رحلة البطل: الحفاظ على ما يقدم خدمة حقيقية والتخلي بكل شجاعة عن الأخطاء وما لا يقود إلى خدمة حقيقية وخلق ما نريده أن يقدم ذلك عن قصد.