ملخص: حدد المؤلفان من خلال عملهما مع أكثر من 10 آلاف من قادة الشركات الناشئة في 70 بلداً، 3 أفكار خاطئة في الإدارة شائعة بين قادة الشركات الناشئة الذين يتطلعون إلى تنمية شركاتهم: وهم التوسع دون تسلسل هرمي، ووهم الانسجام الهيكلي، ووهم البطولة المستمرة. وعندما يفهم مؤسسو الشركات الناشئة أسباب وقوع رواد الأعمال ضحية لهذه الأفكار الخاطئة، سيتمكنون من ضبط دوافعهم غير التقليدية بدرجة أفضل والاعتماد على أدلة دقيقة لتحديد الخطوات التي تؤدي إلى النجاح.
"تطوير التكنولوجيا هيّن، ولكن التعامل مع الموظفين صعب"، هذا ما قاله الشريك في شركة سيكويا كابيتال (Sequoia Capital)، بيل كوغران، الذي عمل في مختبرات بيل لابز (Bell Labs) وأصبح لاحقاً مديراً تنفيذياً في جوجل. ما يعنيه كوغران هو أن معظم مؤسسي الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا يعتقدون أن هناك 3 عوامل حاسمة لنجاحهم، وهي التكنولوجيا، وملاءمة السوق، ورأس المال الكافي. لكن هذا الافتراض السائد على نطاق واسع يتجاهل تحدياً رئيسياً آخر، فوفقاً لبحث شهير صادر عن كلية هارفارد للأعمال وشركة ماكنزي آند كومباني، فإن 65% من المشاريع الجديدة تفشل بسبب مشاكل تتعلق بالموظفين، وتحديداً كبار المسؤولين التنفيذيين. يتوافق هذا البحث ودراسة حديثة أخرى مع خبراتنا في أن إخفاق المشاريع الجديدة لا يتعلق بفشل التكنولوجيا أو عيب في المنتج أو نقص في السيولة النقدية؛ بل بعدم قدرة القادة على تشكيل الفريق المناسب والتعاون بفعالية.
في عملنا مع أكثر من 10 آلاف من قادة الشركات الناشئة في 70 بلداً (كما هو موضح في كتابنا "لحظة إيقاد الشعلة" (The Bonfire Moment)، الذي اقتبسنا منه هذا المقال)، وجدنا العديد من الأفكار الإدارية الخاطئة الشائعة التي تعوق نمو الشركات الناشئة. يُظهر العديد من رواد الأعمال نفوراً من الثقافة التقليدية للشركات الكبيرة، أو حتى ازدراءً بها، إذ تتضمن صورتها النمطية البيروقراطية والتسلسل الهرمي والسياسات غير المناسبة والاجتماعات غير البنّاءة. ويشتد هذا النفور بين المؤسسين الذين يعتبرون أنفسهم مزعزعين غير تقليديين. فإذا كنت تعتقد أنه من الممكن إعادة ابتكار منتج أو خدمة أو قطاع ما، فمن السهل توسيع نطاق هذا التفكير ليشمل إعادة ابتكار طريقة عمل الموظفين.
مهما كانت عمليات الإدارة التقليدية مُحبِطة، فقد استمرت نوعاً ما لأنها تتيح بناء مؤسسات كبيرة ناجحة مليئة بالموظفين الذين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم. وعلى الرغم من أننا لسنا من المدافعين عن أسلوب الإدارة القديم، فنحن نحذر القادة من المبالغة في اتباع الأساليب غير التقليدية. فمن السهل نسبياً على قادة الشركات الناشئة اتباع أسلوب إداري غير تقليدي في أيامها الأولى، عندما يعمل عدد قليل من الموظفين بالشغف والأهداف والطاقة نفسها، لكن لا يمكن الحفاظ على ثقافة تسودها قيم المساواة والإدارة غير الصارمة مدة طويلة دون ظهور خلل وظيفي مزمن وصراعات داخلية عميقة.
شهدنا 3 أفكار خاطئة شائعة قد تكون رائعة لو كانت صحيحة، لكن الأدلة تظهر أنها أوهام يمكن أن تؤدي إلى التضارب في التوقعات والتوتر بين الفِرق.
وهم التوسع دون تسلسل هرمي
ليس من المستغرب أن يكره أصحاب التفكير غير التقليدي التسلسل الهرمي، ففي المؤسسات الكبيرة، ينفصل كبار القادة في كثير من الأحيان عن واقع العمل واحتياجات المستخدمين أو العملاء، وتتباطأ عملية صناعة القرار، وتعلق فرق عديدة في حلقة مستمرة من الشرح المفرط لإسهاماتها من أجل إبعاد اللوم أو مجرد إبقاء الإدارة العليا على اطلاع.
ثمة أسباب أخرى لفقدان التسلسل الهرمي جاذبيته، فهو يتعارض مع المُثل العليا للمساواة التي تنص على أن الجميع متساوون ويعطي بعض الموظفين سلطة واستقلالية أكثر من غيرهم، وهو يجبر الموظفين على أداء أدوار أضيق نطاقاً وأكثر تخصصاً، ما يخلق حالة من عدم الرضا بين الذين يقدّرون التنوع في عملهم، كما أنه يجبر المدراء على إنشاء هيكليات التسلسل الإداري من أجل تنسيق جهود الفريق، ولكن العديد من الموظفين يعتبرون هذه الهيكليات إجراءات بيروقراطية تعوق العمل. ويجبر التسلسل الهرمي المدراء على أداء العمل الإداري الذي لا يمكن توضيح أبعاده وقياسه، مقارنةً بالمهام القابلة للقياس الكمي والوصف بسهولة أكبر، مثل كتابة الرموز البرمجية أو إتمام صفقات البيع أو قيادة المشاريع. ولهذه الأسباب، يؤكد فانيش بورانام من المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد) مُحقاً أن "التسلسل الهرمي له عيوبه، إذ يبدو أنه ينتهك النزعة البشرية الأساسية للمساواة والاستقلالية وتنوع المهام. ولهذا السبب، قد تتمتع الأشكال غير الهرمية للتنظيم في بعض الأحيان بشعبية تتجاوز فوائدها الاقتصادية المباشرة".
بالإضافة إلى ذلك، يخلط الموظفون في كثير من الأحيان بين التراتبية الهرمية والبيروقراطية لأنهما تتوسعان بالتوازي غالباً، فخمسون موظفاً يحتاجون إلى اجتماعات ووثائق وإجراءات موافقة أكثر مما يحتاج إليه خمسة موظفين. لكن من الممكن الاستفادة من الجوانب الإيجابية للتسلسل الهرمي في الشركات الناشئة المتنامية دون المعاناة من سلبيات البيروقراطية المفرطة، إذ يقع المدراء غير التقليديين في المتاعب عندما يلغون التسلسل الهرمي على أمل تقليل البيروقراطية، ولكنهم يطلقون العنان للفوضى بدلاً منها.
على سبيل المثال، جرّب لاري بيج وسيرجي برين من شركة جوجل في بدايات الشركة هيكلاً تنظيمياً شبه مسطح، على حد وصف الأستاذ الجامعي الراحل في كلية هارفارد للأعمال، ديفيد غارفين، حيث أعادا تعيين مدراء قسم الهندسة وجعلوا بضع مئات من الموظفين يتبعون إدارياً إلى النائب الوحيد لرئيس قسم الهندسة مباشرة. كان هدفهما كسر الحواجز التي تحول دون توليد الأفكار بسرعة وتكرار البيئة التي استمتعا بها في فترة الدراسات العليا. ولكن هذه التجربة لم تدم طويلاً، فقد كان الكثير من الموظفين يتوجهون مباشرةً إلى المؤسسين بتفاصيل صغيرة، مثل أسئلة حول تقرير المصروفات، ولم تحصل المشاريع على الموارد التي تحتاج إليها، وأصبح العمل الزائد عن الحاجة مشكلة. وسرعان ما أدرك الجميع أن القليل من الطبقات الإدارية سيكون مفيداً للغاية.
وبالمثل، في عام 2014، طبّق مؤسس شركة زابوس (Zappos)، توني شيه، بدعة الإدارة الذاتية اللاهرمية المعروفة باسم هولاكراسي (holacracy). ولكن مع استمرار الشركة في النمو، كانت فرقها المحبطة بحاجة ماسّة إلى القواعد والتوجيهات، خاصةً في المهام الأساسية مثل إعداد الموازنات. كما قضت الفرق الذاتية الإدارة وقتاً طويلاً في التفاوض فيما بينها بسبب عدم وجود مدير يتخذ قرارات سريعة حتى يتمكن الجميع من المضي قدماً. كان على شركة زابوس في غضون 3 سنوات التخلي عن نموذج الهولاكراسي وإعادة بعض الطبقات الإدارية.
الأدلة واضحة على أن تبنّي تسلسل هرمي مناسب مع تعيين مدراء فعالين يمكن أن يقلل الغموض في الأدوار والمسؤوليات والعمليات اليومية. ويساعد على جمع الفريق حول الأهداف المشتركة، وحل النزاعات، وتسريع التقدم، وضمان الاهتمام بتطوير الموظفين ورفاهتهم. فقد بيّن كل من آدم غالينسكي وموريس شوايتزر من كليتي كولومبيا ووارتون للأعمال في عدة دراسات أنه إذا كنت بحاجة إلى فريق عمل تعاوني لحل المشكلات المعقدة، فمن الأفضل أن يعمل بإدارة مدير لا مجموعة من النظراء.
علاوة على ذلك، درس الأستاذ في جامعة وارتون، سيروم لي، هذه المقارنة من خلال عيّنة كبيرة من شركات ألعاب الفيديو. وقد توصل في أبحاثه إلى أن كل طبقة إدارية إضافية ترتبط بانخفاض بنسبة 1% تقريباً في متوسط تقييمات العملاء لألعاب الشركة، ويعزو ذلك إلى انخفاض تبادل الأفكار عندما يقسم المدراء مجموعات العمل الكبيرة إلى فرق صغيرة. من ناحية أخرى، ارتبطت إضافة طبقة إدارية إضافية واحدة بزيادة بنسبة 14% في المبيعات، ويرجع ذلك إلى انخفاض عمليات البحث غير المجدية والصراعات التي تعطل سير العمل. إذا كانت شركتك في مرحلة النمو التي تتطلب فِرقاً عالية التركيز تعمل بجدية لتلبية المواعيد النهائية للمنتجات والأهداف التجارية المهمة، فإن هذه الدراسة تؤكد أهمية تعيين بضعة مدراء يتمتعون بالخبرة والمهارة والتغلب على خوفك المبدئي من التسلسل الهرمي.
وهم الانسجام الهيكلي
يرى القادة غير التقليديين أنهم يصممون ثقافة جذابة للفريق تستقطب أفضل المواهب، ويقيسون نجاحهم في كثير من الأحيان بناءً على مستوى الصراع داخل فرقهم الآخذة بالتوسع، ومن المعروف عادةً أن النزاعات في مكان العمل تنتج عن النزاعات الشخصية التي تنشأ بين الزملاء بسبب اختلاف القيم أو السمات الشخصية أو أساليب التواصل، أو بسبب السلوكيات المسيئة. ومعالجة النزاعات الشخصية يتطلب توضيح سوء الفهم أو تعزيز التعاطف أو إبعاد أحد الأطراف، ولكن ثمة نوع آخر من النزاعات لا يفهمها سوى القليل من القادة وحلها أصعب من حل النزاعات الشخصية.
مع نمو أي فريق وتولي الموظفين أدوار أكثر تخصصاً، من الطبيعي ازدياد النزاعات الهيكلية التي تنشأ بصورة طبيعية من الأدوار التي يؤديها الموظفون، خاصة في ظل التنافس على الموارد المحدودة، والرغبة في توجيه استراتيجية الفريق في اتجاه أو آخر، وتمثّل هذه النزاعات آليات ضبط وموازنة بين الأقسام تضمن التوازن بين مصالحها المختلفة. فيما يلي بعض الأمثلة الشائعة على النزاعات الهيكلية:
- تصادم الرؤساء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا حول الجداول الزمنية: ينفد صبر الرؤساء التنفيذيين عادةً عند إطلاق المنتجات لأنهم قطعوا وعوداً كبيرة للمستثمرين والعملاء، وفي الوقت نفسه يعاني الرؤساء التنفيذيون للتكنولوجيا ضغطاً لتحقيق أعلى جودة ممكنة للمنتجات قبل إطلاقها دون تراكم ديون فنية مفرطة، أي مشكلات التصميم الفني أو الهندسي للبرمجيات التي تتراكم مع مرور الوقت.
- تصادم مدراء المنتجات والمهندسين حول المفاضلة بين السرعة والجودة: يرغب فريق المنتج عادةً في إطلاق ميزات جديدة بسرعة لضمان التفوق في المنافسة، في حين ترغب الفرق الهندسية أولاً في إصلاح أكبر عدد ممكن من الأخطاء البرمجية.
- يحاول قسم الماليات دائماً تقييد إنفاق قسمي التسويق والموارد البشرية والأقسام الأخرى التي غالباً ما ترى أن ميزانياتها منخفضة جداً.
- يطالب نواب رؤساء المبيعات في كثير من الأحيان بمنح خصومات للعملاء الجدد بهدف زيادة الإيرادات، في حين يكره المدراء الماليون الخصومات التي تقلل الربحية.
لا يدرك المتنازعون في كثير من الأحيان أن هذه الخلافات تنبع من آليات الضبط والموازنة المتأصلة في أدوارهم، وبسبب الإحباط لا يعرفون القيمة الحقيقية للنزاعات الهيكلية التي تمنع الشركة من الذهاب في أي اتجاه بسرعة كبيرة. يقع المدراء غير التقليديين في المتاعب عندما يحاولون حل النزاعات الهيكلية بسرعة وحسم النزاعات الشخصية، وعادةً ما يكون ذلك من خلال إلقاء اللوم على أحد الأفراد المتنازعين، ونادراً ما يضعون في الحسبان أنه إذا تبادل المدير المالي ونائب رئيس المبيعات الأدوار فسيتجادلان حول الخصومات نفسها لكن بوجهات نظر معاكسة لوجهات نظرهما الأولى، وأكبر خطأ يرتكبه العديد من القادة هو تهميش قسم وإضعافه لمصلحة قسم آخر في محاولة لحل النزاع.
بدلاً من الوقوع في هذا الخطأ، نحث القادة على معالجة النزاعات الهيكلية من خلال تقبّلها أولاً ومطالبة الأطراف المعنية بتوضيح أولوياتها وقبول أن بعض الخلافات بين الأقسام لا يمكن حسمها بالكامل، وهذا يعني أنه لا مانع من السماح لفريق المنتج بزيادة الضغط على فريق المبيعات والعكس صحيح. اسمح لقسم الماليات بإجراء نقاش صريح مع قسم التسويق حول ميزانيته، ولكن ذكّر الجميع أنه في النهاية يجب أن تكون الأولوية لأهداف الشركة العامة وليس لأهداف قسم بعينه.
وهم البطولة المستمرة
يحب المؤسسون غير التقليديين الأعمال البطولية؛ أي العمل ساعات إضافية وبذل الجهود الهائلة التي تكون غالباً مطلوبة في الأشهر الأولى من عمل الشركة الناشئة عندما يواجه المؤسسون والموظفون الأوائل ضغوطاً شديدة. نميل إلى تمجيد هذه البطولات لأنها تعزز قواعد ثقافية مثل العمل الجاد والإبداع والصمود في وجه العقبات. بعد مرور سنوات أو حتى عقود من الزمن، لا ينفك بعض المؤسسين يتفاخرون بالوقت الذي عملوا فيه 20 ساعة في اليوم مدة شهر كامل من أجل تسليم المنتج في موعده المحدد، والنوم ربما على أرض المكتب وعدم تناول أي وجبة طعام جيدة طوال اليوم.
إنه شعور رائع بالنسبة للأبطال، والحماسة العالية التي تصاحب التركيز الشديد وتحقيق نجاح كبير يمكن أن تتحول إلى إدمان، وكذلك الأمر بالنسبة للإشادات التي يقدمها الزملاء والأصدقاء بعد فترة من هذه البطولات. لذا، ليس من المستغرب أن يحاول بعض القادة الحفاظ على هذه الدرجة من الضغط، لكن محاولة تحقيق البطولات باستمرار شهراً بعد شهر أمر في غاية الخطورة، لثلاثة أسباب على الأقل:
أولاً، تؤدي البطولات إلى الاعتماد على مصدر واحد من المؤكد أنه سينهار عاجلاً وليس آجلاً. عندما يتدخل البطل مراراً وتكراراً لإنقاذ الموقف، يشعر زملاؤه بحافز ضعيف لتنمية مهاراتهم وتولي زمام الأمور بأنفسهم، فالبطولات الفردية تدفع الآخرين إلى العجز المكتسب الذي يشكّل أساساً لمشكلات مستقبلية. وبمرور الوقت، تؤدي السلوكيات البطولية المفرطة إلى رد فعل يتمثل في ضعف الأداء، إذ يصبح الزملاء سلبيين ويرفضون حمل المزيد من المسؤوليات ويزداد اعتمادهم على البطل. يسبب رد الفعل هذا إحباط البطل الذي يفرط في العمل والذي ينتهي به الأمر غالباً إلى الاحتراق الوظيفي، والنتيجة هي انعدام الكفاءة في الشركة وازدياد الاستياء المتبادل بين أفرادها وضعف مهارات فِرقها وعدم فعالية أنظمتها.
أخبرنا قائد المنتج الناجح في العديد من شركات وادي السيليكون، أليكس كوموروسكي، كيف أضرّ اندفاعه نحو العمل البطولي بعلاقاته في مكان العمل، إذ كتب: "اعتقدت أن الآخرين لم يكونوا بمستوى قوتي وقدراتي، وبت أستاء من الذين لا يبذلون جهوداً بطولية وبدا لي أنهم متذمرون أو كسالى. وبمرور الوقت وجدت نفسي أوجه أصابع الاتهام إلى هؤلاء الموظفين أو أبعدهم وأمتنع عن سماع وجهات نظرهم ورؤاهم". أدرك كوموروسكي في نهاية المطاف أن عقليته هذه كانت خاطئة وغير عادلة، وكانت السبب في نشوء مشكلات تحتاج إلى حلول.
بعد فترة طويلة من الإفراط في العمل والتفكير الخاطئ تجاه الفريق، يظن بعض الأبطال أنهم يحققون إنجازات أكثر بكثير من زملائهم وبالتالي يستحقون المزيد من التكريم والتقدير. على سبيل المثال، اشترك عمار ووسيم (اسمان مستعاران) في تأسيس شركة للتكنولوجيا المالية بأساليب إدارة مختلفة تماماً، ركز عمار الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي في السنوات العشر الأولى من عمر شركته الناشئة على تشكيل فرق عمل قوية والتعامل مع أهم المشكلات وتفويضها باتخاذ القرارات اليومية. لم يكن العمل معه سهلاً وغالباً كان يوبخ الموظفين علناً بسبب سوء التقدير، لكنه كان يمنحهم دائماً فرصة للعودة بأفكار أفضل. خلف وسيم عمار في منصب الرئيس التنفيذي بعد أن شغل العديد من المناصب التنفيذية، وكان أكثر ميلاً إلى الأعمال البطولية لأنه كان يتمتع بموهبة نادرة في إتقان التخصصات الجديدة بسرعة، فقد كان مبرمجاً وعالم بيانات ومديراً تنفيذياً قوياً للعمليات وبارعاً في مجال ماليات الشركات وهو الذي نظّم طرح الاكتتاب العام الأولي في البورصة. كان الموظفون يحبون العمل مع وسيم، وكان يحب الخوض في جميع التفاصيل، وسرعان ما أصبح المسؤول الرئيسي عن حل المشكلات الصغيرة نسبياً التي كان عمار يكلف الآخرين بحلها.
تحدث وسيم إلينا بعد فترة وجيزة من تنحيه عن رحلته الطويلة والناجحة في منصب الرئيس التنفيذي، وقال: "لطالما شعرت بأن عماراً لم يبذل الجهد الذي بذلتُه لبناء هذه الشركة، لكنه كان واجهة الشركة، وكان الجميع يحبه. أدركت مؤخراً فقط أنني كنت أجهد نفسي في العمل دائماً لأنني كنت أحاول أن أثبت للموظفين أنني أستحق التكريم بقدر جهدي نفسه. ربما سارت الأمور على نحو أفضل معي لو أني أدركت ذلك في وقت مبكر".
إن خلق ثقافة البطل ليس الطريقة المثلى لبناء شركة تعيش طويلاً. عليك أن تنظر إلى الأعمال البطولية على أنها حل استثنائي في حالات الطوارئ فقط، وفكر ملياً قبل اعتماد هذا الحل. لا تهدف هذه النصيحة إلى التقليل من قيمة الالتزام العميق أو العمل الجاد؛ فقط انتبه إلى أن حل المشكلات نيابة عن موظفيك المسؤولين عن حلها بطريقة تعطلهم عن أداء عملهم سيترك عواقب غير محمودة وقد يؤدي إلى تقويض أهدافك. استثمر وقتك وطاقتك في بناء فريق قوي وأنظمة فعالة، ما سيساعد موظفيك على حل معظم مشكلاتهم بأنفسهم دون الحاجة إليك لإنقاذ الموقف.
لا تنتهي كل الأفكار غير التقليدية حول إدارة المنظمات إلى عواقب سلبية غير مقصودة. نحن متحمسون دائماً لرؤية الشركات تحقق النجاح من خلال أساليب الإدارة غير التقليدية، ولكن إذا كنت تميل إلى تجربة الممارسات غير التقليدية الموضحة أعلاه، فكن حذراً، وأعِد توجيه ميولك نحو الاستخدام الدقيق للأدلة حين تجرّب طرق عمل جديدة.