ربما سمعت عبارة "ما تعرفه ليس مهماً، ولكن من تعرفه". قد تبدو هذه العبارة محبطة، فلماذا تبالغ في الاجتهاد في العمل إذا كان نجاحك مرهون بقوة شبكة علاقاتك؟ وماذا عن أثر المؤهل الأكاديمي على العلاقات تحديداً؟
صحيح أن العلاقات تؤثر على الموارد والدعم والتأييد الذي تحصل عليه خلال مسيرتك المهنية، وهذه العلاقات تتشكل عبر طرق مختلفة. (أخبار سارة لغير المولعين بحضور اجتماعات التعارف). عند دراسة كيفية تشكيل المحترفين الشباب لشبكة العلاقات، وجدتُ أنه ليس عليك بالضرورة أن تكون من النوع الاجتماعي أو واسع العلاقات للتوافق مع الأشخاص المناسبين والتقدم في مجال عملك. الأهم من ذلك لتوسيع دائرة علاقاتك، في سياقات معينة، هو مدى كفاءتك للوظيفة. واتضح أن ما تعرفه يؤثر على من بإمكانك ضمّه إلى قائمة علاقاتك.
أثر المؤهل الأكاديمي على العلاقات
في دراستين، قمتُ بعمل مسح استقصائي لـ 251 من طلبة ماجستير إدارة الأعمال وطلبة كلية الحقوق قبل وبعد الانتهاء من فترة التدريب الداخلي. سألتهم أولاً عما إذا كان لديهم أي معارف مسبقة في الشركات التي تدرّبوا فيها (الأشخاص الذين يثقون بهم إلى حدٍ ما على الأقل وتقابلوا معهم أكثر من 3 مرات)، ثم هل اكتسبوا المزيد من المعارف خلال فترة التدريب التي استمرت 12 أسبوعاً تقريباً؟ وتحديداً، أردت معرفة هل تعرفوا على أي موظفين قدّموا لهم نظرة تعريفية بالمنظمة وأهدافها واستراتيجياتها والشخصيات المهمة فيها. سألتهم أيضاً عن عدد المرات التي تواصلوا فيها معهم وطول مدة التعارف، ومدى قربهم. جمعت معلومات عن الشركات، على سبيل المثال، حجم المكتب، وطبيعة العمل وعدد الخريجين الذين يعملون هناك، وعن الإنجازات الأكاديمية للطلاب (مثلاً، ما إذا كانوا مدرجين في قائمة العميد أو يعملون في مجلة حقوقية مرموقة).
وجدت أن بعض الأشخاص استطاعوا بناء العديد من العلاقات الجديدة (أكثر من 20)، بينما شكّل آخرون عدداً أقل بكثير، واحد أو اثنان فقط. كان الفيصل بين الفئتين كيفية رؤية الآخرين لقدرات هؤلاء المتدربين- وكان هناك اختلاف بين وسَط الشركات التجارية والقانونية.
أما ماجستير إدارة الأعمال، فوجدت أن الطلبة الذين بدؤوا فترة التدريب مع وجود معارف مسبقة كانوا أقدر على بناء علاقات جديدة من أولئك الذين لم يعرفوا أي شخص قبل البدء، حتى بعد ضبط عوامل الاختلافات الفردية في القدرة على بناء العلاقات. وكشَف الاستطلاع أن هذه المعارف المسبقة كانت وسيطاً، أو "واسطة فائقة"، حيث قاموا بمساعدة المتدربين وتقديمهم إلى موظفي الشركة ودعمهم في تطوير شبكة علاقاتهم. وجدت أيضاً أن المعارف المسبقة كانت أدق في التنبؤ بنمو شبكة المعارف من المؤشرات الأخرى لمهارات الطلاب، مثل الدرجات الأكاديمية. بمعنى آخر، كانت معرفة شخص ما في الشركة مؤشراً على جودة المتدرب أكثر من مؤهلاته الأكاديمية. لقد أدى وجود معارف مسبقة إلى فرص جديدة لتشكيل العلاقات، بينما لم يُفد الحصول على درجات أكاديمية جيدة في هذا الجانب.
لم تكن نتيجة الاستطلاع هي نفسها بشأن طلاب كلية الحقوق. بالنسبة إلى هذه المجموعة، لم يكن للمعارف المسبقة تأثير مباشر على عدد المعارف الجديدة التي شكلوها أثناء فترة التدريب. وجدتُ أن وجودهم ساعد فقط الطلاب الأعلى تأهيلاً، أولئك الذين صنفوا ضمن أعلى 20% بدفعتهم في كلية الحقوق، الذين تمكنوا من الالتقاء والتواصل مع المزيد من الناس بواسطة دائرة معارفهم أكثر من أولئك الذين لم يكونوا ضمن الأوائل على دفعاتهم. يبدو أنه دون هذا الاعتماد الأكاديمي، لكانت شبكة المعارف أقل نفعاً في التوسط لتشكيل علاقات جديدة ومساعدة المتدربين على توسيع شبكة معارفهم.
ما سبب هذا التباين في النتائج بين الوسَطين الحقوقي والتجاري؟ يبدو أن السبب يتلخص في الأهمية المعطاة للمؤهلات العلمية والتدريب الأكاديمي. في شركات المحاماة، يتلاءم التدريب الذي تتلقاه في الجامعة مع المهارات التي يتوقعونها منك في العمل. هذا هو السبب المحتمل لتأثير شبكة المعارف على المتدربين المتميزين في الحصول على رؤية أكبر وتوسيع شبكات علاقاتهم.
من ناحية أخرى، عندما يتعلق الأمر بمجال الأعمال، أظهرت الأبحاث أن الأفراد المعنيين بهذا المجال لا يثقون كثيراً في فعالية تحصيل أعلى الدرجات أو الاندراج في قائمة العميد لتحقيق أهدافهم العملية. في الواقع، اقترح بعض الباحثين، مثل زميلي جيفري فيفر (Jeffrey Fever)، في "جامعة ستانفورد" (Stanford University)، عدم وجود ارتباط وثيق بين ما يدرّس في كليات إدارة الأعمال والمهارات والمعرفة اللازمة لممارسة الأعمال التجارية، (ولعله السبب وراء تباين الدرجات الأكاديمية بشكل جيد مع المقابل المادي للمهنيين في مجال الأعمال). لذا، بدلاً من استخدام مؤشرات مثل الأداء الأكاديمي للاستدلال على مدى جودة أداء موظف ما لعمله، يُنظر إلى عوامل أخرى، مثل المعارف والعلاقات.
علاوة على ذلك، هناك فرق في محدِّدات القبول لطلاب الحقوق والتجارة. في كليات التجارة، يبدأ المهتمون بالتوظيف في إجراء مقابلات للتدريب الداخلي مع الطلبة خلال الفصل الدراسي الأول، قبل ظهور الدرجات. في المقابل، يتم إلحاق طلبة كلية الحقوق بتدريب داخلي خلال السنة الثانية من الدراسة الجامعية. قد يكون هذا الاختلاف سبباً آخر لانخفاض أهمية تحصيل أعلى الدرجات عند طلبة التجارة خلافاً للحال مع طلبة الحقوق.
الخلاصة حول موضوع أثر المؤهل الأكاديمي على العلاقات تحديداً، أنك بحاجة إلى نهج متوازن لتطوير شبكة علاقاتك، اعتماداً على ظروفك الخاصة. إذا لم تتمكن قدراتك القيّمة ومهاراتك من إبراز قيمتك، فيمكن لمعارفك الذين يزكّونك عند الآخرين مساعدتك على تطوير شبكة علاقات مهمة. في هذه الحالة، من الأفضل لك الذهاب إلى لقاءات التعارف بعد العمل. ومع ذلك، في السياقات التي يسهل فيها معرفة مهارة الشخص من خلال أداء العمل، مثلاً، كمؤشر سهل لقياس المهارة بشكل كمّي (مثل إجمالي المبيعات التي تحققها بشكل ربع سنوي)، قد يساعدك وجود مؤشر أوضح لإنجازاتك على توسيع شبكة علاقاتك.
اقرأ أيضاً: