حان الوقت لجعل أبحاث كليات إدارة الأعمال أكثر صلة بالشركات

6 دقائق

كان أحد أكبر التحديات التي تواجه علماء الإدارة هو الكفاح من أجل إنتاج معرفة تكون دقيقة أكاديمياً وقابلة للتطبيق على المدراء الممارسين. وفي الكلمة الافتتاحية لمجلة أكاديمية الإدارة الأميركية، ألقينا الضوء على مشكلتين تساهمان في هذا التحدي.

المشكلة الأولى هي ما نطلق عليه "ضائع في الترجمة"، التي تشير إلى حقيقة أنه لا يوجد مدراء يستعينون بالمجلات الأكاديمية (منشورات مثل حوليات أكاديمية الإدارة، ومجلة أكاديمية الإدارة، ونشرة أكاديمية الإدارة، ومجلة علم النفس التطبيقي، والسلوك التنظيمي وعمليات اتخاذ القرار، على سبيل المثال لا الحصر) للحصول على نصائح حول كيفية تحسين مهاراتهم أو ممارساتهم. ووجد الباحثون أن المدراء يميلون إلى عدم إدراك رؤى الإدارة المدعومة بالأبحاث والمذكورة في هذه المجلات الأكاديمية، وأن مثل هذه الرؤى عادة ما تُستبعد من مجلات توجيه الممارسين. ونتيجة لذلك، يميل المدراء إلى التمسك بالحقائق المفترضة منذ أمد بعيد، التي غالباً ما تفندها دراسات علماء الإدارة.

على سبيل المثال، ما زال العديد من المدراء يعتقدون أن الأخطاء التي يرتكبونها في تقييم موظفيهم يمكن تصحيحها من خلال تدريبهم على التعرف على الأخطاء المحتملة، وطرح أساليب لتجنبها، في حين تُظهر الأدلة الفعلية أن مثل هذا التدريب يمكنه في الواقع زيادة عدد الأخطاء التي يرتكبونها.

المشكلة الثانية، التي نطلق عليها "ضائع قبل الترجمة"، هي ميل الباحثين الأكاديميين إلى إجراء دراسات دون الحصول على معلومات من المدراء أو الموظفين، وهم المعنيون الذين تهدف نتائج هذه الدراسات إلى مساعدتهم.

وإذا أراد الأكاديميون أن يساعدوا المدراء الممارسين في تحسين الطريقة التي يديرون بها، وأن يكون لهم تأثير في العالم الحقيقي؛ فإنهم بحاجة إلى معالجة هاتين المشكلتين. ولسوء الحظ، فإن الطريقة الحالية التي تكافئ بها كليات إدارة الأعمال أساتذتها ستجعل هذا الأمر صعباً للغاية. ويرجع ذلك إلى أن الترقيات، والزيادات في الرواتب، في معظم كليات إدارة الأعمال؛ تعتمد في المقام الأول على الأبحاث المنشورة للأستاذة في المجلات والدوريات المحكمة (المراجعة من الأقران) والدوريات المرموقة  (أو الأبحاث المنشورة للأساتذة في المجلات والدوريات العلمية ذات معامل التأثير الأكبر، أو ذات أعداد الاستشهادات المرجعية الأعلى). وأدى استخدام هذه المنشورات كأداة رئيسة للتقدم الوظيفي إلى أربعة عواقب غير مقصودة:

أولاً: إن الاعتماد فقط -أو بشكل أساسي- على الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية المرموقة عند تحديد المكافآت والتكريم وغيرها من الجوائز المهنية للأساتذة يبعث برسالة مفادها أن الأساتذة لن يتقدموا في وظائفهم إذا قرروا نشر أبحاثهم في وسائل تحظى بمتابعة المديرين على نطاق واسع.

ثانياً، إن إعطاء وزن أكبر لعدد الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية المرموقة أكثر من غيرها يُضعف قدرة الأساتذة على متابعة " المنح الدراسية التبادلية"، مثلاً لأغراض البحث العلمي واستكشاف فرص التعلم التي تظهر عند تطبيق المعرفة، وذلك من أجل مساعدة المجتمعات في حل المشكلات الاجتماعية.

ثالثاً: إن تقييم الإسهامات العلمية للأساتذة من خلال عدد منشوراتهم في المجلات الأكاديمية والدوريات العلمية المرموقة يحفز العلماء على طرح أكبر عدد ممكن من الدراسات المنشورة. وهذا قد يحث العلماء أحياناً على استخدام استراتيجيات سريعة لجمع بيانات الأبحاث، كالاستعانة بمصادر خارجية للحصول على عينة الدراسة (مثل أداة MTurk من أمازون لجمع البيانات)، والعينات السهلة (تشمل طلابهم)، واستخدام تجمعات الطلاب للدراسات المختبرية، بدلاً من الأساليب المنهجية التي تستغرق وقتاً أطول مثل الدراسات الإثنوغرافية عبر الثقافات، أو غيرها من الدراسات النوعية، والدراسات الطولية، والدراسات التي تستمر عقوداً، والتخصيص المُشفر يدوياً لقواعد البيانات الأرشيفية العامة، التي تميل إلى تقديم نتائج أكثر عمومية. على سبيل المثال، إذا أراد باحث أن يفهم كيفية استجابة الموظفين لحوافز معينة، فإن نتائج دراسة تقيس كيفية استجابة الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة لهذه الحوافز ستكون محدودة التعميم، وربما لا تكون ذات صلة على الإطلاق بمعظم سياقات العمل، أو بثقافات أخرى. وقد خلصت إحدى دوريات الأساليب المنهجية إلى أن الباحثين في الإدارة "يفعلون ما يعرفونه، وما فعلوه من قبل، وما هو فعال وأسهل، وما يحصلون منه على مكافأة (أي ما يُنشر)، وهو ليس كالأكثر تنويراً وفائدة.

رابعاً، إن تقييم المحتوى العلمي الذي يقدمه الأساتذة من خلال عدد منشوراتهم في المجلات والدوريات المرموقة يمكن أيضاً أن يحث الأكاديميين على الانخراط في ممارسات بحثية غير أخلاقية من أجل تحقيق نتائج تقبلها هذه المجلات والدوريات. على سبيل المثال، قد يحذف الباحثون المتغيرات المرتبطة بالنتائج غير القابلة للنشر (أي غير المهمة)، وهي الظاهرة التي أُشير إليها باسم "File Drawer Problem" أو "مشكلة درج الملفات"، أو ربما يقدمون نتائج مفاجئة وكأنها كانت مفترضة طوال الوقت، وهي ظاهرة يُطلق عليها "HARKing" أو "الافتراض بعد معرفة النتائج". لا تُضعف هذه الممارسات فهم الظواهر محل الدراسة فحسب، بل تشكك في صحة البحث أيضاً.

لقد حان الوقت أن تتبع كليات إدارة الأعمال منهجاً أوسع لتقييم ماذا يعني أن لها تأثيراً علمياً. نحن نؤيد إجراء ثلاثة تغييرات: أولاً: لا ينبغي لكليات إدارة الأعمال أن تقيس التأثير من داخل الأوساط الأكاديمية فحسب، بل من خارجها أيضاً. على سبيل المثال: بدلاً من حساب عدد المرات التي استشهد فيها أكاديميون آخرون بمقالات أي أستاذ، يجب علينا أيضاً أن ننظر في عدد المرات التي استُشهد فيها بالعمل -أو استخدمه- الطلاب والمديرون الممارسون وصناع السياسات، وأن ننظر في المقالات (على سبيل المثال، في الصحف، والدوريات، والمجلات، والمدونات الصوتية، وغيرها) التي تُوزع على نطاق واسع لأصحاب المصلحة المتعددين. ويُطلق على ذلك "اتباع نهج تعددي للتأثير العلمي".

ثانياً: نعتقد أن الأكاديميين يجب أن يركزوا على إجراء أبحاث تؤثر إيجاباً على الأعمال والمجتمع، أو ما يطلِق عليه فريق عالمي متعدد التخصصات من علماء الإدارة البارزين "البحث المسؤول". ووُصفت الأبحاث المسؤولة بأنها أبحاث توازن بين مصالح المساهمين والنتائج الاجتماعية والاقتصادية للشركات، وتستخدم أساليب بحث دقيقة لفهم الظواهر المحلية المحيّرة، وتسعى وراء الحقيقة قبل أي شيء باستخدام أساليب البحث الأخلاقية. ويمكن للمقاييس التي تصور مدى تحقيق الأبحاث لهذه الأهداف أن تكون وسائل إضافية لتقييم التأثير العلمي.

ثالثاً، نظراً لأن أي دراسة بحثية تشكل جزءاً من نظام بيئي، فإنه يتعين على أصحاب المصلحة جميعاً -الباحثين الأكاديميين، ومدراء كليات إدارة الأعمال، ووكالات التمويل، والحكومات، والمدراء الممارسين، ومحرري المجلات- أن يعملوا معاً بطريقة منسقة لتشجيع الأبحاث المسؤولة ومكافأتها، وتجاوز المنهجيات المحدودة إلى إجراء أبحاث الإدارة المستخدمة حالياً ونشرها.

كيف ستبدو هذه الأمور في الواقع؟ بالقياس، يمكن لكليات إدارة الأعمال أن تبدأ النظر إلى المقاييس التالية: عدد الدعوات لفعاليات الأعمال البادية للعيان، وعدد منشورات المدراء الممارسين -بما في ذلك كتب الصحافة الرائجة- والتغطية الإعلامية في المنافذ التي تحظى بمتابعة جمهور واسع (أكاديمي وغير أكاديمي)، وطلبات تخصيص الوقت التي تطلب من الوكالات الصناعية أو الحكومية، وعدد العروض التقديمية لفعاليات الممارسين ومجتمعاتهم، ومقدار التمويل الخارجي المستلم من وكالات التمويل المعروفة، مثل مؤسسة العلوم الوطنية أو مؤسسة كوفمان؛ والشراكات مع أصحاب المصلحة الخارجيين، مثل الهيئات التشريعية المحلية والحكومية أو غيرها من صناع السياسات. ويُعد كل من هذه المقاييس انعكاساً لأبحاث علماء الإدارة التي ساعدت أو ساهمت في تنوير المجتمعات خارج الأوساط الأكاديمية.

ويمكن أن تعتمد كليات إدارة الأعمال أيضاً على التقنيات الجديدة لقياس تأثير أساتذتها، وقد تأخذ في الاعتبار ما يلي: إدراج أعمال الأستاذ في المكتبات الرقمية، وعدد تنزيلات المقالات العلمية، والمشاركة عبر الإنترنت سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو مع الباحثين الزملاء في مواقع مثل academia.edu وResearchGate، وعدد مرات ذكره في ويكيبيديا، والمناقشات في الوسائل الإخبارية مثل الصحف والمدونات ومواقع الإنترنت. ويمكن لكليات إدارة الأعمال أن تستخدم أدوات قائمة على الإنترنت تُعرف باسم "القياسات البديلة"؛ لجمع بيانات حول عدد مرات ذكر البحث في هذه الوسائل.

إن تقييم الأكاديميين على هذه الأنواع من المقاييس أو المؤشرات من شأنه أن يؤدي إلى إحراز تقدم على التغيير الثاني الذي ننادي به، ألا وهو أبحاث ذات صلة وفائدة أكبر. وعلى وجه الخصوص، نرى المزايا التالية: 1) منح دراسية تبادلية على نطاق أوسع. 2) مجموعة أكبر من المستهلكين الذين يستخدمون هذه الأبحاث الأكاديمية، بمن فيهم المدراء والموظفون والمستهلكون وصناع السياسات، بالإضافة إلى علماء الإدارة. 3) زيادة احتمالية احتواء الموضوعات البحثية وتصميمات الدراسات على معلومات من هذه العينات ذاتها. 4) زيادة التنوع في منهجيات البحث المستخدمة، بما في ذلك الدراسات طويلة الأمد. 5) ممارسات بحثية أخلاقية أكثر.

لسوء الحظ، ومن وجهة نظرنا، ليس من المرجح أن تعيد كليات إدارة الأعمال تصميم أنظمة إدارة الأداء لتتضمن المقاييس التي سردناها سلفاً. فالعلماء الذين استفادوا من الطريقة التقليدية في تقييم التأثير العلمي (من خلال حساب عدد الأبحاث المنشورةفي الدوريات العلمية المرموقة، وحده أو اعتباره في المقام الأول) ربما يقاومون إمكانية تقييم هذا التأثير العلمي بطريقة أكثر تعددية. (في الواقع، استفاد كلانا من نظام المكافآت الأكثر تقليدية، من خلال النشر في الدوريات العلمية رفيعة المستوى بمعدل كاف للحصول على الترقيات في جامعاتنا لمناصب مثل أستاذ متفرغ وأستاذ كرسي). علاوة على ذلك، حتى إذا كان الباحثون الأفراد أو أقسامهم أو كلياتهم يرون قيمة في هذه الطريقة الجديدة لتقييم الأساتذة، فسيكون من الصعب عليهم إجراء تغييرات عندما تستمر المؤسسات الأخرى في تقييم سجلات الباحثين باستخدام أساليب أكثر تقليدية. وربما لا يتاح لأي أكاديمي حصل على ترقية أو منصب بموجب أحد الأنظمة أن يحصل على الترقية ذاتها في كلية أخرى. وبناء على ذلك، سيتطلب الأمر مشاركة المجتمع الأكاديمي بأكمله –أو على الأقل مجموعة الكليات والجامعات التي عادة ما تدعو أعضاء هيئة التدريس بها لتقييم بعضهم بعضاً- لتوسيع نطاق طريقة تقييم التأثير العلمي بالتزامن.

وعلى الرغم من هذه المعركة التي تبدو صعبة، فمن المهم أن تأخذ الكليات زمام المبادرة، إذا كان مقدراً لعلم الإدارة أن يبقى ويزدهر كعلم دقيق وذي صلة. ولدينا كليات بدأت تأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن؛ ففي أحد الأمثلة أصبح لدى كلية روس لإدارة الأعمال بجامعة ميشيغان الأميركية مبادرة باسم Business + Impact (أي إدارة الأعمال والتأثير)، موجهة للتأكد من أن الأبحاث نتج عنها تأثير اجتماعي ملموس بالفعل. تعد فوائد هذه المبادرة واضحة: إذ سيستخدم الباحثون أصواتهم بأساليب تتجاوز مجرد النشر في المجلات الأكاديمية ذائعة الصيت، مع نسبة متابعة محدودة للغاية من جانب المديرين الممارسين، وسيكون هناك حافز أقل للمشاركة في الممارسات البحثية غير الأخلاقية، مثل عرض أفضل نتائجهم البحثية فقط وإخفاء النتائج غير المهمة. وربما الأهم من ذلك أنها ستؤدي إلى اهتمام أكبر وشرعية ملموسة لأعمال علماء الإدارة.

تعرضنا لعواقب عدم اتخاذ إجراء في قاعة الدراسة مؤخراً –بعد عرض بعض من نتائج بحثنا عن دراسة أجريت منذ بضع سنوات- حينما سأل أحد طلابنا من دارسي الماجستير في إدارة الأعمال قائلاً: "لماذا لم أسمع عن ذلك من قبل؟ كان هذا سيساعدني حقاً عدة مراتٍ على مدى السنوات القليلة الماضية من حياتي المهنية، أين كانت تختفي هذه المعلومات؟" لم نتمكن إلا من مواساة الطالب قائلين: إننا نعمل جميعاً على تقديم نتائج مثل هذه في سوق العمل على نطاق أوسع. لم نصل إلى هناك بعد، لكن يجب علينا ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي