5 طرق لسدّ الفجوة بين الاستراتيجية النظرية والتنفيذ العملي

4 دقيقة
الفجوة بين الاستراتيجية النظرية والتنفيذ
باول لاينواند، وسيزار ميناردي، وآرت كلاينر

في استطلاع عالمي مستمر منذ مدة حول الفجوة بين الاستراتيجية النظرية والتنفيذ ويشمل مجموعة من المدراء التنفيذيين، قال أكثر من نصف المشاركين فيه إنهم لا يعتقدون أن شركاتهم تمتلك استراتيجية رابحة، بينما أشار ثلثاهم إلى أنهم لا يعتقدون بأن شركاتهم تمتلك القدرات الصحيحة لتنفيذ الاستراتيجيات. لقد فاجأتنا هذه النتائج كثيراً، لذلك أجرينا دراسة لأمثلة عن شركات استثنائية لا تعاني من وجود فجوة بين الاستراتيجية النظرية للشركة والتطبيق العملي لتلك الاستراتيجية. وقد شملت قائمة الشركات التي اخترناها كلاً من "أمازون"، و"آبل"، و"سيمكس" (CEMEX)، و"دناهر" (Danaher)، و"فريتو لاي" (Frito-Lay)، (وهي القسم المتخصص بالغذائيات في "بيبسيكو")، وكذلك "هاير" (Haier). وقد شكلت النتائج التي توصلنا إليها مفاجأة لنا: فالشركات التي كانت بارعة في وضع الاستراتيجية وفي تنفيذها لا تتبع ذات الممارسات الشائعة في قطاعاتها. وإنما وجدنا بأن قادة هذه الشركات يجيدون استعمال 5 أساليب تكتيكية غير تقليدية في مجال يتعارض مع الحكمة الشائعة.

1- هذه الشركات تمتلك هوية واضحة وتلتزم بالمحافظة عليها. وهي تتجنب الوقوع في فخ الركض وراء النمو العشوائي ومطاردة الفرص المتعددة الموجودة في السوق، وخاصة في الأماكن والمجالات التي ليس لها نصيب فيها. بل على العكس تماماً. تمتلك هذه الشركات رؤية واضحاً عن الأشياء التي تجيدها تماماً، وهي تعمل على تعزيز قيمة المنتجات التي تقدمها إلى زبائنها، كما تبني قدراتها المميزة لتساعدها في تحقيق أهدافها على المدى البعيد.

دعونا نأخذ شركة "إيكيا" على سبيل المثال، والتي بدأت على شكل متجر واحد في إحدى غابات السويد ثم تحولت لتصبح أبرز علامة تجارية عالمية في المفروشات المنزلية، محافظة دائماً على هويتها الحقيقية: "خلق حياة يومية أفضل لكل الناس". فكل ما تفعله "إيكيا" – من أبحاثها المعمقة في طريقة عيش الناس فعلياً لحياتهم في المنزل إلى نموذجها ذي الطابع المقتصد من الاختيار الذاتي، والنقل الذاتي، والتجميع الذاتي للمفروشات – مصمّم للإيفاء بالوعد الذي قطعته الشركة على نفسها، وهو يعتبر ترجمة عملية للأشياء التي تبرع "إيكيا" فيها.

2- يفترض الكثير من مدراء الشركات أنه يجب عليهم تبنّي الممارسات الجيدة الشائعة في قطاعهم والتعامل مع المقاييس الخارجية بوصفها الطريق المضمون لتحقيق النجاح. لكن الشركات التي درسناها تعتقد خلاف ذلك. فهي تترجم الجوانب الاستراتيجية إلى تفاصيل يومية. إنها تصمم وتبني قدراتها الذاتية التي تجعلها مميزة عن الشركات الأخرى المنافسة لها. ثم تضع هذه القدرات موضع التطبيق العملي بطرقها المميزة.

على سبيل المثال، أسهمت شركة "إنديتكس" (Inditex)، الإسبانية، صاحبة متاجر بيع الملابس ومالكة العلامة التجارية "زارا"، في حصول تحول في قطاع الأزياء، أدى إلى انقلابه رأساً على عقب من خلال تطوير قدراتها في مجال التصميم السريع للأزياء والتصنيع السريع لتلك التصاميم. وهذا الأمر يسمح للعلامة التجارية "زارا" بتقديم 36 ألف تصميم جديد مذهل سنوياً في أكثر من 1,900 متجر في أنحاء العالم.

3- من الممارسات التجارية الأخرى السائدة على نطاق واسع لحل مشكلة التنفيذ التي تواجهها الشركة، هي إدخال تغييرات بنيوية على الشركة من خلال تعديل هيكلها التنظيمي وإعادة النظر في نظام الحوافز فيها. فغالباً ما يُنظر إلى ثقافة العمل السائدة في الشركة بوصفها عاملاً معيقاً، هذا إذا ما أُخذت بعين الاعتبار أصلاً. لكن الشركات التي درسناها تؤمن بثقافتها الذاتية وتضعها موضع التطبيق العملي عوضاً عن ذلك. وهي تستفيد من طرائق التفكير والسلوكيات المتأصلة في بنية الشركة والموجودة أصلاً، والتي قد لا تكون ظاهرة للعيان، وإنما تكون موجودة تحت السطح. وبالتالي فإن هذه الشركات تعتمد على الثقافة السائدة فيها وليس على هيكلها التنظيمي من أجل قيادة عملية التغيير.

ومن الأمثلة العملية الجميلة على هذه الحالة شركة "ناتورا" (Natura)، البرازيلية. فالثقافة المؤسسية السائدة في هذه الشركة تثمن عالياً العلاقات الإنسانية والطبيعة وتعليهما فوق كل شيء. وقد ساعدها هذا الأمر في استقطاب مليون ونصف المليون مندوب مبيعات. وهؤلاء الأشخاص المغرمون بالعلامة التجارية للشركة يحاولون بناء علاقة طيبة مع كل سيدة تقريباً في أميركا الجنوبية، الأمر الذي يجعل شركة "ناتورا" أكبر شركة في تلك المنطقة في مجال مستحضرات التجميل والعناية الشخصية.

4- قد تحاول الشركة التقليدية التقليل من التكاليف والمصاريف في كل الأقسام والمجالات من خلال التقشف في جميع هذه الأقسام دفعة واحدة. لكن الشركات التي درسناها تخفض التكاليف بطريقة تسمح لها بأن تصبح أقوى. فهي تستعمل مواردها بطريقة استراتيجية، بحيث تضاعف استثماراتها في عدد قليل من قدراتها الأهم بالنسبة لها، وبعد ذلك تخفض استثماراتها في المجالات الأخرى كلها.

هذه هي أيضاً الطريقة التي اتبعتها شركة "ليغو" لتتحول من شركة تخسر مليون دولار يومياً عام 2004 إلى أكبر شركة ألعاب في العالم عام 2015. فالشركة كانت تتكبد مصاريف هائلة في مجالات لم تكن تمتلك القدرة على الفوز فيها على المنافسين، مثل الثياب والحدائق المتخصصة. لذلك اتخذت قراراً بوقف هذه الأنشطة، ولجأت إلى الاستثمار أكثر في الأشياء التي تميّز "ليغو" بحق، حيث وسّعت نشاطها من عالم حجارة الليغو التقليدية إلى العالم الرقمي، وعملت على تنمية مجتمع أصدقاء ليغو في جميع أنحاء العالم. وهكذا، تمكنت الشركة، بعد أن وضعت حجراً فوق حجر، من استعادة ربحيتها.

5- أخيراً، لا تحاول هذه الشركات أن تصبح شركات تعمل بأسلوب رشيق لمجرد العمل بهذه الطريقة فقط. فهي لا تستجيب للتغيرات الخارجية بأسرع وتيرة ممكنة. بل على العكس من ذلك، تحاول صنع مستقبلها بيدها من خلال إدخال التغييرات التي ترغب هي بإدخالها وليس ما هو مفروض عليها من الغير.

من الأمثلة الكلاسيكية على هذه الحالة شركة "ستاربكس". فزبائنها كانوا يعتقدون بأنهم يريدون احتساء القهوة فحسب، لكن هوارد شولتز، الرئيس التنفيذي للشركة، كان يعلم بأنهم يريدون "مكاناً ثالثاً" ليجتمعوا فيه، أي خارج المنزل والمكتب. وها قد وصل عدد متاجر "ستاربكس" إلى أكثر من 22 ألف مقهى والعدد في تزايد، ولا تزال الشركة تطور مفهومها ولا تزال تهيمن أيضاً على هذا الفضاء الذي خلقته لنفسها في مجال المقاهي الاجتماعية.

إن السير على منوال هذه الشركات في طرق عملها تلك يتطلب الكثير من الثقة. وهذا يوضح مدى أهمية الصفات التي يتّسم بها كبار القادة والمؤهلات التي يحملونها. فالمدراء التنفيذيون في الشركات يتجنبون الحكمة التقليدية الشائعة، ليس على قاعدة "خالف تُعرَف"، وإنما لأنهم يركزون على الأسئلة الجوهرية المتعلقة باستراتيجية الشركة، مثل: من نريد أن نكون؟ ما هي القيمة التي اخترنا تقديمها للناس؟ وهم يركزون أيضاً وبالقدر ذاته على الأسئلة الجوهرية المتعلقة بتنفيذ الاستراتيجية: ما هي الأشياء التي يمكننا فعلها بطريقة مذهلة لا يمكن لأحد آخر أن يقلدنا فيها؟ ما هي القدرات الأخرى التي نحتاج إلى تطويرها؟ وكيف سنحدد هذه القدرات ونبنيها ونوسعها ونضعها موضع التطبيق؟

هم يفكرون في جميع هذه الأسئلة في الوقت ذاته، وفي المحادثات ذاتها مع الفرِق ذاتها، ليضمنوا وجود تكامل وثيق بين الاستراتيجية والتنفيذ في كل قرار. وهم يفعلون كل ذلك بمنتهى الجرأة والثقة والفطنة التي تأتي من حقيقة أنهم قد كسبوا الحق بالفوز، والقدرة على التفاعل في السوق التي اختاروها باستعمال قدراتهم التي تكون دائماً أعلى وأفضل من قدرات منافسيهم.

وفي نهاية الحديث عن موضوع الفجوة بين الاستراتيجية النظرية والتنفيذ الفعلي، نحن لا نقول هنا بأن هذه الإجراءات الخمسة التي يتخذها القادة هي الطريق الوحيد الذي يمكن للشركة الرابحة أن تسلكه. لكنه الطريق الوحيد الذي نعرف بأنه يسد الفجوة بين الاستراتيجية النظرية والتنفيذ العملي. ولا يبدو أن هناك طريقاً آخر يوفّر النوع ذاته من النجاح المستدام على المدى البعيد.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي