دراسة حالة: عندما تكون ناجحاً وشديد الانشغال ولا يمكن الاستغناء عنك

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كانت كارلا تقتل بطل مسلسلها. بدت النهاية جيدة، ولكنها ليست مثالية.

أخذت تضرب بأصابعها على المكتب محدقة في الشاشات التي أمامها وهي تتفحص حلقة الموسم الأخيرة من المسلسل الأميركي الطويل “مخدر” (Dope) الذي تنتجه شركتها، ويتحدث عن عملاء وحدة مكافحة المخدرات.

قالت ميلاني، مخرجة الحلقة: “ما المشكلة؟”

ردت كارلا: “إنه المشهد الأخير، نحتاج إلى لقطات أسرع بين مشهد الحريق في المختبر واسترجاع الذكريات. كما أن الأغنية غير مناسبة، فالمشاهد يشعر بالحزن، ولكن شعور الصدمة أكبر، لأن البطل يموت هنا دون سابق إنذار”.

شعرت ميلاني بالاستياء وكارلا بتأنيب الضمير. من المفترض أن يكون المسلسل الآن لميلاني، فقد سلمت كارلا مسؤوليات إخراج المسلسل إلى تلميذتها العام الماضي كي تتفرغ هي للعمل على المسلسلين الآخرين اللذين تنتجهما شركة “سي ثري بروداكشنز” (C3 Productions) على نفس الشبكة “آر بي إن” (RBN). ولكن هذا المشهد الذي يختتم الموسم العاشر من مسلسل “مخدِّر” بالموت المفاجئ للشخصية الرئيسة كان مهماً جداً بالنسبة إلى كارلا. فهي من حثت ميلاني على جعل خاتمة الموسم قوية وساعدتها في كتابة النص، وكان عليها ضمان أن يتم تنفيذه على النحو الصحيح أيضاً.

قالت ميلاني بعصبية: “تريد الشبكة الحصول على النسخة النهائية بحلول منتصف الليل”.

نظرت كارلا إلى الساعة، إنها الثالثة عصراً. لقد كانت تعمل منذ الصباح الباكر في موقع تصوير مسلسلها “911”، وهو مسلسل دراما بوليسية في عامه الثاني، ومن المفترض بحسب جدولها أن تمضي فترة ما بعد الظهيرة وحتى المساء في مراجعة النص مع طاقم العمل في مسلسل “أربعين طابقاً” (Forty Stories)، وهو أحدث مسلسل لها ويتحدث عن سكان برج شاهق في مانهاتن. كانت تنوي التوقف عند مسلسل “مخدر” وقفة سريعة كي تضع موافقتها الأخيرة على عمل ميلاني. ولكن الآن، ستضطر إلى العودة والتضحية بفترة الفراغ بين الساعة التاسعة مساء ومنتصف الليل، التي عقدت آمالها عليها لتتمكن من العمل على فكرتها الجديدة لمسلسل دراما كوميدية عن التقدم في العمر، التي قد تكون فكرة مبتكرة ومثيرة تماماً لشركة “سي ثري”. كانت تحاول كتابة نص أولي منذ أشهر، ولكن مع عملها مدة 13 ساعة أو أكثر يومياً، لم تتمكن من إيجاد الوقت له. لم تكن ميلاني وحدها تشعر بالاستياء.

قالت كارلا: “سأعود مجدداً هذه الليلة، أوشكنا على الانتهاء”.

أجابت ميلاني بكآبة: “بالتأكيد، ولكننا ما زلنا نحتاج إلى لمسة كارلا السحرية المعهودة”.

رسمت كارلا ابتسامة خفيفة على وجهها. كان مايكل لوف، رئيس قسم إعداد البرامج في شبكة “آر بي إن” هو أول من قال هذه الجملة منذ تسعة أشهر، في العرض السنوي الأولي الذي تقدم الشبكات فيه لمشتري الإعلانات معاينة لمواسمهم وبرامجهم الجديدة. وعندما تسرب الحديث عن استلام ميلاني لمسلسل “مخدر” وبقاء كارلا مساعد منتج تنفيذياً، سأل الحاضرون عما يعنيه ذلك، فطمأنهم مايكل وقال إن كل برنامج من إنتاج شركة “سي ثري” سيتمتع “بلمسة كارلا السحرية المعهودة”، التي تتمثل في المحور العاطفي والحوار المركز والنهايات المفاجئة، التي حصدت تقييمات مرتفعة، خصوصاً لدى الشريحة المستهدفة من الجمهور، وهي فئة الشباب بين 18 و34 من العمر.

والآن أصبحت هذه الجملة شعاراً يتردد في أنحاء الشبكة. وعندما رَشحت كارلا منتجين مساعدين من أجل كتابة النصوص أو الإخراج كان السؤال القلق الذي يُطرح عليها دوماً هو: “هل يملكون لمستك السحرية؟” وعندما أرسلت شبكة “آر بي إن” ملاحظاتها على المشاهد الأولى من البرامج كان التقييم يقول غالباً: “يحتاج إلى المزيد من سحر كارلا”. ورغم أن كارلا شعرت في البداية بالإطراء جراء كلمات مايكل في مدحها، فإنها أصبحت تمقتها. فهي تعمل على ثلاثة مسلسلات معاً يضم كل منها جدول عمل مرهق لتنفيذ 24 حلقة، ولذلك لم تكن واثقة أنها لا تزال تملك السحر الكافي.

تحت الضغط

حين توجهت كارلا إلى موقع تصوير مسلسل “أربعين طابقاً” اتصل بها مايكل، وقال لها: “هل رأيت تقييمات ليلة البارحة؟”

  • “مايكل، أنت تعلم أني لا أنظر إلى أرقام اليوم التالي”.
  • “لم تكن جيدة”.
  • “لقد انشغل الناس بمباريات تصفيات الدوري الأميركي للمحترفين بكرة السلة، وسجلوا الحلقة. سترتفع التقييمات بعد عطلة نهاية الأسبوع”.
  • “ولكنها لم ترتفع الأسبوع الماضي، لم تكن بالقدر الكافي. اسمعي، ميلاني منتجة قديرة ولكنها لا تزال بحاجة إلى إشرافك”.
  • “أعلم ذلك، وأنا أشرف عليها بالفعل”.
  • “كيف يسير العمل على نهاية الموسم؟ أرجو أن تعملي عليها بنفسك. فهي مهمة جداً”.
  • “سأعمل عليها مع ميلاني هذه الليلة. ولكن يا مايكل، لا أستطيع العمل على هذه المسلسلات الثلاثة دون تفويض أحد لمساعدتي. حاولت ذلك في الموسم الماضي، ولكنه أمر غير ممكن، لم يكن لدي وقت للنوم. أنا بحاجة إلى ميلاني لإدارة مسلسل “مخدر”، وآمل أن يتمكن كيستون من القيام بأكثر من الإخراج وكتابة النص في مسلسل “911” العام المقبل”.
  • “ذلك غير ممكن، ما زال الوقت باكراً جداً. لقد كنا محظوظين بما يكفي لتفادي التراجع في العام الثاني. نحن نحتاج إليك لتنجزي العمل بنفسك”.
  • “إذن يجب أن نفكر في اختصار عدد الحلقات. من الممكن أن ننتج 16 حلقة عوضاً عن 24، وأن نبدأ في وقت لاحق من شهر سبتمبر، ونجعل فترة التوقف في الشتاء أطول. سأتمكن من العمل على المسلسلات الثلاثة إذا لم يكن جدول الأعمال مضغوطاً جداً”.
  • “كارلا، لدينا.. لديك ثلاثة من أفضل 15 مسلسلاً على شاشة التلفاز. ومع أن السوق تتقلص وتتجزأ أكثر فأكثر، فإن واردات مسلسلاتك ترتفع، ومسلسل “مخدر” يجني 150 مليون دولار سنوياً من الإعلانات، وأرباح المسلسلين الآخرين قريبة منه. هذه أرباح هائلة، لنا ولك، وتقولين إنك تريدين اختصارها؟ إذا اقترحتُ ذلك على رئيس الشبكة بيل فسيطردني من الغرفة وهو يسخر مني”.
  • “إذا أردتَني أن أستمر في إنتاج مسلسلات جيدة تحصد تقييمات مرتفعة، فأنا بحاجة إلى الوقت كي أتمكن من الإبداع. وأنا لا أملك هذا الوقت حالياً”.
  • “سيكون لديك فصل الصيف”.
  • “لكتابة النصوص وحبك خيوط القصة لنفس العمل، لا يمكنني العمل على أي شيء جديد”.
  • “تعلمين أنك لن تتخلي تماماً عن السيطرة. فهذه 3 مسلسلات لشركتك “سي ثري: كارلا تريمونت بروداكشنز”. هذا اسمك أنت. وهذه المسلسلات أطفالك، وأنت إنسانة تَسعين إلى الكمال، ولهذا السبب نحن نحبك”.

كان محقاً، فهذه البرامج كانت فعلاً كأطفال كارلا، ولم تكن تتخيل قط التخلي عنها تماماً. ولكن كان يجب عليها فعل شيء يمنحها بعض الوقت للتفكير. قالت: “مايكل، كان عليّ أن أكون في جلسة قراءة النص منذ 10 دقائق”.

  • “بالتأكيد، سأتركك تذهبين، ولكن لدي سؤال أخير: هل قلت إنك تعملين على شيء جديد؟”

قالت بعد لحظة من التردد: “لا”. كانت هذه الحقيقة عملياً، ولكنها مع ذلك شعرت بالذنب. فعندما تشكلت لديها الأفكار الأولى لمسلسلي “911” و”أربعين طابقاً”، طرحتها على شبكة “آر بي إن” على الفور. وكانت شركة “سي ثري” ملتزمة بعقد يمنح الشبكة حقوق الشفعة لأي عروض جديدة، ولطالما كان مايكل شريكاً رائعاً رغم صلابته منذ الأيام الأولى لمسلسل “مخدر”. ولكن فكرتها الجديدة كانت أكثر حدة ووضوحاً، وليست مناسبة تماماً لشبكة “آر بي إن”. تخيلت عرضه على شبكة كابل مثل “إيه إم سي” (AMC) أو “آتش بي أو” (HBO) أو ربما “نتفليكس” أو “أمازون” أو شبكة “كاسكيد” (Cascade) الناشئة التي تحظى باهتمام شديد.

كيف يمكنها التوضيح لمايكل أنها تريد تخفيض حجم مسلسلاتها الحالية كي تتمكن من إنشاء مسلسل جديد قد تعمل على تنفيذه مع شركة منافسة له؟ وماذا لو فشلت فكرة الدراما الكوميدية؟ فقد عملت بجد كبير على مسلسلاتها الثلاثة الناجحة وهي تعرف أن هذا المشوار المذهل والمربح قد لا يستمر إلى الأبد. ربما يجب عليها تحمّل عبء العمل كله والاستمتاع بنجاحها ما دام مستمراً.

من القلب إلى القلب

استمرت جلسة قراءة نص مسلسل “أربعين طابقاً” مدة أطول من المتوقع. فقد كان النص الذي كتبه أحد منتجي كارلا الجدد بحاجة إلى التعديل، وكانت شديدة الانشغال، ولم يتسنّ لها تناول وجبة العشاء. وجدت في حقيبتها كيساً صغيراً فيه القليل من حبات اللوز، فتناولتها في طريق عودتها إلى مكتبها.

وبعد ساعتين، قبل حلول منتصف الليل بقليل، انتهت هي وميلاني من إعداد المشهد. وكانت مرهقة ولكنها مبتهجة.

قالت ميلاني وهي تتثاءب: “لقد أنهيناه في الوقت المناسب تماماً. شكراً لك، ما كنت أريد طلب المساعدة، ولكن يبدو جلياً أني كنت بحاجة إليها. أشعر أني مسيطرة على الأمور، لكن من الجيد أن نعمل معاً من جديد”.

قالت كارلا: “سيكون العام المقبل أسهل”.

ردت ميلاني: “ربما، ولكني لن أكون أنت أبداً. كنت أتناول مشروباً مع كيستون منذ عدة أيام وقال إنه يملك الشعور نفسه. في النهاية، هذه مسلسلاتكِ أنتِ وليست مسلسلاتنا، ومن الصعب إدارتها دونك”.

قالت كارلا: “لستِ مطالبة أن تكوني أنا، ما نحتاجه هو المزيد من ’لمسات ميلاني السحرية‘”.

أشرق وجه ميلاني وقالت: “هل ما زال علينا الذهاب غداً إلى فطور أهم نساء التلفاز؟”

أصدرت كارلا صوت أنين داخلي وقالت: “ليس عليّ إلقاء خطاب، أليس كذلك؟ أيجب علينا – نحن الاثنتين – الذهاب معاً؟”

  • “ليس عليك إلقاء كلمة، ولكن لن يكون من اللائق أن أحضر دونك”.
  • “حسناً، فلننهِ هذا اليوم”.

عرض

دخلت كارلا في الصباح التالي إلى صالة الاحتفال في فندق “بيفرلي هيلتون”، فالتقت مصادفة بالرئيس الجديد للمحتوى في شركة “كاسكيد”، ديل غروسمان. وكانت قد التقت به في حفل جوائز “إيمي” العام الماضي عندما كان لا يزال يعمل لدى “آتش بي أو”.

قال ديل: “كارلا، من الرائع أن أراكِ ثانية”.

  • “أنت أيضاً، ديل. أهنئك على عملك الجديد في “كاسكيد””.
  • “شكراً، أنا شديد الحماس بشأنه. توجد عروض ضخمة في طريقها إلينا، أحدها من تارانتينو والآخر من كلوني، سيخرجه ويمثل فيه. هي مسلسلات محدودة بالطبع. لا يمكننا تقييد هؤلاء النجوم الكبار، ولكننا سننتج أعمالاً من الطراز الأول، سيتم تصويرها في مواقع خارجية، ونصوصها مذهلة، وطواقم العمل فيها رائعة”.
  • “هذا مكلف”.
  • “حسناً، يرى مستثمرونا أن المحتوى لا يزال هو الأهم. ليس عليّ إخبارك بذلك بالتأكيد! فأنت ملكة “آر بي إن””.
  • “أنت في غاية اللطف”.
  • “أنا جاد، ثلاثة مسلسلات وفق الجدول الزمني المرهق للشبكة. وما زلت تجدين الوقت لفاعليات فطور العمل!”.

قالت كارلا ببرود: “أنا أحاول”.

  • “هل لديك وقت لتناول الغداء في شركة “كاسكيد”؟ أعلم أن رئيسنا التنفيذي سيكون سعيداً لسماع وجهة نظرك بشأن العمل في القطاع، وما يرغب فيه المشاهدون حقاً، وكيف تبدو برامجنا. أعلم أنك محجوزة لشبكة “آر بي إن”، ولكن..”

قاطعته كارلا قائلة: “لست محجوزة، تملك شبكة “آر بي إن” الحق في إلقاء النظرة الأولى، ولكني لست حكراً عليها”.

  • “بالطبع. حسناً، إذا شعرت أنك مستعدة لتقديم عمل مختلف، فسيسعدنا أن نناقشه معك”.

ناولها بطاقة، وأخذتها كارلا بتعابير حيادية على وجهها، ولكنها في الحقيقة كانت تريد المغادرة على الفور وكتابة النص الأولي وتحديد موعد الاجتماع وإلقاء ذاك الخطاب التقديمي. إنما لم يكن ذلك ممكناً، فقد كان عليها الحضور إلى موقع مسلسل “أربعين طابقاً” بعد ساعة.

بعد ذلك في أثناء قيادة سيارتها، أخذت تفكر في وضعها. لا يزال لديها الكثير من السحر، ولكنها لم تكن واثقة من أنها قادرة على نثره على ثلاثة مسلسلات ومشروع جديد. كان يجب عليها منح ميلاني وكيستون المزيد من السلطة والثقة بأنهما سيسيران بمسلسلاتها قدماً، أو أن تقنع مايكل بأن المسلسلات الثلاثة ستستفيد من تقليل عدد حلقاتها على المدى الطويل حتى لو اضطرت شركتا “آر بي إن” و”سي ثري” لتحمُّل ضربة مالية على المدى القصير. وكان الخيار الوحيد المتبقي هو إقناع نفسها بأن فكرة الدراما الكوميدية ليست مستعجلة، ويمكن أن تضعها جانباً وتنتظر إلى أن تهدأ الأمور بعد بضعة أعوام، وهو أمر مؤكد.

كان هذا هو كل ما سمح به الوقت للتفكير فيه، فطواقم العمل والكوادر والمشاهدون كانوا ينتظرون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .