كيف يمكن استبقاء مواهب الشركات الناشئة بعد الاستحواذ عليها؟

5 دقيقة
المواهب
خوان مويانو/ ستوكسي

ملخص: يُعد الموظفون من الأصول الأعلى قيمة للعديد من الشركات الناشئة، لذلك تمثّل مغادرتهم بعد عملية استحواذ خسارة كبيرة للشركة المستحوِذة. لماذا يترك الكثير من موظفي الشركات الناشئة وظائفهم، وكيف تؤثر عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة في الحياة المهنية للموظفين؟ استناداً إلى بيانات مكتب تعداد الولايات المتحدة من عام 1990 إلى عام 2011 التي تشمل 230 ألف موظف في الشركات الناشئة، بحث المؤلف في هذه الأسئلة واكتشف أن معدلات الدوران بين العاملين الذين انضموا إلى الشركة نتيجة عملية الاستحواذ أعلى بكثير من معدلات الدوران بين العاملين الذين انضموا من خلال عملية التوظيف الرسمية. يحلل المؤلف أسباب هذا التفاوت، ويدرس أبرز الأمثلة القديمة والحديثة لمغادرة الموظفين بعد الاستحواذ والاتجاه الذي سلكوه، ويقترح استراتيجيات للتخفيف من فقدان المواهب عندما تستحوذ الشركات على الشركات الناشئة.

شهد عالم الشركات الناشئة في العقدين الماضيين ارتفاعاً ثابتاً في عمليات الاستحواذ التي مثلت السبيل الأساسي لخروج المشاريع من السوق بنجاح. ولا عجب في ذلك، إذ تتيح عمليات الاستحواذ للشركات المستحوذة الوصول إلى مصدر جديد للابتكار التكنولوجي والمواهب الجديدة وزيادة قوتها السوقية، ويمثل رأس المال البشري أحد أعلى الأصول قيمة في العديد من الشركات الناشئة، فهو غالباً ما يكون المحفز لابتكارها ونجاحها.

مع ذلك يظهر سؤال مُلح بعد عملية الاستحواذ: ماذا يحدث لموظفي الشركة المستحوذ عليها؟ فهم ليسوا ملزمين بالبقاء، بل يتمتعون بالحرية للشروع في رحلات جديدة واستكشاف مسارات مهنية جديدة أو حتى إطلاق مشاريعهم الخاصة. ماذا لو كانت عمليات الاستحواذ هذه، لأجل المفارقة، حافزاً للموظفين على مغادرة الشركة وبدء مشاريع أعمال حرة، وربما حتى التحول إلى منافسين في المستقبل؟

لنأخذ على سبيل المثال إنشاء مجموعة شركات التكنولوجيا الحيوية في مدينة سان دييغو، التي تعود جذورها إلى الاستحواذ على شركة ناشئة رائدة في المجال بالمنطقة. في عام 1986، استحوذت شركة الأدوية العملاقة، ليلي (Lilly)، على شركة هايبر تيك (Hybritech) بهدف دخول سوق الاختبارات التشخيصية بهذه التكنولوجيا والمواهب الجديدة. ومع ذلك، غادر معظم كبار مدراء هايبر تيك بعد وقت قصير من عملية الاستحواذ بسبب الصدام الثقافي، ما أحبط طموح شركة ليلي. كان لدى هؤلاء الموظفين السابقين معرفة متعمقة بتكنولوجيا التشخيص التي أنشأتها شركة هايبر تيك، لذلك لم يكتفوا بمغادرة الشركة بعد الاستحواذ بل شرعوا في رحلات ريادية جديدة، وأطلقوا شركاتهم الناشئة في المنطقة. قد تبدو أسماء شركات مثل أميلين (Amylin) وآيدك (IDEC)، ونانو جين (Nanogen) مألوفة، وهي لم تكن إلا جزءاً من شركة هايبر تيك ثم تطورت لتصبح منافسة مباشرة لشركة ليلي، فأسهمت في ظهور مجموعة شركات التكنولوجيا الحيوية في مدينة سان دييغو.

نستخلص من قصة شركة هايبر تيك درساً مهماً وهو أنه على الرغم من أن عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة تهدف إلى تسخير الابتكار والمواهب وتأثير السوق، فمن الممكن أن تسبب عن غير قصد مغادرة الموظفين وتزيد حدة المنافسة. والأهم من ذلك أن قصة هايبر تيك هي مجرد مثال واحد على ظاهرة واسعة الانتشار، وفي ظل هذا الوضع المثير للاهتمام سعيت للإجابة عن سؤال أساسي: كيف يؤثر الاستحواذ على الشركات الناشئة في الحياة المهنية للموظفين؟

حللت في بحثي الذي أجريته حديثاً بيانات مكتب تعداد الولايات المتحدة بين عامي 1990 و2011 التي شملت مليون و600 ألف موظف انضموا من خلال عملية التوظيف الرسمية، و230 ألف موظف انضموا نتيجة عمليات الاستحواذ، و3,700 حالة استحواذ على الشركات الناشئة، واكتشفتُ أن معدلات دوران الموظفين بين العاملين الذين انضموا إلى الشركة نتيجة عملية الاستحواذ أعلى بكثير من معدلات الدوران بين العاملين الذين انضموا من خلال عملية التوظيف الرسمية.

لمَ يغادر الموظفون بعد عملية الاستحواذ؟

ما سبب هذا التفاوت؟ يرجع الأمر إلى طريقة انضمام الموظفين، ففي عملية التوظيف الرسمية، يقيّم الموظفون ميزات الوظائف بدقة قبل قبولها، في حين أن الموظفين الذين ينضمون نتيجة عملية الاستحواذ يواجهون تغييراً مفاجئاً لا يسمح لهم بتقييم مدى ملاءمة هذه الميزات لهم مسبّقاً، وبسبب افتقارهم إلى القدرة على الاختيار سيكون عليهم إجراء تعديلات صعبة بعد عملية الاستحواذ. في كثير من الأحيان، ينجذب الأفراد إلى الشركات الناشئة بحثاً عن الاستقلالية، ولكن ذلك كله يتغير بعد الاستحواذ، فقد يرى الموظفون أنهم لم يعودوا متوافقين مع ثقافة الشركة وهيكلها التنظيمي، ويؤدي هذا التغيير المفاجئ غالباً إلى صعوبة في الاندماج وارتفاع معدلات دوران العاملين المنضمين نتيجة الاستحواذ.

لنتأمل هنا حالة شركة دايل باد (Dialpad) التي كانت تمتلك تكنولوجيا اتصال متطورة تعتمد على الإنترنت وقوة عاملة موهوبة، وللاستفادة من هاتين الميزتين استحوذت عليها شركة ياهو في عام 2005، لكن الخلافات التي تلت عملية الاستحواذ أدت إلى ترك أكثر من 70% من موظفي دايل باد السابقين وظائفهم خلال 3 سنوات، وكان السبب الرئيسي هو أنهم تعاقدوا في الأصل للعمل لدى شركة ناشئة، وليس شركة عريقة، وبعد شراء شركة ياهو لشركة دايل باد سرعان ما أصيب الموظفون بالإحباط من البيئة البيروقراطية في هذه الشركة الكبيرة. تميز أفراد فريق دايل باد بقدرتهم على تنفيذ الأفكار الجديدة والتعلم بسرعة وتعديل مسارهم وفقاً للحاجة، وبعد أن استحوذت ياهو على الشركة صاروا يواجهون صعوبة بالغة، إذ تطلب تنفيذ الأفكار الجديدة عقد الكثير من الاجتماعات والحصول على العديد من الموافقات. والجدير بالذكر أن العديد من الموظفين السابقين لم يتركوا العمل فحسب، بل عملوا على تأسيس شركة أخرى، غراند سنترال (GrandCentral)، التي جذبت انتباه شركة جوجل لاحقاً ما أدى إلى عملية استحواذ أخرى.

ما الذي يحدث عندما يغادر موظفو الشركة المستحوذ عليها؟

الآن بعد أن فهمنا الظروف التي يغادر فيها الموظفون بعد الاستحواذ، أردتُ التعمق أكثر لتحديد هؤلاء الموظفين والاتجاه الذي يسلكونه بعد المغادرة، وتوضيح أهمية هذه الحالات للشركات المستحوذة. باستخدام بيانات مكتب تعداد الولايات المتحدة، اكتشفت اتجاهاً آخر مثيراً للاهتمام في دراسة لاحقة: يغادر عدد كبير من موظفي الشركات الناشئة المستحوذ عليها ويغامرون بإطلاق مشاريعهم ويصبح بعضهم منافسين مباشرين، كما هي الحال في شركة غراند سنترال، إذ غادر العديد من موظفيها بعد الاستحواذ لينشئوا معاً شركة سويتش كوميونيكيشنز (Switch Communications) (التي أصبحت دايل باد مجدداً لاحقاً بعد أن اشتروا حقوق الاسم)، وهي الآن المنافس المباشر لخدمة جوجل فويس.

غالباً ما يبدأ خروج الموظفين برحيل مؤسسي الشركة الناشئة أو الأفراد الرفيعي المستوى، ما يؤدي إلى ردود فعل تسلسلية. علاوة على ذلك، يبدو أن السماح للشركة الناشئة التي جرى الاستحواذ عليها بالاحتفاظ بموقعها الأصلي بعد الاستحواذ يخفف ظاهرة مغادرة الموظفين.

تعكس الأسباب الكامنة لمغادرة الموظفين تفاوتاً في الأهداف وفي تخصيص الموارد بعد الاستحواذ، فقد تحطّ الشركات المستحوذة قيمة الإسهامات والأفكار المبتكرة للموظفين المنضمين نتيجة الاستحواذ، حيث تنظر إلى الشركة الناشئة على أنها جزء صغير من محفظة أعمالها الواسعة.

على سبيل المثال، عندما استحوذت شركة جوجل على شركة ويز (Waze) سلط الرئيس التنفيذي السابق للشركة نعوم باردين الضوء على التفاوت بين الموظفين من حيث تواؤمهم مع الشركة، ففي الشركات الناشئة، تشمل سياسة المواءمة المنتج والشركة والعلامة التجارية، في حين أنها تركز في الشركات الكبيرة على العلامة التجارية للشركة بدلاً من المنتج المحدد (على سبيل المثال، علامة جوجل وليس منتَج جي ميل). وتوضح قصة شركة زووم هذه النقطة أكثر: عمل إريك يوان سابقاً نائباً لرئيس الهندسة في شركة ويبيكس (WebEx) واستمر في المنصب نفسه بعد أن استحوذت عليها شركة سيسكو، ومع ذلك لم تتماش رؤيته لويبيكس مع توجهات سيسكو، ما دفعه هو و40 مهندساً آخر من مهندسي سيسكو إلى المغادرة وتأسيس شركة زووم، حيث يشغل يوان منصب الرئيس التنفيذي، وسرعان ما حولت هذه الخطوة شركة زووم إلى منافس كبير لشركة ويبكس التابعة لسيسكو.

إذاً، عرفنا الآن المسار الذي يتخذه الموظفون بعد عملية الاستحواذ، والسؤال هو: ما الذي يجب على الشركة المستحوذة فعله لمنع دوران الموظفين وتجنب إنشاء مشاريع منافسة لها بطريقة غير مقصودة؟ أولاً، عليها عدم التدخل فيما تود الشركات الناشئة فعله، فلا تطلب منها تغيير مواقعها أو تدمجها بل تسمح لها بالحفاظ على استقلاليتها، ثانياً، من الضروري أن تحاول الشركة المستحوذة إقناع موظفي الإدارة العليا في الشركة المستحوذ عليها، مثل المؤسسين أو كبار المدراء، بالبقاء معها وأن تحفزهم على ذلك، إذ لقرارهم تأثير كبير في موظفيهم السابقين وفي ثقافة الشركة ورسالتها أيضاً؛ إذا بقي المؤسسون فمن المحتمل أن يولد بقاؤهم تأثير الدومينو بين موظفيهم السابقين ويحفزهم على البقاء في العمل مثلهم.

لعل أهم درس هو أن الاستحواذ على الشركات الناشئة وموظفيها يمثل تكتيكاً صعباً للشركات المستحوذة، وفي حين يعتقد الكثيرون أن الاحتفاظ بالمواهب بعد الاستحواذ مسألة يسهل التعامل معها من خلال حوافز البقاء (على سبيل المثال، خيارات الأسهم التي تُستحق مع مرور الوقت)، فالواقع هو أن العديد من الموظفين المنضمين من الشركات الناشئة يختارون ترك وظائفهم مبكراً على الرغم من علمهم أنهم بذلك يتخلون عن مكاسب مالية كبيرة. على عكس موارد الشركة الأخرى مثل براءات الاختراع والمعدات، لا يمكن امتلاك المواهب على الفور، وللنجاح في ذلك، على الشركات المستحوذة الاستعداد لمواجهة مجموعة جديدة ومعقدة من التحديات الإدارية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي