تأثير شخصية الرئيس التنفيذي كبير للغاية إذ يُعتبر الرؤساء التنفيذيون المرآة التي تعكس صورة شركاتهم. وعلى الرغم من أن تأديتهم هذا الدور العام تجعلنا نظنّ أنهم يفكّرون ملياً في تصرفاتهم وأقاولهم، يوجد العديد من الأمثلة على الرؤساء التنفيذيين البارزين للغاية الذين يتصرفون بشكل غريب في الأماكن العامة. على سبيل المثال، ناصر بيتر ثيل، أحد مؤسسي شركة "باي بال"، فكرة الاستثمار في الخلود البشري، وكثيراً ما تحدث إيلون ماسك، أحد مؤسسي شركة "تيسلا" (Tesla) عن تدمير كوكب المريخ بالأسلحة النووية، وحظي بالاهتمام العام الماضي لقيامه بتدخين الماريجوانا في حلقة بودكاست مع الفنان الكوميدي جو روغان.
ويبدو أن العديد من الرؤساء التنفيذيين لا يولون أي اهتمام بإدارة التصورات الخارجية عنهم، ولكن كيف تؤثر هذه التصورات على قيمة شركاتهم؟
تأثير شخصية الرئيس التنفيذي
قادنا هذا السؤال إلى إجراء دراسة قيد النشر في "مجلة أكاديمية الإدارة" (Academy of Management Journal) تقصّينا فيها كيفية تفاعل السوق مع شخصيات الرؤساء التنفيذيين. وانطوت فرضيتنا العامة على أن توجهات الرؤساء التنفيذيين الملحوظة بصفتهم الواجهة الخارجية لشركاتهم، مثل كيفية تفاعلهم مع وسائل الإعلام أو محللي الأسهم، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تصورات المستثمرين عن الشركات وقيمة هذه الشركات على حد سواء. ووجدنا أن سمات شخصيات الرؤساء التنفيذيين الملحوظة تنطوي على عواقب مهمة على تقلب أسهم شركاتهم، بمعنى آخر المخاطر، وعوائد المساهمين.
اقرأ أيضاً: كيف تخفض الخطوط الجوية متدنية التكلفة أسعار تذاكرها؟
وركّزنا في الدراسة على ثلاث سمات من السمات الخمس الكبرى للشخصية التي اعتقدنا أنها قد تتجلى في سلوك الرؤساء التنفيذيين ويلاحظها المستثمرون نتيجة لذلك. وتمثّلت هذه السمات في الوعي، أو الميل إلى أن تكون حذراً، وشخصاً يمكن الاعتماد عليه، ويركز على تحقيق الإنجازات، والعُصابية، أو الميل إلى إظهار عدم الاستقرار العاطفي من خلال إبداء مستويات أعلى من التوتر والقلق والعداء، وكذلك الاندفاع وصعوبة إتمام المهام، والانبساطية، أو الميل إلى أن تكون شخصاً ودوداً واجتماعياً بالإضافة إلى اتسامك بالطموح، وحب السيطرة والسعي وراء الإثارة. في حين انطوت السمتان الأخريان على الانفتاح على التجربة والقبول، والتي شعرنا أنهما لن تكونا قابلتين للملاحظة مع قبل الغرباء.
ثم طوّرنا خوارزمية تعلم الآلة للتنبؤ بالسمات الخمس الكبرى للشخصية لدى الرؤساء التنفيذيين في الشركات المدرجة على مؤشر وكالة "ستاندرد آند بورز 1500". ودرّبنا الخوارزمية من خلال مقارنة درجات الشخصية لحوالي 200 رئيس من الرؤساء التنفيذيين في هذه الشركات وفقاً لأقوالهم خلال جلسة الأسئلة والأجوبة من مكالمات الأرباح الفصلية مع محللي الأسهم، وتجدر الإشارة إلى أن من سجّل الدرجات هم طلاب مدرّبين حاصلين على شهادة الدكتوراه في علم النفس بعد شاهدوا مقاطع فيديو خاصة بالرؤساء التنفيذيين. ثم طبقنا الخوارزمية على مجموعة أكبر من النصوص للتنبؤ بشخصية أكثر من 3,000 رئيس تنفيذي في الشركات المدرجة على مؤشر وكالة "ستاندرد آند بورز 1500" من عام 1993 وحتى عام 2015. وراعينا وجود خصائص مختلفة مرتبطة بالرئيس التنفيذي والشركة والصناعة والتي قد تُسفر عن آثار تُثير اللبس في نتائجنا.
اقرأ أيضاً: كيف يستخدم بائعو التجزئة شخصنة الأسعار لاختبار مدى استعدادك للدفع؟
ووجدنا باستخدام هذه الطريقة أن المستويات الملحوظة من سمات الرؤساء التنفيذيين المتمثّلة في الوعي والعصابية والانبساطية تؤثر بشكل كبير على تقلب أسهم شركاتهم، وكذلك احتمال أن تسفر المخاطر المتزايدة عن عوائد أعلى للمساهمين، حيث تتمتّع الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين يتّسمون بالوعي بانخفاض مستويات تقلب أسهمها، وكان رؤساؤها التنفيذيون قادرين على توليد عائدات أعلى للأسهم في مستويات متزايدة من المخاطرة. وعلى النقيض من ذلك، تتمتّع الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين أكثر عصبية وانفتاحاً بمستويات أعلى من تقلبات الأسهم، وكان رؤساؤها التنفيذيون أقل قدرة على تحويل هذه المخاطر العالية إلى عوائد أعلى للمساهمين. في الواقع، وجدنا علاقة سلبية بين مخاطر الأسهم وعوائد المساهمين بالنسبة إلى الشركات التي ضمت رؤساء تنفيذيين منفتحين للغاية.
وكما هو الحال مع أي بحث أرشيفي، سيكون من الصعب تقديم مزاعم قطعية حول السببية بناءً على نتائجنا، إذ من المحتمل أن يأخذ المستثمرون عدداً من العوامل في الاعتبار، إلى جانب التوجّهات الملحوظة للرئيس التنفيذي عند تقييم شركة معينة. لكن الارتباطات كانت مذهلة، حيث وجدنا في عينّتنا الآثار التالية:
- شهدت الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين يتمتعون بالوعي مخاطر أقل في الأسهم بنسبة 2.59% في المتوسط، وأسفرت المخاطر المتزايدة عن زيادة عوائد شركاتهم بنسبة 3.83%، في حين أسفرت المخاطر في شركات الرؤساء التنفيذيين الأقل تمتعاً بالوعي عن انخفاض العائدات بنسبة 1.70%.
- وشهدت الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين يتمتعون بسمة العصبية مخاطر أعلى في الأسهم بنسبة 2.04% في المتوسط، ولم تسفر المخاطر المتزايدة عن أي عوائد لشركاتهم، في حين أسفرت المخاطر في الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين أكثر استقراراً من الناحية العاطفية عن زيادة العوائد بنسبة 2.68%.
- كما شهدت الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين يتمتعون بسمة الانفتاح مخاطر أعلى في الأسهم بنسبة 2.40% في المتوسط، وخفّضت المخاطر المتزايدة العوائد في شركاتهم بنسبة 3.30%، في حين أسفرت المخاطر في الشركات التي تضم رؤساء تنفيذيين انطوائيين عن زيادة العوائد بنسبة 5.43%.
وتُعتبر كل نقطة مئوية مهمة في الأسواق المالية، وقد تكون حقيقة أن أي سمة معينة مرتبطة بهذه الزيادة ذات مغزى كبير بالنسبة إلى الشركات ومستثمريها. اطّلع على أي شركة عادية تبلغ قيمتها السوقية حوالي 7 مليارات دولار في عيّنتنا وستجد أن التغير في العائدات بنسبة 2 إلى 5% يرتبط بحوالي 140 مليون دولار إلى 350 مليون دولار في القيمة التي تخلقها الشركة أو تقضي عليها.
اقرأ أيضاً: كيف يطلب تجار التجزئة أسعاراً تختلف باختلاف الأشخاص؟
وتوصّلت نتائجنا إلى عدد قليل من المجالات التي قد تسترعي انتباه المدراء ومجالس الإدارة. أولاً، على الرغم من تزايد الحديث في مجتمع الأعمال عن ضرورة اتسام القادة "بالأصالة"، تشير نتائجنا إلى أهمية أن يقوم الرؤساء التنفيذيون بإدارة التصورات عنهم. وقد تكون غرابة الرؤساء التنفيذيين جانباً من ميزاتهم التنافسية إلى حد ما، لكن الفشل في إدارة التصورات عنهم قد يضر بجانب خلق القيمة على مدار الوقت. على سبيل المثال، تأمل حالة إيلون ماسك الذي لم يكن ضمن عينتنا من الرؤساء التنفيذيين، لكنه اعترف علانية أنه شخص اندفاعي، والاندفاعية هي إحدى جوانب سمة العصبية، وشهدت شركته "تيسلا" تقلباً كبيراً على مدار السنوات القليلة الماضية مع بعض التقلبات الضمنية للأسهم التي أُفيد عنها قبل بضعة أشهر. كما كافحت شركة "تيسلا" أيضاً في سبيل تحقيق عوائد للمساهمين في السنوات القليلة الماضية، مع تكبّدها خسائر في خمسة من الفصول الثمانية الماضية. وعلى الرغم من أن هذه التوجهات قد تكون ناتجة عن مجموعة من العوامل، يمكن للمدير الذكي أن يعتبر سلوكيات ماسك العامة مثالاً على الجانب الذي قد تُسفر فيه "الأصالة" عن تدمير قيمة الشركة بدلاً من إضافة المنفعة إليها. وستبلي مجالس الإدارة حسناً عند ضمانها أن يتّخذ المدراء التدابير المناسبة للتنظيم الذاتي أمام الملأ.
ثانياً، فيما يخص اختيار الرئيس التنفيذي، ينبغي أن تفهم مجالس الإدارة تأثير شخصية الرئيس التنفيذي وأن تكون مدركة لفكرة اعتبار الشخصية أحد العوامل التي قد تؤثر على فاعلية المسؤول التنفيذي المحتملة بصفته واجهة الشركة. ومن الضروري أن تولي المجالس أهمية كبيرة لسمة الوعي عند اتخاذها قراراً بشأن تنصيب رئيس تنفيذي جديد، ومن البديهي أن تتجنّب الأفراد الذين يتّسمون بالعصبية على حد سواء. ومن المهم أيضاً إيلاء الاهتمام بالمرشحين المنفتحين، فمن المسلم به في بحوث القيادة حصول الأفراد المنفتحين على ترقيات إلى مستويات أعلى في المؤسسات بشكل متكرر وبسرعة أكبر من الأفراد الانطوائيين. وليس من الواضح ما إذا كان السبب يعود إلى أن الأفراد المنفتحين هم قادة أفضل، أو ما إذا كان ينظر إليهم على أنهم قادة أفضل بسبب شخصياتهم الجاذبة. لكن تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الرؤساء التنفيذيين المنفتحين قد يكونون أقل فاعلية في إدارة المخاطر وخلق القيمة مقارنة بنظرائهم الانطوائيين. وبالتالي ينبغي أن تكون مجالس الإدارة حذرة عند اختيار رئيس تنفيذي جديد فيما يخص تحديد فاعلية المرشح المحتملة استناداً إلى توجّهات سمة الانفتاح.
اقرأ أيضاً: فن رفع الأسعار دون إزعاج الزبائن