لماذا يعتبر هيكل شبكة علاقاتك أكثر أهمية من حجمها؟

5 دقائق
هيكل شبكة العلاقات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بينت دراسة أجرتها شركة البحوث “شليسنغر أسوشييتس” (Schlesinger Associates) لصالح مجلة “أوغور” (Augure) أن 75% من العاملين في مجال التسويق يرون أن العثور على المؤثرين المناسبين هو الجانب الأكثر تحدياً لأي استراتيجية تسويقية تقوم على المؤثرين. ربما يرجع ذلك إلى اتباع نهج مضلل، حيث يتم التعامل مع حجم متابعي هذا الشخص أو ذاك على أنه المعيار الأساسي لتأثيرهم.

يُظهر بحث آخر أن كل ما تحتاجه لإعطاء الانطباع بأن جميع من يتحدثون عن علامتك التجارية هم حفنة من المؤثرين.

كشف الباحثون في جامعة جنوب كاليفورنيا عن ظاهرة يطلق عليها اسم وهم الأغلبية” (majority illusion)، وهي مفارقة ضمن شبكات التواصل الاجتماعي تجعل بعض الأفكار أو السلوكيات أو السمات تظهر على نطاق واسع حتى وإن لم تكن كذلك. نظراً لعدم قدرتنا على متابعة ما يستهدفه العالم بأسره ويسير نحوه، فإننا مقتصرون على رؤية ما تقوله وما تفعله شبكة علاقاتنا الاجتماعية. في بعض الأحيان، يمكن لأعضاء لديهم اتصالات جيدة ضمن شبكة علاقاتنا الاجتماعية أن يشوهوا تصورنا وإدراكنا لمدى شيوع هذه الفكرة أو تلك أو هذا السلوك أو ذاك.

عندما تبدو فكرة معينة أو عمل معين أكثر شيوعاً مما هما عليه، فإن هذا يزيد احتمالية اعتناق الآخرين لهذه الفكرة أو العمل. بعبارة أخرى، فإن ما أسميناه “وهم الأغلبية” قد يكون القوة الدافعة وراء السبب الذي يجعل شيئاً ما في نهاية الأمر يتمتع بشعبية حقيقية ورواج حقيقي. على سبيل المثال، ترى كريستينا ليرمان، من جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة، إحدى الباحثين في الدراسة، أن “وهم الأغلبية” كان عاملاً في الزخم الذي اكتسبته بعض الأحداث الاجتماعية في السنوات الاخيرة.

ومع ذلك، وفي ظل التطبيقات الخبيثة، فإن “وهم الأغلبية” يمكن أن يتسبب في تبني معتقدات خاطئة أو وجهات نظر متطرفة دون أن يُدرك معتنقوها أنها نادرة، وهو ما يساعد على تفسير وتوضيح طريقة تطور الجماعات السياسية والأيديولوجية المتطرفة.

بالإضافة إلى شرح وتفسير أسباب ظهور معتقدات غير شائعة على أنها أكثر شيوعاً بكثير مما هي عليه بالفعل، فإن “وهم الأغلبية” يفسر أيضاً شيئاً نعرفه بالفعل – ألا وهو اعتماد التأثير بشكل كبير على وجود الاتصالات والروابط المناسبة. بيد أنه بالإضافة إلى اعتبار ذلك الفرد يتمتع باتصالات وروابط جيدة، إلا أن موقعه داخل شبكة العلاقات يلعب دوراً في قدرته على خلق وهم الأغلبية.

في الرسم التخطيطي أعلاه، تظهر العُقد الحمراء “نشطة”، بمعنى أنها تشترك جميعاً في سمة معينة، مثل اعتبار الشخص أصفر الشعر أو يتبع حمية نباتية. تتطابق هياكل الشبكة في كلا الشكلين، إلا أن المختلف هو وضع الأعضاء النشطين. يوضح الشكل (أ) كيف يمكن لعدد قليل من الأشخاص الذين يتمتعون باتصالات وروابط جيدة أن يتسببوا في خلق وهم الأغلبية؛ وسوف يلاحظ جزء كبير من شبكة العلاقات السمة النشطة في جيرانهم، وهو ما يمكن أن يعطي الانطباع بأن عدد الأشخاص من ذوي الشعر الأصفر أو النباتيين أكبر بكثير من عددهم الحقيقي على مستوى العالم. في حين أنه في الشكل (ب)، لا يرى أعضاء المجموعة وفرة من الأشخاص من ذوي الشعر الأصفر والنباتيين لأنهم لا يشاهدون عدداً كبيراً من الأشخاص بهذه الصفات في شبكة علاقاتهم.

كما إن تصور العلاقات الهرمية ضمن شبكة اجتماعية يوضح كيف يجعل هيكل الشبكة والموقع بالتحديد واتصالات وروابط بعض المؤثرين وبعض الأشخاص أكثر تأثيراً من الآخرين، حتى عندما يكون المتابعون لهم أقل من غيرهم.

إذا كنت ترى أن هذا يبدو معقداً بعض الشيء، واصل القراءة.

أنشأ فريقي في وكالة “فراكتل” (Fractl) الرسم البياني التالي لشبكة التسويق من خلال المؤثرين باستخدام 77 مؤثراً من المستوى المتوسط على “تويتر” (يبلغ عدد متابعيهم ما بين 30 ألف و500 ألف متابع) عبر 8 قطاعات مختلفة لتوضيح الوضع الاستراتيجي بين الحسابات المؤثرة.

في الرسم البياني، تمثل كل عقدة واحداً من المؤثرين وتمثل الخطوط التي تصل بين العقد علاقة ذلك المؤثر بالآخرين. وكلما زاد حجم العقدة، زاد عدد روابط ذلك الشخص المؤثر ضمن هذه الشبكة المحددة – ولكن هذا لا يعني أن هؤلاء المؤثرين لديهم أكبر عدد من المتابعين على وجه العموم. يمثل كل لون القطاع الذي ينتمي إليه ذلك الشخص المؤثر. وكما يظهر من المخطط، فإن العقد الأكبر حجماً يكون لها في أحيان كثيرة اتصالات وروابط عبر عقد متعددة. ونكرر القول كذلك أن هؤلاء الأشخاص ليسوا بالضرورة هم أكثر المؤثرين “شعبية” ممن لديهم أكبر عدد المتابعين.

وكما يوضح الرسم البياني، فإن امتلاكك لاتصالات وروابط جيدة أو تمتعك بموقع استراتيجي ضمن شبكة ما من شبكات التواصل الاجتماعي ربما يكون أكبر أثراً من حجم المتابعين لك فيما يتصل بقدرتك على التأثير على الآخرين. ليس معنى هذا أن نغفل أهمية حجم الشبكة على الإطلاق – فكلما زاد حجم الشبكات لدى الأفراد، كان أولئك الأفراد أكثر تأثيراً. ولكن هيكل تلك الاتصالات والروابط لا يقل أهمية. لذلك يجب على العاملين في مجال التسويق التركيز على عاملين آخرين يقيسان التأثير في شبكة التواصل الاجتماعي، ألا وهما: “المركزية البينية” والتقارب.

“المركزية البينية” هي موقع الشخص بين أقسام مختلفة في شبكة التواصل. وتشير زيادة المركزية البينية إلى استراتيجية الموقع. على سبيل المثال، لننظر إلى ذلك المدير التنفيذي الذي يمتلك اتصالات وروابط عبر العديد من مجالات العمل، في مقابل رئيس لديه اتصالات وروابط جيدة ضمن المجال الذي يعمل فيه فقط.

التقارب هو متوسط عدد الدرجات بين الفرد والأعضاء الآخرين في شبكة التواصل؛ فالشخص الذي تفصله درجة واحدة عن الآخرين، أو الذي يتمتع بدرجة أكبر من التقارب، تزيد احتمالية أن يكون له تأثير أكبر (لنأخذ مثلاً سهولة الحصول على خدمة أو معروف من صديق مقارنة بالحصول عليها من صديق لابن عم والدة صديق آخر).

يعتبر المؤثرون الذين يمتلكون “مركزية بينية” مثاليين للوصول إلى جمهور واسع، في حين أن المؤثرين ضمن مجموعة متخصصة منغلقة هي الأنسب لتحقيق الأهداف القائمة على العمل.

هل ترغب في الترويج لمنتج جديد بسرعة؟ ضع عينيك على حفنة من المؤثرين ممن يتمتعون بـ “مركزية بينية” عالية واجعلهم يتحدثون عن ذلك المنتج. تكون إمكانية الوصول أكبر وأعظم مقدرة بين أولئك المؤثرين الذين يشغلون مواضع استراتيجية، حيث إن اتصالاتهم وروابطهم عبر الشبكات المختلفة تساعدهم على نشر المعلومات بكفاءة وفاعلية. من بين الأمثلة الرائعة في المخطط البياني لشبكتنا نجد آن هاندلي (@MarketingProfs) ودانيال بينك (@DanielPink)، فهما يتمتعان بدرجة عالية من “المركزية البينية” (8.71 و 7.72 على التوالي). لاحظ كيف تمتد اتصالاتهم وروابطهم عبر الرسم البياني بأكمله.

هل ترغب في حث الناس على المبادرة باتخاذ إجراء، مثل الاشتراك في نسخة تجريبية مجانية أو مشاركة فيديو؟ وجد الباحثون أنه من المرجح أن يحدث “وهم الأغلبية” عندما يميل أعضاء المجموعة ممن لديهم القليل من الاتصالات والروابط إلى التواصل مع الأفراد ممن لديهم الكثير من الاتصالات والروابط . في شبكات التواصل التي يكون لدى أعضائها درجة منخفضة من الاتصالات والروابط، يتسم تعرض هؤلاء الأعضاء للأفكار والآراء الخارجية بالمحدودية، وهو ما يجعل التأثير عليهم أكثر سهولة. يتمتع الأعضاء ذوو الدرجة العالية في هذه الشبكات وثيقة الاتصال، والذين نسميهم قادة المجالات المتخصصة، بقدرة كبيرة على التأثير ضمن شبكاتهم، وهو ما يجعلهم شركاء مثاليين لتحقيق الأهداف القائمة على التحويل.

في الرسم البياني أعلاه، سوف تلاحظ وجود مجموعات معزولة على حواف الرسم. يوضح المثال التالي إحدى هذه المجموعات، وهي مجموعة من الأفراد في مجتمع “الصحة العامة” مع عدد قليل من الاتصالات مع القطاعات الأخرى في الشبكة. يرتبط معظم هذه المجموعة بعقدة أو عقدتين أكبر منها، من المرجح أن يكونا قادة متخصصين.

وكما يشير الكاتب الكندي مالكولم غلادويل في كتابه “نقطة التحول” (The Tipping Point)” ـ “هناك أشخاص متميزون للغاية من حولنا قادرون على تحقيق انتشار واسع وكبير للغاية. كل ما عليك فعله هو أن تعثر على هؤلاء الأشخاص”. لحسن الحظ، لا يتعيّن عليك بناء نموذج بياني لشبكة علاقات حتى تتمكن من تحديد الأفراد المؤثرين الذين يتمتعون بأعلى قدرة على خلق “وهم الأغلبية”.

للعثور على الأشخاص المؤثرين الذين يتمتعون بـ “مركزية بينية” عالية، عليك بالبحث عن أشخاص يتابعهم أشخاص مؤثرون آخرون وهؤلاء بدورهم يملكون متابعين في العديد من القطاعات. من المفيد والنافع هنا أن تتداخل منطقة تخصص هؤلاء المؤثرين مع مناطق تخصص أخرى (كأن تجد صحفياً يغطي أخبار السفر يتابعه متخصصون في مجال الشركات والأعمال في مجموعة مختلفة من الصناعات). للعثور على قادة متخصصين، عليك البحث عن الأشخاص الذين تتركز اهتماماتهم في نطاق ضيق، ويكون متابعوهم مشابهين لهم ولكن يكون لديهم عدد قليل من المتابعين.

أخيراً، التوقيت المناسب عامل رئيس لخلق وهم الأغلبية. يتعيّن عليك العثور على مجموعة من المؤثرين وتنسيقهم بحيث يدفعون ما تريد توصيله ونشره سواء كان رسالة أو منتج أو محتوى معين بشكل متزامن وفي نفس الوقت بحيث تعطي انطباعاً أن “الجميع” يتحدثون عن علامتك التجارية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .